قصبات النقوب .. صرحٌ تاريخيٌّ ينتظر اليونسكو لتعيد إليه الروح

قصبات النقوب .. صرحٌ تاريخيٌّ ينتظر اليونسكو لتعيد إليه الروح
السبت 18 فبراير 2017 - 10:00

بين عبق الماضي وذكريات الزمن، ما زالت بلدة النقوب، بقصباتها الساحرة المنتشرة هنا وهناك، تأخذك شغفا وحنينا لاكتشاف أسرار المنطقة التي تنام على وقع الآثار والتاريخ، بالرغم من اهتراء جدران بعضها وتأثير الأيام عليها.

لعل الزائر لبلدة النقوب التابعة للنفوذ الترابي لإقليم زاكورة يلاحظ أن بعض القصبات التي تتميز بها المنطقة تصارع من أجل البقاء وتتشبث بجذورها، لعلها تقاوم الزمن والطبيعة للحفاظ على وجودها من الزوال الذي أصابها، بالرغم من بعض الترميمات العشوائية التي لم تُجد نفعا لإزالة آثار الإهمال.

القصبات الخمس والأربعون الشامخة والمترابطة وسط بلدة النقوب ترسم صورة جميلة وتسافر بك من الحاضر إلى الماضي، بالرغم من أن بعضها يعاني الإهمال الذي بدأ في طمس معالمها. كما أن التقلبات المناخية من بين أهم الأمراض التي تنخر جسد هذه القصبات التي قاومت عقود من الزمن.

وتعود تسمية بلدة النقوب إلى ذلك “الغار” الذي يوجد بالمنطقة؛ وهو غار مفتوح من جهتين، كان يعد نقطة توقف القوافل التجارية التي كانت تنتقل من جهة الشمال (جبال صاغرو) نحو الجنوب (واحة درعة).

اعتمد أهل منطقة النقوب، في مرحلة سابقة، على الفلاحة كمصدر لكسب العيش؛ لكن الاعتماد أصبح، مع بداية سنوات الثمانينيات من القرن الماضي التي عرفت خلاله المنطقة جفافا استمر لمدة طويلة وأدى إلى تقلص التساقطات المطرية، على عائدات الجالية المقيمة بالمهجر وعلى السياحة والتجارة لكسب القوت وضمان مصاريف الحياة.

الخطارة شاهدة العصر

في سنة 1896 ميلادية، حلت أول عائلة بمنطقة النقوب واتخذت خيمة مسكنا لها. وحسب محمد فكري، الباحث في تاريخ المنطقة وتراثها؛ فقد كانت هذه العائلة تعتمد على الفلاحة والرعي في ضمان مصدر عيشها. وقد عملت العائلة ذاتها، بمساعدة الوافدين الآخرين، على إقامة “الخطارة” التي وصفها الباحث سالف الذكر بالكنز التاريخي، مشيرا إلى أن تلك المعلمة ما زالت شاهدة على ذلك العصر الذهبي.

وتمتد الخطارة، التي تستفيد منها ساكنة النقوب المنتمية إلى قبيلة أيت عطا “عظم” آيت أونير، على مسافة ثلاثة كيلومترات وبعمق يقدر بحوالي مترين.

وكان أهل المنطقة الأوائل يستعملون ماء هذه الخطارة في سقي الحقول الفلاحية والحيوانات والبشر أيضا، وللبعض ذكريات جميلة معها والعكس للبعض الآخر.

القصبات من الطين

وتعدّ القصبات التي شيدت بالطين ذاكرة أهل المنطقة، حيث يسترجعون ذكريات ماضيهم ومجد أجدادهم وبطولات آبائهم، ويشدهم الحنين إلى الماضي وذكريات الزمن الجميل الذي رسموا معالمه الأولى في تلك القصبات التي ترعرعوا وتزوجوا فيها.

وهنا، يقول محمد فكري، الباحث في تاريخ المنطقة وتراثها، في حديثه مع هسبريس، إن “هذه القصبات كنز تاريخي، نسترجع من خلالها ذكريات شبابنا”، وزاد: “أملنا الوحيد، الذي نسعى إلى تحقيقه، هو ترميم جميع القصبات مترامية الأطراف ببلدة النقوب بدون استثناء، واستغلالها في الترويج السياحي”.

وقال المتحدث إن مشروع الترميم الخاص بالقصبات بدأ منذ سنة 1998، مشيرا إلى أن الراحل إبراهيم الورزازي المعروف بـ”بها بها” هو من أعطى الانطلاقة لهذا المشروع وبدأه في قصبته “BAHA BAHA”. ووفق المتحدث ذاته، فقد وصل عدد القصبات التي استفادت من هذا المشروع حوالي عشر قصبات، في انتظار ترميم القصبات الأخرى التي تعتبر مرآة النقوب.

وذكر الباحث في تاريخ منطقة النقوب وتراثها بأن “على جميع المسؤولين الإداريين والمنتخبين العمل على ترميم القصبات، التي بدأ الإهمال يظهر على واجهات بعضها، بسبب عدة عوامل أهمها الطبيعية.

السياحة.. غياب التعريف

تعدّ السياحة مصدر عيش أغلب العائلات ببلدة النقوب، نظرا لما تزخر به البلدة المذكورة من مؤهلات طبيعية سياحية ومآثر تاريخية جعلتها قبلة للسياح، خاصة في فصل الصيف، إضافة إلى سلسلة الجبال المحيطة بها التي تجذب عشاق السياحة الجبلية والقادمين من مختلف الدول الأوروبية والأسيوية.

أحمد آيت حميد، رئيس جمعية الاستقبال السياحي، قال، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن منطقة النقوب تتوفر على حوالي اثني عشر مشروعا سياحيا، إضافة إلى خمسة مشاريع سياحة أخرى جبلية عبارة عن مأوي مرحلية.

وشدد المتحدث على أن السياحة بمنطقة النقوب تعاني عدة مشاكل؛ أهمها التسويق والتعريف بالمؤهلات التي تزخر بها المنطقة سالفة الذكر ونواحيها، مذكرا بأن اللوحات الإشهارية تلعب دورا مهما في التعريف بالسياحة؛ وهو ما لا يوجد ببلدة النقوب، حسب تعبيره.

كما دعا رئيس جمعية الاستقبال السياحي السلطات الإدارية والمنتخبة إلى ضرورة تطبيق قانون توحيد صباغة الواجهات بلون القصبات بغية الحفاظ على أصالتهما ولونهما الأصلي، والذي وصفه آيت حميد بـ”الجاذب”.

من جهته، قال منعش سياحي آخر، فضّل عدم الكشف عن هويته، إن الوزارة المكلفة بقطاع السياحة لا تهتم بهذه المناطق التي وصفها بـ”غير النافعة” لهم، مضيفا: “منطقتنا فيها جميع المواصفات التي ستجعلها تنافس المدن السياحية؛ ولكن الدولة لها رأي آخر، وتعتبر المنطقة سجنا للمساجين وليس جنة السياح”، حسب تعبير المتحدث.

واستطرد المتحدث، وعلى وجهه علامات اليأس، بالقول إن “مسؤولي قطاع السياحة ليست لديهم خطة واضحة لإنقاذ المغرب، وخاصة مناطق الجنوب الشرقي من الإفلاس السياحي”، مردفا بـقوله: “نطالب جلالة الملك بزيارة مناطقنا لتحريكها سياحيا واقتصاديا؛ لأنه بدون زيارته فالمسؤولون لا يهتمون بمشاكل القطاع والعباد”، يضيف المتحدث.

وعلى بعد 12 كيلومترا عن مركز بلدة النقوب في اتجاه جبال صاغرو، وبالضبط المنطقة التي تسمى “أودراز” توجد بعض المآثر التاريخية “الصخور النقشية”، والتي تنتظر تصنيفها من لدن القطاع الوصي، للمساهمة في الترويج السياحي والتعريف بالمنطقة.

ودعا أحمد آيت حميد، رئيس جمعية الاستقبال السياحي، وزارة الثقافة ومنظمة اليونسيكو الدولية إلى العمل على تصنيف النقوش الصخرية التي توجد بـ”أودراز” والقصبات الخمس والأربعين بوسط بلد النقوب ضمن التراث العالمي.

غياب برامج تنموية

وخلال الجولة التي قامت بها هسبريس ببلدة النقوب، التقت بعدد من المواطنين، الذين يشتكون غياب برامج تنموية تنقدهم وأبناءهم من شبح البطالة الذي لازمهم منذ سنوات، مطالبين الجهات المسؤولة بإعداد برنامج تنموي كفيل بإنقاذهم من الوضعية المزرية التي باتوا يعيشون في ظلها.

ويقول صالح، الذي يبلغ من العمر حوالي 54 سنة، إن “منطقة النقوب هي جنة؛ لكن مسؤوليها جعلوها جهنم تلتهم الشباب”، وزاد: “بسبب غياب فرص عمل، فأولادنا يستهلكون المخدرات والممنوعات، التي تجعلهم غرباء وسط بلدتهم وعائلتهم”.

وطالب المتحدث “المسؤولين برد الاعتبار إلى القطاعين السياحي والثقافي ببلدة النقوب، حتى تتمكن شريحة مهمة من الشباب بالظفر بفرصة عمل تقيهم عذاب البطالة ومرارتها”، وفق تعبيره.

وحاولت هسبريس الاتصال برئيس جماعة النقوب، والقائمين على تدبير مندوبية وزارة الثقافة، لاستفسارهم حول الموضوع؛ لكن هواتفهم ظلت ترن دون ردّ.

‫تعليقات الزوار

14
  • الطاطاوي
    السبت 18 فبراير 2017 - 10:20

    انا ازور النقوب 4 مراة في السنة.
    فقد عانت من الاهمال والتهميش من كل ناحية.
    لا يوجد فيها من المرافق الا لابريكاد الدرك الملكي.
    علما ان المجلس المحلي قام بخدمات جبارة رغم الإمكانيات الهزيلة.
    هده البلدة تعاني من مشكل عدم الاستقرار الساكنة نظرا لعدم وجود مقومات الحياة. وهدا اكبر تحدي تواجهه.

  • سندباد
    السبت 18 فبراير 2017 - 10:37

    إن منطقة النقوب بقصورها ذات الحمولة التاريخية. تعتبر جزءاً من تاريخ المغرب. الذي عرف بقوافله الصحراوية المحملة بالبهارات والتبر والكل كان يجلب من إفريقيا جنوب الصحراء. لهذا من المفروض العناية بهذه المنطقة، ومن خلالها تاريخ البﻻد.

  • saccco
    السبت 18 فبراير 2017 - 10:44

    اتساءل دائما لماذا لم يتم استلهام وتطوير هذه الهندسة المحلية الرائعة للبناء في مدننا مثلا لبناء المؤسسات العمومية وكذلك الخصوصية كالفيلات وغيرها
    مجرد رؤية هذه القصبات وكيفية تصاميمها تجعل تسبح في عمق الزمان والمكان المغربي

  • ولد النقوب
    السبت 18 فبراير 2017 - 10:59

    شكرا هسبريس على الالتفاتة صراحة معظم القصبات تعاني الاهمال والتهميش. وتعيش مشاكل في غياب تام للمسؤولين محليين واقليميين وجهويين ومركزيين . نطالب زيارة جلالة الملك لهذه المناطق لرد لها الاعتبار شكرا لصاحب المقال

  • Lamya
    السبت 18 فبراير 2017 - 11:10

    شكرا جزيلا لهسبريس على هذه الالتفاتة لهذه المنطقة المهمشة و المنسية. فعلا هذه المنطقة جميلة و هادئة ويمكن للانسان الاستمتاع بالنظر الى النجوم ليلا و تزخر بماثر التاريخية, التي يجب ترميمها و استثمارها في السياحة و التعريف بها و انشاء فنادق عصرية على غرار القصبات للحفاظ على جمالية هذا المعمار الفريد لارتباطه الفريد بالطبيعة و ايضا استعمال الصناعة التقليدية المحلية لتاثيتها..

  • احمد
    السبت 18 فبراير 2017 - 11:20

    فعلا القصبات تعاني الاهمال والتهميش. ولابد من برامج استراتيجية تنموية للاعتناء بها سياحيا وثقافيا والتعريف بالمنطقة

  • حسان اوحماد ايت الطالب
    السبت 18 فبراير 2017 - 11:20

    تحية تقدير أب الشباب الفاعل في حراك المجتمع المدني المحلي بالنقوب ونواحيه. فقد فهم ان صيانة الذاكرة والعمران وإسماع صوت المواطنين الصامدين بهذا المنطقة المنسية خلال وقفات أمام البرلمان للمطالبة بحق التوفر على الماء الشروب كاحد شروط استمرار الحياة توجه في الطريق الصحيح لاسترجاع كرامة رجال ونساء شارك أجدادهم في ملحمة معركة بوكافر الشهيرة.

  • NKOBI
    السبت 18 فبراير 2017 - 11:48

    ما لم تتغبر عقلية سكان النقوب و أيت أوزين، فلا يمكن لأي شيء أن يتغير، في الجنوب الشرقي المغربي بشكل عام السكان يتسمون بروح المساعدة و قبول الاخر، لكن هنا فذواتنا منغلقة بشكل منقطع النظير. ينبغي إعادة النظر في نمطنا البائد. أعترف بكل صراحة و أنا من النقوب أبدا عن جد.

  • سوسي
    السبت 18 فبراير 2017 - 12:51

    ومتى سيتم ترميم قصبة اكادير اوفلا المطلة على البحر

  • sami
    السبت 18 فبراير 2017 - 12:58

    اولا انتم لا تعتبرون الجنوب من المغرب خصوصا ورزازات المنسية اهملتم مطارها لتردو مصالحكم ترا ماذا يوجد في مراكش لا شى سوا الفساد تم الفساد سلبتم كل شى لي ورزازات من تروات بشرية ومعدنية حتى انا الشخص الورزازي لا يريد منكم شى دعنكم الله

  • Moha ain leuh
    السبت 18 فبراير 2017 - 12:59

    C'est un centre qui mérite beaucoup d'actions positives et évolutives à savoir sa création et sa dénomination resultent des confrontations et de multiples luttes contre les colons nkoub= passage déguisé c'est la capitale du cristal (blar) il est souhaitable d'intevenir allez-y les départements gouvernementaux

  • ex prof
    السبت 18 فبراير 2017 - 14:00

    je garde un très bon souvenir de mes trois première .
    annees de travail a ait wallal

  • Xaxa
    السبت 18 فبراير 2017 - 16:31

    للاسف الشديد رغم العراقة و الجدارة في التاريخ، رغم الموروث المادي العمراني التي تعرف و تزخر بها المنطقة. لكن غياب الماء الصالح للشرب يجعلها ضمن اللاشيء
    لان مصدر اي تنمية هو الماء اولا و اخيرا

  • MHAMED NKOB
    السبت 18 فبراير 2017 - 23:10

    شكرا جزيلا لهسبريس على هذه الالتفاتة لهذه المنطقة المهمشة و المنسية. فلا ى يخفي عليكم أنه مؤخرا قامت إحدى الجهات المسؤلة بالسياحة بإصلاحات لهذه القصبات لكن مع الأسف قامت فقط بإصلاح خارج البنايات ام داخل البنايات لم يطرء عليه أي تغير والغريب في الآمر أنه استنزفت مزانية ظخمة من المسؤل ؟

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين