من حي البريد إلى المحيط

من حي البريد إلى المحيط
الإثنين 13 غشت 2012 - 21:00

انتهت عطلة الصيف.

بدأ الزملاء الذين عملوا في معسكرات الشباب في المدن البريطانية والتي نظمتها مؤسسة ” كونكورديا”، في الوصول تباعاً إلى الرباط، وسيعود الآخرون الذين أمضوا عطلتهم في السودان بعد ذلك.

كنا نستفسر العائدين من لندن عن بلاد الإنجليز وتفاصيل الحياة هناك، ونتحرى من الذين عادوا من السودان، عن الوطن وأحواله والأهل وأخبارهم، وقد حمل إلينا بعضهم رسائل وأشرطة مسجلة من المعارف والصحاب.

في حين تركزت أسئلة العائدين على واقعة الاعتصام في السفارة السودانية وأيام الاعتقال، وبدا لنا من خلال الأسئلة وللمرة الأولى أننا قمنا بعمل بطولي.

أحياناً لا تعرف حجم ما قمت به إلا عندما تتلمس صداه لدى الآخرين.

***

انهمكنا في إجراءات التسجيل في السنة الثانية.

وبتزامن مع ذلك، كانت السفارة قد قررت القضاء على اتحاد الطلاب السودانيين بأية كيفية ، وأوعزت لبعض الطلاب بث شائعات مغرضة تنال من الاتحاد وسمعته.

تصاعدت الحملة ضد الاتحاد خصوصاً من مجموعة كانت تسكن في الحي الجامعي السويسي، وكانوا في معظمهم تربطهم صلات وثيقة مع السفارة. انتهزت السفارة مناسبة وصول مستشار ثقافي جديد مكلف برعاية شؤون الطلاب، ودعت إلى لقاء بين الطلاب وهذا المستشار. كان من الواضح أن السفارة قد أعدت خطة محكمة للقضاء على اتحاد الطلبة.

وهكذا، وبعد تقديم المستشار الجديد تحدث أحد المسؤولين في السفارة، وقال إنهم تلقوا شكوى من بعض الطلاب حول ممارسات الاتحاد وعجزه عن تسديد بعض ديونه لإدارة الحي الجامعي، وهي ديون ترتبت عن اقتراض بطاقات المطعم الجامعي لصالح بعض الطلاب، كان ذلك إيذاناً بشن هجوم عنيف على الاتحاد من طرف الطلاب المتواطئين، ورغم أنني حاولت جاهداً أن أبين أبعاد الخطة المبيتة والدفاع عن الاتحاد فإن حديثي لم يجد آذاناً صاغية.

بعد ذلك الاجتماع، كان الاتحاد قد انتهى عملياً.

والخلاصة التي توصلت لها أن فصل “النقابي” عن “السياسي” كما أردنا في أول الأمر للاتحاد مسألة غير ممكنة على الإطلاق، لذلك، عندما بادرنا إلى تأسيس اتحاد جديد مع مجموعة أخرى في مدينة فاس، بعد ثلاث سنوات، توخينا أن تكون أهداف الاتحاد سياسية واضحة، وتم تضمين تلك الأهداف في قانون داخلي كتبت مسودته بنفسي .

***

بعد حل الاتحاد، تقلص اهتمامي بأحوال الطلاب السودانيين وانصرفت لأموري الشخصية.

كان الطلاب الذين ينجحون في الانتقال من السنة الأولى للسنة الثانية تتاح لهم فرصة الالتحاق بالحي الجامعي السويسي الثاني، وبالفعل انتقل معظم زملائي إلى هناك، وبقيت مع مجموعة صغيرة جداً في الحي الجامعي مولاي إسماعيل.

ورغم ظروف الاكتظاظ التي يعرفها الحي الجامعي مولاي إسماعيل، حيث يسكن 24 طالباً في غرفة واحدة مقسمة إلى ست غرف صغيرة ، مقارنة بالحي الجامعي السويسي الذي يقتسم فيه طالبان غرفة واحدة، فإنني كنت قد خلقت علاقة مع المكان، كما يقول باشلار .

بدا لي من الصعب جداً استبدال الحي الجامعي مولاي إسماعيل بمكان آخر .

وهكذا ظللت لفترة أسكن مولاي اسماعيل، لكن تحت إلحاح بعض الأصدقاء قررت الانتقال للحي الجامعي السويسي الثاني وكان العثور على غرفة في تلك الأيام مسألة لا تحتاج إلى كبير عناء.

***

سكن معي في الغرفة زميل مغربي يدعى إدريس (لم أعد أذكر اسمه العائلي) يدرس في شعبة الأدب الفرنسي.

كان شاباً مهذباً لا تفارقه الابتسامة، مجتهداً يمضي كل وقته فى الكلية أو في مراجعة دروسه.

لكن، بدا لي الحي الجامعي السويسي مكاناً جميلاً تنقصه الروح، فهو هادئ أكثر من اللازم مقارنة بمولاي إسماعيل، كما أنه بعيد عن وسط المدينة، والحياة الاجتماعية فيه مغلقة وباردة.

ثم إنك حين تسكن مع شخص واحد ليس كما لو كنت تسكن مع 24 شخصاً. هناك إذا رغبت في التصرف بعفوية تجد متسعاً لعفويتك وحتى فوضويتك أو تهريجك وسط المجموعة أما هنا فإن زميلك الذي يسكن معك في الغرفة يحصي عليك كل شاذة وفاذة.

ودون أن أسوق لكم مبررات أخرى، أكتفى بالقول إن الحياة لم تعجبني في الحي الجامعي السويسي، بل لنقل إن الحياة لم تعد تعجبني في الأحياء الجامعية بصفة عامة.

***

كان لابد من البحث عن بديل، وهكذا قررت مع ثلاثة من زملائي البحث عن شقة او منزل نستأجره .

لم نمض فترة طويلة في البحث، فقد عثرنا على منزل في “حي البريد” وهو حي شعبي صغير يشكل جزءاً من حي يعقوب المنصور، كانت مالكة المنزل ترغب في إيجار طابقه العلوي، فقد كانت تسكن في الطابق الأرضي مع أطفالها.

انضم إلينا إثنان من الزملاء المغاربة، لنصبح ستة : محجوب البيلي، عبدالله الفاضل، سيف الدولة عبد المنعم وصاحبكم هذا، إضافة إلى زميلين مغربيين، هما مختار السملالي وإبراهيم فرحي.

كانت صاحبة المنزل أرملة ترك زوجها في عهدتها أربعة أطفال. تعمل ممرضة في أحد المستشفيات. عاملتنا هي وأبناؤها بلطف، وحتى حين كنا نتأخر في تسديد الإيجار لم تكن تلح في الطلب.

عشنا في هدوء، وبدأنا نتكيف مع الحياة في حي البريد.

بدأت شخصياً أتأقلم سريعاً مع الوسط الشعبي المحيط بنا.

كان حي البريد انطلاقة فعلية نحو الاندماج الحقيقي في المجتمع المغربي.

سارت الحياة هينة سهلة في حي البريد. وهكذا ستبدأ عملية اندماج تدريجي مع ما يطلق عليهم تلطفاً “الفئات الشعبية” أي الأسر ذات الدخل المحدود أو المنعدم في بعض الأحيان.

أمضيت هناك فترة خصبة رغم قصر المدة، تعرفت خلالها على واقع فئات اجتماعية تشكل شريحة مهمة من الشرائح التي قطنت الرباط منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، كان معظمهم من الذين وفدوا إلى العاصمة من مناطق بعيدة في زمن مضى بعضهم جاء من أقصى الجنوب المغربي من تخوم الصحراء.

أتاح لنا التعامل اليومي الاحتكاك بالناس في الحي. فلابد أن تتعامل مع البقال والجزار وبائع الخضر والمخبزة وأحياناً دكاكين الملابس، وقد تذهب إلى الحمام أو تتجول في شوارع الحي فيكون ذلك مدعاة للتعرف على كثيرين.

ونظراً لبعد حي البريد عن الكلية اضطررت لشراء دراجة نارية من جديد، هذه المرة كانت من نوع “سوليكس”، هذه دراجة لطيفة وعملية، لاشك أن من اخترعها كان رائق المزاج، فعندما تركبها تحس أنك تجلس في كرسى على مقهى في الرصيف، والكرسى يتمشى بك على مهل.

تلك الدراجة جعلتني أتعرف على فئة أخرى من الناس أولئك الذين يعملون في إصلاح الدراجات النارية والهوائية. ومن المشاكل التي واجهتها كيفية شرح الأعطاب التي تصيب الدراجة إذ أن هذه الفئة تخلط خلطاً عجيباً بين أسماء قطع الغيار بالفرنسية وتعابير بالدارجة فتتكون بعض الجمل الهيرغلوفية على غرار “الجِكلوّر عامر بالتراب وخصّه نِتوياچ” (1)

بعد سنوات طويلة كنت أتفرج على القناة الفرنسية الدولية (تى في 5) عندما بثت تقريراً عن توقف معمل الدراجات الذي يصنع “السوليكس” عن تصنيعها. شعرت بشيء من الأسى، رغم انه كان بيني وبين “السوليكس” سنوات طويلة.

عندما تجد أن جزءاً من ذاكرتك وتاريخك يندثر، لاشك أن إحساساً بالحزن يسري في دواخلك.

***

رغم أننا كنا ستة أشخاص في منزل ضيق، أو بالأحرى في جزء من منزل، فقد عشنا في تفاهم ووئام.

اندمج الصديقان مختار السملالي وهو من مدينة وادي زم وإبراهيم فرحي من مدينة الفقيه بنصالح مع طباعنا، كما اندمجنا بدورنا مع طباعهما. (2)

كان السملالي، الذي يعمل حالياً مديراً لمكتب وكالة المغرب العربي للأنباء في مدينة العيون كبرى مدن الصحراء، شاباً مهذباً لطيفاً هادئاً، ومنه سأتعلم تذوق أغاني فريد الاطرش.

أما فرحي، الذي يعمل الآن موظفاً في إحدى الوزارات في الرباط، فقد كان يميل إلى الدعابة والنكتة. معجباً بأغاني العيطة، وهو لون من الغناء ينتشر في وسط المغرب.

كنا نسميه وزير التموين، لأنه ما أن يزور بلدته الفقيه بنصالح حتى يعود إلينا بالسمن والبيض والدجاج، وأحياناً حتى اللحم. منهما تعلمنا بعض عادات وتقاليد أهل البوادي في المغرب. لم أعد أتذكر سعر إيجار ذلك المنزل، لكن المؤكد أنه كان بَخْساً جداً قياساً بأسعار هذا الوقت.

بعد فترة، قررنا الانتقال إلى منزل أكثر اتساعاً، لذلك شرعنا في البحث عن بديل، إلى أن وجدنا منزلاً بسعر مناسب في حي يعقوب المنصور في منطقة(چي3).

انتقلنا إلى المنزل الجديد، ورغم أننا سنبتعد أكثر عن وسط المدينة فإن اتساع المنزل وموقعه في زاوية الشارع عوضنا عن البعد

في حي يعقوب المنصور، ستتحسن كثيراً معرفتنا باللهجة العامية، وسنغني مفرداتنا منها. فقد اندمجنا تماماً في محيطنا وتعرفنا على أشياء جديدة بلا حصر .

كنا نستعين بين الفينة والأخرى، بسيدة تتكلف بطهو الوجبات لقاء دريهمات، ومعها اكتشفنا وجبات جديدة. فقد بدأنا نأكل البصارة ولحم الرأس والكرعين والبقّولة، ومخلل الباذنجان (الدنجال او البرانية) ومرق أحشاء وكرش الخروف (الدوارة او التقلية) والسردين المشوي، والدجاج بالحامض (الليمون) والزيتون.

كما أصبحنا نشارك الجيران أفراحهم وأتراحهم، فقد كانوا يدعوننا في حفلات الزفاف والختان ونذهب عندهم في حالة المرض أو الوفاة.

كانوا يطلقون على منزلنا: “دار البرّانيين” (3)

تعلمنا كيف نقترض من بقالة الحي ومن الجزار ومتجر الخضر، كما اكتشفنا أن الملابس البالية والصحف القديمة تباع، ويمكن أن تؤمن لنا وجبة كاملة.

في تلك الفترة على وجه التحديد بدأ ذلك الشوق العارم للوطن يخمد قليلاً قليلاً، وبدأت شخصياً أحس أن الارتباط مع هذا المجتمع الذي نعيش بين ظهرانيه يزداد متانة.

ثم بدأت تلوح آنذاك وفي أفق بعيد، فكرة الزواج والاستقرار في المغرب، ربما لأننا كنا قد اختلطنا تماماً بالناس في حي يعقوب المنصور.

لم تكن الظروف المعيشية سهلة كما يتبادر إلى الذهن، لكن وسائلنا للعيش تنوعت وتعددت، وربما انعكس ذلك على الدراسة، فقد مضت السنة الثانية من الكلية بكيفية مريحة وعندما اقتربت الامتحانات كنت في حالة استعداد كامل لها.

وحين أعلنت النتائج كنت قد حصلت على ليسانس السلك الأول من شعبة الفلسفة والاجتماع وعلم النفس بميزة “حسن”.

هاهي العطلة الصيفية تطل مجدداً، والمنحة تتوقف.

قلبنا الأمر من جميع جوانبه ووجدنا أنه يصعب علينا البقاء في حي يعقوب المنصور نظراً للارتفاع النسبي للإيجار، فقررنا البحث عن منزل أقل تكلفة، كان هذه المرة في حي المحيط في شقة تطل مباشرة على البحر، هناك سنشبع برداً ورطوبة ما تزال آثارها كامنة بين اللحم والعظم .

اعتقدنا أن حي المحيط سيكون ملائماً للسكن، نظرا لقربه من وسط المدينة بعد أن تركنا يعقوب المنصور.

الآن سيتقلص عددنا إلى ثلاثة: محجوب البيلي، وسيف الدولة عبد المنعم، وصاحبكم هذا.

كانت الإيجارات منخفضة في حي المحيط، والسكن متوفراً وكان لدينا عدة اختيارات، لكننا فضلنا أسوأ ما عرض علينا نتيجة قلة المعرفة.

عَرض علينا صاحب الوكالة العقارية عدة شقق، ففضلنا شقة تطل على البحر تتكون من ثلاث غرف بايجار يبلغ 550 درهم شهرياً.

ورغم أنه كان الاختيار الأسوأ، إذ أننا غلبنا عامل السعر على ماعداه فان الوسيط العقاري صور لنا الشقة وكأنها في الريفيرا فراح يحدثنا عن الهدوء وهواء البحر المنعش، والطقس الرائع ومنظر قرص الشمس من النافذة ساعة الغروب وهو يسقط في البحر، وكيف أننا سنكون من أسعد الخلق خلال الصيف عندما يصبح البحر هو مبتغى كل الناس… وما إلى ذلك من حكايات .

صدقنا كل ذلك الكلام، وقلنا هذا رجل طيب وابن حلال فقد اقترح علينا شقة شاعرية بسعر جد معقول، ثم فكرنا في ضم رابع إلينا حتى يؤدي كل واحد منا مبلغاً في حدود 140 درهم أي بفارق 80 درهماً عن السكن في الحي الجامعي .

لكن ما أن استقررنا في الشقة حتى تبخرت تماماً تلك الشاعرية، فقد اكتشفنا أن أشعة الشمس لا تدخل الشقة، وبالتالي فان كمية الرطوبة في الغرف تكفي لإصابة سكان مدينة بأكملها بمرض الروماتيزم.

وفي الليل، تتضاعف كمية الرطوبة، إضافة الى أن هدير أمواج البحر المتلاطمة والتي تحمل الرذاذ المتطاير خصوصاً عندما يتصاعد المد، تجعلك تخال أنك تسكن في قارب. وحتى إذا كان البحر هادئاً، وهي حالة استثنائية، فان نوافذ الشقة المفتوحة على الشارع الذي يفصل حي المحيط عن البحر، تجلب ضوضاء السيارات والشاحنات فتجعل من النوم أو حتى الإغفاء شيئاً نادراً.

وبعد ذلك سنكتشف أن المنطقة ليست آمنة خاصة في الليل فيكون الخروج مغامرة قد تجلب مشاكل لا حصر لها مع المتسكعين والسكارى والهائمين على وجوههم.

هذا السكن السيء أثر على اندماجنا في حي المحيط عكس ما كان عليه الحال في يعقوب المنصور .

ورغم أن الحي كانت له حيويته التي لا تنكر، فاننا لم نتفاعل معه كثيراً، لكن ذلك لا يمنع من بعض الإشارات .

***

طوال الفترة الماضية من التنقل بين الأحياء الجامعية والأحياء السكنية لم يستهوني كثيرا الجلوس في المقاهي، وهي مسألة تلازمني إلى اليوم، لكن خلال الفترة التي سكنّا فيها في حي المحيط رحت أكتشف خبايا هذا العالم.

لفتت انتباهي ثلاث ظواهر .

الظاهرة الأولى أن حياة بعض الناس تبدأ وتنتهي في المقهى خصوصاً الوسطاء، سواء كانوا في ميدان العقار أو التجارة أو أولئك الذين يقدمون خدمات متنوعة تبدأ من إنجاز إجراءات إدارية إلى التوسط في عمليات بيع أو شراء ، مروراً بحلحلة بعض المشاكل الاجتماعية .

الظاهرة الثانية أن المقهى يظل هو المكان المفضل للنميمة ونسج الحكايات والشائعات، خصوصاً عندما يكون الادعاء بمعرفة أكبر قدرٍ من المعلومات مدعاة للتباهي والتفاخر.

الظاهرة الثالثة، وهذه ترتبط بمجالنا الحيوي آنذاك، أن الطلاب كانوا يرتادون المقاهي لمراجعة دروسهم، يطلب أحدهم فنجاناً من القهوة يرشفه على مهل شديد وهو منكب على دفاتره يراجع دروسه .

كنت أتعجب كيف يراجع هؤلاء دروسهم وسط ضجيج المقهى والمفارقة أنني عندما تعودت على ذلك لازمتني هذه العادة حتى اليوم، فأصبحت لا أجد ما يحول دون التركيز على القراءة أو الكتابة حتى وسط مجلس يلغط الناس فيه ويتصايحون .

تبقى هناك أربعة أماكن استهوتني وما تزال .

لنبدأ بالأكل، فقد كنت أرتاد محلاً، أعتقد أنه مايزال قائماً في شارع عبد الكريم الخطابي يبيع أكلة الكرعين (الكوارع) بالحمص، وهو محل ظل مفتوحاً منذ ما قبل استقلال المغرب أكلة لذيذة وشهية تمنيتها لكم .

المكان الثاني محل لبيع المشروبات الباردة والمثلجات (الآيس كريم) متخصص في بيع عصير الليمون (الحامض)، كانت تملكه إسبانية وأعتقد أنها لم تعد هناك .

أما المكان الثالث فهو دكان أنيق لبيع أدوات الصيد، خاصة صيد الأسماك بالصنارة، كنت أغشاه بين الفينة والأخرى لأكتشف آخر ما استجد في هذا المجال، إذ أنني منذ الصغر كنت أعشق صيد السمك بالصنارة لكن مشاغل هذه الدنيا التي لا تهدأ شغلتني عن ممارسة هذه الهواية اللطيفة .

أما المكان الرابع فهو مقهى ضاع اسمها بين تلافيف الذاكرة رغم أنني أتذكر أن صاحبه كان يطلق عليه إسم “الجنرال” (لا أعرف في أي مجال حصل على هذه الرتبة) كان متخصصاً في إذاعة الأغاني الكلاسيكية عربية وغربية، مع التركيز على أغاني عبد الحليم حافظ، وأنا من عشاقه.

وفوق هذا وذاك فان حي المحيط سيرتبط في ذاكرتي بحدث مهم غير مجرى حياتي بالكامل.

***

جاءت عطلة الصيف الثانية في ظروف أسوأ بكثير من الأولى.

كنا مانزال في حي المحيط.أضحت الديون تثقل كاهلنا. وقبل أن أحدثكم عن الواقعة التي غيرت مجرى حياتي تغييراً جذرياً، سأستعرض معكم بعض الظروف المزرية التي عشتها في حي المحيط رفقة زملائي في السكن.

اعتقدنا في البداية أن تكلفة السكن في شقة أو في منزل لن تزيد كثيراً عن نفقات السكن في الحي الجامعي، لكن بالتجربة ثبت خطأ ذلك الاعتقاد.

إذ أن تكلفة السكن في الحي الجامعي إضافة الى نفقات المطعم كانت في حدود 144 درهماً في الشهر، في حين كان نصيب كل واحد منا من إيجار الشقة لوحده حوالي 120 درهماً يضاف إلى ذلك نفقات استهلاك الكهرباء والماء، وعلى ذكر هذه فقد كنا نبقى حتى آخر لحظة لنسدد ما بذمتنا، ترسل لنا وكالة توزيع الماء والكهرباء جميع أوراقها وإشعاراتها:الإشعار الأول ثم الإشعار الثاني، فالورقة الحمراء بعدها ورقة صفراء، ثم الورقة البيضاء التي تنذر المستهلك بان تزويده سيتوقف خلال ثمانية أيام، عندئذٍ فقط نسدد قيمة الفاتورة .

أتذكر أن جابي الكهرباء في حي المحيط كان يطرق في البداية باب الشقة، ويشرح لنا أن من الأفضل أن نسدد له القيمة مباشرة لنوفر مصاريف التنقل إلى مقر الوكالة في حي حسان، وربما لأنه كان يتوقع منا إكرامية متواضعة، لكنه لم يكن يدري أن المسألة لا تتعلق بتوفير بعض الدريهمات تصرف في التنقل، بل بعدم توفرنا أصلاً على مبلغ الفاتورة، وعندما لاحظ أننا لم نسدد له ولو مرة واحدة قيمتها، راح يضع لنا الأوراق من تحت عقب الباب واحدة تلو الأخرى .

وليت الامر توقف عند مصاريف الإيجار وفاتورة الكهرباء فقد أحضرنا معنا بعض الأثاث المتواضع من المنزل الذي كنا نستأجره في حي يعقوب المنصور: أسرة ودواليب وطاولات وكراسي من قصب وبعض أواني المطبخ، وكنا نظن أن ذلك الأثاث المتواضع يكفينا في إطار الحد الأدنى للعيش داخل الشقة، لكننا سنكتشف في حي المحيط أن الأهم من كل ذلك هو الأغطية والبطاطين، خصوصاً أننا جئنا إلى الحي في فصل شتاء قارس .

قبل أن أحدثكم عن معضلة الطعام ومصاريفه، سأروي لكم حكاية تتعلق بموضوع الأغطية والبطاطين وكيف بددت شخصياً مبلغاً محترماً لشرائها، لكنني لم أشتر ولو خرقة بالية.

***

عندما أدركنا أننا نحتاج إلى أغطية، استفسرت زميلاً لي في الكلية كان يدعى محمداً، ولي معه حكاية لطيفة سأرويها بعجالة : عندما التحقنا بالكلية في السنة الأولى كنت أسمع الزملاء المغاربة ينادونه “سي محمد” فاعتقدت أن “سى” هي اسمه العائلي و “محمد” هو إسمه الشخصي، لكن عندما لاحظت أن “سي محمد” هذه منتشرة كثيراً سألته إن كان ينتمي إلى عائلة كبيرة. شرح لي الأمر : وهي أن لفظة “سي” تقترن دائماً باسم محمد، وظل يحفظ هذه الطرفة حتى افترقنا.

يتحدر سي محمد من القنيطرة (4) وكان يحكي لي كثيراً عن القاعدة الأمريكية هناك، ولعل ما لفت انتباهي وجعله من أوائل الذين تعرفت عليهم في الكلية إتقانه للغة الإنجليزية، كما كانت له بعض التصرفات التي تنم عن احتكاكه بالأمريكيين، من ذلك أنه كان يضع قرطاً نحاسياً في إحدى أذنيه .

كان” سي محمد “يحدثني عن السلع الرخيصة التي يشتريها أهل القنيطرة من القاعدة العسكرية، فقلت من المؤكد أن الجنود الأمريكيين يبيعون كذلك أغطية وبطاطين.

وعندما طلبت منه المساعدة نصحني ألا نشتري أغطية الأميركيين، خشية أن تنقل لنا بعض الأمراض الجلدية أو أمراضاً أخرى نتيجة معاشرتهم لبائعات الهوى. وبالمقابل اقترح علي السفر إلى تطوان حيث تباع هناك سلع إسبانية رخيصة بما في ذلك الأغطية.

راقتني الفكرة تماماً، واقترحت على زملائي في السكن أن يدفع كل واحد منهم قيمة ما يريد من الأغطية والبطاطين على أن أتكلف بمصاريف التنقل من الرباط إلى تطوان .

طلبت من الصديق محمد خالد مرافقتي الى هناك، ومحمد خالد كان من ألطف أفراد المجموعة، فهو بطبعه يميل إلى تلبية أي اقتراح دون تفكير أو تمحيص فإذا قلت له نسافر الى تطوان يقول لك : هذه فكرة رائعة . واذا عدت وقلت له لا داعي، لأن السفر إلى هناك متعب، يجيبك : هذا هو عين العقل .

المهم أننا قررنا السفر سوياً إلى تطوان، فاقترحت عليه أن نسافر أولاً إلى طنجة لزيارة زميل لنا يدرس في المعهد العالي للسياحة يدعى ميرغني . كان ميرغني يحس بغربة حقيقية، إذ ظل الوحيد الذي يعيش في طنجة بينما جميع أفراد المجموعة في الرباط .

تحمس محمد خالد كعادته للفكرة، وسافرنا إلى طنجة والتقينا هناك زميلنا مرغني الذي فرح فرحاً شديداً بقدومنا وراح يتجول معنا في طنجة التي بدت لنا مدينة مغايرة تماماً لما شاهدنا من مدن مغربية.

كنا نخرج في الصباح نذرع شوارع المدينة طولاً وعرضاً نصعد ونهبط في أحيائها ونسهر حتى الفجر، ويبدو أن ميرغني ونظراً للظروف الموحشة التي كان يعيشها وجد فينا كنزاً فألح على بقائنا معه أطول مدة ممكنة .

أنفقنا ما كان معنا من دراهم في أشياء لن تغيب عن فطنتكم كما أنفق ميرغني كل ما كان يدخره، ووجدت إزاء ذلك أن ذهابنا إلى تطوان لم يعد له معنى بعد أن تبخرت الفلوس، وهكذا قررنا العودة أدراجنا.

في طريق العودة قال لي محمد خالد مواسياً: قريباً سيأتي الصيف وننسى البطاطين والأغطية.

___________

(1) تعني العبارة أن الأنبوب الذي يمر منه البنزين إلى حيث يحترق متسخ ويحتاج لتنظيف.

(2) المدينتان تقعان في وسط المغرب، جنوب شرق الدارالبيضاء.

(3) هذه اللفظة بالعامية المغربية تعني منزل الأجانب.

(4) تقع مدينة القنيطرة على بعد 35 كيلومتراً شمال الرباط.

‫تعليقات الزوار

18
  • يومية مفهوميات الكتابة
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 00:24

    هك>ا يتبين ان المستساغة لم تات متماثلة الكيفية للعملية التي صيغت بها مطالع المقالات السابقة او بالتعبير الاوفى تحسن تصور الكاتب طلحة جبريل كثيرا من حيث ان الكتابة و على الرغم من طولها و لانها قصة و طالعت مشارفها يبدو ان الانتاجية في التعبير لم تعد لها كوابح و صارت الى تطور في المنظومة الميكانيكة في التركيب الحكائي ينهل مما هو اجتماعي اقتصادي و انساني و من المكتسب الشخصي البشري الثقافي الى تعابير مثالية و عقلانية سليمة ت>هب في اتجاهات واسعة وسط الطفرة المطلقة و الحظور الوجداني الباعث على القص الروائي ان لم يكن نوعي بمعايير الحماسة العميقة و المركبة تركيبا على ملامح شاملة تتدرج معها الحكاية على قوارب تطفو بكل ما هو جدير بالتامل و الوقوف و ترجمة الربط بعد التحولات و مرور الاعراض و بيان مالات كل الارهاصات المصاحبة لفترة تعطي نتائح ايجابية تقدم ملحوظات على التاريخ و للتاريخ و للطبائع البشرية العديدة و المتعددة ضمن اطار احادي لا يحجب الرؤية في مدى محيطه الدائري مع الاحتفاظ بوقائع حية و لا نهائية من العسير الدلالة على وجودها لانها تبقى خصوصيات تصهرها عوالم الانكار و الاقدام بتعريف قطعي مجسم

  • مكناسي
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 01:36

    اسلوب سلس لسرد تجربة انسانية مؤثرة وممتعة. تحياتي للاستاذ طلحة جبريل.

  • saber
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 01:54

    استمتعت كثيييرا بمذكراتك التي تذكرني بايام دراستي ايضا

  • عمر الامين
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 02:35

    كالعادة مذكرات الاستاذ طلحة تشدنا اليها وننتظرها بفارغ الصبر كل مرة…

  • بن سي محمد
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 02:42

    هي الفترة التي وصل فيها الإشعاع النضالي ذروته في صفوف الجامعات المغربية ،ومحاولة فسخ اتحادكم :ما هو إلا جزء منها …بعدما سيعرف تحولات انتهازية تغلب عليها الصالح الشخصية ،استفاذ منها من استفاذ ،وسجن من سجن ..وتم تفريخ مجموعة من الإتحاديات المناوئة ،وتفريخ النقابات والأحزاب السياسية ،وهي المنعطف في المسار النضالي المغربي …..

  • de Montréal BELFALLAH
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 03:25

    Salut, je m'excuse tout d'abord, car je n'ai pas un clavier arabe, je suis un admirateur de ce que vous faite, moi aussi je suis étudier à Rabat mon étude universitaire et vous me faite revivre ces belles moments meme s'ils etaient trop simple, immaginez on mangeait au resto c'était épouvantable
    Est-ce qu'il y a un moyen pour acheter ton livre ici au canada ou me donner juste le nom pour demander à quelqu'un du Maroc de me l'envoyer. Merci beaucoup mon cher Talha et je vous souhaite tout le bonheur et la réussite de votre vie professionnelle

  • سعد ناصر
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 03:57

    تقبل الله منا و منك يا طلحة موسى جبريل وكل شهر رمضان المبارك و أنت مبارك.استفدنا منك و من دروسك الشيقة و الشائقة و التي يتوق لها كل طالب صحافي خاصة وقد كنت تعتمد في مقرراتك ومناهجك التعليمية المتميزة على آخر ما جاء في مجال الصحافة من مستجدات و التي كانت في غالبيتها أنغلوساكسونية وتحديدا مدرسة واشنطن بوست و التي و يا لأسف لا يفقه فيها هؤلاء "المتفيقهون" المدًعٌون أنهم يفقهون شيئا في هذا الميدان المتجدد على مدار اللحظة و لا أدل على ذلك صحافتهم و التي لا تعدو أن تكون " سخافة بئيسة "لاعتمادهم أسلوب مدرسة كولومبيا نسبة إلى جامعة كولومبيا الأمريكية – و التي تقوم أساسا على الإثارة ( أو ما تسمى الصحافة الصفراء) وخاصة ما يرتبط بالملكية أو الجنس – والتي و يا للأسف أنت من كان قد أدخلها يا طلحة إلى هذا البلد العزيز. على أي نعود من جديد لنحيي أستاذنا السوداني المغربي أبا المغاربة على ما بذل و لازال و شكرا شكرا و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته . تلميذكم و بكل فخر سعد ناصر

  • أغروض
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 04:11

    لماذا يا أستاذنا لم تلجؤوا الى بيع "الضيطاي" يعني السجائر بالتقسيط ، أليست تجارة مربحة أنداك؟ إنها فكرة أنقدتني من الجوع وأنا في الكلية .. على كل، الصبر مفتاح الفرج و مرحباً بك في بلدك الثاني …

  • noureddine
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 04:39

    لم يستهوني كثيرا الجلوس في المقاهي، وهي مسألة تلازمني إلى اليوم????????????????????????????????كنت أتعجب كيف يراجع هؤلاء دروسهم وسط ضجيج المقهى والمفارقة أنني عندما تعودت على ذلك لازمتني هذه العادة حتى اليوم، فأصبحت لا أجد ما يحول دون التركيز على القراءة أو الكتابة حتى وسط مجلس يلغط الناس فيه ويتصايحون good

  • noureddine
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 05:01

    ثم فكرنا في ضم رابع إلينا حتى يؤدي كل واحد منا مبلغاً في حدود 140 درهم أي بفارق 80 درهماً عن السكن في الحي الجامعي .????????????

    إذ أن تكلفة السكن في الحي الجامعي إضافة الى نفقات المطعم كانت في حدود 144 درهماً في الشهر، في حين كان نصيب كل واحد منا من إيجار الشقة لوحده حوالي 120 درهماً يضاف إلى ذلك نفقات استهلاك الكهرباء والماء، وعلى ذكر هذه فقد كنا نبقى حتى آخر لحظة لنسدد ما بذمتنا??????

  • zasa
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 12:31

    On vous lisant je passe le film des mes souvenir à fes de 1989 (licence plus DEA) et je revis les bonnes moment de ma vie. J'insite tous les etudiants à profiter de la période universitaire, c'est elle qui forgera votre avenir et determinera ce que vous allez devenir.
    Merci Mr TALHA pour …

  • عبد العزيز
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 14:34

    أنت رجل متمرس في الحياة يا أستاذ جبريل و خبرت ثقافات شعوب متعددة و لكني لا أدري كيف فاتك و انت تنتمي إلى مجتمع عربي أن مسألة تعرية الواقع من الداخل المغربي تعتبر غيرة و دعوة إلى الإصلاح في حين تبقى أي محاولة لنبش هذا الواقع من الخارج مجرد تعقب عورات و تشهير خاصة حينما يتعلق الأمر بمسألة العرض، لهذا كان حريا بك أن تتجنب الخوض في قاعدة أمريكية و بنات هوى و بطاطين ملطخة … خاصة و أنا السياق لا يفرضها بإلحاح كتجربة ذاتية معاشة بقدر ما هي كلام أتى إلى مسمعك من طرف شخص تافه يتزين بأقراط النساء.

  • استاذ واعلامي
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 20:30

    والله لقد ذكرتني بزميلكم في المعاناة وبصديقي المحجوب البيلي الذي رحل الى الامارات رفقة اولاده من زوجته المغربية التي توفيت وتركته وحيدا بعد ان كان يحبها كل الحب ولا زلت اتذكر زياراتي له بمكتبه بجريدة الحركة بالرباط لما كان رئيس تحريرها والله لقد فرقت الايام بيننا ولم اعد اسمع باخبار العديد من السودانيين بعدانتقالي الى مدينة بن جرير للتدريس.
    عندما اتذكر ايام الرباط وذكرياته تاتي الدموع مابين حي التقدم ويعقوب المنصور والعكاري ولبويبة وزيدوزيد ………

  • فصيح ايلي ايلي
    الثلاثاء 14 غشت 2012 - 21:46

    كنت أتعجب كيف يراجع هؤلاء دروسهم وسط ضجيج المقهى والمفارقة أنني عندما تعودت على ذلك لازمتني هذه العادة حتى اليوم، فأصبحت لا أجد ما يحول دون التركيز على القراءة أو الكتابة حتى وسط مجلس يلغط الناس فيه ويتصايحون .

    ايلي ايلي ااايلي …

  • مغربي
    الأربعاء 15 غشت 2012 - 12:51

    مند مدة لم استنمتع بالقراءة بهذا الشكل. أتمنى في كل مرة أن يطول الحكي والسرد. شكرا

  • bouziani
    الأربعاء 15 غشت 2012 - 13:19

    Thank you very much Mr Jibril. You make think about my experience during my study at the university in Rabat 25 years ago. Go ahead.

  • simo
    الأربعاء 15 غشت 2012 - 15:53

    جميل جيدا تجربة انسانية رائعة ، نحن في انتظار الطبعة الثانية سيد جبريل

  • Brahim hassane
    الأربعاء 15 غشت 2012 - 16:57

    The best days in my life were those in late seventies in hassan 2universsty of casablanca.that brings the good memories and those were the good days despite the authoritarian regime at the time.after my qualification i decided to go to the uk who offered me a career which my own country coud'nt. Do because i was over qualified in their opinion and also higher post were handed to family members instead of merit.and nothing had changed since.allah yahfad bladi from the corrupt administration.and i rest my case

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب