بين المِحنة والمِنحة .. الجائحة تسائل الاستثمار في التعليم عن بُعد

بين المِحنة والمِنحة .. الجائحة تسائل الاستثمار في التعليم عن بُعد
الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 03:00

دفع هول وباء فيروس “كوفيد 19” الدول إلى اعتماد تدابير غير معهودة وغير مسبوقة، لم يتم إقرارها حتى في زمن الحروب، بدت معها التجارة الدولية مشلولة، بعد التوجّه نحو إغلاق الحدود، ووقف الرحلات الجوية وفرض الحجر الصحي..، وما شكل ضغطا حقيقيا على صانعي القرار فيما، يتعلق بتدبير الأزمة الصحية الأساسية، وكذا مختلف الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية المتفرّعة عنها..

على الرغم من قساوتها وثقل انعكاساتها السلبية، فإن الجائحة شكّلت فرصة للوقوف على مجموعة من الاختلالات، على طريق بلورة تدبير إستراتيجي يستحضر التّحديات والمخاطر المحتملة.. وهكذا برزت أهمية الاستثمار في البحث العلمي، وفي البنيات التحتية الصحية، وتطوير الكفاءات البشرية في هذا الخصوص، كما تبيّن أيضا أهمية المراهنة على تعليم متطور، ومنفتح على التكنولوجيا الحديثة..

إن تدبير الأزمات والمخاطر هي عملية لها قواعدها ومقوماتها، تقتضي التسلح بالعلم والمعلومات الدقيقة، ومرتكزات التدبير الإستراتيجي الذي يستحضر المستقبل، وتجنيد كل الإمكانيات والطاقات البشرية المتوافرة، مع إرساء تواصل بنّاء بين مختلف المتدخلين، ومع الجمهور المعني بالأزمة وبتبعاتها..

على الرغم من الصرامة التي اعتمدتها الكثير من الدول على مستوى التعاطي مع الجائحة، والتدابير المتدرجة التي اتخذتها على مستويات عديدة، والتي ساهمت إلى حدّ كبير في التحكم في الوضع الوبائي، ومنع خروجه عن نطاق التحكم والسيطرة، فإن إشكالات اجتماعية واقتصادية وتربوية برزت بالموازاة مع التداعيات الصحية والنفسية للأزمة؛ وهي إشكالات لا تخلو بدورها من خطورة، تفرض استخلاص العبر والدروس، من حيث بناء اقتصاد حديث ومتطوّر، وتعزيز البنيات التحتية المتعلقة بالمجال الصحي، وإحداث مراصد لتدبير الأزمات والكوارث، وتبنّي خطط إدارية تقوم على توظيف التكنولوجيا الحديثة في مختلف القطاعات والمرافق في القطاعين العام والخاص..

كشفت الجائحة عن مجموعة من الإشكالات التي تحيط بمنظومة التعليم، عندما اضطرت مجمل الدول إلى إغلاق المؤسسات التعليمية، في سياق الانضباط لمتطلبات الحجر الصحّي والتباعد الاجتماعي، ولم تنجح الكثير منها في كسب رهان استمرار العملية التعليمية بشكل ناجع، بحكم اعتمادها على سبل تقليدية في غالبيتها، ضمن هذا السياق.

تتيح التكنولوجيا الحديثة فرصا حقيقية لتطوير المنظومة التعليمية منهجا ومضمونا ومخرجات، وهو ما تؤكده الكثير من التجارب الدولية؛ فالتعليم عن بُعد لم يعد ترفا أو إجراء تكميليا تمليه فترات الأزمات والظروف المرحلية الطارئة، بقدر ما أصبح أحد المداخل المستدامة التي تحقّق الجودة، في إطار من الحكامة والنجاعة، وسبيلا للتغلب على عدد من الإشكالات والصعوبات، التي يطرحها ضعف الإمكانيات، وهشاشة البنيات التحتية، ووجود نقص في الطواقم التربوية والإدارية..

أتاحت التكنولوجيا الحديثة إمكانات وفرص واسعة أمام قطاع التعليم عن بُعد داخل عدد من المؤسسات التعليمية، وفي مناطق مختلفة من العالم، وهي العمليّة التي استفاد منها الملايين من الطلاب عبر توظيف برامج وتقنيات متطورة، بشكل يتجاوز المكان والزمان.. ما مكّن من نقل المعارف والعلوم إلى مناطق نائية.

يتأسّس التعليم عن بُعد على مجموعة من العناصر يمكن إجمالها في الحاسوب، والربط بالأنترنيت، والبرامج التعليمية، إضافة إلى الأستاذ والمتلقّي.. وتظلّ نجاعة هذه التقنية رهينة بإرساء تدريب منتظم للمؤطّر والمستفيد، بصورة تواكب التكنولوجيا المتطوّرة باستمرار، وعلى تصميم وتطوير وتوظيف البرامج المرتبطة بهذا الخصوص، وتوفير الرّبط بالإنترنيت، وسنّ تشريعات تدعم انتشاره، مع إجراء تقييم مستمر للجهود وللنتائج المحصّلة..

تبرز التجارب الدولية أهمية التعليم عن بُعد، فهو أسلوب يدعم تطوير قدرات الشباب لمواكبة “دينامية” سوق الشغل، ويسمح بتطوير الإمكانات المعرفية، والاستفادة من مستجداتها عبر الحدود.. كما أنه يتجاوز التعقيدات الإدارية وإكراهاتها، ويجسّد بصورة عملية تعليم القرب، والولوج إلى المعلومات، والتغلّب على عدد من الإكراهات المؤدية للهدر المدرسي والجامعي، سواء ما تعلق منها بالبعد الجغرافي، أو ظروف العمل، أو بسبب عوامل صحّية.. كما أنه يتيح التحصيل المعرفي لفئات مجتمعية واسعة، وبخاصة بالنسبة إلى المرأة في البلدان المحافظة، وهو ما يجعل منه أحد المداخل الداعمة لتعميم ودمقرطة التعليم وترسيخ تكافؤ الفرص في هذا الشأن.

لا يمكن النظر إلى التعليم عن بُعد كحلّ سحري يكفل القضاء على مختلف الاختلالات التي تعتري قطاع التعليم؛ لكن الاقتناع بالفرص التي يتيحها سيسمح حتما بترسيخ مجتمع المعرفة، والاستفادة من مختلف الكفاءات والخبرات خارج الحدود في هذا الخصوص، والانفتاح على تجارب تعليمية دولية أكثر تطورا، علاوة على تحويل المضامين العلمية والتربوية إلى مواد إلكترونية تنسجم وتوجّهات الشباب، وتقديم برامج تستجيب لحاجات بعض الفئات داخل المجتمع، كما هو الشأن بالنسبة إلى فاقدي البصر.. والتخفيف من حدّة من بعض المعضلات التي تواجه المنظومة، في ارتباطها بالإقبال المتزايد للتلاميذ وللطلاب، ونقص أو غياب البنيات الأساسية، وارتفاع نسب الهدر المدرسي والجامعي، علاوة على ترسيخ عدالة تعليمية، تقوم على تقريب هذا المرفق الحيوي من المواطن، واعتماد تقنيات أكثر تأثيرا وفعالية في العملية التربوية.

تظلّ المراهنة على التعليم عن بُعد رابحة بكل المعايير والمقاييس بالنظر إلى تكلفته المعقولة، ونجاعته التي تؤكدها الكثير من التجارب الدولية الرائدة؛ غير أن كسب هذا الرهان يصطدم ببعض العقليات التقليدية التي تشكّك في مصداقيته، وبنقص واضح على مستوى التجهيزات والبنيات التحتية والبرامج التكوينية اللازمة في هذا الخصوص.

*مدير مجموعة الدراسات الدولية وتحليل الأزمات بجامعة القاضي عياض، مراكش

‫تعليقات الزوار

13
  • FIX
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 03:27

    كلام شبيه بتقارير البنك الدولي لما فيه من نرجسية واضحة وعدم التقدير والفهم لطبيعة وخصوصية كل بلد على حدى إذ لازال هذا النوع من التدريس دون نتاءج واضحة يمكن البناء عليها، بحكم الظرفية المتوترة التي ظهر خلالها…
    المدرسة لا محيد عنها واقعيا

  • خالد
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 05:25

    شخصيا يستحيل ان انخرط في التعليم عن بعد الا يعد توفر ثلاثة شروط اولها توفير أجهزة الحواسيب مجانا من طرف الادارة لأن هذا عمل ولن استعمل جهاز حاسوبي الشخصي في العمل فهل رأيتم يوما شرطيا يشتري الصفارة و الزرواطة و… من ماله الخاص؟ وهل رأيتم يوما طبيبا في مستشفى عمومي يشتري الادوية و جهاز كشف الضغط او القلب و… من ماله الخاص؟ وثانيهما توفير اشتراك في الانترنيت خاص بهذه العملية لأن أشتراكي الحالي بالكاد يكفي أبنائي و ثالثهما وضع ساعات التعليم عن بعد في استعمال الزمن الخاص بالاستاذ ضمن ساعات العمل الاسبوعية القانونية فلا يعقل أن أشتغل ساعاتي كاملة داخل القسم ثم أضيف ساعات فوقها للتعليم عن بعد.

  • sirius
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 06:20

    يورد الكاتب أنه ''تظلّ المراهنة على التعليم عن بُعد رابحة بكل المعايير والمقاييس بالنظر إلى تكلفته المعقولة، ونجاعته التي تؤكدها الكثير من التجارب الدولية الرائدة''. هذا افتراء أوعلى الاقل عدم تمحيص واطلاع على التقارير الدولية من الجامعات العالمية ومنها هارفرد وبرينيتستون ويتانفورد واللتي كلها خلصت الى محدودية التعلم عن بعد لدى الطلبة. نرجو التمحيص وعدم التفوه جزافا وعدم تغليط الرأي العام. التعليم عن بعد في نظر الاخصائيين الذين سبقونا بعشرات السنين من التجربة انظر coursera و Edx وانظر تقارير النجاعة، هذا التعليم عن بعد لا يمكن ان يكون إلا مكملا لتعليم تفاعلي حضوري.

  • عمر
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 06:23

    هذه بدعة جديدة لتنصل الدولة عن التعليم و رمي المسؤولية على الأسر في حالة الفشل. فأفراد الأسرة يصبحون مدرسين بالمجان حسب إمكاناتهم المادية و مهاراتهم و إذا فشل طفلهم فهم المسؤولون.

  • السؤال الذي يطرح نفسه
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 07:41

    السؤال الذي يطرح نفسه أمام كل هذه الأهمية لماذا لم يتم الدكاترة المعطلين المختصين في التعليم عن بعد والإقتصار فقط على تووظيف الموظفين كأساتذة التعليم العالي

  • karim
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 10:28

    لن يعوض التعليم عن بعد التعليم الحضوري رغم كل المجهودات المبدولة والتي سوف تبدلونها ولكنه يبقى حلا في هده الضرفية افضل من لا شيء

  • Aziza
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 10:32

    ولدي تايقرا فمدرسة خاصة مشيت البارح نشوف ينقص ليا مبغاو ينقص حتى ريال حتى النتيجة مبغاوش يعطوها ليا حتى نخلص بالرغم بللي مبدلوش شجهد باش يقريو التلامذ

  • ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 10:55

    لا داعي للكلام و ليست هناك تجهيزات ولا بنية تحتية ولا تكوين للاستاذ و التلميذ …كنسبقو العصا قبل الغنم …

  • استاذة
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 11:14

    التعليم عن بعد لا يمكن أن يعوض التعليم الحضوري بلا ما نضحكوا على ريوسنا . التعليم عن بعد أثبت فشله والناس كاع كيتشكاوا منه .التلاميذ لا يفهمون الدروس عن بعد .يا اما التعليم يكون حضوري يا اما سنة بيضاء هذا هو الحل ….

  • طارق
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 12:04

    التعليم عن بعد سدو المدارس الخاصة …غنقري ولظي و نخلص المدرسة اش هدا السرقة الموصوفة التي تتشجع عليها الوزارة.

  • 2022-02-22
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 12:12

    أتسائل من مصلحته أن يذكرنا كل يوم تقريبا من خلال مقالات و عناوين كهذه بأن هذا الوضع الإستثنائي سيستمر للأبد. كما لو أنهم قرروا أنهم سيضعون العالم في سجن إجباري و أن كورونا ما هو إلا ذريعة لتطبيق برنامج النظام العالمي الجديد لما بعد الرأسمالية لحد من تنقل الناس بحرية و أن التكنولوجيا الرقمية هي الحل السحري الذي سيبقى الجيل الصاعد في البيت من المهد إلى اللحد.
    كورونا ما هو إلا مرحلة تدريب و تجريب للحكومات و الشعوب، و بعدها سيكون المبرر للسجن الإحتباس الحراري.
    وجب وقف هذه المهزلة قبمل فوات الأوان

  • باحث بيداغوجي
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 12:30

    التعايم عن بعد ما هو الا وهم لقد ابان عن عقمه و فشله, ناهيك ان هناك لوبيات تحاول اقناع رجال التعليم و غيرهم بمردوديته هدفهم بيع وتسويق برماجياتهم و تطبيقاتهم لا غير اي ان هدفهم مادي و ليس بيداغوجي. التعليم تجربة بشرية محضة فريدة نوعيية يدخل فيها الجانب الانساني بكل حواسه

  • Hanin
    الأربعاء 15 يوليوز 2020 - 15:25

    التعليم عن بعد سيصنع جيل لا علاقة إنسانية بين أفراده ، ولا علاقات اجتماعية – يجب الاخد بعين الاعتبار ما يقوله علماء النفس وعلماء الجتماع في هاد الصدد …..انسان منغلق على نفسه ، دون تقارب اجتماعي وووو

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة