أزمة حكومة بن كيران وتصفية تركة 20 فبراير

أزمة حكومة بن كيران وتصفية تركة 20 فبراير
الأربعاء 3 يوليوز 2013 - 19:30

لم يتوقف الحديث عن الإصلاح وحظوظه بالمغرب، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، بعد انتخابات نزيهة، وفي ظل دستور جديد يتيح لرئيس الحكومة هامشا لا بأس به من التحرك والمبادرة، والقدرة على الفعل والتأثير، وعُلقت آمال عريضة على هذه التجربة الحكومية، حيث رأى فيها الكثيرون من مشارب مختلفة فرصة سانحة لتجاوز العديد من الانحرافات، التي رافقت عقودا من الاستبداد، والاستئثار بالسلطة… إلخ.

دارت الأيام، وتقلب الأستاذ بن كيران وصحبه بين المقار الوزارية، وأخذوا في لملمة الأوراق، والملفات، وعلامات الحماس بادية على وجوههم، وهو ما كانت تعكسه التصريحات، والمواقف التي كانت تتناقلها وسائل الإعلام العمومية والخاصة بأنواعها المختلفة، وشاركهم هذا الحماس تيار شعبي واسع من الداعمين والمتعاطفين مع هذه التجربة من بسطاء هذا الشعب «الحديث العهد بالسياسة»، بعد أن كفروا بها زمنا طويلا، واستثقلتها جوارحهم.

غير أن هذا الحماس سرعان ما بدأ يخبو، وتراجع منسوب التفاؤل لدى الشعب، وقوى الإصلاح بشكل خاص، بعدما بدأ البرنامج الحكومي يصطدم عمليا بعدة حواجز وعوائق، تهدد المغزى السياسي الأساس من هذه التجربة، ولما كانت هذه العوائق غير موضوعية، وليست من طبيعة الممارسة، بدأ رئيس الحكومة في الصراخ، والشكوى مما يلاقيه من هذه المعارضة «السرية»، التي يحسها المواطنون، ولا يرونها…، ولم يجد أنسب، وأفضل من ألفاظ العفاريت والتماسيح والشياطين اسما لها، فهذه الكائنات في مخيالنا الشعبي، كائنات خطيرة، فتاكة، قوية، غير مرئية.

إن هذا المآل الذي آلت إليه حكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران، وانهيار المشاعر الذي تسببت فيه للبعض، حيث أخذ التفاؤل والحماس ينقلب شيئا فشيئا إلى يأس وإحباط، بماذا يمكن تفسيره؟، وكيف يمكن فهمه؟، هل سببه ضعف كفاءة هذه الحكومة مقارنة بحكومات صاحب الجلالة السابقة، كما يريد أن يفهمنا البعض، أم أن الأمر يتعلق بخلل في النظام السياسي، تُجسد بعضه الهندسة الدستورية ل2011؟.

ثانيا؛ هل المشكلة التي يواجهها الأستاذ عبد الإله بن كيران، هي مشكلة سياسية محضة، أم أن المشكلة في جانب كبير منها مشكلة ثقافية، تخترق الدولة والمجتمع على حد سواء، وتتعلق أساسا بثقافة الريع، وثقافة الرعايا لا المواطنين؟.

ثالثا؛ مَن هؤلاء «الوطنيون الأحرار»، الذين يعارضون حكومة بن كيران في مراحلها الابتدائية، ويُحامون على الضعفاء والدراويش من أبناء الشعب، ويولولون صباح مساء في وسائل الإعلام محذرين من الأزمة والسكتة القلبية، وتتفطر أكبادهم شفقة ورحمة على الفقراء والطبقة الوسطى؟، هل لهم صفاء السيرة، ونقاء السريرة، التي تؤيد دعواهم، وتجعل الشعب يصدق كلامهم؟.

إن هذا الغيض من الفيض الكبير من الأسئلة التي تتزاحم في رؤوس المغاربة هذه الأيام، تساعدنا على تأطير المشكلة السياسية التي تعيشها بلادنا تأطيرا صحيحا، فهي ليست مشكلة كفاءة، أو برنامج سياسي، أو قرارات وإصلاحات بعينها…، بل هي مشكلة حجم الشفافية السياسية التي تَعِد بها حكومة بن كيران، وإعادة النظر المتوقعة في توزيع الثروة داخل المملكة استنادا إلى مقاييس الاستحقاق، والمساواة، وتكافؤ الفرص. ولا يخفى على ذوي الألباب أن هذه الإصلاحات التي تهدد الحدائق السرية للفساد، هي من جهة تجسد بعضا من شعارات الربيع المغربي (20 فبراير)، وتهدد من جهة ثانية مصالح «المستثمرين الأشباح» في مملكتنا السعيدة.

إن حكومة دستور 2011م، تعتبر ابنا شرعيا لحركة 20 فبراير، التي طالبت بتمكين الشعب من السيادة، وإقرار ديمقراطية حقيقية، ولولا هذه الحركة، ما كان يخطر ببال أحد وصول بن كيران إلى رئاسة الحكومة، وبالتالي فهي تجسد الروح الإصلاحية ل20 فبراير، وقيَمِها السياسية العليا، بقدر من العقلانية والبرغماتية السياسيتين، ويشكل الشعار الذي رفعه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية التي جاءت في خضم الحراك الفبرايري، «صوتنا فرصتنا ضد الفساد والاستبداد»، تجسيدا ملموسا لهذه الروح.

ومن ثم، الذي يغفل عنه الكثيرون، وخاصة قوى الإصلاح، أن الاستهداف القوي لحكومة بن كيران، وتوالي الضربات عليها، من جهات مختلفة، والسعي الدؤوب لإضعافها، وإظهارها بمظهر الفاشل أمام الشعب… إلخ، الغاية من وراء كل ذلك تصفية تركة 20 فبراير، والنتائج السياسية التي كانت سببا فيها، على الرغم من تواضع هذه التركة. ويستغل هؤلاء المتحالفين على خصومة حكومة دستور 2011م، حالة الخمول التي أصابت الشارع بعد سنتين تقريبا من انطلاق حركة عشرين فبراير، وتفرق جمعها.

إن الذين يشتغلون سرا، وعلانية ضد حكومة دستور 2011م، التي استطاعت أن تلف حولها قطاعا عريضا من الشعب، ويتطلعون إلى اليوم واللحظة التي تعلن فيها فشلها، جهتين رئيستين: الأولى، تحلم بالتحكم، والعودة إلى العادة القديمة، والاستئثار بالسلطة والثروة؛ والثانية، تحلم بالثورة، والانقلاب على النظام، والإجهاز على الاستقرار، وبناء نظام ديمقراطي كامل الأوصاف.

وبالتالي سقوط الحكومة، وفشل خيار «الإصلاح في ظل الاستقرار»، يعني ببلاغة كبيرة، عودة الوجوه القديمة إلى دفة الحكم، وتنفس الريع، وذوي المصالح غير المشروعة الصعداء، واستفحال الأزمة، ودخول نفق الاستبداد من جديد، الشيء الذي يوفر الأسباب والشروط الموضوعية للراديكالية السياسية، ويهدد استقرار الملكية واستمرارها على المدى المتوسط.

قد يعترض علينا البعض بالقول، أن هذا الذي يعانيه بن كيران هو مجرد معارضة سياسية، حمَّلها الدستور مسؤوليات مهمة، وهي المعارضة نفسها التي كانت تواجه سابقيها من الوزراء الأول، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، منذ شهور، ولحد الآن لم نعثر على الجواب الشافي له: هل ما تواجهه حكومة بن كيران بشكل عام، يصح أن نسميه أخلاقيا وسياسيا معارضة؟، هل «خطابات» الأمين العام لحزب الاستقلال ومن شابهه، تصح نسبته إلى شرف المعارضة؟، هل الحملة الإعلامية المنظمة التي تشنها بعض وسائل الإعلام العمومي على الحكومة، مبرَرَة في إطار النظام الديمقراطي؟، هل مقاطعة الجلسات الشهرية لرئيس الحكومة، وتخلي المعارضة عن دورها السياسي في الرقابة بدعوى استغلال رئيس الحكومة لمنصة البرلمان للدعاية لحزبه، أمر مقنع؟، هل عرقلة التنزيل الديمقراطي للدستور، والرقابة المفرطة على النصوص التنظيمية التي تجهد الحكومة نفسها في إعدادها أمر طبيعي، ومن مقتضيات المعارضة الديمقراطية؟، هل مقاطعة رجال الأعمال المغاربة لنظرائهم الأتراك موقف طبيعي؟، وما إلى ذلك من الأسئلة التي لا تنتهي.

أجهد نفسي لساعات، أتصفح المواقع الإخبارية أقرأ الصحف والتصريحات، أستمع إلى المداخلات في البرلمان..، علَّني أعثر على خيط ناظم بين المعارضة، علَّني أعثر على رؤية سياسية مختلفة، تطرح بديلا عما تطرحه حكومة دستور 2011م…، لكن، وللأسف الشديد، أعود من كل هذا التجوال، بصداع في الرأس، وإحساس قوي بانحطاط نخبنا السياسية، وغلو في السياسوية، المحكومة بحسابات انتخابية ضيقة، لا تطيقها المرحلة الحرجة التي يمر بها المغرب.

والأهم من هذا كله، إن المعارضة الصلبة التي تقف في وجه الإصلاح، معارضة تقع خارج البرلمان، ونافذة في أكثر من مستوى من مستويات الدولة، همها الأساس إفراغ الإصلاحات الكبرى من محتواها، أو في أحسن الأحوال إبطاء سرعة تنزيلها.

‫تعليقات الزوار

6
  • ابن زاكورة
    الأربعاء 3 يوليوز 2013 - 20:12

    يا صاحب المقال،مقال هذا فيه شيء من المبالغة ،وشيء من الحملة المغرضة لإضهار الحكومة بأنها ضعيفة،والحقيقة ليس كذالذ،شعبية بن كيرا في تزايد،وبن كيران لم يسبق له ان كذب على الشعب كما كان يكذب من علمك ان تكتب مقال غير صحيح،بن كيرا ليست له تجربة في الحكم،وهذه المدة التي قضاها في الحكم غير كافية حتى لتصفح ملفاة عشرات السنين المتراكمة ،والتي هي سبب ما وصل اليه المغرب اليوم،واتخاذ القرارا ،لايجب ان يكون بالسرعة وبلا دراسات الجوانب السلبية والإيجابية،وحكومة بن كيران ماضية في طريق الإصلاح بخطى ثابتة،ولكن الفاسدون يعرقلون،لأنهم خائفون من فضح اكاذيبهم؛

  • الخمسي
    الأربعاء 3 يوليوز 2013 - 20:50

    ذ.جبرون، لقد أتعبت نفسك وأنت تتساءل عن سبب أزمة حكومة بنكيران. السبب أو الأسباب يعرفها القاصي والداني، ولعلك من ذوي الألباب الذين يقرأون الأمور ويقيمونها بكل بساطة….الأزمة يعرفها ذ. ينكيران، ومن ثم فلا داعي إلى فتح نقاش فلسفي فارغ حول حكومة دستور 2011،،،،الأزمة صديقي ترجع إلى عدم تفعيل الدستور هذا، وتراجع ذ. بنكيران عن خطاباته الرنانة من ذي قبل، ولعلك تعرف ذلك صديقي،الزيادة في أسعار المحروقات،،،غلاء المعيشة (البوطا، السكر، الماء والكهرباء )، الزيادة في سن التقاعد، عدم الالتزام بتنفيذ محضر اصحاب 20 يوليوز وهم كانوا إلى جانبك في الاعتصام الذي شاركت فيه مع عدد كبير من زملائك الدكاترة،الاقتطاعات من أجور المضربين والمضربات الذين كانت تحتضنهم الجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب الذرع الساسي للعدلة والتنمية وذلك قبل تولي ذ. بنكيران رئاسة الحكومة، الحذر على العمل النقابي،التمييز في تعيينات رجال التعليم الجدد،،،لو أردت ذ. جبرون أن تجيب عن هذه الحيثيات لتوصلت إلى حقيقة الأمر، ولا داعي إلى تحميل شباط والتماسيح والعفاريت المسؤولية، الأزمة سببها سوء تدبير الأمور

  • Krimou El Ouajdi
    الأربعاء 3 يوليوز 2013 - 20:56

    Mes remerciements pour votre analyse qui met au clair le visage des manigances à tous les niveaux. Vraiment nous en avons vu de toutes les couleurs. Cependant, je me permets de relever un point commun entre les différents intervenants dans l'histoire. En fait tous les fouteurs de désordre ne veulent pas un parti qui a trait ou qui se ressource de la religion islamique. J'en suis certain que si le P.J.D était laïque il serait applaudi par tout le monde et aurait eu le privilège de faire tout ce qu'il voulait. Le malheur c'est que ses troubles se font à travers soit disant des patriotes. Maintenant, je comprends parfaitement la réaction de feu Roi Hassan II. Je n’ai pas de doute qu’il avait affaire à des diables pire que ce qu’'on voit actuellement.

  • فوزي
    الأربعاء 3 يوليوز 2013 - 23:28

    بن كيران امين عام ديال حزب و رئيس الحكومة ولكن ماكياخدش قراراتو بصفة فردية, هاد الحكومة "ككل" شبعانة خواض و احنا ماباغينش العزل بقدر ولكن باغين محاكمة اي واحد سرق او شد شي رشوة. مع ارجاع المسروقات. حيت اقتراض المغرب لمبلغ 216 مليار درهم اي ما يعادل 24 مليار دولار هو شيئ كثييييير بزااااف. را مايمكنش ف 60 عام نقتارضو 60 مليار و ف 6 اشهر 24.

  • Musulmane à 100%
    الخميس 4 يوليوز 2013 - 12:10

    Si Mr BEN KIRANE et son gouvernement avaient mis en place de nouveaux Plans et programmes innovants, très detaillés, bien determinés dans le temps (sur 4 OU 5 ans) pour lutter contre : le chommage
    la pauvereté et l'expolsion des prix
    la corruption
    accès aux logements
    à la santé
    amélioration du pouvoir d'achat
    amélioration de l'Ecole et de l'Université
    Bref fournir les besoins premiers et élémentaires au peuple marocain : Mr BEN KIRANE et son gouvernement ne seront pas dans cette situation aujourd'hui
    il seront setenue par tt le peuple qui aura sentis l'amélioration de ses conditions de vie au cours de ces deux longues 2 ans (presque 40% du temps du gouvernement)
    Mais on a eu que des bla, bla, bla
    ET SI cela continue, on ira bien tôt lui dire DEGAGE sans pitié, car la pression est telement élévée sur nos têtes que une explosion commence à s'amorcer……
    VOILA
    SALAM

  • Bouchra
    الثلاثاء 9 يوليوز 2013 - 11:32

    j'ai jamais fais confiance aux parties politiques marocaines , raison pour laquelle j'ai jamais voté , mais lors des prochains élections je voterai pour
    "العدالة و التنمية" , et je ferai des efforts personnel pour que mes proches , mes amies , mes connaissances votent aussi pour Mr Benkiran

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين