الفاسيون أسعد من الأمريكان

الفاسيون أسعد من الأمريكان
الخميس 4 غشت 2011 - 02:29

يُبرز الكاتب الجواتيمالي إنريك كوميس كاريو (1873-1927)، في كتابة “فاس الأندلسية”، خصائص المجتمع الفاسي أوائل هذا القرن بأسلوب شعري رشيق وبعاطفة جياشة، تحولت عبر طيّاته إلى معزوفة ذاتية ومناجاة روحية وترانيم فاسية.

ويؤخذ من كتاب “فاس الأندلسية” أن إنريك كوميس كاريو، زار مدينة فاس ما بعد عقد الحماية بتسع سنين (1921)، وكان قد زار قبلها معظم بلاد الشرق الأدنى والأقصى ولاسيما اليابان والهند وعدن والقدس واسطنبول ودمشق ومصر وتونس وغيرها من الأقطار العربية … حيث كان مسافراً جوالاً لا يتعب، وكان يسخر قلمه في تدوين وتسجيل كل مشاهداته وخواطره، وإن أعوزته المشاهد استمد من خياله ليكمل الصورة كما هي في نظره أو كما يجب أن تكون، حتى شهد له النقاد أنه كان آية في البيان والتبيين..

موقع “هسبريس” يقدم مقتطفات من هذا الكتاب خلال شهر رمضان المبارك، اعتمادا على تقديم له نشرته الدكتورة آمنة اللوه في مجلة “البحث العلمي” والتي أصدرها المعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط، سنة 1985.

الحلقة: الثالثة: الفاسيون أسعد من الأمريكان

عندما يسألني الدليل عن المكان الذي نوجد به، أتلفت حولي فيخيل إلي أنني أوجد في نفس المكان والزقاق، فباستثناء بعض الأحياء المميزة كالقصر الملكي أو حي الملاح الموجودين خارج الأسوار القديمة، فإن كل شيء سواء بنسب إلي، نعم كل شيء سواء ولكن ليس رتيباً، والمكان الوحيد الذي لا يمكن أن أخطئه هو ساحة النجارين ذات الرائحة الخشبية التي تهمس فيها المياه وتغمرها الشمس، ولا يوجد باب قصر ملكي يمكن أن ينافس هذا الباب الذي أراه هنا، وقد استعمل واجهة لفندق ينام في فنائه ينافس هذا الباب الذي أراه هنا، وقد استعمل واجهة لفندق ينام في فنائه الحمالون مع بغالهم في أخوة انسجام. ماذا عساني أقول، إن المساجد المقدسة نفسها : مسجد مولاي إدريس، ومسجد الأندلسيين، ومسجد القرويين ليس بها أبواب يمكن مقارنتها بباب هذا الفندق القديم المتداعي، أناقة وزخرفة، إنه محمل مطرز بأيدي جنيات ساحرات”.

ويتوقف الكاتب أمام هذا الباب الأثري متأملاً جزيئات الفنية وواصفا دقة صنعه في جلال، وكأنه في موقف خشوع وتعبد، وعندما تعرض للسقاية المقامة إزاء هذا الفندق والمتكئة على حائط من الموزيك الملون أضاف، بدل أن يقول إنها جعلت لسقي البهائم: “إن هذه السقاية إنما شيدت لوضوء أمير وهو متجه لأداء صلاة أو وهو في طريقه إلى قصره الفخم، أي متعة أجدها وأنا أسرع إلى دفقها الصافي، أبلل يدي المحمومتين”.

فضيلة الصبر

ثم ينتقل كاريو إلى تأكيد حقيقة أخرى فيقول :”لكي نستمتع بمباهج فاس فإن الفضيلة التي لابد من التحلي بها هي فضيلة الصبر .. هنا كل شيء مخطط حتى لا يقع التزاحم، كل واحد يمر وراء الآخر، كل واحد ينتظر دوره، كل الأزقة المترفة ضيقة: الجواهرية والحرارية والزرابية، تأملوا مداخل القصر، فلكي تجتازها يجب لملمة السلاهم الفضفاضة، انظروا أدراج المنازل الشهيرة يندر أن تجد فيها سلما يمكن أيصعد منه فارس وبجانبه سيدة مقدما لها يده على طريقة فرساي”.

– البذخ والراحة موجدان في الداخل !

هكذا قال دليلي.

وبالنسبة إلي، فان السحر يوجد أيضاً خارج المنازل، سحر الجو العريق في القدم، هذا السحر العذب الذي يجعلنا نعيش في الحقيقة كما عشنا من قبل في الخيال عندما كنا نتأمل عبر المدن الأندلسية القديمة آثار الوجود الإسلامي !

الوجود الإسلامي:

يتغنى كاريو بالوجود الإسلامي فيقول: يا لسكون الوجود الإسلامي، إنه الشعر والفلسفة والرسوخ ! إنه ما يسمى في أمريكا بالبذخ، يخيل إلي وأنا أراه من هنا أنه أحد الأغلاط الكبرى للمغرب، وأتساءل: ما الذي ابتكرته الدول العصرية المتطرفة لإسعاد البشر، إنها لم تبتكر إلا سرعة المشي، والصعود إلى علو أكثر، وبالإجمال، الزيادة في عذاب العالم وشقاء الإنسان، وأرى أن فاس ليس بها تليفونات أو مصاعد ولا تراموايات كهربائية ولا سيارات، فأصيح إلى أقوال الفاسيين: لسنا أعداء التجديد إذا كان فيه ما يفيدنا، حينئذ نقبله ونصغي إليه .. تذكروا تاريخنا وأصالتنا، فعندما يقدم لنا شخص شيء جديداً جميلاً كما فعل سيدنا محمد عندما أكرمنا بالإسلام فإننا حينئذ نقبل عطاءه بل ونجزي له الجزاء الأوفى ونحن راضون.. وأما الذي تقدمونه لنا أنتم، فهو ليس خيراً مما عندنا، ورغم أن أصدقائي المستقبليين يغضبون مني فإني أصرح من أعماق ضميري أن هؤلاء الفاسيين على حق، ولست أقول هذا تناقضاً بل عن اقتناع ذاتي قد بدأ يتكون في نفسي عندما رأيت منذ عدة أعوام عرب عدن وهم يضحكون من الانجليز ..

وأخذ هذا الاقتناع يتأصل عندي إلى حد جعلني أغبط هؤلاء الفاسيين على ما يتمتعون به من اطمئنان النفسي، هؤلاء الفاسيون الذين ينظرون إلي وأنا أمر أمامهم بشيء من الاستخفاف وكثير من الإشفاق، وإذا كانت الروحانيات هي الملذات الحقيقية التي تعطي للحياة قيمة ومعنى، فلا شك أن الفاسي هو أسعد من أولئك الأمريكان أصحاب الأجهزة الكهربائية.

والدليل على أني ليست مخطئاً فيما أقول هو ما قرأته للسيدة هورطون بويرطون، إذ انها تعترف بان البسمة غابت عن الوجوه في الولايات المتحدة منذ أعوام كثيرة .. فعلاً، إن شعبا لا يضحك هو شعب تعس، وعلى هذا، فالشعب الذي يضحك دائما ومن أعماق القلب جدير بأن يسعد ويحسد وفاس لا تضحك فحسب بل تغني أيضاً.

‫تعليقات الزوار

4
  • مغربي
    الخميس 4 غشت 2011 - 05:14

    فاس مدينة العجائب كل من زارها إلا ورجع به الزمان إلى الماضي الجميل.تحمل في مدينتها العتيقة آلاف الأسرار والذكريات،فليفتخر كل مغربي بهذه المدينة التي تبرز تاريخ وحضارة وتراث المغرب،ولنحافظ عليه لأبنائنا_

  • SAAD
    الخميس 4 غشت 2011 - 16:22

    بالفعل أنامل غربية و غير مسامة أبدعت الوصل …..
    اللهم احفظ فاس و أهل فاس والمغرب وأعز المغاربة

  • مغربية
    الجمعة 5 غشت 2011 - 00:52

    هناك رجل صحراوي بسيط من الجنوب الشرقي قال قولة مشهورة و هي: يا ربي دي ناس فاس ل الجنة و دينا احنا لفاس
    اكيد انه قرا كتاب "فاس الاندلسية"، الراجل كان بيزاكر من ورانا ههههه

  • karim hatimi
    السبت 6 غشت 2011 - 16:18

    c'est vrai que les fassis sont plus joyeux que les amricains!donc ils jouissent d'une vie plus riche que les américains donc les marocains n'ont plus besoins de remplir des fiches pour en avoir green carte,puisque la paradis est chez eux!il se peut que le citoyen ne voit pas bien,ou il se peut que appas el fassi et son clan seuls voient fes tel!hors pour moi qui est toi le simple peuble fes est un vaste mouroir!et le mouroir est un mot qui attire la chose!

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05 3

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30 1

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09 17

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب