"كأنك تراه" .. "العفو" يمحو السيئات ويتجاوز عن معاصي العباد

"كأنك تراه" .. "العفو" يمحو السيئات ويتجاوز عن معاصي العباد
الأربعاء 20 ماي 2020 - 03:45

قال عمرو خالد، الداعية الإسلامي، إن من أسماء الله الحسنى اسم الله “العفو”، ومعناه الذي يمحو السيئات، ويتجاوز عن المعاصي.

وأضاف خالد، في الحلقة السادسة والعشرين من برنامجه الرمضاني “كأنك تراه”، أن هذا الاسم له خصوصية وصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم..فعندما سألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.

وأشار خالد إلى أن اسم الله العفو ورد ذكره في القرآن الكريم خمس مرات، مرة مقترنا باسم الله القادر “…إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً “(النساء:149)، معلقًا على ذلك بقوله: “فقد أعفو عنك، وأنا غير قادر عليك، لكن الله سبحانه قدير، قادر عليك، ومع قدرته عليك عفا عنك”؛ في حين أكد أنه ورد أربع مرات أخرى مقترنًا باسم الله الغفور “…إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ” (النساء:43)، “فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً” (النساء:99)، وقال مفسرًا هذا الاقتران: “ليريك الكرم، وليقول لك: يمكنك أخذ هذه المغفرة، ويمكنك أخذ الأكبر منها والمنزلة الأعلى وهي العفو”.

ما معنى اسم الله العفو؟

أجاب خالد: “كلمة ‘عفا’ لغويًا في المعجم لها معنيان: العفو: الإزالة، يقولون: عَفَت الريح الآثار: أزالتها ومسحتها، ومنها ما ورد في السيرة في رحلة الهجرة، لما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غار ثور ومعه أبو بكر، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام، فأمر أبو بكر غلامه أن يمر بالغنم على آثار أقدام أسماء حتى لا يعرف الكفار طريق النبي، فتجد الرواية في السيرة: “فأمر غلامه أن يعفو آثار أسماء بنت أبي بكر”.

كيف يمحو ويعفو؟

يقول خالد: “ينسيك الذنب، وينسيه للملائكة، والملَك الذي يكتب السيئات، حتى يُمحَى من صحيفة السيئات، وتأتي يوم القيامة لا يذكّرك به ولا يسألك عنه، فحتى الملَك لا يذكر هذا الذنب، وإن كان كبيرًا وفاضحًا مادام الله عفاه عنك ليلة القدر، فالكل سينساه: “اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً” (الإسراء:14) فتجد ذنوبًا موجودة في كتابك وقد غُفرت، لكن هذا الذنب غير موجود لأنه عُفي.

وذكر الداعية أنه “قد يكون هناك ذنب ارتكبته في الدنيا ويؤرقك لسنوات، لكن في رمضان عُفي عنك! فحين نموت تفنى أجسادنا ورؤوسنا وتفنى معها الذاكرة، ثم نقوم يوم القيامة بذاكرة جديدة نقية محي منها ما قد عفي عنه فلا يذكره أحد “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”.

وبين خالد أن هناك “ثلاثة أمور في اسم الله العفو: يزيل ويمحو، ثم يرضى، ثم يعطي، فهو سبحانه أزال وطمس ومحا ذنوب عباده وآثارها، ثم رضي عنهم، ثم أعطاهم بعد الرضا عفوًا دون سؤال منهم. لعلك بهذا فهمت المراد باسم الله العفو”؛ وأوضح أيضًا أن “العفو يشمل هذين المعنيين: تخلية وتحلية؛ فالعفو يخليك من الذنوب، ثم يحليك بالرضا والعطاء. تطهير ثم تعطير، تمامًا كما لو أنك أخذت كوبًا ملوثًا فنظفته جيدًا، ثم ملأته عسلاً.

واعتبر الداعية الإسلامي أن “ذلك دليل على حب الله للعبد وتودده إليه، ومن أجله خلق الجنة من أجلك، يقول لك: ألا تستحي مني؟! أستحي أن أعذبك ولا تستحي أن تعصاني؟ أعفو عنك ولا تأتيني؟”.

ماذا لو عفا عنك؟

أجاب خالد: “لا بد أن يعطيك هذه الثلاثة: يمحو آثار الذنوب، ثم يرضى عنك، ثم يعطيك عطاء حلالاً يسعدك ويرضيك دون أن تسأل، وبالتالي فالليلة ليلة هذه الثلاثة، فاجتهدوا.. هذه الليلة يجب أن يمتلأ قلبك بحب الله”.

وتطرق خالد إلى الفرق بين العفو والغفار، قائلاً: “العفو أبلغ من المغفرة”، إذ إن “هناك من يتعامل معه الله تبارك وتعالى بالمغفرة، وهناك من يتعامل معه بمنزلة أعظم.. بالعفو”، مشيرًا إلى أن “المغفرة أنك إذا فعلت ذنبًا فالله يسترك في الدنيا، ويسترك في الآخرة، ولا يعاقبك على هذا الذنب، لكن الذنب موجود! أما العفو فالذنب غير موجود أصلاً، كأنك لم ترتكب الخطأ، لأنه أزيل ولم تعد آثاره موجودة، لذلك فهو أبلغ”، ومضى شارحًا: “قد تكون عملت صغائر، ولم تتقرب من ربنا أو لم تدرك ليلة القدر أو… فتأتي يوم القيامة فتجد الغفور، وقد تكون عملت كبيرة، فتبت وعدت وأدركت ليلة القدر وعبدت الله فيها…فتجد يوم القيامة العفو”.

وأكد خالد أن “العفو لا يذكرك بسيئاتك لأنه محا، أما الغفور فقد يذكرك بسيئاتك ثم لا يعاقبك، والغفور قد يغفر لك ولا يرضى عنك، أما العفو فراضٍ بالتأكيد”، وساق مثالاً للفرق بين العفو والغفور يوم القيامة، حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “يأتي العبد يوم القيامة، فيقول له الله تبارك وتعالى: ادنُ عبدي، فيقترب العبد، فيرخي الله تبارك وتعالى عليه ستره، فيقول له الله: أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟، فيقول: نعم يا رب، فيظن العبد أنه هالك، فيقول له الله: سترتها عليك في الدنيا وها أنا أغفرها لك اليوم”، هذه مغفرة، لكن العفُوّ ماذا يقول لك يوم القيامة؟ “يا فلان، إني راضٍ عنك لما فعلت في الدنيا، قد رضيت عنك وعفوت عنك، اذهب فادخل جنتي”.

وذكر خالد أن هناك “علاقة بين العفو والتواب: قد تذنب، ثم تتوب وتقول: يا رب، لن أعيدها ثانية، ثم تعود فتذنب نفس الذنب، فتتوب وتقول: يا رب لن أعيدها، ثم تذنب وتتوب الثالثة والرابعة… وبعدها تصعب عليك التوبة، لماذا؟ لأنك فقدت الثقة بنفسك، وتخجل أن تقولها مجددًا فلا تلتزم بها”، وبين أنه نتيجة لذلك “تصبح هناك فجوة بينك وبين الله، وتصعب عليك العودة، يصبح هناك حاجز ولا تعود تفكر في التوبة، لكن الله يحبك ويريدك أن ترجع، فكيف يزول هذا الحاجز لتتوب من جديد؟ يزول بأمر غير عادي، غير تقليدي، شيء ضخم، هدية كبيرة يتودد بها الله إليك ليكسر هذا الحاجز، هذه الهدية اسمها ليلة القدر، فهي ليلة عفو تمحو كل ما سبقها، فما عليك إلا أن تُقدِم وتُقبِل عليه في هذه الليلة لتبدأ من جديد، فيقودك العفوّ للتواب، لأن الجدار بينك وبين التوبة قد زال، فتكون هذه الليلة بداية جديدة لك مع التوبة”.

وأشار المتحدث إلى أن “هناك علاقة أخرى بين العفو وليلة القدر، فقد سميت ليلة القدر لأن فيها تقدّر أرزاق العباد للعام القادم، فما أجمل أن تكون ليلة تقدير وضعك للعام التالي هي ليلة عفو لتبدأ العام الجديد وأنت نقي”، واستشهد بما ورد أن رجلاً ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني شديد الذنوب، أرأيتَ إن تبتُ إلى الله الليلة يعفو عني؟ فقال له النبي: نعم، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فقال: يا رسول الله، وغدراتي وفجراتي؟ قال: يعفو عنك، وغدراتك وفجراتك، فمضى الرجل وهو يقول: الله أكبر!.

واستطرد خالد متسائلاً: “هل أنت مستعد لليلة القدر؟ هل ستذهب بكل كيانك؟ هل عرفت قيمة هذا الدعاء البسيط “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا”؟، موضحًا أن “هذا الاسم العظيم الجليل من أسماء الله الحسنى، الاسم الذي يجعلك تتساقط خجلاً..عيشوا مع هذا الاسم هذه الليالي وأبلغوه للناس”.

وتابع قائلاً: “اعف عن الناس كي يعفو الله عنك. اجعلوها ليلة عفو، لأن هذه الليلة أغلى من الدنيا بما فيها، وقل له: يا رب اشهد، فأنت الكريم العظيم العفو، أنا المخلوق الضعيف عفوت عن الناس يا رب، فاعف عن هذا المسكين الذي عفا”.

‫تعليقات الزوار

4
  • تزارين
    الأربعاء 20 ماي 2020 - 04:26

    اللهم انك عفو كريم تحب العفو فاعفوا عنا.

  • الحقيقة
    الأربعاء 20 ماي 2020 - 09:47

    قال سبحانه وتعالى (وإن الله لعفو غفور) أكيد أن عفوالله عن عباده الصالحين أمر هين عند الله سبحانه وتعالى، لكن يجب أن نأخذ الحذر من المعاصي فإن العفو لا يشمل أهل الكفر والإلحاد والعاصين من المسلمين فلنعرف جيدا بأن العفو يكون بعد التوبة من الذنوب اللهم اجعلنا ممن تابوا وعملوا صالحا

  • محمد سعيد KSA
    الأربعاء 20 ماي 2020 - 11:14

    السلام عليكم
    أحب سماع الوعظ من أهل العلم الشرعي وفي المغرب ما شاء الله كوكبة من طلبة العلم المشهود لهم بالخير إن شاء الله وأبرزهم الشيخ سعيد الكملي يحفظه الله وزاده علما.

  • Ramon
    الأربعاء 20 ماي 2020 - 16:50

    يقول الله تعالى في سورة ال عمران اية135:" والذين اذا فعلوا فاحشة او ظلموا انفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم.ومن يغفر الذنوب الا الله. ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون." اذن التوبة من فعل المعصية يقتضي الاستغفار وعدم الرجوع الى فعلها.

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 2

عريضة من أجل نظافة الجديدة

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج