في اشتوكة أيت باها .. إصرار سيزيفي على رتق جِرَاح الفيضانات

في اشتوكة أيت باها .. إصرار سيزيفي على رتق جِرَاح الفيضانات
الخميس 18 دجنبر 2014 - 07:00

تعودُ “رقية”، من دوار “إمي وْغكَمي” نهاراً إلى منزلها المدمّر، تطل على أطلاله بالحزن الذي يتملكها، وذكريات الزمن الجميل تعتصر رُوحها. تركت نموذجا مأساويا لأزيد من مائتي شخص ذهبت خصوصية حياتهم أدراج رياح تكشف المستور وأدق تفاصيل الأمور.

في فضاءات جانبية، تتناثر فيها حجرات متهالكة، هي كل ما بقيَ على الأرض من مبانٍ، تجلس رقية وجاراتها، وحولهّن يتراكم أثاث غارق في مياه الأمطار، كان يزين، قبل أيام، بيت العائلة الذي أتَتْ عليه الأمطار “دكّاً دكاً “.

فما إن انقشعت غيوم العاصفة الجوية الماطرة عن سماء جماعة “سيدي بوسحاب” السهلية، حتى بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها، لكنّ هذا الواقع لا ينطبق على أولئك المشردين ممن لجؤوا للمدارس أو فرّوا منها صوب منازل أقاربهم أو أصدقائهم، هربا من البرد القارس وانعدام الخدمات.

وتنطق قصة معاناة عائلة “رقية” (57 عاما) المنكوبة، بواقع المئات من الأسر التي غمرت المياهُ منازلهم، من بينها أزيد من 140 أسرة انهارت مساكنهم الطينية جزئيا أو كليا.

وتشتكي التي مكثت منها، ليومين، داخل خيمةٍ نُصّبت وسط المدشر، قبل أن يتم توزيعها، بمعية جاراتها، وينزلن ضيفات “فوق العادة ” على أقارب لهن، من البرد القارس وقلة الأغطية وصعوبة قضاء أفراد العائلة حوائجهم، بعد أن خرجوا خاليي الوفاض من أي من متاعهم المغمور مع منزلهم بالمياه .

هذا الوضع آلَم كثيرا فعاليات من المجتمع المدني التنموي بالإقليم وتحركت لإطلاق مبادرات تضامنية محفوفة بأشكال دعم ومساندة المتضررين.

ضيوف “خدمة إنسانية”

وهي تُحصي ما دمَّرته قوة الفيضانات وغضب الأودية، أيقظها ضيوف الخدمة الإنسانية من جمعية “تيويزي” التنموية بإقليم اشتوكة أيت باها في مبادرة تضامنية وحّدت نسيجا جمعويا مكونا من النادي الدولي “روتاري أكادير” والمقاولين الشباب، وجدتْ لديهم هذه الصرخات الآتية من ربوع جماعة سيدي يوسحاب صدى قويا دفعتهم لتسخير جهودهم فلبوا النداء. ويعتبر “خالد ألعيوض” رئيس جمعية “تيويزي”، أن هذا التحرّك محكوم بخلفية “تنزيل المفهوم السليم والاجتماعي لقيم التضامن المشكِّلة لجزء غير يسير من التراث غير المادّي”.

موضحا أن “الانبهار بلغ قمته بعدما تجاوبت أسر كثيرة لهذا التدخل الاستعجالي، بإيواء أفراد من عائلات فقد أفرادها كل شيء بعد النكبة المطرية، حتى صار الوضع أقرب إلى مراكز إيواء عائلية قائمة الذات”.

مراكز إيواء عائلية استوفت الثلاثين!

بيْد أن الوضع قد يزداد تعقيدا، بحسب ما يرويه “صالح”، الذي لا يخفي اعتزازه بنُبل هذه المبادرات العفوية المحلية، إذ أنَّ منازل أقاربه تأوي عددا من أشقائه وأقاربه المنكوبين، “لكن لم يعد هناك مُتَّسع لاستيعاب مزيد من الأسر”، داعيا السلطات والمصالح المعنية إلى التحرك العاجل لوضع نقطة نهاية لمعاناتهم.

وكانت مبادرة “تيويزي” وشركائها الجمعويين والتنمويين، قدمت مَعُونات إغاثية لفائدة الأسر المتضررة، شملت أغطية ومؤناً غذائية مختلفة، فضلا عن مستلزمات استكمال الدراسة للأطفال، إذ تتم العملية من خلال زيارة ميدانية للمتضررين ومعاينة منازلهم، وتقديم المساعدة لهم بعين المكان.

الوضع بهذه المنطقة، يحتاج اليوم إلى ما هو أكثر من الإغاثة العاجلة، وتشير مصادر جمعوية هناك، إلى أن الأمر يتطلب خطة متكاملة تتفق عليها كافة الأطراف الخيرية والعمومية بالإقليم، من أجل إيواء المنكوبين في مراكز محددة إلى حين إعادة ترميم وصيانة منازلهم ومتعلقاتها.

واقع مسجل “خطر”!

في السياق ذاته، يشدد “خالد ألعيوض” على ملحاحية “تصنيف هذه الأسر ضمن المنكوبة وطنيا حتى تستفيد من دعم الدولة في إعادة البناء والإعمار”؛ فالبرغم من نجاعة الجهود الإغاثية المستعجلة لاحتواء الأزمة الاجتماعية لهذه الأسر في مهدها، إلا أنّ أوضاع السواد الأعظم منها تظل مأساوية، وينتظرها مستقبل قاتم نتيجة فقدان إمكانيات المتاع والتجهيز، وصعوبة توفر مواد البناء لإعادة صيانة ما تبقى من المساكن وتأهيلها، بالنظر للضائقة المالية الشديدة التي تعاني منها الأسر المنكوبة.

وبينما تدعو أصوات أخرى بالمنطقة، إلى تكثيف الدعم لتمويل مشاريع تعمل على الحيلولة دون تعرض منازل جديدة لأخطار “غضب السماء” ويزداد الأمر تعقيدا، تكشف “جمعية العهد الجديد” التي واكبت المخلفات في دوار “أيت بناني” بالجماعة نفسها، وبنبرة استغاثة صارخة، عن فداحة المُصاب، حيث وزعت الأمطار غضبها على أثاث المنازل والممتلكات، وامتدت إلى نفوق المواشي وإتلاف مصادر الكهرباء والماء الشروب، فضلا عن تضرر فظيع طال المسالك الطرقية.

بيد أن الأخطر، بحسب مصادر من الجمعية، يبرز في بقاء الوضع على ما هو عليه بالنسبة لمنازل آيلة للسقوط، وقد تتداعى أسقفها في لحظة غفلة لا ينشدها أحد؛ ويشير أحد الأهالي بالمنطقة ذاتها إلى منزله المكون من غرفتين، إذ أن سقف المنزل سقط ، لكن القدر لم يشأ أن يكون الأطفال شهودا حينها على الحادث حيث تضرر البيت كثيرا بفعل الأمطار.

“لقد آويت أطفالي لدى الجيران ومازالوا ضيوفا لديهم، لكن إلى متى؟”. يقول المواطن، وهو واحد ممن يخشون استمرار وضع “التشرد الرحيم” مع أطفاله، والذي طالَ عائلات أخرى، فهم يعيشون في قلق دائم دون أن يكون بمقدورهم التكهن بأوان نهايته.

فمازال الخطر قائما في منازل نسيها الزمن وجارَ عليها، باتت متهالكة وتَقطن تحت أسقفها الطينية عائلات، معها أطفال بعمر الورود، يعاندون قساوة ظروف مادية واجتماعية قاهرة ومحزنة.

في “تشرد رحيم” إلى إشعار آخر..

ما بين فضاءات الجمعيات واحتضان الجيران والأقارب، وبين رُكام المنازل المنهارة، ينتقل أبناء المنطقة إلى حياة تفتقر لمقومات ضرورية في المعيش اليومي. متى وأين وكيف ستتم إعادة الإيواء؟ أسئلة تبقى حاضرة في الأذهان، بعد أن شددت السلطات الإقليمية في آخر اجتماع موسّع لتقييم الخسائر وتحديد أسباب الكارثة، على ضرورة الإسراع في إعداد برامج عملية لمساندة المنكوبين والتخفيف من معاناتهم، وإدراج الفيضانات كمعطى هيكلي في الاستراتيجية التنموية للإقليم.

الاجتماع ذاته خلُص إلى التشديد على أهمية اللحظة في استمرار التعبئة لتجاوز هذه الوضعية المعقدة، مع التنويه بمختلف التدخلات التي مكّنت من إنقاذ العديد من المنكوبين، وتقديم الدعم لهم، والإسراع في إنجاز وإتمام مختلف المشاريع المبرمجة في المخطط الإقليمي للوقاية من الفيضانات، فضلا عن التوجه إلى بناء منشآت مائية جديدة، خصوصا السدود التلية في المناطق المسجلة “خطر”.

‫تعليقات الزوار

8
  • ابن محمد / ابو الجعد
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 07:59

    اقليم اشتوكة أين باها ينقسم الى منطقتين:
    ١- منطقة سهلية تشقها الطريق الوطنية رقم ١ المتجهة نحو تيزنيت والصحراء يتم بها تشيد البنايات بالمواد الصالحة من إسمنت ورمل و……تراعي السلامة الشيء الذي ميز هذه المنطقة بعدم حدوث اجرافات كما وقع فيها سابقا بمنطقة ماسة لبنايات قديمة
    ٢- منطقة جبلية لازال البناء العشوائي فيها منتشرا في الجماعات التالية: ايمي امقورن، تسكدلت، هلالة، اداوكنيديف، تيزينتاكوشت، تاركانتوشكا، تنالت، أيت وادريم،
    كما يظهر من خلال الصور ان مواد البناء لاتتكون الا من التربة عادية بدون صلب ولا اسمنت ولا رمل الشيء الذي يجعلها آيلة للسقوط
    اما ما تم تجديده بمواد البناء الضرورية فلم يتاثر من الأحوال الجوية الماضية
    لدا لا فايدة من البكاء على الاطلال بل تكثيف الإرشاد وسط ساكنة المنطقة الاتحاد الإجراءات الضرورية لسلامتهم خلال عملية بناء مساكنهم والعزوف عن عملية التويزة في البناء بالتربة خلال الصيف مع الاحتفاظ بالتويزة لكن باستعمال المواد الصالحة للبناء .

  • ناس الغيوان
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 09:45

    (ناس الغيوان) ما هموني غير الرجال يلا ضاعو الحيوط يلا رابو كلها يبني دار
    الله يرحم المنجرة و الزايدي و باها و بسطاوي و ………

  • omar Ait Bennani
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 10:41

    نطالب الجهات الحكومية وملك البلاد صاحب الجلالة محمد السادس لإعلان منطقة جماعة سيدي بوسحاب كمنطقة منكوبة والتدخل العاجل لإيواء المنكوبين الذي تجاوز عددهم 200 منزل حكم عليه القدر بالهدم…مرت بالضبط 20 يوما على هذه الكارثة الطبيعية ولم نلاحظ تجاوب السلطة المحلية في شخص قيادة إمي مقورن وعمالة شتوكة أيت أيت باها لإرسال لجنة اليقظة لإحصاء السكان المنكوبين وتعويضهم في أسرع وقت ممكن…لا حول ولا قوة إلا بالله…

  • mohamed
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 11:27

    dans toutes les situations difficiles que ce soit en raison de catastrophes naturelles ou humaines les marocains se sont toujours rendus compte de l'absence de l'état lequel a demissioner de la vie des marocains .et pourtant il continue de percevoir les impôts que les marocains ne comprennent à quoi ils servent.

  • اسمعوا وعوا
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 12:38

    البرلمان الأوروبي يصادق على قانون يسمح بإعادة المهاجرين الأفارقة للمغرب.. فهل سيتحمل المغرب وحده مسؤولية استقبال المهاجرين الأفارقة¿ وهل من حق المغرب أن يتعامل مع هؤلاء المهاجرين بنفس الإجراء وهو إعادتهم إلى البلدان التي يأتون منها خاصة الجزائر، التي تفتح الباب على مصراعيه أمام هؤلاء ليصلوا إلى المغرب، بل إنها في الكثير من الحالات تطردهم نحو المغرب عوض أن تعيدهم إلى الحدود التي أتوا منها

  • mjid
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 17:33

    ils sont ou les lettres de consolation pour ces gens ou bien eux sont pas des artistes qui passent a la tele magesté ???? reponse au comm n 1 t as qu a leur donner de l argent pour construire avec du solide sinon ferme ta g….

  • رئيس جمعية بدوار بتيزنيت
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 18:10

    شكرا أخي على التوضيحات .ما نعاينه من تقاعس في الواقع يجعلنا نحس بالحكرة .فالحصول فقط على جرافة لهدم منازل آيلة للسقوط تشكل خطر كبير على المنازل المجاورة والمارة تطلب منا طرق جميع الأبواب من:رئيس الجماعة و القائد وبعدهم السيد العامل .ولم يلبى طلبنا إلى حدود اللحظة رغم معاينتهم لخطورة الوضع.وما بالكم بإصلاحها أو بنائها.

  • ahmed
    الخميس 18 دجنبر 2014 - 19:57

    شكر خاص لهسبريس ،منبر من لا منبر له،على الموضوع وتحية خاصة للمناضل م.و.
    نتساءل و إياكم إلى متى سيؤدي المغاربة أجرة جهاز التعتيم الرسمي؟ ألم يحن الوقت لبيع كل وسائل الإعلام الحكومية؟ و الله يعاونكم مع ثمنها غير على ربي متزيدوش الشحمة فظهر المعلوف

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة