حسم "معركة كورونا" يستوجب الاستعداد النفسي والثقـة في الذات

حسم "معركة كورونا" يستوجب الاستعداد النفسي والثقـة في الذات
الجمعة 1 ماي 2020 - 06:30

يُمكن لجائحة “كوفيد-19” أن تُـخلف ضحايا في الأرواح، أن تُـهدد استقرار سوق المال والأعمال، أن تُـهدد اقتصاديات قوية وهشة، أن تُـساهم في انهيار أنظمة صحية واجتماعية، وأن تَـعبث بمعادلات جيوسياسية وتُـعيد ترتيب التحالفات الاستراتيجية العالمية.

لـكـن لا يُـمكننا أن نسمح لها أن تهـز ثـقتـنا في أنـفسنا وفي مؤسساتنا. لا يُـمكننا أن نسمح لها بالـنيل من رأسمال الأمل في مستقبل العيش الكريم والصحة والتعليم بجودة عالية. فغريزة حب البقاء والثقة والأمل مجتمعة، هي القوة الداخلية الرهيبة الساكنة في الإنسان، والتي كانت محفزة له في التغلب على صعوبات كثيرة، وعلى أوبئة وأمراض معدية عرفتها الإنسانية منذ القديم.

فجائحة كورونا لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. فـقد عرف التاريخ الإنساني قـبلها أوبئة أشـد فـتكـا بضحاياها من بني البشر، ويكفي أن نذكر ببعضها، كـ”طاعون جيستينيان” في عهد الإمبراطور البيزنطي جيستينيان، حيث خلف الطاعون حوالي 4 ملايين ضحية داخل الإمبراطورية، وهو ما ساهم حسب المؤرخين في إضعاف ونهاية الإمبراطورية البيزنطية.

و”الطاعون الأسود” بين سنوات 1346 و1353، إذ انتقلت نسبة سكان أوروبا من 80 مليون نسمة إلى 30 مليون نسمة.

و”فيروس الجدري” المعدي الذي انتشر في أوروبا وانتقل إلى العالم بفعل العمليات الاستكشافية، وستعرف سنة 1977 تسجيل آخـر حالـة بعد اكتشاف لقاح ضد فيروس الجدري من طرف Edward Jenner.

و”الأنفلونزا الإسبانية” التي اكتشفت في أمريكا في مارس 1918، لكنها عُـرِفت بالإسبانية، لكون إسبانيا هي أول دولة كشفت عن وجودها، ولأنها لم تكن طرفا في الحرب العالمية الأولى، فهذا يعني أنها لم تكن معنية بالسرية والخوف من انتشار الهلع وسط الجنود، وقـد انتشرت في دول العالم بفعل تحرك الجنود وخلفت أكثر من 50 مليون ضحية، وهناك من يقول 100 مليون ضحية، وبمعنى أكثر وضوحا أن عدد ضحاياها فاقوا بكثير عدد ضحايا الحرب العالمية الأولى نفسها. ثم هناك “الأنفلونزا الآسيوية” وأيضا “أنفلونزا هونج كونغ” وغيرها.

لكن إذا كنا نحن اليوم نعيش في عصر التطور التكنولوجي وثورة رقمية مهـولة، جعلت من العالم بالفعل “قرية صغيرة” تُـمكننا من رصد رقعة امتداد فيروس كورونا، وأيضا تبادل المعلومات بين المختبرات والتجارب والإحصائيات، وأيضا كيفيات وقف امتداد الفيروس، والتعاون والتنسيق بين الأنظمة الصحية العالمية، وتقديم المساعدات سواء الطبية أو المالية أو الغذائية، من أجل التغلب على تداعيات فيروس كورونا؛

فكيف كانت عليه حالة سكان العالم أثنـاء “الأنفلونزا الإسبانية” مثلا، والتي تزامنت مع أحداث تاريخية مهمة كالحرب العالمية الأولى، وأيضا تداعيات الثورة الروسية أو “ثورة الخبز سنة 1917”. وهي أحداث خلفت بدورها قتلى بالملايين وتحولات سياسية كبيرة؟.

وهـل يُـمكننا الـقول إننا اليوم محظوظون بنعمة الثورة الرقمية، وبالتالي فسكان العالم يعرفون في نفس الوقت الإحصائيات والتداعيات ونتائج التجارب والمختبرات، ويتم التنسيق من أجل تخفيف الخسائر سواء على المستوى البشري أو المادي؟ أم أن “الأنفلونزا الإسبانية” كانت سببا في الدفع في تبني دول العــالم لـعنصر الشفافية في نشر المعلومات حول الأوبئة تفاديا لانتشاره خارج الحدود؟.

وهل إصدار إحصائيات جائحة كورونا من طرف مؤسسات رسمية في الصحة وانطلاقا من مؤسسات الإعلام الرسمية للدولة، هو من أجل محاربة “الفايك نيوز”؟ أم يخدم عامل الشفافية (الذي غاب في زمن الأنفلونزا الإسبانية)، وبالتالي ترسيخ عالم ثـقـة المواطن في مؤسسات الدولة، وهو ما يشكل ضمانة لـتطبيق المواطن لكل تعليمات مؤسسات الدولة، بما فيها الحجر الصحي وكذا التدابير الوقائية الأخرى؟.

إننا نعيش وبكل موضوعية نتائج “المفهوم الجديد للسلطة”، الذي أعلن عنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس منذ عشرين سنة، ومازلنا نعيش تفاصيله في شكل صور ومواقف حضارية كل يوم مع نساء ورجال السلطة في الشوارع والأزقة، من أجل التطبيق السليم للحجر الصحي في حربنا على فيروس كورونا،

ونعيش وبكل موضوعية مجهودات رجالات الدولة المغربية، بعيدا عن أي انتماء حزبي ضيق أو أجندة سياسية… مجهودات قـويـة لـمسناها في قطاعات الصحة والتعليم.

كما نعيش فصولا حضارية من التضامن، بين النسيج الاجتماعي المغربي والتكافل الاجتماعي بسواعد رجالات جمعيات المجتمع المدني… بتقديمهم لمساعدات غذائية وعينية للفئات الهشة وغير المهيكلة، والتي تضررت كثيرا من تداعيات جائحة كورونا.

كما أننا نعيش مثالا رائعا للوطنية من طرف مغاربة العالم، بمساهماتهم في كل مبادرات التضامن الاجتماعي سواء بالمغرب أو بدول المهجر من جهة. وكذلك كـسفراء مغاربة بصفتهم المهنية والوظيفية، كأطر طبية في مستشفيات دول الاستقبال أو خبراء في مختبرات طبية أو مجتمع مدني بالمهجر.

إن كل هذه المعطيات الواقعية والموضوعية، تجعلنا نتوفر على رأسمال قوي من الثقة في مؤسسات الدولة وفي المواطن، سواء داخل المغرب أو من مغاربة العالم، وتقوي أملنا في العبور القريب بكل ثبات وقوة إلى مرحلة ما بعد زمن كورونا، لأنه لربح أي معركة لا يكفي فقط الاستعداد المادي، بل كثيرا ما شكل الاستعداد النفسي عنصرا حاسما للمعركة. وهو ما يدعونا إلى تقوية الجانب النفسي للمواطن بالثقة في مؤسسات الدولة، وأنه يمكننا الانتصار بمقاربة تشاركية وبمسؤولية مشتركة.

‫تعليقات الزوار

5
  • منير
    الجمعة 1 ماي 2020 - 07:55

    عجز العالم أمام إرادة الله .
    لقد اكتشف العالمُ كلُّه هذا الوباء ، وأيقنوا بوجوده ، وعملت كلُّ دولة واجبها بحسب قدراتها التي تملك ، ولكن :
    هل ردوه ؟!
    هل أوقفوا عجلة انتشاره ؟!
    هل استطاعوا أن يدفعوا عن المصابين هذا الفيروس الذي لا يُرى بالعين المجرَّدة ؟!
    نعم ، يوجد جهود ومحاولات ، ولكن البشر ما زالوا – حتى هذه الساعة – عاجزين عن إيجاد علاج له .
    قد يقول قائل : ولِماذا نُبلى بالشر في هذا الفايروس وفي غيره ؟ فنقول : لا يمكن أن تكون الحياة الدنيا إلا وفيها الخير والشر ، هذه هي طبيعتها التي خلقها الله عليها .
    غير أن أقدار الله ليست كلها شرًّا محضًا ، بل قد يكون الأمر في ظاهره شرًّا كثيرًا ، ولكنَّ في باطنه خيرات لا تنتهي ، وسأذكر بعض ما في هذا الوباء من الخيرات بحسب ما ظهر لي مع علمي القاصر ، فمنها :
    1- معرفة بني آدم قدرهم وحجمهم أمام قدرة الله وإرادته .

  • منير
    الجمعة 1 ماي 2020 - 07:56

    2- ستعود كثيرٌ من الشعوب لخالقها ورازقها ، وسيوقنون بحاجتهم لربهم ، وفقرهم إليه .
    3- تعرَّف الكثير على الإسلام ومحاسنه ، كما شاهدنا ذلك في وسائل الإعلام .
    4- ستتغيَّر النظرة للدنيا – خاصةً عند الكفّار والمفتونين بها – وسيعرفون حقارتها ، وأنَّها ليست كلَّ شيء .
    5- سيوقنُ العالمُ كلُّهُ أنَّه ليس مثل العلم شيء ،

  • عبد. العزيز
    الجمعة 1 ماي 2020 - 10:30

    هناك اثار عن الرسول صلى الله عليه وسلم ان هناك علامات الساعة الكبرئ ومنها طلوع الشمس من مغربها وهنا يرفع كل شيء حتى القرآن فترفع التوبة ومع ذالك هناك احاديث نبوية تحث وتجبر الناس والمؤمنون اذا كان ذاهب لغرس شجرة فعليه ان يغرس هذا ماذا يعني يعني لا للياس وانما دائما متفا ئل لغم اصعب الضروف ان انكم تتجاهلون الاسلام

  • همام
    الجمعة 1 ماي 2020 - 10:36

    الاستعداد النفسي يلعب دورا حاسما في الانتصار .لكن ما اقدمت عليه هذه الحكومةمن اجل استغلال ظروف الحجر الصحي واستخراج بعض القوانين التي تحد من حرية التعبير .يجعلنا نفكر مليا قبل التعامل معها بدون حذر

  • كمال
    الجمعة 1 ماي 2020 - 12:07

    صفقات في نظري نحن في غنى عنها في ضل الازمة والمعقمات ببامكاها ان ترش بوسائل بسيطة وغير مكلفة.
    الشعب يريد القفة.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات