المدير السابق لمركز الجزيرة للدراسات يرصد مسارات الربيع العربي ومآلاته

المدير السابق لمركز الجزيرة للدراسات يرصد مسارات الربيع العربي ومآلاته
الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 00:32

في محاضرة ضمن سلسلة محاضراته العلمية الافتتاحية لمقره الجديد “منار المعرفة” استضاف مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة مؤخرا الباحث والمفكر المغربي مصطفى المرابط في أمسية فكرية ناقش فيها موضوع “الربيع العربي إلى أين؟”.

الأستاذ سمير بودينار رئيس المركز أشار، في تقديمه للمحاضرة التي احتضنتها قاعة المحاضرات الكبرى بالمركز وتابعها مئات من الحضور، إلى أهمية السؤال الذي يلتقي هذا الجمهور الكبير من الباحثين والمثقفين والمهتمين لتدارسه ومحاولة تقديم إجابات عليه، وهو سؤال يتمحور حول وجهة ما يسمى بالربيع العربي ومآلاته، خاصة وأنه انطلق متأبيا على أي قدرة مسبقة على الارتياد الفكري للتنبؤ به، متجها في مسارات متعددة تثير أسئلة كثيرة حول الاستراتيجية الحاكمة له، والفاعلين الحقيقيين والثانويين فيه، والمصالح الحقيقية التي يصب فيها هذا الحراك الماثل في أكثر من ساحة عربية، منوها إلى أن من يستضيفه المركز لمناقشة هذا الموضوع يجمع بين رؤية المفكر، وممارسة الباحث المتابع، بالنظر إلى رصيده العلمي جامعيا ومحاضرا ورئيسا لتحرير مجلة “المنعطف” الفكرية وواحدا من المستشارين الأكاديميين للمركز ثم مديرا لمركز الجزيرة للدراسات منذ تأسيسه قبل أن يعود إلى بلده.

استهل المحاضر حديثه بالتأكيد على المجازفة الكبيرة التي تحملها محاولة تقديم جواب على السؤال موضوع اللقاء في هذه المرحلة، وذلك بالنظر إلى أن الوقت لا يزال مبكرا لاتضاح رؤية المشهد العربي الراهن في كامل أبعاده، إذ لا تزال أحداثه تتسارع وتفاصيله تتتابع لرسم مشهد متحرك باستمرار، وكمثال على ذلك ساءل المحاضر مصطلح “الثورة” الذي شاع استعماله في الخطاب الإعلامي اليوم لوصف طبيعة الحراك العربي، معتبرا أنه مصطلح لا يناسب طبيعة المشهد الراهن لاعتبارين أساسيين أولهما أن حركة الشارع العربي لم تكن مؤطرة بنخب قائدة تمثل ما يسمى في أدبيات الثورة بـ”طليعة ثورية”، كما لم تكن لها رؤية واضحة للتغيير الذي تنشده. وفي هذا السياق أشار المحاضر إلى حالة الإفلاس المفاهيمي الذي باتت تعاني منها مؤسسات التفكير العربية من قبيل الجامعات ومراكز الأبحاث، والتي تجلت في عجزها الكامل عن التوقع، أو استشراف أي من ملامح المشهد في أكثر من بلد عربي، خاصة وأن كثيرا من المعطيات الأولية ذات العلاقة بمستويات الفقر والأمية وتآكل الطبقة الوسطى وتواضع معدلات تنمية حقيقية وشاملة وتخلف النظام السياسي وإفلاس النظام التعليمي… كانت متاحة باستمرار، غير أن الوقائع بعد ذلك أثبتت أن مجتمعاتنا أكثر تركيبا من قدرتنا كنخب على التتبع بله الاستشراف.
وفي محاولة لاقتراح مسار لقراءة الحدث العربي لفت مدير مركز الجزيرة للدراسات سابقا الانتباه إلى الثالوث الذي ظل يشكل تحديا مزمنا في وجه نهضة هذه المنطقة وتحررها الكامل، وهو ثالوث “الفساد-الاستبداد-التبعية” والذي يمثل قاسما مشتركا بين كافة الدول التي تحركت فيها موجات الاحتجاج الشعبي.

غير أن السؤال الأهم الذي ينبثق من تحليل طبيعة الحراك العربي وظروفه وسياقاته، هو سؤال ماذا بعد الحراك؟، لأن الذي يحدث اليوم في مجتمعاتنا هو عملية مزدوجة: عملية هدم وبناء في نفس الوقت، فإذا كانت عملية الهدم قد تمت ولازالت تتم بشكل مباشر من “الداخل”، فإن عملية البناء رهان معقد، يتربص بها “الخارج” بشكل مقلق.

وفي هذا الإطار نبه المرابط إلى الضرورة القصوى للربط بين ما يحدث اليوم في عالمنا العربي وبين إطاره التاريخي ومحيطه المحلي والإقليمي والدولي، إذ لا يمكن قراءة ما يحدث اليوم في العالم العربي بعيدا عن آثار الأحداث الكبرى التي شهدتها المنطقة والعالم، بدءا من سقوط جدار برلين (كحدث تاريخي) مرورا بحرب الخليج وأحداث الحادي عشر من شتنبر، فغزو أفغانستان والعراق ثم العدوان على جنوب لبنان وغزة و الأزمة الاقتصادية العالمية، فضلا عن التطورات التكنولوجية المذهلة والثورة الإعلامية في العالم العربي، لهذا يرى المفكر المغربي أن هذا الحدث في الواقع لم يكن مفاجئا إلا لمن انطمست ذاكرته التاريخية .

فإذا كان التعدد الأفقي (التنوع الإثني والقبلي والطائفي..) سمة تاريخية للمجتمع في المنطقة العربية مثل مصدر غنى لتجربته الحضارية، فإن تعددا عموديا طارئا على هذا المجتمع هو ذلك الذي مس مستوى المرجعية، الذي كانت له انعكاسات مازالت آثاره البالغة تتحكم في لحمة المجتمع واستقراره، بالإضافة إلى عدم انبثاق نخبة سياسية وفكرية قادرة على تقدير دقيق لهذا الإشكال التاريخي واستيعاب والتحديات الفكرية والمفاهيم الكبرى، الناتجة عن هذا الإشكال، التي واجهت هذا المجتمع في أفق صياغة رؤية تركيبية تتجاوز هذا الانكسار الحضاري، وكمثال على ذلك أورد المحاضر مفهوم الديمقراطية الذي تميز الموقف تجاهه بحالة من الشلل الفكري، داعيا إلى اجتهاد مزدوج لتجاوز هذه الحالة: يتجه فكريا نحو تجريد المفهوم من هالة القدسية التي أحيطت به باعتبارها مكونا إنسانيا وتاريخيا في الاجتماع السياسي الحديث، وتاريخيا بامتلاك الوعي اللازم للانتقال من الانحطاط إلى النهوض بإبداع صيغ خلاقة تتناسب والمرحلة التاريخية وتتجاوب مع أسئلة المجتمع.

وقد وسع المحاضر من أفق السؤال موضوع المحاضرة ليعتبر أن أهميته لا تكمن فقط في آنيته وحجمه، وإنما أيضا في كونه معلما رئيسا من معالم هندسة المشروع المجتمعي المستقبلي للمنطقة، وبالتالي فإنه يقتضي الحفر في أعماق المعمار المجتمعي والبحث في معالم مستقبل هذه المجتمعات، مقترحا مدخلا لإنجاز هذه المهمة “الإبداع الفكري النقّاد”، الذي يؤسس لتقاليد نقدية للأطر التي ظلت تحكم فكرنا الاجتماعي والسياسي الحديث والمعاصر.

وفي الختام دعا الأستاذ مصطفى المرابط إلى تجاوز المفهوم السياسي للإصلاح والتغيير والنهوض إلى النظر والتدبر في المشاريع المجتمعية وليس البرامج المجتمعية فحسب، والتي تشكل هذه اللحظة فرصة سانحة له. مقترحا لذلك مدخلين كبيرين للتفكير والنقاش المجتمعي وهما ضرورة إبداع صيغة جديدة للديمقراطية تتجاوز أعطاب التجربة التاريخية في التنزيل والتي ظلت حبلى بالأزمات والكوارث من جهة، ومن جهة ثانية استعادة جملة من الرؤى المتقدمة في هذا الاتجاه كمفاهيم “الكتلة التاريخية” التي دعا إليها المرحوم محمد عابد الجابري، و”التيار الأساسي للأمة” الذي يدعو إليه المفكر والمؤرخ العربي المستشار طارق البشري، كتعبير عن الحاجة الماسة إلى بناء ما سماه المحاضر بـ”حلف ثقافي” بين النخب الثقافية من أجل صيانة الكيانات العربية في هذا الظرف الدقيق من التفكك لمواجهة ما يلوح في الأفق من تحديات تهدد مستقبل هذه المجتمعات في وحدتها واستقرارها، والذي قد يؤدي إلى حروب أهلية في غياب ترشيد الحراك الحالي في اتجاه تحقيق أهداف الإصلاح، الذي يستجيب لتطلعات الأمة ويشرك كافة أطيافها واتجاهاتها في التحرر والنهوض.

‫تعليقات الزوار

9
  • أبو محمد أمين
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 05:48

    "نحو جبهة ثقافية"
    "نحو جبهة ثقافية" كان عنوان محاضرة قيمة ( ككل محاضراته طبعا) ألقاها المفكر السيد مصطفى المرابط ببركان في آواخر عقد التسعينات. لم يستوعب وقتذاك الحضور الكريم جيدا ما كان يقصده الدكتور الفاضل؛ والآن ندرك مدى قوة استشراف هذا الرجل العظيم، والذي سبق أن نوه به وبوجدة المفكر المهدي المنجرة شافاه الله.
    الربيع العربي بداية لالتئام شمل العرب شريطة أن تسهم النخبة المثقفة في توضيح معالم طريق الأمة بكل تواضع وتفان في إخلاص عملها لهذه الشعوب العظيمة، وعلى الله قصد السبيل.

  • Lghayour
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 12:02

    Vous dites tous la même chose, vous changez juste les titres.

  • منا رشدي
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 12:46

    عندما شاخ أمراء الخليج وأصبحوا على بعد شبر من القبر خشيت الولايات المتحدة على مصالحها فوجدت في حربها على العراق فرصة لتحقيق إنتقال هادئ للسلطة داخل دول الخليج ؛ من الكويت إلى السعودية مرورا بالإمارات ؛ سلمت من أرادت السلطة رفعت " زيد " وأسقطت " عمر" وإستقرت الأمور نهاية بردا وسلاما على بلاد العم صام .
    القاسم المشترك بين تونس ومصر وليبيا هي شيخوخة وعجز رؤساءها ومرضهم وعوض أن يتكلف البنتاغون والبيت الأبيض بعملية إنتقال السلطة داخلها سلم مفاتيح المهمة للإستخبارات وبما أن الإستخبارات الأمريكية يختلط فيها ما هو جمعوي بما هو سياسي فلا بأس من دخول مؤسسة " إيبرت إنشتين " ومنظرها " جين شارب " على الخط لينتقل ( لوجستيك ) قيادة عملية إنتقال السلطة داخل تونس ومصر وليبيا إلى قطر ! حيث أقام " جين شارب " مؤسسة وأسماها " مؤسسة التغيير " وإنتقلت معه كتيبة من الإعلاميين المختصين في إشعال الحرائق . تابع

  • منا رشدي
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 13:16

    لتمد الجسور مع الجزيرة ! ومن يتذكر وقت ظهور الرابط العجيب والغريب ( شارك . الجزيرة . نت ) الذي كانت تديعه الجزيرة وقت ذروة المشاهدة في شمال أفريقيا وقبل النشرة المغاربية وبعدها سيعي لماذا أغلقت السلطات المغربية مكتب الجزيرة بالمغرب قبيل أحداث " إڭديم إيزيڭ " ؟ نفس الأحداث أعيدت بنفس الطريقة في تونس ومصر وبنغازي بليبيا ! . وإستنسخ شيعة البحرين نفس التجربة داخل ساحة اللؤلؤة لكن البحرين لم تكن داخل لائحة الدول المعنية بالتغيير فلا عجب من أن يتجاهلها إعلام الجزيرة وغيرها ولم تعرها أمريكا أي إهتمام !
    أتمنى من " المرابط " أن يستفسر جيدا عن سر وجود " جين شارب " داخل قطر " وماذا تفعل " أكاديمية التغيير" التي أنشأها هناك ؟ وما علاقة أكاديمية التغيير بمؤسسة " إيبرت إنشتين " ومقرها ببوستن وما علاقة هذه الأخيرة بالإستخبارات الأمريكية .
    أما ما تطلق عليه ( ربيعا ) فما شهدناه جمع بين خريفين ولم يولد بعد شتاء ا ولا ربيعا . والله وحده أعلم بمآلاته !!

  • مصطفى
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 13:42

    مفهوم الربيع العربي هو المفهوم الذي يستخدمه الجميع و لا يفهمه أحد على الاطلاق الى هذه اللحضة كنضرية الكم.
    يعتبر المفكرون المستقبليون أن المستقبل كامن في الحاضر, لكنه في معضم الحالات موزع بطريقة غير متجانسة.
    أما ما يعرف بالربيع العربي فقد رأته زرقاء اليمامة مقبلا و لكنه كان مموها بأغصان الأشجار الخضراء.

  • omar marhfour
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 13:47

    c est bien claire de deviner le futur proche des pays arabes et l avenir des responsables mostabidines mais le plus sur c est le changement ou des regimes ou des systemes.les peuples ne peuvent plus suporter les divergences le peuple cherche la tranquilite´et la vie serene.a noter que pesonne ne croyait que le monde arabe saute directement sur les chefs d etats personne ne croyait que benali ou moubarek o kadafi s eliminent du trone.parceque ces trois etaient les plus durs et les plus feroces ils tenaient leur regime par l enfer et les crimes.mais grace a dieu les peuples sont toujours les plus forts par les sacrifices quotidiens et durant toute la revolution.le pir que les presidents ne resument pas les lecons et cedent aux revendications des peuples ils preferent toujours l afrontement.et le bon exemple en firaoun malgre le miracle de moussa (alyh salam)et le grand miracle de la mer qui s est divisee en deux il est entre´pour exterminer moussa et ses croyants les pauvres aveugles

  • kamal el osrouti
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 14:19

    ونعم الاستاذ… مفكر بمعيى الكلمة

  • said
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 16:18

    ان مفهوم الديمقراطية والحداثة لكي تكون ناجحة يجب اشراك اغلبية القوى الحية في البلاد دون اغفال الراى المختلفة لمكونات المجتمع لدلك ادا كنا ننادي بالديمقراطية لا يمكن ان نغفل الراي الاخر لان فيه اقصاء والنقيض في نفس الوقت لهدا اطلب من الاخوان الدين يسمون انفسهم حركة0 2 شهر 2 ان يعوا المرحلة ويحترموا الراي الاخر مثال على دلك الدستور الدي صوت عليه شريحة مهمة من الشعب الا انهم يرفضونه وهده في حد داتها قمة الدكتاتورية وفرض الوصاية المرجوا من الاخوة مراجعة الدات والقبول بالاخر حتى نبني مستقبل افضل المرجوا النشر

  • hafid bruxelless
    الأربعاء 7 شتنبر 2011 - 23:30

    سعدت كثيرا بك يا ابن العم ارجو الله ان يوفقك لصالح المغرب

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين