"البرادع " التقليدية في شفشاون .. رائحة الأجداد وصهوات الطّرقات

"البرادع " التقليدية في شفشاون .. رائحة الأجداد وصهوات الطّرقات
الخميس 22 مارس 2018 - 10:00

هو المكان والإنسان وشرارة الجماليات وأثر المجتمعات في الصناعات التقليدية بمدينة شفشاون، التي اندثر بعضها.. وما زال بعضها الآخر يواجه تحدّيات ويستجمع حنينه وأنفاسه إلى زمن مضى..

في هذا الاستطلاع، سنتعرف على كيفية صنع البرادع التقليدية التي تعرف بعض الإقبال من لدن القرى المجاورة لشفشاون، إلى درجة تشبث بعض الناس بطقوس ركوب الدّابة، بالرغم من توفر وسائل النقل الحديثة، ومدى اعتمادهم عليها في قضاء مآربهم اليومية، سواء داخل القرى أو في اتجاه الأسواق الأسبوعية، وهي محمّلة بما جادت به تربة المداشر من بضائع وخضروات.

البداية وزوايا الذاكرة

يؤكد الصانع عبد الله بولعيش، الذي يبلغ من العمر 72 سنة ، وهو يمسك بزوايا الذاكرة ومسيرة حياة ويستجمع أطراف الكلام، أنه بدأ مزاولة هذا العمل منذ بداية الستينيات، وهو لا يزال شابا يافعا في فندق “شفيشو” بجوار ساحة وطاء الحمام، والذي كان يحتوي في طابقه العلوي على غرف متواضعة للمبيت، وفي الأسفل على مجموعة من الدكاكين كانت تشهد مزاولة العديد من الأنشطة والمهن التقليدية، إذ كان يوجد به مجموعة من الصناع المشتغلين بالخرازة والدرازة وحياكة الجلود.. بل وحتى بائعي الفحم والجير أيضا..

وزاد بولعيش بالقول: “أخذت هذه الصنعة على يد أربعة “مْعلمية” مشهورين هم: بنحساين، بنزاينا، قشيوش ويهودي من أصل وزاني يدعى هارون، وكان معروفا في مدينة شفشاون بصناعة هذه البرادع”.

البرادع لباس الدّابة

ذات الصانع المتحدث، الذي ظل مرتبطا أشدّ الارتباط برائحة الأجداد، أضاف أن العمل الذي يزاوله الآن لا يزال يعرف بعض الإقبال، بالرغم من النقص الملحوظ عن أجواء الذروة في الماضي، باعتبار أنه لم تكن هناك من وسائل للنقل، وكان سكان القرى المجاورة يعتمدون على هذه البرادع في التنقل على دوابهم بين المداشر والأمكنة.

واستطرد: “ما زالت هناك نسبة مهمة من سكان القرى المحيطة بحاضرة تعتمد على هذه البرادع، لأنه لا يمكن امتطاء ظهر الدابة بدونها؛ فالبرادع التي أقوم بصنعها فلاحية عادية عتيقة وتقليدية، وليست معمولة للخيول المطهمة بالنياشين وأجواء الفروسية”.

البرادع.. أية بساطة؟

فيما يخص صنع هذه البرادع، يكشف “المعلم” بولعيش أنه يعتمد على بعض الوسائل والمواد البسيطة والتقليدية، كالتبن و”السْقافْ”، هو نوع من التبن الطويل الأغصان، يتم به تسقيف جوانب البرادع، حتى تستقيم وتستوي بشكل متين، وأيضا هناك قطع الجلد والتلّيس والحائك، يتم بهم تسوية البرداع. وهي جلها مواد يقوم بخياطتها عن طريق المخرز والقنب، بعد حشو بطن البرداع بالتبن. وتستغرق مدة تجهيز بردعة واحدة حوالي الأربعة أيام، بعد ذلك يتم تزيينها وزخرفتها ببعض الأشرطة المزركشة بألوان مختلفة من الصوف، وهي مواد كانت المرأة الشفشاونية تقوم بصناعتها حتى يحصل البرداع على نوع من الجمالية الفنية الأصيلة.. وحتى لا يكون عبارة عن بطن مجوفة ومحشوة بالتبن فقط، يزيد بالقول ذات الصانع.

أعراس وبرادع

يواصل صانع البرادع بصوته الخفيض وزخمه الإنساني حديثه: “هناك العديد من القبائل المجاورة لمدينة شفشاون تأتي عندي لأخذها في مناسبات عدة، وخصوصا في الأفراح أو أثناء حفلات الزّفاف، حيث يتباهى أهل العريس ببرادعهم الجديدة بين سكان، فيتم نقل العروس عليها إلى مكان الفرح محفوفة بنغمات “الغيّاطة” والطبالة.. وأيضا في مواسم ختان الأطفال بحيث يقوم والد الطفل المختون بتغطية البردعة بمنديل أحمر ذي خطوط بيضاء، ونقل فلذة كبده عليها محفوفا بزغاريد النساء”.

وحسب المتحدث، فالبردعة التي يقوم بصنعها تبقى جيدة لمدة سنة على الأقل، وإذا وقع فيها أي ارتخاء بكثرة التنقل ونقل المواد عليها أثناء الأسواق الأسبوعية وغيرها، يتوافدون عليه أصحابها من أجل إصلاحها وتثبيت أركانها.

لقمة في مهبّ الصّهوة

يرسم المعلم بولعيش عرق لقمته وهو يرتّب حروف صنعته ويزيد بالقول: “يبقى هذا العمل أساسيا بالنسبة لي، بالرغم من أنه مرتبط بالموسم الفلاحي وبمدى رواج محصوله. أعيل أسرة، وأحمد الله أنني اكتسبت هذه الصنعة المرهونة بصهوات الدواب”. ثم يقول: “فثمن البردعة الواحدة يساوي حوالي 650 درهما، وتأخذ مني مجهوداً متواصلا من العمل.. ولم يبق في هذا الفندق إلا أنا وشخص آخر نقوم بصنعها، وأعتمد في ذلك على نفسي، لأنه لم تعد هناك (القْناعة)، والصانع الشاب لا أعتقد أنه سيكون له الصبر والقبول حتى يتعلم هذه الحرفة، خصوصا داخل هذه الطقوس المحفوفة بالغبار والضيق إلخ..”، ويزيد: “لما كنت صغيرا اشتغلت مع مْعلمينْ كبار يرحمهم الله، ولم أكن اشترط عليهم الأجر، لأنه كان همي الوحيد تعلم صنعة أداري بها عثرات الوقت”.

ويختم الحديث ذات الحِرفي الذي أحبّ مهنته بعشق وشغف، وهو يمسك بخيط التّمايز ويأخذ بعض قطع القماش بين يديه ويرتّب عناصرها، ليحوّلها إلى أشكال متناسقة ومتآلفة على ظهر البردعة.

‫تعليقات الزوار

7
  • حلالة 59
    الخميس 22 مارس 2018 - 10:31

    كيفما كان السرج و كيفما ترصع و تنمق فهو يبقى متحصرا عن الذين رافقهم في ساحات الدماء و الصدق في المعاشرة حتى النصر أو القهر. و الضفر غالبا. السرج جاء بعد البردعة ليمحي جهلها و يخلصها من الانعتاق الفرنسي. و هكذا فعل. و حرر الوطن. و انزوى الى الخلف تاركا المجال لسرج آخر و هو ظهر من حرر لهم الوطن. فالسرج الحالي يمتطوه الحثالى ليصلوا المناصب و المكاتب عبر الانتخابات.ظهر المواطن هو مفهومهم و لغتهم لا حبا في خذمته. ينهبون و يمتصون دماء المواطن و ينخرون الخزينة عبر الرواتب و المعاشات القذرة. جاهل أمي مجوف بداءي ينعم بمعاش ضخم و أجرة مكلفة. خسأتم يا من صوت لهم و خانوا الأمانة (وليس كلهم) ..

  • abdu
    الخميس 22 مارس 2018 - 11:36

    ايام كانت الخيرات والفﻻحة والبساطة ………

  • اسعار شو
    الخميس 22 مارس 2018 - 11:50

    دابا وﻻ المواطن هو البرداع واﻻسعار هي الحكومة الراكبة!!!!!!!

  • سهيل
    الخميس 22 مارس 2018 - 12:15

    تاريخ بﻻدنا غني ومتعدد الروافد. وجب المحافظة على هذه المهن من اﻻندثار

  • اﻻجداد
    الخميس 22 مارس 2018 - 13:42

    شكرا هسبريس التي تذكرنا بكنوز اﻻجداد وبعاداتهم والتقاليد

  • المجيب
    الخميس 22 مارس 2018 - 17:16

    إييييه يا البردعة !! ذكرتمونا بأغنية " علاش يا غزالي" للمرحوم المعطي بلقاسم والتي حولتها الفكاهة الشعبية الى: " علاش يا حماري وعلاش يا حماري؟ ♡♡ طيحتي البردعة ورميتي الشواري// وقلي علاش؟؟ واش العلف ما بقاش؟ ♡♡ وعلاااااااااااش يا حماري؟".

  • sidiyahya
    الخميس 22 مارس 2018 - 20:54

    تحية خالصة للسي خنيفي ولأهل شفشاون الطيبين.
    شكرا على جمال المقال وحسن انتقاء الموضوع و تكريم ذاك الصانع.
    غير أن بعض الصور تتعلق بالسروج التي توضع على ظهور الخيول. وليس على البرادع التي توضع على البغال خاصة و أن هذه الأخير هي الأقوى على التحمل والأنسب للتنقل في الطبيعة الجبلية كما هو الحال في قرى شفشاون الجميلة.

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 6

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير

صوت وصورة
تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس
الإثنين 15 أبريل 2024 - 15:55

تألق المدرسة المغربية لعلوم المهندس