البيوت الطينية في دواوير تزارين .. كنوز وإرث تاريخي مهدد بالزوال

البيوت الطينية في دواوير تزارين .. كنوز وإرث تاريخي مهدد بالزوال
الإثنين 13 ماي 2019 - 08:00

تشكل البيوت الطينية القديمة واحدة من أهم الكنوز التراثية والمعمارية التي تركت بصماتها بدواوير مركز جماعة تزارين، الواقعة جنوب شرق المغرب؛ وهو ما يجعلها مؤهلة لتصنيفها ضمن التراث العلمي.

وعلى الرغم من السنوات الطويلة التي مرت على بنائها، فإن أغلب البيوت الطينية المنتشرة في واحة مركز جماعة تزارين بإقليم زاكورة لا تزال تقف صامدة في وجه عوامل طبيعية كثيرة، بفضل أسلوب معماري الذي تعامل به “المواطن القديم” مع هذه المعالم التاريخية الشامخة، والذي ساهم في صمودها أمام كل العوامل الطبيعية التي عرفتها هذه المناطق بسبب الجفاف والتصحر وزحف الإسمنت.

وتبدو هذه البنايات الطينية المنتشرة في واحة تزارين، سواء تلك التي يقطنها أصحابها أو تلك التي تركت وأهملت وأصبحت تهدد حياة المواطنين، تشكو إهمالها وتغاضي الجهات الوصية عن حمايتها ورعايتها باعتبارها رمزا لحضارة وطنية تؤرخ للوجود الإنساني وعبقريته.

جريدة هسبريس الإلكترونية زارت هذه البنايات الطينية، ووقفت على حجم التهديدات التي تلاحق الساكنة والمارة على حد سواء، بسبب التصدعات البادية للعيان على جدران هذه البنايات؛ وهو ما يستدعي تدخلا عاجلا من قبل الجهات المعنية، لإعادة تأهيل وترميم هذه القصبات لحماية أرواح المواطنين والتراث المحلي وتشجيع السياحة التراثية.

رمز البساطة

السكان الأوائل لواحة تزارين التجأوا إلى هذا النمط المعماري “القديم”، ليس لوعيهم البيئي؛ بل لعدم قدرتهم على بنائها بوسائل أخرى تكلف أموالا كثيرة في ذلك الوقت، حيث يفضلون بناء مساكن بالطين و”التابوت”، نظرا لتكلفتها المنخفضة.

وعرفت واحة تزارين منذ القدم ببيوتها الطينية التي تتكون في غالب الأحيان من طابقين، وترتبط بالفقر والبساطة وجمال أصحابها، فيما يراها آخرون أنها ترمز إلى الفقر والحاجة؛ لكنها تلبي الحاجة الملحة إلى سقف لأناس ليس لديهم القدرة على بناء بيوت بوسائل أكثر تطورا، في ذلك الحقبة الزمنية.

بآيت مولاي بوعزى توجد المئات من المنازل بهذا النمط المعماري، والتي تجاوزت عدة قرون على تشييدها، قال عنها مولاي عبد الصادق آيت صالح، الذي يعد واحدا من ساكنتها، إن هذا النوع من البناء يعتبر رمزا لبساطة الساكنة المحلية، على الرغم من أنه أصبح يشكل تهديدا على حياة الساكنة، مشيددا على أنه “يجب على الجهات المعنية أن تتدخل لإعادة ترميم وتأهيل هذه المنازل لحمياتها من السقوط”، مشيرا إلى “أن هذه البيوت أغلبها متصدعة سبق أن سقط أحدها السنة الماضية”، وفق تعبيره.

وأضاف آيت صالح، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، بالقول: “وجود ظاهرة البناء الطيني في حقبة زمنية سابقة في هذه الواحة والمناطق المجاورة ليس ناتجا عن وعي بيئي؛ لكنها ناتجة عن عدم قدرة الناس على بناء بيوت بوسائل أخرى، بسبب تكلفتها العالية وندرتها في غالب الأحيان”، يقول المتحدث.

زحف الإسمنت

على الرغم من أهمية هذه البنايات الطينية في الحفاظ على بيئة سليمة، وكونها تعتبر إرثا تاريخيا وعمرانيا يسترجع به الحاضر الماضي، فإن الزحف العمراني الإسمنتي بدأ يسرق من الواحة جماليتها الطبيعية، وتحولت في السنوات الأخيرة إلى كتل إسمنتية، فقدت عذريتها وبساطة ساكنتها.

بمجرد دخولك واحة مركز جماعة تزارين، تصادف بنايات طينية تعد بالمئات، بعضها يبدو عليها أنها مرممة من قبل أصحابها، فيما الباقي يبدو عليها أن الأشباح تسكنها ومجرد أطلال.

يقول محمد آيت حدا من الساكنة المحلية إن البنايات الطينية لن تجد لها أثرا في السنوات المقبلة؛ لأن الدافع الأساسي في بنائها من قبل الأبناء والأجداد هو الفقر الذي يجبرهم على العيش في تلك البيوت وليس الدافع البيئي.

وأضاف متحدث هسبريس: “على الرغم من تراجع عدد البيوت الطينية القديمة، فإن أسرا كثيرة في الواحة لا تزال تحتفظ بهذه البيوت التي كانت منتشرة قبل دخول الإسمنت للبيوت الحديثة”، مشيرا إلى “أن الجماعة الترابية يجب أن تدافع في اتجاه تصنيف هذه البنايات ضمن التراث العالمي وتثبيتها وتوثيقها؛ لأنها تشكل تواصلا مع الماضي وتحفظ التراث الشعبي المحلي”، وفق تعبيره.

وتقول تورية صابري، من ساكنة واحة تزارين، “إن نموذج البنايات القديمة يتأثر بالمحيط المجاور له”، موضحة “ففي فترة سابقة كانت البيوت في قرى واحات تزارين عبارة عن بيوت طينية قديمة، حيث اعتمد أجدادنا على مواد البيئة الموجودة في المنطقة لبناء بيوتهم والتابوت والأخشاب والقصب والتراب المختلط بالتين”، وفق تعبيرها.

وذكرت المتحدثة ذاتها أن “أهل الواحة كانوا يعيشون في هذه البيوت قبل أن يدخل الحجر والإسمنت والحديد الصلب إلى المنازل العصرية”، وزادت: “اليوم بدأت الواحة تفقد جماليتها الممزوجة ببساطة أهلها، وبدأت الإسمنت تزحف على كل شيء حتى البيئة تضررت بفعل التغيير الطارئ في النمط المعماري”، وفق تعبيرها.

الطين صديق البيئة

بدأ البناء الطيني بواحة تزارين ونواحيها يختفي عن الوجود، نتيجة لتغيرات كبيرة وكثيرة التي عرفتها المنطقة في جميع المجالات، حيث تم استبداله بمواد البناء الحديثة المستنزفة للطاقة والمنتجة للنفايات بشكل كبير، حيث لم تحظ هذه المواد الحديثة بدراسة علمية لمعرفة ملاءمتها للأحوال البيئة للواحة.

حمو أوعدو، من ساكنة واحة مركز تزارين، البالغ من العمر حوالي 90 سنة، قال “إن الطين يعتبر مادة طبيعية متوازنة بيئيا، توفر مناخا داخليا صحيا”، مضيفا: “البناء بالطين يساعد على الحد من استنزاف الموارد الطبيعية، فضلا عن توفير الطاقة المستهلكة من التبريد والتدفئة، لتميز هذا البناء بالقدرة على تخزين الحرارة والبرودة”، ومن المعروف برودة البيوت الطينية في الصيف والدافئة شتاء، وفق تعبيره.

وقال المتحدث ذاته: “للبناء الطيني تاريخ عريق في هذه المناطق شبه الصحراوية”، مشيرا إلى “أن اختيار الأولين للطين في البناء لم يكن اعتباطيا، حيث إن هذه المادة بالإضافة إلى سهولتها، تتيح بخصائصها حماية مثالية من الحر والبرد، لافتا إلى أن “شباب اليوم أحلوا الإسمنت مكان الطين في تشييد منازلهم ومشاريعهم في أشد المناطق حرارة، مستنزفين بذلك موارد عديدة”، وفق تعبيره.

وأكد أن التفريط في خصوصيات البناء المحلية وعدم الحفاظ على النسق العمراني الذي عرفت به المنطقة منذ القدم أدى إلى ما يمكن دعوته بفقدان هوية حضرية، مطالبا بضرورة إعادة ترميم البيوت الآيلة للسقوط وتشجيع المستثمرين على بناء مشاريعهم بمواد طينية طبيعية، مشيرا إلى أن استخدام الإسمنت في البناء “لا معنى له” ويهدد البيئة وصحة الإنسان، وفق تعبيره.

الواحة تفقد جماليتها

مسؤول بجماعة تزارين أكد أن زحف الإسمنت هو أكبر مشكل تواجهه الواحة في الوقت الحالي، مشيرا إلى أن عوامل طبيعية ورغبة إنسان الواحة في تتبع التطور جعلا البناء الطيني يفقد رونقه وبساطته، مضيفا “على السكان أن يحافظوا على تاريخهم، وأن لا يستبدلونه بالإسمنت أولا كونه يعد إرثا تاريخيا وحضاريا، ثانيا للحفاظ على صحتهم وبيئتهم”، وفق تعبيره.

ولفت المسؤول ذاته، الذي فضّل عدم البوح بهويته للعموم، إلى أن رئيس الجماعة ومعه أعضاء المكتب المسير أثاروا هذا الموضوع مرارا، وقام بعدة تدخلات لدى وزارة الإسكان والتعمير وباقي المتدخلين من أجل تخصيص اعتمادات مالية لترميم هذا الموروث المحلي، مشيرا إلى أن الواحة أصبحت اليوم أكثر من أي وقت مضى مهددة بالتلوث والزحف الإسمنتي، وفق تعبيره.

وشدد المسؤول ذاته، في تصريح لهسبريس، على القول: “أتفق مع الذين يطالبون بضرورة منع البناء بالإسمنت في الواحة للحفاظ على ما تبقى من إرثنا التاريخي والحضاري الذي يمكن استغلالها في الترويج للمنطقة سياحيا واقتصاديا”، داعيا السكان إلى “ضرورة وعيهم بالمخاطر المحدثة بهم وبالبيئة نتيجة هذا التغير في النمط المعماري”.

‫تعليقات الزوار

14
  • سفيان
    الإثنين 13 ماي 2019 - 09:24

    ليس هناك أفضل من البناء بالإسمنت . و من أجل سلامة ساكنة الواحة يجب هدم البيوت الطينية فهي متل الغيران تجمع الافاعي و العقارب

  • متتبع
    الإثنين 13 ماي 2019 - 10:04

    الكنوز هي الفيلات والمباني الفخمة أما البيوت الطينية فقد تجاوزها الزمن. .. و لاتمت للسكن اللائق بصلة.
    آشمن تراث

  • Peace
    الإثنين 13 ماي 2019 - 10:31

    بيوت الطين صحية الطين و طريقة البناء القديمة له مزايا عديدة في الواحات على الخصوص وهي ان البيت يكون مبني اولا بمواد بناء طبيعية و هي جيدة للتنفس و تلطيف الجو حيث تكون باردة في الصيف و دافئة في الشتاء او يكون هناك توازن حراري مثل الصوف الطبيعي مثلا. فاستعمال المواد الطبيعية دائما يكون صحيا, مثلا بناء بيوت خشبية في المناطق الغابوية. المهندسون المعماريون العصريون اصبحوا ياخدون فكرة قديمة و يعطونها طابعا عصريا باستعمال المواد الطبيعية في البناء و الحفاظ على الطابع المعماري الاصيل مع بعض التحسينات الهندسية…فتكون النتيجة مدهشة.

    حتى البيوت المبنية بالاسمنت و الاجور يمكن تخليفها بحائط طيني ليكون هناك انسجام في المنظر و ايضا لحمايتها من الحرارة المفرطة في الصيف و البرد القارس في الشتاء, يعني كعازل طبيعي…

  • ابن تزارين
    الإثنين 13 ماي 2019 - 10:32

    كمتتبع للموضوع فتراجع هذا النوع من البناء يعود إلى عامل الهجرة الداخلية و الدولية… فبناء منزل اسمنتي دليل على نجاح مشروع الهجرة و بالتالي تغلب الاعتبارات الاجتماعية على الاعتبارات الايكولوجية التي لا يفكر فيها أحد.

  • المواطن
    الإثنين 13 ماي 2019 - 10:58

    اودي اراه كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام.

  • عزيز
    الإثنين 13 ماي 2019 - 12:21

    اول محطة في مساري المهني كانت منطقة تازارين . ودامت حوالي ثلاث سنوات وكانت تجربة صعبة وشاقة لاستاذ ازداد وترعرع في مناطق داخلية حيت تسود الخصوبة والخضرة و تساقط الامطار…بالمقارنة مع اقاليم الجنوب الشرقي عموما ذات المناخ الشبه الجاف عاى طول السنة..وكنا آنذاك نمزح فيما بيننا كأساتذة قادمين من الشمال والغرب.ونطلق عليها اسماء الصحاري. قندهار..تكساس. الثلث الخالي…حيث لا طأئر يطير ولا وحش يسير ولا نسيم ولا عبير ولا يخضور.. ورجوعا الى الموضوع فانا مع صاحب التعليق(ابن تازارين) مع استمرار سنوات الجفاف وندرة المياه في الآبار وتراجع واحات النخيل وغياب فرص الشغل بشكل فضيع يهاجر اغلب ساكنة هذه المناطق اما نحو مدن الشمال والغرب او نحو اوربا بحثا عن فرص العيش الكريم..وطبيعي ان تهمل البنايات القديمة والقصور وتتعرض للاندثار والسقوط

  • رؤوف
    الإثنين 13 ماي 2019 - 13:18

    تحية اجلال وتقدير واحترام لسكان بلدة تازارين الطيبة المضيافة التي مازالت قصورها وطبيعة أرضها وتواضع سكانها وعاداتهم وتقاليدهم ونمط العيش في البال رغم مرور الأعوام. كتب لنا العمل في ثانوية سيدي عمرو في بداية عملنا مما سمح لنا بالتعرف على حياة المجتمع التازاريني الكريم وخاصة القصور والاسوار وطريقة وأسلوب ومواد البناء التي تعكس غنى حضارة المنطقة وتشبتها بموروثها الثقافي الذي يحتاج اليوم إلى العناية وتوظيفه في خلق تنمية سياحية بالمنطقة. ورمضان كريم لكل سكان تازارين

  • noureddine
    الإثنين 13 ماي 2019 - 13:22

    يا للاسف الشديد بنايات متهالكة واسوار متصدعة بها شقوق خطيرة بجميع ربوع المملكة ومنازل مشيدة بالتراب ويصنفوها ضمن التراث العالمي .

  • Peace
    الإثنين 13 ماي 2019 - 14:05

    الى 6 – عزيز

    انا لو كنت مكانك لاشتريت ارضا هناك و بنيت بيتا طينيا بحديقة بالنخيل و الورد و زينته من الداخل بزليج بلدي او زواق بالجيرو اثته بمنتوجات محلية و استمتعت بالهدوء و راحة البال, و اذا اشتقت الى منطقتك الاصلية فما عليك الا زيارتها في العطل جميلة…

  • امينة
    الإثنين 13 ماي 2019 - 14:12

    فعلا هذه البيوت عبارة عن كنوز فهي تبدو كلوحة فنية خططتها يد فنان مبدع افضلها على السكن الاقتصادي الذي اعتبره براريك اتخذت شكلا عموديا بدل الشكل الافقي لا اقل ولا اكثر

  • موسي يحي
    الإثنين 13 ماي 2019 - 16:24

    البيوت الطينية صحية وجميلة وجب علينا الحفاظ على هدا التراث
    و

  • وديع
    الإثنين 13 ماي 2019 - 18:46

    منطقة جميلة عينت فيها في نهاية التسعينات.يا سلام رغم قساوة الظروف…لكننا كنا سعداء جدا.اناسها طيبون مضيافون…ايم لن تنسى من ذاكرتي…تحياتي من مراكش الى سكان دوار افرط

  • المغترب الحزين
    الإثنين 13 ماي 2019 - 19:26

    عن اي تراث عالمي تتكلمون المنطقة لا تصلح لاي شيء الا لتجارب نووية اذا لم يكن ماء فلا حياة هناك اعرف بعض العائلات رحلت كلها ولم يبق منهم الا من يتوفر على الماء اذا وجد واغلبهم يسكنون الرباط او البيضاء

  • غير معروف
    الإثنين 13 ماي 2019 - 20:45

    المباني الطنية هي الموجودة في تلك الحقبة من الزمان ولابديل لاناسها لكي يبنوا مساكنهم بطرق اخرى والمباني الطنية موجودة في جميع المدن المغربية العتيقة كمراكش و سلا و مكناس وهي ماتزال حتى اليوم.اما بخصوص هجوم المنازل الاسمنية على الوحات بالجنوب الشرقي فهذا طبيعي لان حتى البناء التقليدي حاليا اصبح تحديا كبيرا بحيث غلاء مكونته كالقصب و العود بالاضافة انه يحتاج الى عدد من النخيل قصد قطعها وتفطيلها من اجل تشكيل الاسقف بها مما يدل على ان حتى المباني الطنية هي الاخرى توثر على الطبيعة بشكا من الاشكال

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 8

مغاربة والتعادل مع موريتانيا

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30 3

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 1

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين