كمال البصاطي .. عالم مغربي يكشف أسرار داء المقوسات الخلقي

كمال البصاطي .. عالم مغربي يكشف أسرار داء المقوسات الخلقي
الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:00

“الرسالة التي أريد أن أوصلها إلى المغاربة بعد هذا الاكتشاف العلمي فحواها ليس هو أنني نجحت في المجال الذي أشتغل فيه، أوْ أنني شخص مهم في المختبر العلمي الذي أنتمي إليه هنا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ بل إنّ رسالتي موجهة إلى النساء المغربيات، وإلى ذوي المناعة الضعيفة، ووزارة الصحة، أقول لهم عبرها: إنّ داء المقوّسات منتشر في المغرب بقوة، وينبغي التعامل معه بالجدّية اللازمة للقضاء عليه”.

بهذا الخطاب الذي ينمّ عن تواضع صاحبه، استهلَّ الدكتور المغربي كمال البصاطي، مكتشفُ ومطور اختبار جديد للتشخيص السريع لداء المقوسات “La toxoplasmose”، المُسبّب للتشوهات الخلْقية للأجنة، حديثه لهسبريس، عن الاكتشاف العلمي المتميز الذي بَصَم عليه، والذي سلطت عليه كبريات المجلات العلمية العالمية الضوء، وخاصة المجلة البريطانية Nature emerging microp، والمجلة الأمريكية Plos neglected tropical diseases وجعل نجْم العلماء المغاربة يزداد سطوعا في سماء البحث العلمي على الصعيد العالمي.

داء منتشر في المغرب

تُمكّن الدراسة الرائدة التي أنجزها الدكتور كمال البصاطي، وهي ثمرة تعاون مع خبراء من جامعة الطب بشيكاغو وفريق من المعهد الصحي وكلية الطب والصيدلة بالرباط وجامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، من القيام بإجراءات استعجالية للوقاية من عواقب داء المقوّسات.

ويُعدّ داء المقوسات الخلقي، الذي ظلّت أسبابه محيّرة للعلماء طيلة عقود من الزمن، من بين أبرز التحديات الصحية في المغرب، حسب المبادرة العالمية لداء المقوسات الخلقي، حيث تصل نسبة انتشاره وسط السكان في بعض المناطق إلى 50 في المائة؛ ففي جهة الرباط – سلا، تتراوح نسبة انتشاره ما بين 47 و50 في المائة، حسب إحصائيات المعهد الوطني للصحة.

وقال الدكتور كمال البصاطي، في حديثه لهسبريس، إنه يتوصل بالعديد من الرسائل الإلكترونية من أطباء الأطفال في عدد من المدن المغربية، كالرباط وتنغير وغيرها… يؤكدون فيها أن عددا من الأطفال الذين كانوا يعالجونهم لقوا حتفهم، خلال الأيام الأولى من الولادة بسبب الإصابة بداء المقوسات الخلقي.

ويضيف الأستاذ المساعد في جامعة الطب بشيكاغو أنّ المغرب يُعد من الدول الأكثر تعرضا للطفيْل المسبب لداء التقوسات الخلقي في العالم، حيث تبلغ النسبة حوالي 50 في المائة، أي أنّ ما يعادل 2/1 مولود من كل 1000، يولدون بتشوهات خلقية أو يتعرضون إلى الموت.

وتشير الدراسات المنجزة في هذا المجال إلى أن الاتصال بالتربة الملوثة بالطفيل الآتي من القطط هو المصدر الرئيسي لإصابة النساء الحوامل به في المغرب، والذي يؤثر على أنسجة المخ والعينين عند الأجنة.

بداية المسار

رحلة العالم المغربي في سبيل البحث من أجل تطوير أساليب كشف داء المقوسات الخلقية انطلقت بتسخير إمكاناته الخاصة لتحقيق هذه الغاية، قبل أن يقدم الأرقام المتعلقة بانتشاره في المغرب إلى برنامج “فولبرايت” الأمريكي؛ فقد حصل على منحة للاشتغال على هذا الداء، الذي اعتبرت اللجنة التي نظرتْ في الأرقام التي قدمها الدكتور البصاطي، أنّه من غير المقبول أنْ ينتشر الداء في المغرب بهذه الكثافة.

“أثناء رحلة البحث ذهبت إلى المغرب، حيث زرت عددا من الجهات والمناطق، ورأيت عدم الاهتمام بداء المقوسات الخلقية رغم خطورته، حيث يوجد أطفال وُلدوا حاملين مضاعفات هذا الداء، وما فاجأني أكثر هو أن النساء الحوامل المصابات بالطفيل المسبب لهذا الداء لا يخضعن لأي متابعة”، يقول البصاطي في حديثه لهسبريس.

ويُضيف الأستاذ المساعد في جامعة الطب بشيكاغو أنَّ انتشار داء المقوسات في المغرب بقوة يجهل النساء الأجنبيات المقيمات في المملكة يخشيْن من الحمْل، خوفا من إصابة أجنتهنّ بهذا الداء، مشيرا إلى أنه يتلقى اتصالات من سيدات أمريكيات مقيمات في المغرب يستشرنه في هذا الموضوع، مشددا على أنّ النساء الحوامل يجب أن يخضعن لتحليل الدم مرة كل شهر إلى غاية الشهر التاسع من الحمل، وأن يكون هذا الأمر إجباريا، كما هو معمول به في فرنسا.

بعد الاكتشاف العلمي الجديد الذي بصم عليه كمال البصاطي، أضحت معرفة ما إنْ كانت المرأة الحامل حاملا للطفيل المسبب في داء التقوسات الخلقية سهلا، حيث يكفي أخذ نقطة دم من الأصبع، عبر جهاز بسيط، وانتظار ما بين 10 إلى 15 دقيقة، لمعرفة النتيجة. ويُمكن أن تقوم المرأة نفسها بهذه العملية، وهو ما سيفيد النساء المغربيات، خاصة اللواتي يقطنّ في المناطق النائية، واللواتي كان إجراء اختبار من هذا النوع في السابق يكلفهن قطع عشرات الكيلومترات للوصول إلى المراكز الصحية، وانتظار يومين أو ثلاثة، لمعرفة نتيجة الاختبار، ويؤكّد البصاطي “أنّ هدفنا، في النهاية، هو خدمة بلدنا المغرب ومساعدة المغاربة”.

قطرة دم تُجنّب المأساة

ولتقليص خطر الإصابة بداء المقوسات الخلقي، يشدد الدكتور كمال البصاطي على أهمية التشخيص المبكر قبل الحمل، للكشف عن النساء غير المتوفرات على مناعة ضد هذا الداء، لتجنب الإصابة به خلال فترة الحمل، وتجنيب أطفالهن المآسي التي يخلفها هذا الداء.

ويشير إلى أن التشخيص يحتاج فقط إلى قطرة من الدم من الأصبع، وعن طريق هذا التشخيص يمكن بسرعة إبلاغ طبيب التوليد بما إن كانت المرأة الخاضعة للتشخيص بحاجة إلى مزيد من الفحوصات والتدخل المبكر قبل الولادة لمنع إصابة الجنين بالمرض، الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة أو تلف في الدماغ وفقدان الرؤية عند الجنين المصاب.

الدكتور كمال البصاطي هو من خريجي كلية العلوم بمراكش التابعة جامعة القاضي عياض، ونال شهاد الدكتوراه من جامعة بيار وماري كيري، وEcole Normale Supérieure de Paris بباريس، ثم التحق بجامعة كونكتكيت بالولايات المتحدة الأمريكية حيث عمل على تطوير سلالات موهنة حية لتلقيح الملاريا، ووسّع تجربته المهنية العلمية في جامعة الطب ألبرت إينشتاين في نيويورك حيث تم تعيينه مدرسا في قسم علم الأمراض المعدية وهو حاليا أستاذ مساعد وعضو في لجنة الصحة العالمية في مركز شيكاغو الطبي.

ووجه البصاطي نداء إلى وزارة الصحة المغربية والجمعيات والمجتمع المدني من أجل “التحلي بالإرادة اللازمة لدعم البحث العلمي في مجال داء المقوسات كتطوير لقاح ضدّ هذا الداء المنتشر كثيرا في المغرب، واستخدام تكنولوجيا جديدة للقضاء عليه”.

‫تعليقات الزوار

19
  • مواطن
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:18

    ميزة الولايات المتحدة ان الخواص هم من يستثمر .هذا المختبر الذي يشتغل فيه هو ملك للخواص وليس للدولة .
    الدولة تتمتلك فقط الجيش،الذي تصرف عليه الميليارات عبارة عن دعم للشركات الخاصة المرتبطة بالصناعة الحربية

  • رفعت راسنا
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:27

    تحية للكفاءات المغربية في جميع المجالات والتي ترفع رؤوس المغاربة وتمحي الصورة النمطية التي كونها الغرب عنا اننا اميون نمتهن مهن غير ذات قيمة نستفيد من الصناديق المخصصة للمجال الاجتماعي بطرق تدليسية ونستثمر كل مداخيلنا في سيارة فارهة ناتي بها الى المغرب ل* نبانوا بها * على ذوي جلدتنا من داخل المغرب .
    دون ان ننسى كلمة شكر لاسرة التدريس بجامعة القاضي عياض .

  • المعقول
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:43

    يجب عليك ان تشكر الله لانك درست ووجدت نفسك بامريكا فلو كنت بالمغرب ماسمعنا بك او ربما تجد نفسك ضائعا بين الشوارع او بائعا للخردوات وحتى لو انك درست الطب ستكون إما جزارا كالأغلبية أو تنهال عليك عصي المخزن امام البرلاأمان او قد تكون محاربا كطبيب تزنيت ..المغرب كصاحب منافق لفيك شي ميدار راك ديالو مفيك ميدار مكيعرفكش

  • Peace
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:49

    تحية للدكتور المغربي المبتكر و المكتشف سي كمال البصاطي و امثاله.

    انا لست متخصصة في الطب و لكن مهتمة فقط. و ما اريد قوله في هذه المسالة, ان التشوهات الخلقية التي يمكن تجنبها هي التي تسببها القطط و كل ما له علاقة بالقطط خصوص غائط القطط, لان المراة التي لم يكن لها احتكاك بالقطط في طفولتها لا تكتسب مناعة ضد هذا الفيروس او مكروب و ايضا يجب تجب اللحم النيء كالتتار, ا لذي ياكلونه الفرنسيون بكثرة و جميع انواع الفيروسات الحيوانية.

    و هناك تشوهات خلقية ناتجة عن سوء التغدية او نقص في مدة الفليو الحمضي بالالمانية Folsäure و بعض الفيتامينات ك B12 لذلك ينصح اخذها على شكل عقاقير مكملة قبل و اثناء الحمل.

  • l3fou
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:49

    ت بارك الله عليك والله افقك.
    هل ستدخل الى بلدك العزيز , مرحبا بابتكاراتك في بلدك الاصلي , فمغربنا جميل يحتاج الى كفائتك.
    شكرا لك

  • Mustapha
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 20:56

    1 – مواطن
    داك الشي علاش الدول ناجح

  • مغربي أصيل
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 21:09

    لو بقيت في المغرب أقصى ما يمكن أن تحققه هو وظيفة في قطاع الصحة بشرط أن تجلس جانبا و لا تكثر عليهم ب "الفهامات" لأن ما في جعبتك من علم و كفاءتك العالية تسمى عند المسؤولين المغاربة ب "الفهامات" و سيضعون على رأس الوزارة التي تنتمي إليها شخص أو وزير من درجة "غبي" سيعطيك الأوامر لأنك لا تفقه شيئا في الصحة و الوزير عالم من العلماء الكبار.

  • صلاح
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 21:51

    تبارك الله على الاستاذ كمال نوارة العائلة كنهنيك على الانجاز لحققتيه ونتمنى من الله المسؤوليين فالبلاد يهتموا به ويعملوا على مساندتك والوقوف بجانبك وبجانب الكفاءات المغربية فالمهجر من اجل صحة المواطن المغربي والرقي بالبلاد للأمام

  • مشاء الله عليك
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 22:06

    كل التوفيق لك أخي ولباقي المغاربة الدين يرفعون رأسنا عاليا بعبقريتهم وتفوقهم على أبناء الوطن الدين قرأو بجانب سكناهم لاشتاء ولا أوحال ولا مساف قد تنهك الطفل وتجعله ينام بالقسم.

  • مواطن غيور
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 22:11

    ياريت وزارة الصحة المغربية تقرا مااخترعه هذا الشاب المغربي وتاخذ باختراعه الذي لايتطلب سوى قطرة دم تحلل ووفق الله هذا الشاب العالم وكل شاب يسعى لإنقاذ البشرية من الأمراض الفتاكة

  • الحقيقة
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 22:14

    نتمنى لك مزيدا من التقدم والنجاح والعطاء هكذا يكون ابناء الحلال يهاجرون في سبيل الوطن والله ولي التوفيق

  • Momo
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 22:16

    I wish you the best Dr…
    والله حسرة في القلب على ضياع منتوجنا المعرفي و العلمي في بلدان هي في غنا عن شبابنا و علماؤنا.
    عدت بصفتي شاب بعد عدة سنين في فرانسا ثم أمريكا و دولة أوربية أخرى….فقال لي وزيرا في التشغيل آنذاك: "وا علاش راك راجع إلى المغرب؟ إوا فهم الفاهم….

  • mohasimo
    الأحد 7 أكتوبر 2018 - 23:29

    لكي تريد الدولة ان ترجع كفائتها من المغاربة بالخارج يجب على الدولة ان تعيد النظر في طبيعتها كدولة, لمذا تهاجر الكفائات نحو الخارج?.

  • Azzouz
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 00:00

    هذا مثال العالم في الادب والتواضع والكفاءة. كان لي الشرف ان التقيته بمدينة الدارالبيضاء وتبادلت معه حديثا عابرا. انه داىءم التواصل مع وطنه وخدمته بكفاءة ونزاهة . اتمنى له مزيدا من التالق والنجاح..

  • aminebacha
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 00:13

    وفقك الله ايها العالم الجليل , رفعت اسم بلدك عاليا , مثل هؤلاء العلماء الذين يقدمون خدمة جليلة للبشرية وما ينفع الناس , يجب ان نكرمهم و ان نقف وقفة احترام لمجهوداتهم , والا ينقطع التواصل بهم لمعرفة اخر تطورات اكتشافاتهم.

  • غيور
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 01:56

    God bless this outstanding scientist ! They are not many like him and proud to hear that are Moroccans in US helping babies in Morocco. This is a noble cause and needs applause and support. My advice to The officials in Morocco, take advantage as you can from the Moroccan diaspora in USA and stop waisting your money and time in projects that are not beneficial for the country !

  • مواطن2
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 07:25

    الملاحظ ان كل من برز في ميدان معين…يعيش في الخارج…وبالاخص في اوروبا او امريكا…وعموما في الدول المتقدمة…آلاف المغاربة تخصصوا في ميادين مختلفة يعيشون في المغرب ولا يسمع لهم اثر…اللهم الا اخبار تتعلق بمنجزاتهم في ميدان العمران او الفلاحة او التجارة الى جانب تخصصاتهم…فالطبيب في بلادنا والمحامي والاستاذ اصبحوا يمارسون انشطة خارج ميدانهم ولم يبق لهم اي وقت للبحث العلمي الذي هو اساس اي تقدم.ويستثنى من ذلك فئة المخلصين الذين يعملون في صمت دون ان يعرفهم احد.مع العلم اننا لم نسمع بعالم في الدول المتقدمة يمتهن التجارة او المقاولة موازاة مع عمله…فهو يهتم بميدانه ولا يتخلى عنه الا عند النوم او الاكل.هكذا وصلوا وبرزوا في ميادينهم…

  • Mustapha
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 15:01

    Moroccan Community state of CT so proud of u
    God bless u brother Kamal , outstanding scientist

  • mingo
    الإثنين 8 أكتوبر 2018 - 16:52

    نولد بالمغرب بدون ان نعلم ولكن عندما نعلم نهاجره انه بيئة غير صالحة للحيات

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة