شذرات من ذاكرة صحافي .. كن أنت أنت!

شذرات من ذاكرة صحافي .. كن أنت أنت!
الأربعاء 23 ماي 2018 - 17:00

حول حاسوبي تطوف حشرة صغيرة..يجذبها الضوء وتجذبني الكلمات..مخلوقان يتسامران في ليلة رمضانية دافئة؛ هي تفرد الجناح باحثة عن ومضة الضوء، وأنا أفرد الشباك لعل كلمة تقع في الفخاخ المنصوبة.

وإنما أنقب عن العبارة في الأعماق، أراها في مخيلتي صورا تتحرك، ثم تنبعث من الخيال كلماتٍ على الورق. وقد يتعكر المزاج فتغبش الرؤية..ولكن المبدع النبيه يفر – ما أمكنه ذلك – من مزاجيته الطارئة وكسله الفطري.

وتُعلّمنا التجارب الرائدة أن أنسب الطرق إلى الإبداع تكمن في التمرين اليومي؛ أما الموهبة فإن أقصى أعطياتها هي الدفق العاطفي والنباهة العقلية وسرعة التعلم. ثم لا يشتد عود الكاتب ويشب عن الطوق حتى يَنغمر في البحر اللجي، يغرف منه كل يوم غرفة.

وليس من اللغو أن نقول إنه شأن قريب من مفهوم التكوين المستمر، ولكنه تكوين ذاتي في المقام الأول، وممتد في الزمن بعد ذلك. وآية ذلك، بلا ريب، وآلته هي القراءة؛ وهي فعل إنساني نبيل لا يتيح مزيدا من المعلومات فحسب، ولكنه يفتح آفاق العقل ويثري عواطف الروح..إنه يمنح حيوات عديدة..في عمر واحد!.

وذلك أمر مشاهد ومعاش، وفيه قال عباس محمود العقاد، وهو أحد أشهر كتاب العربية: “لا أحب الكتب لأنني زاهد في الحياة..ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني”.

والكتابة رديفة القراءة، ولكن في التسليم بهذه القناعة مزلق التقليد، وبه زلت أقدام مبدعين كثر. وفي عصرنا الحالي ما لا يحصى من المنتجات الفنية في كل يوم، ولكنَّ ما يمكث في الأرض أقلُّ من القليل.

وبصرف النظر عن الأهمية المتزايدة لطرائق الإعلان وتقنيات التسويق، فإن ما يساهم في انتشار هذه المنتجات لا ينفك أن يكون “الأصالة الإبداعية”، وهي تعني شيئا واحدا: ألا تلقد أحدا..وأن تكون أنت أنت!.

وعلى ما يبدو فيها من يسر واستسهال فإنها مطلب عسير؛ والفنان، أي فنان، إنما هو خليط من قراءات متعددة وأساليب إبداعية ومدارس فنية، وحين يبدع فإنما يستقي من هذه البئر العميقة..وهي – كما ترى – خليط وركام!.

فيكيف، إذن، ينبعث المبدع من وسط الركام لا يشبه أحدا سواه؟..وأي عصا سحرية يضرب بها على الخليط المتنافر فتنجمع عناصره وتلتحم وتنسجم؟..

إن العملية الإبداعية، بكل تعقيداتها وفي كل مراحلها محض تجربة شخصية يصعب تعميم نتائجها؛ أي إنها تجربة متفردة وغير قابلة للقياس..أعني، يا صديقي، أن بذرة الإبداع قد زرعت فيك أنت..وإنما تنمو وتزهر حين تُسقى بماء تفردك!.

أما هذا المخلوق الصغير فلازال يطوف على الضوء المنبعث من حاسوبي، وأسأله هامسا: ألم تشبع من الضوء بعد؟..

فأجيب نفسي وقد سبحت بعيدا: ومن يشبع من سحر الكلمات؟.

‫تعليقات الزوار

1
  • مصطفى
    الأربعاء 23 ماي 2018 - 20:29

    يعتقد القارئ، بوعي تام، أن ما يكتبه الكاتب هنا حول عملية الابداع والوسائل الصعبة للامساك بها، هي قضية رأي يمكن أن يدلي به الكاتب في أسطر معدودة ثم يمضي إلى موضوع مختلف، ولكن قدرة الكاتب تفرغ هذا المفهوم من محتواه، لأنه يقودنا معه في رحلة شاقة ومضنية لفهم أدق التفاصيل المتعلقة بصناعة الابداع الحقيقي.. بل وخلق ابتكار لا مثيل له وسط هذا النتاج الابداعي المتواصل.. لقد اختار الكاتب هنا أن يكتب في مجال صعب وشاق ويحتاج إلى نفس طويل، ولكنني أعتقد أنه سينحو باتجاه مناح عدة تتعلق بالكتابة والكتاب .. هكذا لكي يعطينا فسحة أكثر لقراءة متجددة تعتمد النبش في قضايا أخرى… ننتظر

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة