حروب العم سام وحقن التخذير

حروب العم سام وحقن التخذير
الأربعاء 15 ماي 2013 - 01:50

كثيرا ما يردد الإعلام بأن الإدارة الأمريكية خسرت حربها في أفغانستان والعراق وبأنها لم تستطع السيطرة عليها بعد الغزو لكن الحقيقة خلاف ذلك تماما, فقياس فشل أو نجاح العمليات العسكرية الأمريكية لا ينبني على مدى تحكمها في إدارة البلد المحتل وتأمينه بقدر ما يقاس بتحقيق الأهداف الجيوسياسية التي وضعت لتلك العمليات.

هذا ما يذهب إليه أيضا عالم اللسانيات الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه : ما الذي يريده العم سام حقا 1992(What Uncle Sam Really Wants) حيث يرد على القائلين مثلا بفشل أمريكا في حرب الفييتنام سواء كانوا من اليسار أو اليمين, محتجا بحالة الدمار الشامل والانقسام التي تركت فيها الفييتنام بعد انتهاء الحرب لدرجة لا يمكن بعدها أن تقوم لها قائمة في آسيا.

إن ما يحدث الآن داخل العالم العربي مشروع الشرق الأوسط الكبير يقتضي إعادة تشكيل خرائط العالم الإسلامي من المغرب إلى مانداناو باسقاط كل القوى الوازنة داخل هذه الدائرة, فاحتلال افغانستان مثلا والعراق بعدها, كان الهدف منه تطويق إيران التي اختارت “طوعا” المساهمة في تحقيق ذلك ! ربما للاستفادة نسبيا من مشروع لا تستطيع دفعه و عملا بقاعدة: “ما لا يدرك كله لا يترك جله”.

بنفس المنطق تتم الآن محاصرة مصر بشكل تدريجي عبر تدمير ليبيا شمالا وتحويلها إلى منطقة صراع قبلي كما فعل بالسودان جنوبا. بنفس الأسلوب أيضا يضيق الخناق على المملكة العربية السعودية عبر تحويل تخومها الجنوبية مع اليمن إلى منطقة مشتعلة مثلما فعلوا بحدودها الشمالية مع العراق. إذا نظرنا بتمعن إلى هذا السلوك العسكري سنجد له جذورا في تاريخ الاستعمار الأوروبي إذ بدأت الإدارة العسكرية الأمريكية في غضون الحرب الباردة مما انتهت إليه التجربة الأوروبية في أفريقيا فلم تعد تلك القوى الكولونيالية القديمة بحاجة إلى الاحتلال الكلاسيكي الذي يقيم إدارة محلية مباشرة ودائمة بقدر ما تحتاج إلى حالة فوضى “خلاقة” وعدم استقرار مدروس يضمن لها ولاء الفرقاء السياسيين لتلك الدول المنكوبة ويقلل فرص انقلاب الرأي العام المحلي والدولي عليها على اعتبار أنها لم تأتي من أجل الاحتلال بل لتخليص شعوب تلك الدول من أنظمة شمولية.

من هذا المنطلق يصبح الحديث المستمر لوسائل الإعلام عن الهزائم الأمريكية نوعا من حقن التخذير الفعالة لإبقاء الرأي العام في حالة غيبوبة تختلط فيها لذة “الراحة بعد النصر” ونشوة الركون إلى أوهام ضرورية مثل فشل المشروع الأمريكي. ولعل أوضح مثال على نجاح ذلك على مستوى الرأي العام العربي هو تصديق الجماهير لميثولوجيا الثورات “العفوية” ونفيها لكل صلة للأدارة الأمريكية بها رغم الظهور الجلي لما يثبت ذلك من شواهد ووثائق لشدة تعلقها بأكذوبة فشل المشروع الأمريكي في العراق وأفغانستان.

وقد تصل الآثار العكسية لهذا المفعول النفسي المعروف بـ”القوة الحريرية” (Soft Power) إلى حالات من هيستيريا الفرح بـ”المنقذ” الأمريكي ورفع راياته على اعتبار أنها رايات نصر وحرية!

*باحث في مجال البروباكاندا التطبيقية
http://propagandastudies.net

‫تعليقات الزوار

13
  • hamza
    الأربعاء 15 ماي 2013 - 09:34

    Merci pour le partage. Mais il faut sortir de Victimisation et se prendre en charge soit même. C'est la seule voie.

  • أمازيغي لكن عربي
    الأربعاء 15 ماي 2013 - 10:14

    مقال في غاية الروعة يحتوي على تحليل نوعي و حقائق لا يدركها إلا من لديه شخصية مستقلة و عقل متبصر

  • meknassi
    الأربعاء 15 ماي 2013 - 16:53

    vraiment c'est ce qui se passe en réalité, bravo

  • hassan
    الأربعاء 15 ماي 2013 - 19:48

    combien de voix libres et éclairées nous faut pour qu'on puisse comprendre et ou nous positionner par rapport à ce qui nous arrive? je ne commente que pour dire merci à monsieur Alaoui dans un espoir de l' encourager à continuer ,peut être que le réveil n'est si loin après tout et vous serrez un de ceux qui ont allumé leur bougie pour éclairer le chemin des autres d'une part et la beauté de cette nation de ce qu'elle donné à l'humanité et ce qu'elle est capable encore de donner . bon courage monsieur ALAOUI

  • شبيح مغربي
    الخميس 16 ماي 2013 - 01:47

    مقال عاقل لكاتب مستبصر بما يحاك ضد الوطن العربي من طرف آكلي الربيع العربي و ما سورية العروبة إلا خير مثال على ذلك.

  • كريم الممراكشي
    الخميس 16 ماي 2013 - 10:09

    عندما قرأت المقال بتمعن و قارنته بالواقع السياسي الدولي الدي تتلاعب به أمريكا و كيف يتم التلاعب بالرأي العان الدولي و خاصة الراي العام العربي المبني على العاطفة و البطولات الوهمية… المقال ممتاز نتمنى من الكتاب العرب أن يتحلو بالموضوعية و النزاهة و الحياد الفكري في التحليل … تحية للكاتب أمين صوصي علوي

  • FOUAD
    الخميس 16 ماي 2013 - 15:56

    من وجهة نضري أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها قد خسروا معاركهم ضد الإرهاب وإلا كيف نفسر ما آلت إليه الأوضاع جراء الأزمة التي تتخبط فيها دولهم أتضن أن سبب هذه ألأزمة ألهائلة التي أصبحت تهدد الملايين من الأشخاص سببها إفلاس شركة فيusa وانتقال العدوى إلى حلفائها ! فأين خبراؤها وعلماؤها وو… في حين نشاهد صعود قوى عظمى كالصين روسيا إيران الأرجنتين ….تنافس
    أمريكا وحلفاؤها داخل الملعب الدولي وأصبحت تفرض كلمتها في الساحة ومن وجهة نضري كذالك أنهم
    أصبحوا(إسرائيل أمريكا والحلفاء)يخربون بيوتهم بأيديهم وستجيبنا الأيام والسنين القادمة إلى ما ستؤول له الأوضاع خصوصا إذا إستمرت هذه الأزمة ….معذرة أضن أنه قد وصلت الفكرة مداخلة إرتجالية

  • une amazigh
    الخميس 16 ماي 2013 - 16:06

    تحليل منطقي فهنيئا لنا بغبائنا وسوريا اليوم في حرب لن تقوم لها قائمة كما العراق اتاسف لغباء العرب دول غنية بثرواتها فقيرة بسبب حكامها وحتى المغرب العربي اليوم وصلت اليه التجزئة فالمريكان متربصين بها من سواحل صقلية فمن اعطاهم الحق للهجوم على بلد ذو سيادة لياخذوا مواطنيهم اذا كانوا في خطر وتونس الاخرى وما سموه بالقاعدة مع الاسف يا عرب حتى ما سمي الربيع العربي بل الفيروس ليس الا خدعة لتدمر االشعوب بلدانا بايديها الحمد لله لم نقلدهم لنحرق بلدنا ونعيش في فوضى ومشكلتنا مع الجار الشرقي على الدبلوماسية المغربية التصدي لهم واتاسف لحال العرب وغبائهم كنتم بيادق سهلة التحريك فلا تلومن الا انفسكم لن تقوم لكم قائمة فهنيئا لاسرائيل غبائنا اللهم احم بلدنا براافو صاحب المقال احسنت يلزمنا زلزال لنستفيق من غبائنا

  • جمال1
    الخميس 16 ماي 2013 - 17:40

    رحم الله محمود درويش عندما قال ""الطاعون أمريكا وأمريكا هي الطاعون""
    .أصبحت أمريكا التجسيد الملموس للمكيافيلية :الغاية تبرر الوسيلة.

  • صالح ولعيد محمد
    الجمعة 17 ماي 2013 - 02:11

    العجز عن الإدراك إدراك…
    المؤامرة بدأ إنجازها منذ أحداث 11سببمبر أو قبل ذلك واتضحت بعد اندلاع فوضى الربيع الأسود
    أما فشل أمريكا أو انتصارها فلم يتضح بعد لأنها ومنذ أن عقلنا وهي في حرب عبر العالم مما جعلها تبدو منهكة ولا تستطيع إحكام سيطرتها على العالم
    والعالم الآن في مخاض عسير لا يمكن التنبؤ بما ستنتهي إليه الأوضاع خاصة في الشرق الاوسط الذي أصبح ميدانا لحرب عالمية غير معلنة قد تأتي على الأخضر واليابس لو تم إعلانها
    أي لو تدخلت امريكا وحلفاؤها في سوريا
    وأظن سياسة إضعاف الدول وقتل الرموز وطمس المعالم ليس في صالح امريكا…

  • some one
    الجمعة 17 ماي 2013 - 02:12

    أعجبت بهذا المقال كما كان الشأن بالنسبة للمقال السابق : نظريه المؤامره نصائح قبل المقامره. انتظر منك استاذي الكريم مقالات جديده تتطرق فيها عن ما اصبحنا نقرأ اليوم عن علاقة الماسونية بقدوم المسيح الدجال

  • Mr Dev.
    الجمعة 17 ماي 2013 - 03:39

    مقال جيد و فيه معلومات معروفة عند خاصة الناس لكن العامة لا تعرف ما يحاك فعلا فبين ما هو مخطط فعلا و ما بين ما يروج له الاعلام سنوات ضوئية و مشروع الشرق الاوسط مجرد جزء صغير من المخطط الكامل الدي بدأ مند سنوات طويلة و ما يسمى بالربيع العربي مجرد خطوة تم هندستها مند 10 سنوات

  • أحمد
    الجمعة 17 ماي 2013 - 09:28

    شكرا على الموضوع رائع سأقوم بنشره في صفحتي في الفيسبوك حتى يستيق أكبر عدد من النوام.

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين