“لا أريد أن أفقدك أنت أيضا. أختك فاضْمة ماتت بمرض التيفويد. أخوك بناصر مات بمرض السّلّ. أبُوك مات مقتولا على يد مجرم… (رحمهم الله جميعا). لا أريد أن أفقدك أنت أيضا. لا أحد لي في هذا العالم غيرك. لا ترحل. لديك مسؤولية عائلية. ولديك رضيع بعُمْر ستة أشهر. لا تكن مجنونا”.
يعود هذا المقطع من حوار دار بين أمٍّ وابنها، في قرية تيموليلْت، وسط جبال الأطلس المتوسط، إلى أواسط أربعينيات القرن الماضي، حين أخبر الابن أمّه عزمه على الالتحاق بخلايا المقاومة الوطنية المسلّحة، المقاتلة ضد الاستعمار الفرنسي؛ لكنّ الأمّ لم تستسغ فكرة الابن الوحيد الذي بقيَ لها، بعد أن فقدت إخوتَه وأباه.
استمع الشاب الأمازيغي الشجاع إلى كلام أمّه وهو مطأطئ الرأس ينظر إلى الأرض، ثم غادر لينام، بعد أن وعدها بالتفكير في الأمر؛ وفي غرفة النوم، فاتحتْه زوجته في الموضوع، فقال لها: “أريد أن أموت من أجل بلدي. أن أموت شهيدا. الشهداء مأواهم الجنّة. أعتقد أنكِ تعرفين هذا. إنه مذكور في القرآن”.
لكنّ الزوجة الشابة لم تقتنع بكلام زوجها الذي لم تمض سوى سنة وبضعة أشهر على زواجهما بحُججه، فانبرتْ تسائله: “كيف نستطيع أن نُكْمل حياتنا بدونك؟ مَؤونتنا وزادُنا لا يكفي سوى لبضعة أشهر؟”… ثم عانقتْه، وطلبت منه أن يفكّر مليا قبل حسم قرار الالتحاق بخلايا المقاومة الوطنية ضد الاستعمار.
قبل أن ينام، طمْأن الشاب زوجته بأنه سيترك لها، هي وأمها ورضيعهما، ما يكفي من المال والزاد لإكمال ما تبقى من أيام عمرهم.. وفي الغد، كان قد حسم أمره والتحق بالمقاومة الوطنية وجيش التحرير في جبال الأطلس، للمساهمة في تحرير البلاد من الاستعمار الفرنسي، “المُستغل للأرض والمعامِل للناس بقسوة”، كما قال لأمه.
بطل القصة أعلاه هو الحسن الناجي، رواها ابنه موحا الناجي في كتاب باللغة الفرنسية موسوم بعنوان “زيتونة الحِكْمة” (L’olivier de la sagesse)، صدر عن دار النشر Karthala بباريس، ويتناول فيه قصّة قرية تيموليلْت بالأطلس المتوسط، من خلال سرْد تفاصيل حياة والده المقاوم الحْسن الناجي، الذي كان عضوا في حركة المقاومة وجيش التحرير، وحارب الاستعمار الفرنسي.
وخصص المؤلّف كتابه، الذي يقع في 160 صفحة من الحجم المتوسط ويضمّ 16 فصلا، لسرْد وقائع من تاريخ المغرب، وخاصة المناطق الأمازيغية بالأطلس المتوسط، إبّان مرحلة الاستعمار الفرنسي، وإبراز النضال الذي خاضته هذه القبائل المشكّلة لهذه المناطق ضد المستعمر الفرنسي، إلى غاية تحقيق الاستقلال.
وبقدْر ما ناضلت القبائل الأمازيغية بالأطلس المتوسط من أجل دحر الاستعمار الفرنسي وتحرير البلاد منه، فإنها ناضلت، كذلك، من أجل مغرب مستقل وحر وديمقراطي، تسود فيه العدالة الاجتماعية والتنمية والمساواة بين جميع أبناء البلد”، كما قال مؤلف “شجرة الحكمة”.
أمّا عن والده المقاوم الحْسن الناجي، فيقول إنه “ناضل وقاوم بشجاعة من أجل الاستقلال، وناضل من أجل التنمية ومن أجل إسلام معتدل ومنفتح على الحضارات الأخرى، وكان رجلا صوفيا على الطريقة المغربية ومنفتحا على الثقافات الأخرى، الغربية وغيرها”.
وتمحورت الفصول الستة عشر للمؤلَّف حول ستة مواضيع رئيسية، توزعت ما بين تاريخ المقاومة من أجل الاستقلال في الأطلس المتوسط على الخصوص والمغرب بشكل عام، والظروف المعيشية الصعبة التي واجهها الأمازيغ إبّان فترة الحماية، ومدى تشبّثهم بالإسلام السمْح والصوفي.
كما تناول الكتاب مسألة اللغة وتأثير نظام التعليم، ووضعية المرأة القروية المزرية، والتحديات التي واجهت الهويات المتعددة وأثرها في دمْج السكان الأمازيغ في الحداثة، وكذلك إسهام العالم القروي في الكفاح من أجل الاستقلال ومشاركة الأمازيغ في التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية بعد الاستقلال.
وخصص المؤلّف الفصل الأخير من كتابه بعنوان “العمل من أجل النجاح”، للحديث عن طفولته في أحضان بلدة تيموليلْت بالأطلس المتوسط، ويتذكر كيف أنّ الأطفال في تلك السنوات الخالية كانوا مجدّين في دراستهم، ويراكمون معارف واسعة، رغم أنهم يدرسون بوسائل بسيطة جدا.
وجوابا عن سؤال قدّمه أحد الحاضرين في حفل تقديم الكتاب بالمكتبة الوطنية بالرباط مساء أمس الأربعاء حول سبب عدم اجتهاد تلاميذ اليوم، بالرغم من جميع وسائل التعلّم متاحة أمامه؛ قال موحا الناجي إنّ الأسَر لم تعد تقوم بدور المحفّز الذي كانت تقوم به في الماضي.
وفي هذا السياق، روى موحا كيف أنّ رجُلا لا شغل له من أبناء القرية التي ترعرع فيها كان كلما التقاهم وهم متوجهون إلى المدرسة يسخر منهم بقوله: “هل تعتقدون أنكم ستتوظفون جميعكم عندما تكبرون؟ لا تعتقدوا ذلك، ستصبحون عاطلين عن العمل”؛ لكن موحا الناجي ورفاقه الصغار لم يكونوا يكترثون لكلام ذلك الرجل، “بل كنّا نسمع لما يقوله آباؤنا”، مضيفا: “الأسَر تلعب دورا بارزا وأساسيا في تحفيز أبنائها على الدراسة”.
وبقدْر ما سبَر المؤلِّف أغوار الماضي؛ فإنَّ كتابه، كما يقول، هو رسالة مباشرة من أجل مستقبل تسودُ فيه روح التسامُح والانفتاح، إذ حَرص على تقديم صورة دقيقة عن الحياة الجيدة التي ميّزت وما زالت المغرب، باعتباره بلدَ الحوار بين الثقافات والتنوع الثقافي والتسامح والانفتاح على العالم الحديث.
لو كان موحى الناجي قومجيا عروبيا لنال كل الجوائز من الخليج الفاريسي الى المحيط الاطلنطي.
لقد قدم سكان الاطلس المتوسط خدمات كثيرة لم تعترف بها الدولة .لقدشاركو في الحرب العالمية لايقاف هتلر وصده .وساهموا في تامين الصحراء .لقد اعطوا الكثير من مالهم ودمائهم .ولكن للاسف ان المغرب والعالم لم يعترف بفضلهم فلو غزا المغرب هتلر ماكان وضعنا .لقد شارك ابي في الحرب ضد هتلر وحرروا فرنسا واسبايا من الغزوا الالماني النازي وصدوا عن اامغرب خطر الالمان .لم يتم تعويضه كضحية حرب ولم يتم تشغيل اولاده ااسبعة العاطلين .اما المقاومة الحقيقية فهي مقاومة الضلم الجبر تلدي يجتاحنا من طرف الطبقة المتسلطة والتي تحاصرنا في لقمة العيش وتفرغ جيوبنا من كثرة الضرائب هده هي المقاومة الحقيقية .فحينما بات الظلم والقهر يغزونا فهدا هو الغزوا الدي نحن اول ضحاياه انه الاستبداد
تحية طيبة للكاتب الذي قدم نبدة تاريخية عن تضحيات ابناء هذه المنطقة المنسية التي تعج بالكفاءات والثروات الغير المستغلة من طرف ابناء المنطقة وبقيت في ايدي العملاء وخدام الاستعمار الفرنسي
لقد ضحى أبناء الأطلس بالغالي و النفيس من أجل نيل استقلال المغرب. لكن الدولة أدارت ظهرها لهذه المناطق و اغدقت كل الامتيازات للخونة و ابنائهم لا نستطيع الا ان نقول خرجنا من عهد الاستعمار إلى عهد الاستحمار.
مني لك ألف تحية أستاذي المحترم موحا الناجي كنا نحن طلبة الشعبة الإنجليزية تخصص لسانيات بداية التسعينات بدهار المهراز بفاس نكن لك إحتراما كبيرا ونقدر مجهوداتك وأخلاق العالية
موحا الناجي و فاطمة الصديقي نهران متدفقان من قمم الطلس ، عابران لجغرافيا هذا الوطن. تحياتي لهما.
رحم الله ذالك الزمان يا موسى لقد عم الحشيش كل مكان في الأطلس حتي يفقد أهله التفكير الصحيح لنا الله يا سي موحى الناجي.
تحية مودة وعرفان للأخ موحا الناجي .
أتطلع لقراءة الرواية، فمن خلال النبذة أعلاه أجد في القصة جانبا من طفولتي بين جبال وتلال ياث إزناسن.