عندما يلمع الذهب الأحمر أملا بين جبال صاغرو

عندما يلمع الذهب الأحمر أملا بين جبال صاغرو
الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 09:58

منذ سنوات لم تعد زراعة الزعفران حكرا على منطقة تالوين، بل أصبحت هناك “ثنائية قطبية” في ما يتعلق بإنتاج هذه الثروة الطبيعية الثمينة؛ وذلك بعد ظهور قطب جديد بين مرتفعات صاغرو بإقليم تنغير، وتحديدا جماعة إكنيون كمنطقة تتجه هي الأخرى نحو التخصص في إنتاج الذهب الأحمر.

في البدء كانت الانطلاقة

بدأت زراعة الزعفران بمنطقة إكنيون بشكل فردي، هاو ومحتشم، منذ أكثر من عشر سنوات من طرف عدة فلاحين بعد استقدامه من تالوين على سبيل التجريب، غير أن محمد حساين، مدير “مهرجان صاغرو للزعفران”، يؤرخ للانطلاقة الحقيقية لاحتراف إنتاج الزعفران في المنطقة بسنة 2011، بعد تجربة ناجحة قامت بها الوكالة البلجيكية للتنمية بتنسيق مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات، في إطار “مشروع التنمية الفلاحية المندمجة لإكنيون وأيت الفرسي”.

استهدف المشروع سالف الذكر في البداية غرس حوالي خمسة هكتارات من بصيلات الزعفران، استفاد منها حوالي 73 فلاحا في إطار التجربة التي فاجأت الجميع لما أعطته من نتائج باهرة، جعلت الممولين والفلاحين على حد سواء يقتنعون بأن زراعة الزعفران سيكون لها مستقبل زاهر بالمنطقة، وستكون الزراعة البديلة والقادمة بقوة، لملاءمتها لمناخ وظروف المنطقة التي تتميز بشح المياه، وخاصة في فصل الصيف، بل ودفعت فاعلين وممولين آخرين إلى النزول بثقلهم لتمويل زراعة هذا المنتوج الثمين، وعلى رأسهم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووكالة التنمية الاجتماعية.

الذهب الأحمر لصاغرو..من الغرس إلى الجني

تتم زراعة الزعفران بغرس شتائل عبارة عن بصيلات صغيرة يطلق عليها محليا “تيزالمين ن الزعفران”، ويمتد ذلك من منتصف شتنبر حتى أواخره، أما الجني فيُشرع فيه مع أواخر أكتوبر إلى منتصف نونبر.

يشبه حساين محمد، مدير”مهرجان صاغرو للزعفران”، زراعته بزراعة البصل، غير أن الفرق بينهما أن الزعفران تبقى بصيلاته في الأرض، يتولى الفلاح رعايتها وتفقدها لسنين، إذ كلما مر عليها الزمن كلما تزايد عطاؤها؛ أما الفرق الثاني فهو أن الزعفران لا يسقى سوى مرات معدودة في فصل الشتاء وهو ما يجعله الزراعة الأكثر ملاءمة لمناخ المنطقة التي تعاني من ندرة كبيرة في المياه صيفا، وهو الفصل الذي يتم فيه التوقف عن سقيه، لأن ذلك يؤدي إلى فساد البصيلات وإصابتها بالخمج.

يستيقظ الصاغرويون ومعهم الصاغرويات باكرا لجني ما جادت به أرضهم، التي لا تنتج الفضة والذهب الأصفر فقط، (ما جادت به) من ذهب أحمر يحتاج جمع كيلوغرام واحد منه إلى قطف آلاف الأزهار، وتشغيل عشرات العمال طيلة أسابيع من العمل الدؤوب.

بعد قطف الأزهار، يعود الفلاحون محملين بها إلى المنازل أين تنزع عنها شعيرات الزعفران بعناية فائقة، لتفرش بعدها في أماكن نظيفة للتجفيف تحت الظل لمدة عشرة أيام تقريبا.

كمية في ارتفاع.. جودة عالية وآفاق واعدة

تقدر المساحة المغروسة بالزعفران في صاغرو برسم الموسم الفلاحي الحالي بحوالي 60 هكتارا، بينما ناهز الإنتاج 40 كيلوغراما؛ كلها مؤشرات تؤكد حسب الفاعلين والمهتمين أن مجهوداتهم لم تذهب سدى، وأن اختيارهم المنطقة لم يخيب ظنهم وآمالهم، إذ تضاعفت المساحة المزروعة والإنتاج عشرات المرات في ظرف وجيز. أكثر من ذلك، من المنتظر أن يرتفع الإنتاج في الموسم الفلاحي المقبل بعد تسلم التعاونيات والجمعيات الفاعلة في إنتاج الذهب الأحمر لأزيد من سبعين طنا من البيصلات الموجهة للغرس. ليس هذا فحسب، بل إن التجارب المخبرية التي أجريت على زعفران صاغرو جاءت بنتائج اعتبرها الناشطون ذاتهم مشجعة، إذ أثبتت انخفاض نسبة مادة الإيثانول الكحولية فيه، ما يؤهله ليكون الأجود والأغلى على الصعيد الوطني، إذ يتراوح ثمن الغرام الواحد بين 20 و30 درهما.

كل هذا يفتح آفاقا واعدة أمام زعفران صاغرو، فمشاريع كثيرة في طريقها إلى التنزيل، في مقدمتها وحدة لتثمين واحد من أغلى التوابل في العالم. هذا المشروع تتجلى أهميته في كونه سيمنح الذهب الأحمر لصاغرو الاعتماد الصحي وعلامة الجودة من طرف المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، وهو ما سيمكن المنتجين من تصدير منتوجاتهم إلى الخارج وعرضها في المعارض الوطنية والدولية ذات الصلة.

ومن بين هذه المشاريع كذلك، التي قال لحسن بيبيش، رئيس “جمعية صاغرو ن إيمال” إنها سترى النور بإكنيون بتمويل من الصندوق الدولي للتنمية الزراعية FIDA، مشروع تشييد دار للزعفران ستمكن المنتجين من عرض المنتوج بطرق عصرية وتسويقه وفق معايير حديثة، كما ستساهم في تنظيمهم وتأطيرهم من خلال تنظيم الأسعار وتحديد الثمن المرجعي وتوفير فضاء صحي للتسويق وتبادل الخبرات بين مختلف المتدخلين.

آمال.. صعوبات.. تحديات ومقترحات

رغم أن الكثيرين يعقدون آمالا كبيرة على زراعة الزعفران كزراعة بديلة في جبال صاغرو، متفائلين بانتشالها للعديد من الفلاحين والأسر من الفقر، ومستندين في ذلك إلى المؤشرات الإيجابية التي سلف ذكرها، إلا أنهم في المقابل لا يفتؤون يذكرون بالعديد من الصعوبات التي مازالت تواجه زراعة الزعفران، صعوبات يعددها محمد حساين في مشكل التسويق، وخاصة خارج الوطن، لعدم توفر زعفران صاغرو على الاعتماد الصحي الذي يمنحه المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية، ما يحول دون تصديره بشكل قانوني، وهذا يطرح مشكلا آخر هو المنع من العرض في المعارض الوطنية والدولية، إذ سبق وتم منع عارضين من المنطقة من المشاركة في المعرض الدولي للفلاحة الذي ينظم بمكناس لغياب علامة الجودة وفق المتحدث ذاته.

حساين نبه كذلك إلا أن أغلب العمليات التي خلال مراحل الإنتاج المختلفة يقوم بها الفلاح بمجهوده الشخصي ومن ماله الخاص، ما يرفع من تكلفة الإنتاج، وخاصة ما يرتبط بالتعليب، إلا أنه استبشر خيرا بوحدة التثمين المنتظر إنشاؤها بإكنيون، إذ ستحل العديد من هذه المشاكل، وعلى رأسها مشكل التعليب ومشكل غياب علامة الجودة، إذ إن افتتاح هذه الوحدة التي حضر أشغال الإعداد لها ممثلون عن المكتب الوطني للسلامة الصحية سيمنح زعفران صاغرو تأشيرة الاعتماد الصحي.

لحسن بيبيش بصفته رئيس “جمعية صاغرو ن إيمال” المنظمة لمهرجان الزعفران، الذي بلغ دورته الثالثة هذه السنة، والتي ألغيت بسبب جائحة كورونا، تحدث هو الآخر عن مجموعة من التحديات المواجهة لإنتاج الزعفران بمنطقة إكنيون، منها مشكل ندرة المياه وضعف الترويج الإعلامي، سواء من قبل القنوات الإعلامية العمومية أو الخاصة.. “مازال العديد من المغاربة وأبناء المنطقة ويا للأسف يجهلون بوجود قطب ناشئ متخصص في إنتاج الذهب الأحمر، قطب سيقول كلمته في المستقبل، وإذا كان هذا حال أبناء المنطقة فما بالك بالأجانب؟”، يتساءل بيبيش بتأسف، مضيفا أن غياب طريق في المستوى إلى جماعة إكنيون ومسالك طرقية معبدة إلى بقية مناطقها يطرح صعوبات جمة على مستوى التسويق والترويج لهذه الثروة الطبيعية اعظيمة الفوائد التي أخذت على عاتقها جمعية صاغرو ن إيمال التي يتولى رئاستها مهمة التعريف بها من خلال مهرجانها السنوي.

ولمواجهة هذه التحديات، يقترح المنتجون والفاعلون الجمعويون عدة حلول من شأنها الرفع من الإنتاج والتخفيف مما تعانيه زراعة الزعفران بمنطقة إكنيون، منها التعجيل ببناء السدود، ما من شأنه إنعاش الفرشة المائية الباطنية وتزويد الفلاحين بتقنيات الري الموضعي للاقتصاد في الماء وتوسعة الطريق الرابطة بين إكنيون وبومالن دادس، ومطالبة الإعلام بمختلف أنواعه بالقيام بدوره المتمثل في التعريف بهذه الثروة الطبيعية داخل الوطن وخارجه، والتشجيع على ممارسة هذه الزراعة بما يحقق زيادة المساحة المزروعة والرفع من الإنتاج.

‫تعليقات الزوار

8
  • farissrabia
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 10:21

    مناخ المغرب صالح لجميع الزراعات ..في السنين الاخيرة راينا مثلا الكرموس الهندي بما يعرف" بالهندية" اصبح لها انتاج وفير بالجهة الجنوبية كذلك … الزعفران سينعش المنطقة ويخرجها من الفقر انشاء الله…. اتمنى ان يكون هذا الاهتمام بالتمر كذلك لحد الساعة المغرب ليس له تجربة ناجحة 100 % في هذا المجال كجيراننا ..تونس والجزائر مع العلم ان المغرب له امكانيات مناخية ملائمة.

  • Abdelghani
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 10:53

    رغم زراعة الزعفران بالمغرب الا ان منتوجه غير معروف في الاسواق الدولية حيث تستحود ايران علئ السوق الدولية لجودة زعفرانها تليها افغانستان وتركيا واسبانيا,فهذه هي الدول التي تجد زعفرانها في الاسواق الدولية,اما زعفران المغرب ما زال لم يسمع سيطه دوليا بل فقط محليا و وطنيا.وهذا دليل ان زراعة الزعفران بالمغرب مازالت غير مقننة وتعيش مشاكل من حيث الانتاج والجودة.والامر كذالك ينطبق علئ زيت الزيتون الذي لايمكنك وجود زيت زيتون مغربي بامريكا او استراليا و نيوزيلندا بل فقط زيوت ايطاليا واليونان واسبانيا فان هذه الدول مسيطرة علئ الاسواق العالمية في تصدير منتوجات زيت الزيتون البكر extra virgin olive oil.وجب علئ وزارة الفلاحة ووزارة المالية مساعدة قطاع انتاج الزعفران وزيت الزيتون للنهوض بالاقتصاد الوطني.

  • taghssayt
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 10:58

    صاغرو بيئة مريخية رهيبة تصيبك بالكابة والحزن وفقدان البوصلة التيه. عيب البحث عن ساليب العيش والتاقلم هناك . كنت في كنيون لبارحة رايت وما رايت لكن الله راى طريق بالية احادية السير مثقوبة تجسد اللامبالات الرهيبة من رئيس الجماعة وعصابته بمباركة من ممثل الداخلية صاحب مكتب مكيف بعمالة تنغير. مسؤولية لشباب في الهجرة قائمة الى بيئة تسمح بالعيش فجمال است عطا اصيل ورهيب حينما يجد بيئة تسمح بالتكاثر

  • brahim
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 11:08

    اللهم بارك. لكنا الزعفران تالوين دات جودة عالية جدا

  • سعيد
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 11:37

    السلام عليكم.
    الزعفران الحر المغربي له آفاق واعدة و لكن نحن الفلاحون نعاني من مشكل التسويق في الدرجة الأولى. فمثلا أنا قمت و الحمد لله يجني حوالي 2 كيلو غرام من الذهب الأحمر بجودة عالية جدا جدا، ولكن أعاني من مشكل التسويق و لا يمكن لي بيع هدا المنتوج الثمين بخسارة.

    شكرا هسبريس

  • بشعايب
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 12:25

    هناك مناطق عديدة بالمغرب تشبه من حيث التربة والمناخ منطقة تالوين وأخص بالذكر مناطق عديدة من طاطا حتى فكيك مرورا بأقاليم وزرزازات زاكورة الراشيدية وميدلت. وكل هذه المناطق في حاجة ماسة إلى التنمية.
    الملاحظ في المقالة هو أن منظمة دولية هي التي ساهمت في نقل التجربة إلى بلدة إكنيون, والسؤال هو لماذا لم تقم مصالح وزارة الفلاحة بذلك قبل مجيئ المنظمة الدولية. وهل يجب أن ننتظر حتى تأتي منظمة من الخارج لتظهر لنا مصادر التنمية في بلدنا

  • عبدو
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 18:00

    الى صاحب التعليق رقم 2،احسن جودة للزعفران في العالم هو القادم من منطقة تاليوين،انا ايران والهند فهما متقدمتان في الكمية وليس في الجودة،غرام واحد من زعفران تاليوين يباع بفرنسا بين 10 و15 اورو.

  • outmazirte
    الأربعاء 2 دجنبر 2020 - 20:46

    صاغرو منطقة واعدة على جميع الأصعدة الفلاحة السياحة و المعادن لكن لابد من بنية تحتية في المستوى.

صوت وصورة
"ليديك" تثير غضب العمال
الخميس 18 أبريل 2024 - 11:55

"ليديك" تثير غضب العمال

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء