"دار الأمل" ترعى الأطفال المتخلى عنهم في تزنيت

"دار الأمل" ترعى الأطفال المتخلى عنهم في تزنيت
الإثنين 10 فبراير 2020 - 09:39

كثيرة هي الأسباب الكامنة وراء ارتفاع ظاهرة التخلي عن الأطفال الرضّع بالمغرب، وتختلف بين ما له علاقة مباشرة بجرائم الاغتصاب وتراجع الأشخاص عن إتمام عقود الزواج وانتشار العلاقات غير الشرعية، وغيرها من العِلل التي تدفع “الأمهات” إلى قطع الصلة بكل ما هو وجداني وعاطفي والإقدام على التخلي عن فلذات أكبادهن بدون رحمة أو شفقة.

وفي ظل التزايد المخيف لنِسب هذه السلوكيات غير الإنسانية ومالها من تداعيات اجتماعية ونفسية على الأطفال المتخلى عنهم والمجتمع على حد سواء، تُبادر الجهات المسؤولة، بين الفينة والأخرى، إلى اتخاذ مجموعة من التدابير الهادفة إلى محاربة هذه الظاهرة، لكن للأسف تبقى نتائجها محتشمة في ظل الارتفاع المهول لعدد الأطفال المتخلى عنهم الذي يصل إلى “رضيع واحد كل الساعة”، حسب ما كشف عنه التقرير الأخير الصادر عن منظمة اليونيسيف والمنظمة المغربية لحماية الطفولة.

وفي مقابل التطور الخطير لهذه المعضلة الاجتماعية التي لم تنفع معها حلول الردع والتقنين، برزت هيئات جمعوية عدة بالعديد من المناطق والمدن على صعيد المملكة لِلعب دور الأسرة والاهتمام بشريحة الأطفال المتخلى عنهم والاعتناء بهم ورسم البسمة على شفاههم ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

دار الأمل بتيزنيت

تعد “دار الأمل” للأطفال المتخلى عنهم وفي وضعية صعبة، التي تشرف عليها جمعية أصدقاء المركز الاستشفائي الإقليمي بمدينة تزنيت، واحدة من الفضاءات الاجتماعية التي بصمت منذ تأسيسها سنة 2007 على مسار جمعوي حافل بالتطوع ونكران الذات من طرف كافة مكوناتها في سبيل إعادة الأمل لفئة مجتمعية في حاجة إلى عناية دقيقة ورعاية خاصة.

وبخصوص الخدمات التي تقدمها مؤسسة دار الأمل، قال مديرها، أحمد سهلي، في تصريح لهسبريس، “منذ 13 سنة ونحن نعمل جاهدين على توفير العناية اللازمة من تربية وتطبيب وتعليم وجو أسري، وكل ما يحتاجه الأطفال المتخلى عنهم من طرف أمهات عازبات أو يوجدن في وضعية صعبة”.

وأوضح المسؤول المتطوع أن “تاريخ تأسيس جمعية أصدقاء المركز الاستشفائي الإقليمي يعود إلى 24 أبريل 2007، حيث كنا نتخذ مستشفى الحسن الأول كمقر لإيواء نزلائنا، قبل أن نفكر في بناء مؤسسة دار الأمل كفضاء مستقل بذاته، وعيا منا بأن المكان الطبيعي لهذه الفئة التي نهتم بها هو الوسط المجتمعي، وليس المستشفى بين المرضى”.

وأضاف: “ذلك ما تأتى لنا سنة 2017 بعد تضافر جهود مجموعة من الفاعلين، على رأسهم السلطات الإقليمية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمجلسين الجماعي والإقليمي والتعاون الوطني ووكالة ANDZOA، فضلا عن الدور الكبير للمحسنين في عملية بناء وتسيير المرفق، وأخص بالذكر الحاج لحسن أسكتي بصفته رئيس الجمعية الحاضنة لهذا المشروع الاجتماعي”.

وعن الأهداف التي تصبو دار الأمل لتحقيقها، أبرز سهلي أنها تتمثل أساسا في “إسعاد المتكفل بهم البالغ عددهم حاليا 20 طفلا وطفلة، والاعتناء بهم وإدماجهم اجتماعيا، وتمكينهم من الاستفادة من جميع الحقوق المخولة لهم، وعلى رأسها التمدرس، حيث يتابع المتمدرسون منهم تعليمهم بشكل عاد بمدارس عمومية أو خصوصية، ويحظون بمتابعة دقيقة من طرف المؤسسة من أجل ضمان تمدرس جيد يؤهلهم لولوج معاهد عليا، وبالتالي ضمان مستقبلهم”.

“أما بالنسبة لعملية التكفل التي نباشرها بتنسيق مع النيابة العامة المختصة، فتتم وفق تدابير خاصة نحرص خلالها على أن تكون الأسرة موضوع طلب التكفل قادرة ماديا ومعنويا وتستطيع الالتزام بضوابط التتبع المعمول بها في هذا الجانب، بما فيها الإدلاء بصور وشواهد طبية للطفل بين الفينة والأخرى، أو إحضاره للمركز قصد المعاينة في حالة القرب، وهي جميعها خطوات تليها تقارير نعدها ونرسلها إلى وكيل الملك قصد الإخبار”.

وختم مدير مؤسسة دار الأمل حديثه لهسبريس بالقول: “إننا نطمح دائما لتطوير هذا المشروع والسير به قدما نحو الأفضل والترافع من أجله على جميع المستويات حتى نتمكن من تقديم أحسن ما لدينا لهذه الفئة التي نعمل كل ما في وسعنا حفاظا عليها من الضياع وتعويضها ولو القليل مما حرمت منه من دفئ أسري”.

طوق نجاة

وحول هذا الموضوع، قال محمد الفقير، خبير متخصص في المجال النفسي والتربوي، إن “وجود مؤسسات ودور للرعاية الاجتماعية للأطفال في وضعية صعبة أو متخلى عنهم، يمثل طوق نجاة لهذه الفئة من الطفولة التي حكمت عليها الظروف بأن تعيش وضعا خاصا بعيدا عن حضن الأسرة الطبيعي”.

وأضاف الفقير: “في اعتقادي، هذه المؤسسات نجحت إلى حد كبير في المهمة، وهو أمر يتطلب مجهودا نفسيا وتربويا واجتماعيا من طرف الأطر والمربين العاملين بالفضاءات الحاضنة، بالرغم من التحديات المرتبطة بالمحيط الاجتماعي الذي يرى بعين الانتقاص الأطفال المتخلى عنهم حتى وهم لا يتحملون أي ذنب أو مسؤولية في وضعيتهم، هنا يكمن التحدي الأهم الذي يواجهونه في حياتهم الاجتماعية بالمدرسة والشارع وعند رغبتهم في تكوين أسرهم، مما يتطلب توعية المجتمع وتغيير العقلية تجاه هؤلاء واحتضانهم بدلا من رفضهم، لأن من حقهم الشعور بالقبول الاجتماعي”.

وبخصوص العمل التربوي والنفسي الذي يبذل في فضاء المؤسسة أو الدار المحتضنة تجاه هؤلاء، أوضح الخبير النفسي ذاته، في تصريح لهسبريس، أنه “يمثل ما يتلقاه أقرانهم في الوسط الأسري مع بعض الخصوصية التي تتمثل في التفاوت في الأعمار والجنس، كما أن خصوصية المنطقة التي يتواجد بها الفضاء الحاضن يكون لها تأثير، وهنا نتحدث عن دار الأطفال بمدينة تيزنيت التي تتسم بالنسق الاجتماعي المحيط بها المحافظ بالطبع الذي يرفض مواليد خارج مؤسسة الزواج”.

وكيفما كان الحال، يقول محمد الفقير، فإن “الواقع يتطلب مجهودا كبيرا للتوعية بظروف وحقوق هذه الفئة والعمل على تفادي ارتفاع حالات الأطفال المتخلى عنهم، فالطبيعي هو أن يترعرع الإنسان في وسط أسري مكون من أبوين بيولوجيين ولا يحس بأنه مختلف عن بقية أقرانه”.

المقاربة الشمولية هي الحل

وفي تعليق حول الظاهرة، قال الطيب البوزياني، ناشط حقوقي، إن “الأطفال المتخلى عنهم عرضة لحرمان كبير ومعاناة مضاعفة ترافقهم طيلة حياتهم للأسف الشديد، ذلك أن هؤلاء الأطفال غير المرغوب فيهم، أو هم نتيجة انهيار الأسرة لسبب من الأسباب، يكونون عرضة لكل تبعات غياب حضن الأسرة ولكل أشكال الظلم الاجتماعي والعنف المادي والرمزي، الشيء الذي يؤثر سلبا على شخصياتهم المستقبلية، وبالتالي صعوبة إدماجهم واندماجهم في مجتمع يرمقهم بنظرات الاحتقار والنفور ويحرم نفسه من طاقات خاصة تشكل ثروة بشرية حقيقية ضائعة بين متاهات الخيريات ومقرات جمعيات المجتمع المدني التي تحاول جاهدة ملء فراغ الخدمات الاجتماعية الواجبة على الدولة تجاه هذه الفئة، ثم الشارع حين تلفظهم هذه المؤسسات بعد بلوغهم سن الرشد القانوني”.

وأردف البوزياني، في تصريح أدلى به لهسبريس، أن “معاناة هذه الشريحة المجتمعية للأسف لا تتوقف هنا؛ إذ يواجهون صعوبات وعراقيل تعبر عن ظلم اجتماعي تذكيه ثقافة غير متصالحة بتاتا تنعتهم بأوصاف قدحية ترافقهم طيلة حياتهم وتنظر إليهم بنظرات تحقير ودونية وعدم ثقة، تؤثر فيهم أبلغ تأثير ليس فقط على المستوى النفسي بل على كل المستويات، مادام أن مثل هذه الممارسات تقف حاجزا منيعا أمام أي اندماج فعلي في كل مناحي الحياة اليومية، فيتحولون في غالبيتهم إلى متشردين مرة أخرى”.

ويرى الناشط الحقوقي ذاته أن “حل قضية الأطفال المتخلى عنهم، التي تتحول إلى قضية أشخاص مشردين أو بدون مأوى أو شغل، يقتضي مقاربة شمولية تجمع بين ما تقتضي الرعاية الخاصة لهذه الفئة من توفير التربية والتعليم والصحة البدنية والنفسية والمأوى ثم الشغل والاندماج، وما تقتضي أيضا ضرورة تسييد قيم ثقافية جديدة تتأسس على المقاربة الحقوقية ومبادئ العدالة الاجتماعية بعيدا عن المقاربة الإحسانية الغالبة على منطق تعامل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني مع الحقوق الأصيلة لهذه الفئة”.

‫تعليقات الزوار

2
  • kibal
    الإثنين 10 فبراير 2020 - 15:31

    جزاکم الله خیرا ووفقکم في عملکم النبیل هذا

  • ليلى
    الإثنين 10 فبراير 2020 - 16:37

    طلب معلومات عن التدابير التي يجب اتخاذها من اجل تبني طفل

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة