شريف حميدي .. مغربي يُهيء "أطفال الفقراء" لثورة صناعية رابعة

شريف حميدي .. مغربي يُهيء "أطفال الفقراء" لثورة صناعية رابعة
الأحد 25 مارس 2018 - 12:00

على بُعد سنتين، سيكمل الشاب المغربي شريف حميدي عقده الثالث بحصيلة مهنية مثيرة للاهتمام؛ فقد سخّر هذا الشاب القادم من وزان أفكاراً جديدة لدعم التعليم الجيد لدى الأطفال المحرومين رغم تخصصه الدراسي في الخدمات البنكية والاستثمارية والاستشارة الإستراتيجية.

بروز اسم شريف حميدي كان ضمن قائمة مجلس فوربس، في نسختها العربية للشرق الأوسط، إذ تألق وأبدع إلى جانب 29 شاباً وشابة من الدول العربية أقل من 30 سنة، وهو اليوم فخورٌ بما قدمه للتلاميذ في مناطق نائية، داخل المغرب وخارجه، وتحدوه رغبة جامحة في تقديم الأكثر في سبيل التعليم.

تخرج حميدي من جامعة بارك بولاية ميسوري الأمريكية مُتخصصاً في الاقتصاديات المالية، وبعد مسيرة متميزة اختير ضمن الفاعلين في منتدى الاقتصاد العالمي لسنة 2015، ليتحول بعد من العمل في مجال بنوك الاستثمار والاستشارات الإستراتيجية إلى ريادة الأعمال عبر إطلاق مؤسسة “Ed 4.0” غير الربحية التي تعنى بالتعليم.

اشتغل شريف لسنوات لفائدة الحكومات ووزراء التعليم في عدد من الدول العربية مكلفاً بوضع إستراتيجيات وإصلاحات تعليمية، وساهم محيطه الأسري الذي يضم أساتذة وبيداغوجيين في اهتمامه بالتعليم مبكراً، إذ بدأ مشروعه ببحث لدراسة النماذج التعليمية المستوحاة من الثورة الصناعية الرابعة لفائدة الشباب الذين لم تتوفر لهم فرصة الولوج إلى تعليم جيد.

أمضى سنوات في الإمارات مشتغلاً في ميدان التعليم، إلى أن تلقى في يوم من الأيام اتصالاً هاتفياً يحمل خبراً غير سار..كانت والدته مريضة جداً، وهو ما دفع إلى ترك وظيفته ليعود إلى المغرب للسهر على رعايتها، وهو ما أتاح له وقتاً في القرية للهروب من ضجيج المدينة.

يحكي حميدي في حديث لهسبريس: “خلال مقامي هناك في قرية تروال نواحي وزان كان الأطفال يملؤون الأزقة بالضحك الصاخب، وحدث أن قابلت ثلاثة أطفال من الحي وسألتهم لماذا لا يدرسون، وأجابوا بأجوبة عدة: المدرسة بعيدة جداً..أجد صعوبة في فهم ما يقوله المعلم..يجب أن أبقى للعمل مع أبي”.

هذه المحادثة البسيطة دفعت حميدي إلى استغلال مقامه في القربة ليعلم أطفال الحي باستعمال أساليب تدريس مبتكرة، بالاستفادة مما طوره ببعض الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية المتوفرة لديه، وأشار إلى أن هؤلاء الأطفال بالكاد كانوا يتعرفون على الأرقام، لكن في غضون أيام قليلة تمكنوا من إتقان العمليات الجبرية المتقدمة وبعض مفاهيم الحساب.

شغف الأطفال إلى التعليم بأساليب جديدة ومبتكرة جعلهم يبادرون هذه المرة؛ فبعد أسبوع من تلقينهم أول الدروس توجهوا نحو منزل شريف في القرية وطلبوا منه تعليمهم بعضاً من الرياضيات، وهم يقولون: “أستاذ أستاذ عفاك نلعبو الرياضيات”.

صورة الأطفال وهم يتوسلون فرصة للتعلم جعلت شريف يحدد هدف حياته: “إطلاق ثورة تكنولوجية في التعليم تهدف إلى تطوير المهارات المعرفية للشباب والأطفال مع رؤية لتعزيز الرخاء الاقتصادي والعدالة الاجتماعية”.

ساهمت مؤسسة شريف في تطوير أساليب تدريس مبتكرة، وتقوم حالياً بتسجيلها في براءات اختراع، إضافة إلى تنفيذ عدد من المشاريع البحثية التي تدرس تأثير التكنولوجيا والأساليب التعليمية، كما كان لها الفضل في تحقيق تأثير اجتماعي لأكثر من 1000 شاب وشابة في المغرب والبوسنة والإمارات.

ويعتبر حميدي أن هذا النجاح الذي حققه ليس نتيجة عمل فردي، بل ثمرة فريق متفانٍ وشغوف بالتعليم ومستقبل الشباب، وأضاف: “الفضل الكبير أيضاً يعود لزوجتي وشريكتي نايدة، فهي خبيرة في علم التربية والتعليم المعرفي، والمسؤولية البيداغوجية لمؤسستنا”.

يعمل فريق مؤسسة شريف بلا كلل لإيجاد الحلول الأكثر إبداعاً وفعالية للشباب غير المتوفرين على تعليم جيد، ويشدد على أن تحديد الهدف والعمل الجاد والانضباط مكونات أساسية لأي مشروع كبير.

ويؤكد أنه “لا يمكن الحديث عن النجاح إلا عندما تكون لدى شبابنا كل القدرات المعرفية والإبداعية والمبتكرة اللازمة للتفوق في الثورة الصناعية الرابعة ودفع بلادنا إلى الأمام”.

ويلخص الشاب المغربي مؤسسته بكونها مقاولة اجتماعية تلتزم من خلال تكامل التكنولوجيا بإعداد شباب مواطن استعداداً للثورة الصناعية الرابعة، عبر تطوير برامج مبتكرة ترتكز على التعليم المتنوع (البيداغوجيا الفارقية)، وحلول التكنولوجية التعليمية لتحسين المهارات المعرفية وتعزيز الإبداع وتكوين تفكير ناقد لدى الأطفال المحرومين من تعليم جيد في دول إفريقيا كما في الشرق الأوسط.

وتشتغل مؤسسة Ed4.0 مع الهيئات الحكومية والشركات والمنظمات غير الحكومية وشركات الاستثمار من أجل تطوير برامج للشباب وإعداد الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية؛ فضلاً عن مشاريع الابتكار في التعليم. وباستخدام مداخيل هذه الخدمات تقوم المؤسسة بتطوير برامج التعليم الهادفة إلى تطوير المهارات الأساسية والمعرفية في الحساب والقراءة والكتابة؛ فضلاً عن الإبداع والابتكار لدى الشباب والأطفال.

تجربة شريف حميدي في مجال التعليم تدفع إلى استجلاء رأيه في التعليم بالمغرب، فيقول: “التعليم ليس مسألة سهلة، والحكومة المغربية تقوم بمجهود لتحسين التعليم العمومي في جميع أنحاء المغرب. وبحكم معرفتي الجيدة بمجال التعليم فإن هذا الأخير يجب أن يكون أولوية مطلقة”.

واستشهد في هذا الصدد بجاك ما، رجل الأعمال ومؤسس مجموعة علي بابا خلال المنتدى الاقتصادي العالمي، حيث قال إن التعليم في العالم يحتاج إلى إصلاحات كبيرة، والجزء الحساس في هذا الأمر ليس المحتوى هو الذي يحتاج إلى تغيير جذري، بل يجب تحديثه باستمرار، لكن ما هو في حاجة ماسة إلى التغيير هو “كيفية الأشياء” le comment des choses.

ويضيف حميدي في هذا الصدد أن الربوتات يمكن أن تحل محل 800 مليون وظيفة بحلول عام 2030، ولهذا يؤكد أن العالم “لا يحتاج فقط إلى إيجاد بدائل من شأنها كسر النموذج التعليمي ذي التكلفة الثابتة، بل يحتاج أيضاً إلى تطوير طرق تدريسية وأساليب جديدة تعزز مهارات شبابنا وتمكنهم من التعليم وإتقان أي مفهوم جديد ستطلقه الثورة الصناعية الرابعة”، وزاد: “وهذا ما نحاوله تحقيقه في مؤسستنا”.

جدير بالذكر أن مقر مؤسسة شريف حميدي يوجد في المغرب، ولديها مكتب بدبي منذ عام 2016. ويعمل في المؤسسة 46 أستاذاً موزعين بين أفراد في المجتمع المدني وباحثين وطلاب جامعات، وأعدت حتى الآن 9 خيام في 28 موقعاً في المغرب لتعليم المئات من الأطفال.

‫تعليقات الزوار

16
  • Amazigh
    الأحد 25 مارس 2018 - 12:22

    … قابلت ثلاثة أطفال من الحي وسألتهم لماذا لا يدرسون، وأجابوا بأجوبة عدة: المدرسة بعيدة جداً..أجد صعوبة في فهم ما يقوله المعلم..يجب أن أبقى للعمل مع أبي"
    خويا شريفي حميدي سير الله إوافقاك.
    دير نية حسنة وعمل خالص لوجه الله هادشي اللي نقدر ننصحاك به حيث الضومين ديال التعليم راه صعيب بزاف وخصوصا في المملكة اللي المسؤولين مزال مابغاو اتقو الله في أبناء المغاربة. للأسف ):

  • Hamido
    الأحد 25 مارس 2018 - 12:24

    هده تسمى الإنسانية والمواطنة الحقيقية أو ما يسميه اخواننا الأمازيغ اغراس اغراس.وليس طواف المغرب من طرف الحزب المخزني الدي يمني النفس بالسيطرة على المال والسياسة.مزيد من التوفيق لهدا الشاب نحن معك لنشر الوعي في المغرب الغير النافع وبدون أي انتماء سوى الانتماء للوطن.

  • المغرب في قلوبنا
    الأحد 25 مارس 2018 - 12:45

    تبارك الله عليك يااخي، المزيد من التوفيق. الاخ يستعمل الطرق الحديتة لتفعيل الفضول المعرفي للاطفال. ياريت لو اسست لجنة لتصحيح الوضع البيداغوجي القديم المعتمد على الحفظ عوض الفهم وصقل المهارات الخاصة لكل طفل. المدرسة المغربية لم تتغير في طرق التلقين رغم تغير وتطور العالم من حولها. لكن اتفهم في نفس الوقت الاحباط الدي يعاني منه بعض الاساتدة الافاضل، خاصة الشق الاقتصادي. انا مع جعل مهنة الاستاد من اصعب المهن من حيت الالتحاق، لاننا صراحة نحتاج فقط الى افضل الاشخاص في هده المهنة. اضافة الى رفع الراتب الشهري الا 9000 درهم كبداية، وتفعيل الترقي بحيت يصير اعلى دخل مع الاقدمية القصوى 15000 درهم. اما الاساتدة الكسالى والسلايتية وجب التخلص منهم. اعتدر مسبقا الا جرحت بعض الاساتدة من خلال طريقة الاقتراح، هدا فقط رأي يحتمل الخطأ.

  • Ammar
    الأحد 25 مارس 2018 - 12:47

    هكذا همّة الرجال تكون…
    غيره كان سيستغل الدبلومات النوعية التي حصل عليها من أرقى الجامعات بشكل راكماتي نفعي .. تحت شعار "أنا.. أنا.. والباقي للجحيم…"
    ولكنه ترك كل القراطيس الورقية تلك جانبا واختار خدمة الإنسان المقهور على صدر الوطن المثخن بالكلوم والجراح الغائرة"…
    تحية صافية لك على صفاء طوبتك وحسن نيتك ونبل خلقك …
    أيها المواطن المغربي الصالح في زمن الرداءة والهرولة وراء المصالح الضيقة…
    مع مودّتي و تقديرى لطاقم هسبريس الرّائدة في مشهدنا الإعلامي بدون منازع…

  • غير معروف
    الأحد 25 مارس 2018 - 13:22

    اعانك اللله في فعل الخير.
    مواطن صالح.غيور .حنون.بار بوالديه. ….
    لوكان امثالك في المسؤولية لما أصبح المغرب بلدا يحتوى به.
    دعوا المسؤولية للشباب الغيور

  • مغربي من فلادلفيا
    الأحد 25 مارس 2018 - 13:25

    من قلبي الخالص الله يعونك على هاد الحسنات الجارية التي تقوم بها
    و اتمنى الا تجد عراقيل في مسيرتك لان بعض (المسؤولين) سوف يكرهون عملك هدا

  • el menani
    الأحد 25 مارس 2018 - 13:28

    من جامعة بارك الأمريكية والتخصص في الاقتصاديات المالية،إلي تعليم الأطفال المحرومين، أعتبره مستوى راقي في الفكر و نبل الأخلاق .إحتراماتي لك

  • ابوزيد
    الأحد 25 مارس 2018 - 14:34

    هذا هو مرضي والديه لما سمع بمرض أمه .ترك كل شيء وهلع للجلوس جانبها.بل أكثر من ذلك ضحى بكل شيء من أجل اطفال قريته .المغرب في حاجة لمثل هذا الشاب .نطلب لك التوفيق من الله في عملك وجزاك الله خيرا لما فيه المصلحة . والشفاء العاجل لوالدته ان شاء الله.أمين.

  • adam
    الأحد 25 مارس 2018 - 14:35

    في دولة تشتري منزل ب 2000 مليون و تسكن فيه 20 سنة و لما تدهب يقول ليك جيب شهادة السكنى من عند المقدم …بينك ولكن المقدم هو المسؤول عليك لأن الشعب قاصر و محجرين عليه..أي تعليم اعرف رجل كان يملك ضيعات الدجاج وهو أمي….نصحه صديق ببناء مدرسة خاصة للأطفال و هو مشروع مربح و لاتكترت بالحرارة و الأدوية متل الدجاج ..قال له الدرار حسن من دجاج ..فلوسك مضمونة أما الدجاج ويموت في الصيف ههههه هدا هو تعليم المغرب

  • من الغربة
    الأحد 25 مارس 2018 - 15:17

    لو اشتغل كل مواطن او اغلبية المواطنين بصدق كل في تخصصه لارتقى المغرب لمصاف الدول المتقدمة، لكن مشكلتنا اننا ننتظر كل شيئ من الدولة او من السماء، عندما يكون اغلبية الشعب صالح الحكومة و السياسيين سيكونون مرغمين على الانصات للمواطن و تلبية مطالبه.
    شكرا اخي على هذه المبادرة و الله لا يضيع أجر من أحسن عملا

  • Usa
    الأحد 25 مارس 2018 - 16:28

    C est ca la mentalite des americans qui est tres different de celle des francais .ce jeun home va fair la difference car il a aprix cette mentalite

  • الحمداوي احمد
    الأحد 25 مارس 2018 - 18:54

    السلام عليكم سي شريف
    كل التقدير و الاحترام لك و للمجهودات التي تقوم بها لصالح الطفولة المحرومة من الحق في المدرسة. مبادرتك صراحة تستحق التشجيع و الدراسة قصد تعميمها في المناطق النائية. لك مني الف تحية أيها المغربي الحر الذي يعمل و لايتكلم كثيرا. مزيدا من الانسانية و الوطنية.

  • ميلود
    الأحد 25 مارس 2018 - 21:55

    لوكان عندنا ماءه من أمثال هذا البطل وأمثال البطل بدر هاري لما تطاول علينا الجيران ولا أوربا كانوا يخافون بيوسف بن تاشفين ومن ملوك المغرب ويرتادون عندسماع أسماءهم والبوم تطاول علينا الجميع من مسوءولين مرتشين واساتذه كسالى تحبه بهذاالرجل وامثاله شكرًا هيسبرس

  • الهمزي خديجة
    الإثنين 26 مارس 2018 - 10:03

    استادة
    من فضلك اود ان تعمم الفكرة على قرى اخرى في ابي الجعد مثلا

  • مستغربة مغتربة
    الإثنين 26 مارس 2018 - 13:54

    مشاء الله على هذا الشاب الطموح والفعال وأتمنى له مزيدا من التوفيقلقد استفاد فعلا من أمريكا، فأنا أيضا أكثر شيئ لفت انتباهي في التعليم هنا هو اعتماد طرق ابداعية ومسلية في التعليم وخاصة في الرياضيات حيث ان كل مدرسة ابتدائية تتوفر على برنامج إلكتروني عبارة عن لعب تحدي بها مسائل رياضية تزيد صعوبة كلما تقدم التلميذ في المراحل وهذا ما جعل ابني يتعلم جدول الضرب في المستوى الثاني بكل سهولة وايضاً المعادلات في المستوى الثالث اما انا فاذكر أني معلمي في المستوى الثاني كان يطلب منا حفظ جدول الضرب وعند كل خطأ كان يطلب من أحد التلاميذ ان يجر أذن المخطأ بطريقة مذلة جدا
    صحيح انه حتى امريكا لم تصل الى هذا التطور في التعليم الى حديثا ربما منذ الألفية الثالثة لكنها تفوقت فيه كثيرا ويجدر الإشارة الى أن جل هذه البرامج ممولة من تبرعات شركات خاصة ولا دخل لدولة فيها.

  • مغربية وافتخر
    الأربعاء 18 أبريل 2018 - 22:02

    ما شاء الله ربي يحفظك واتمنى لك مزيد من التوفيق ولا تنسى منطقة تافيلالت ارض اجدادك من جهة ابيك بار الله فيك

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين