العطش "شبح" يطارد المغاربة .. تفاوت التوزيع وتدبير الموارد أسباب

العطش "شبح" يطارد المغاربة .. تفاوت التوزيع وتدبير الموارد أسباب
الإثنين 10 شتنبر 2018 - 04:00

خرج العشرات من سكان مدينة “تالسينت”، جنوب شرقي المغرب، مؤخراً، في مسيرة احتجاجية للمطالبة بتوفير المياه الصالحة للشرب، التي تنقطع عن صنابيرهم باستمرار، رافعين شعار “حقنا في الحياة حقنا في شرب الماء”.

ويحتج سكان هذه المدينة الصغيرة التي تضم 16 ألف نسمة منذ 3 شهور على نقص مياه الشرب، ونظموا عدة وقفات احتجاجية لإسماع صوتهم للمسؤولين.

وضع “تالسينت”، لا يختلف كثيرا عن العديد من مناطق المغرب التي تعاني من ندرة المياه، خاصة في المناطق الجنوبية الشرقية للبلاد، والتي تتحول فيها مشاهد تنقل الناس على الدواب لجلب المياه، أو اقتنائها من أصحاب الصهاريج، مشاهد يومية مألوفة.

أزمة الندرة دفعت بالعاهل المغربي محمد السادس في 5 يوليوز الماضي إلى عقد اجتماع مصغر مع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، وعدد من وزراء حكومته، جرى خلاله الحديث عن برنامج لبناء سدود جديدة في المملكة، والعمل على إيجاد حل لمشكلة خصاص الماء الصالح للشرب ومياه الري.

وسبق أن أثار الملك في أكتوبر 2017 مشكلة خصاص المياه الصالحة للشرب، ومياه الري وسقي المواشي، وأمر آنذاك بتشكيل لجنة يترأسها العثماني، لإيجاد حل لمشكلة ندرة الماء بعدد من مناطق البلاد.

هي أزمة إذن باعتراف رسمي، ولعل أهم الأسئلة التي يطرحها المهتمون اليوم هي تلك المعتلقة بحجم الندرة التي يعاني منها المغرب في المياه، والسبيل إلى الخلاص.

تفاوت التوزيع

يتفق عدد من الباحثين في قضايا الماء، على أن المغرب يعرف تفاوتا في توزيع موارده المائية، بين مناطق تعاني الندرة المفرطة، ومناطق تستحوذ على ما يقارب نصف الموارد المائية، وهو الرأي الذي يجنح له لحسن كبيري، الباحث في قضايا الماء بكلية العلوم والتقنيات التابعة لجامعة مولاي إسماعيل بمكناس (وسط).

ويقول الباحث المغربي للأناضول، إن المغرب تبعا لهذه المعطيات، يصنف ضمن الدول التي تعاني الندرة، ففي الوقت الذي تستحوذ منطقة حوض اللوكوس (شمال) والمناطق المجاورة، على كمية كبيرة من المياه، تعاني مناطق الجنوب الشرقي من الندرة، بل ومن غياب عدالة وتكافؤ الفرص في توزيع المنشآت المائية المخصصة لاستعاب مياه الأمطار بالخصوص، إذ أن نصيبها من السدود سدين هما سد الحسن الدخيل، وسد المنصور الذهبي.

**تدبير الموارد

وفي خضم الحديث عن التفاوت في توزيع المياه بين المناطق، تطفو على السطح معطيات أخرى مرتطبة بتدبير الموارد المائية في مناطق الندرة، الأمر الذي كان سببا في تفجر العديد من الاحتجاجات، لعل أبرزها تلك التي شهدتها مدينة زاكورة العام الماضي وأسفرت عن اعتقال قوات الأمن 21 شخصا معظمهم من الشباب.

قصة الندرة في هذه المنطقة كما يقول جمال أقشباب، رئيس جمعية أصدقاء البيئة بزاكورة، للأناضول، مرتبطة بمعطى المناخ المتسم بالجفاف، والتصحر، ولكنها مرتبطة في نفس الوقت بسوء تدبير الموارد المائية.

وأوضح أقشباب أنه في الوقت الذي تعاني الساكنة من ندرة المياه، يسمح لكبار المزارعين، بنشاط زراعي يستهلك المياه بشكل كبير، وبالخصوص زراعة البطيخ الأحمر التي تحتاج إلى مياه وفيرة.

وقدر الناشط البيئي المساحات المزروعة بهذه الزراعة، في زاكورة ومحافظة طاطا المجاورة بأكثر من 10 آلاف هكتار (الهكتار يساوي 10 آلاف متر)، بعدما كانت 2000 هكتار عام 2008.

ويتفق الناشط البيئي أقشباب مع الباحث كبيري الذي يقول إن الموارد المائية التي يمكن استغلاها جنوب شرقي البلاد، لا تجد البنية التحتية المناسبة لذلك.

ويضرب مثلا على ذلك بضياع الموارد المائية التي كان مصدرها الأمطار الغزيرة التي عرفتها مناطق الجنوب الشرقي في الشهر الجاري، والتي اختفت في الصحاري دون أن يستفيد منها السكان.

**أرقام المياه في السدود

تشير الأرقام الرسمية الخاصة بكميات المياه في السدود، إلى تحسن في حقينة هذه السدود، التي تشكل المصدر الرئيسي لمياه الشرب في المغرب، وبالخصوص السدود الكبيرة التي تتجاوز سعتها 300 مليون متر مكعب، مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية، وهو الأمر الذي يبعث، بحسب مراقبين على بعض الأمل، وإن كانت بعض الأرقام تشير إلى تعمق الأزمة في بعض المناطق.

وتبلغ السعة الإجمالية لـ 55 سدا في المغرب، وفق الأرقام التي اطلعت عليها الأناضول، 15 مليار و205 ملايين متر مكعب، استقبلت مجتمعة إلى حدود الجمعة 24 غشت الماضي 8 مليارات و997 مليون متر مكعب أي ما يعادل 59.2% من الحقينة الإجمالية، وبارتفاع قدره 16.7% مقارنة مع نفس الفترة من السنة الماضية التي استقبلت فيها السدود مجتمعة 6 مليارات و461 مليون متر مكعب.

وإذا كان سد “الحسن الداخل” بمحافظة الرشيدية جنوب شرقي البلاد، الذي يقع في إحدى المناطق الأكثر تضررا من الندرة، قد عرف تحسنا واضحا في نسبة الملأ، إذ بلغت 41.2% من مجموع سعته المقدرة بـ 312.8 مليون متر مكعب، مقارنة مع السنة الماضية التي لم تتجاوزالنسبة فيها 23.2%، فإن الوضع في سد المنصور الذهبي، بمحافظة ورزازات المجاورة أكثر قتامة.

وبلغت الكمية التي استقبلها سد المنصور الذهبي الذي تبلغ سعته 445.4 مليون متر مكعب، 122.1 مليون متر مكعب، بنسبة ملأ تقدر ب27.4% في حين بلغت نسبة الملأ السنة الماضية 43.9%.

أما سد “يوسف ابن تاشفين” الواقع في محافظة تزنيت (جنوب) والذي تبلغ طاقته الاستعابية 298.9 مليون متر مكعب، فقد بلغت كمية المياه التي استقبلها، 60.3 مليون متر مكعب، بنسبة ملء 20.2% وهو ما يشكل تراجعا بنسبة 7.7 %عن نفس الفترة من السنة الماضية التي بلغت 28.1 %.

يشار إلى أن عدد السدود بالمغرب يبلغ 140 سدا كبيرا، و250 سدا صغيرا، بحسب تصريح للوزيرة المغربية المكلفة بالماء في فبراير/شباط الماضي. لكن 55 منها فقط من تعطي الوزارة إحصائيات يومية عن حقينتها من المياه.

**حلول مقترحة

يرى الناشط البيئي جمال قشباب، أن الدولة وكي تتمكن من تخفيف وطأة الأزمة في المناطق التي تعاني من الشح والندرة أكثر من غيرها، لابد لها من إنشاء مجموعة من السدود الصغيرة التي تعرف بالسدود التلية.

ويؤكد الباحث لحسن كبيري، بأن الحل لتجاوز الأزمة هو تطبيق ما يعبر عنه من التزامات أو استراتيجيات على أرض الواقع، مشيرا في ذات الوقت إلى ضرورة تطبيق القوانين المؤطرة، بشكل يضمن الحفاظ على الموارد المائية، من خلال عقلنة الرخص الممنوحة لاستغلال المياه خاصة لبعض الفلاحين، بحيث لا تعطى هذه الرخص إلا بعد استيفاء الدراسات العلمية المطلوبة، وأيضا تقييم نجاعة الاستغلال حتى لا تضيع الموارد هباء.

ويرى كبيري أنه من الضروري استثمار المعرفة القديمة في تدبير شح المياه في المناطق التي عاشت على الندرة لعقود، ولم تتاثر بالأزمة كما هو حاصل اليوم.

**جهود الدولة

من جانبها، تسعى الدولة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في المناطق التي تعرف الندرة، ويتم حاليا وفق بلاغ للمكتب الوطني للماء والكهرباء (حكومي)، إنجاز محطة للمعالجة بمدينة ورزازات (جنوب شرق) بسعة إنتاجية تصل إلى 250 لتر في الثانية انطلاقا من سد تيوين، وشق 45 كلم من قنوات الماء وبناء خزان بسعة 500 متر مكعب.

وبمدينة زاكورة (جنوب شرق) وضع المكتب مخططا يشمل إنجاز محطة لإزالة الأملاح المعدنية بسعة 60 لتر في الثانية وتجهيز 8 أثقاب على مستوى فرشة فيجا، وفرشة نيش لرفع الطاقة الانتاجية بـ 125 لترا في الثانية.

*وكالة أنباء الأناضول

‫تعليقات الزوار

10
  • امازيغ سوسي
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 06:23

    ما تسقى به فيلا مسؤول واحد كفيل بتمويل عشرات ان لم يكن الالاف من العاءلات بالماء فما بالك بالقصور و الاقامات وغيرها . مشكل المياه موجود فقط في المغرب الغير النافع اما المغرب النافع فهو يتوفر على مياه وبجودة اكثر من عالية . شاهدت مؤخرا فيديو للمسمى علال القادوس عن السقي الفلاحي بمياه الصرف الصحي ومند دلك الوقت وانا ابحث في كل وساءل الاعلام لعلي اجد خبرا يفيد انه فتح تحقيق في هدا الامر او اعتقل المعني لنشره خبرا كادبا ولكن دون نتيجة . من يهتم ان كنت تعاني عطشا او جوعا مادام مغربهم ليس مغربنا .

  • الماء والخضرة
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 07:08

    اينكم يا مم دافعتم عن الوزيرة المنتدبة او كاتبة الدولة في الماء. التى لطااما صرحت بان مشكلة العطش انتهت في اامغرب ..بعد توجهها لتنغير وبعض المناطق العطشانة من المغرب ..فيا اصحاب الكتاب ..لم يرق لكم فصلها عن الوزارة..فاصﻻ ماذا فعلت سوى التهكم على اامغاربة " بجوج فرنك" لو تدري 8000 درهم كم من عائلة يمكنها العيش بها من المغرب الفقير لصهت…ولكن لما كان قانون التوزير في المغرب …"بألو السي فﻻن ..عنداك تنسى مرات فﻻن .او ولد فﻻن او فﻻن الفﻻني…".. كما هو الشأن في كل الوظائف والمراتب في المغرب العزيز. فكانت وزيرة جوج فرنك تتوجه لمناطق جافة لاخذ صور تذكارية واكل وشرب مريح وديبﻻصمة وافية.. لترجع ببريد فارغ…فماذا تقولون يا اهل الكتاب لناحية تالسينت..بني تجيت..انوال.عين الشعير وغيرهم من مناطق المغرب المحروق والغير النافع عن الماء ؟؟؟؟

  • علي كاليلي
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 07:13

    بالإضافة لما جاء في المقال فبخصوص تالسينت و بني تدجيت و بوعنان وعين الشواطر وحتى بوعرفة فإن الحل لتجميع المياه لاستغلالها للشرب وأيضا للفلاحة هو إنشاء سد أو سدين من الحجم المتوسط على وادي موكر و وادي بوعنان الدي تصب فيه سبعة أودية وتدهب جل مياهه نحو الجزائر. حقيقة هناك إتفاقية دولية حول المياه بالمناطق الحدودية إلا أن المغرب مسالم إلى أقصى درجة بهدا الخصوص لإنه لايريد إثارة المشاكل في هدا الشريط الحدودي مع الجزائر لعلها تبدي مرونة في ملف الصحراء وهو ما لن يحدث أبدا. فكثير هي الخيرات الطبيعية التي يزخر بها الإقليم فبدل أن يكون أحسن بقي أضعف إقليم لهدا السبب السياسي.

  • بوحلة
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 07:16

    ليس العطش وحده يطارد المغاربة بل الجوع والفقر والتهميش .لنا الله ولكم ما تشتهون والغلبة للصابرين عند لقائه.

  • mohamed ingh
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 07:22

    نحن في جماعة حد بوحسوسن باقليم خنيفرة نعاني من ندرة مياه الشرب لنا ولماشيتنا التي هي مصدر عيشنا. نحن ننتظر من وزارة التجهيز والماء بانشاء السد التلي المبرمج مند سنة على واد سيدي يوسف للحد من نقص الماء بجماعتنا المنسية…وشكرا.

  • جمال العطشان
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 07:25

    حسب ويكيبيديا.( .وصل عدد السدود في المغرب في عام 2011، ووفقا للحكومة المغربية، مايناهز 148سد، ولها قدرة إجمالية تفوق 17.2 مليار متر مكعب .)
    وبين الفينة والاخرى نسمع أن السدود مملوءة بى90% أو 100%….فلماذا فواتير الماء مرتفعة دائما؟. . وبعض المناطق تشتكي العطش…والفلاحين يشتكون من الجفاف… مابقى مايعجب في بلادنا مزال الدجاجة محدها تقاقي تزيدنا في البيض يعني بالمنفعة …أما مشاكلنا حنا محد الشعب يغوت ويزيدوه في الهم …تلقاه يغوت في المستشفيات باش يتعالج في الادارات ..في أي مكان تلقى المواطن يأكل لعصا…ولاسلك من كلشي يتسلط عليه شفار بجنوي….لاحول ولاقوة الا بالله ..يارب شوف من حال هاد البلاد وتغيرها من هاد المنكر لي ولينا عايشين فيه….

  • لحلو
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 08:47

    الذي لم تفكر فيه الحكومات المتعاقبة والدولة بكثرة وتهاونها وترك الامور تتطور الى الاسوا وعدم الاهتمام بتوفير جميع الامكانيات وبسرعة لتحلية مياه البحر . لان العطش هو الشيء الوحيد الذي سيخرج المغاربة موحدين للانتفاض ومحاسبة المسؤولين على ترددهم لعقود بعدم السرعة في تحلية مياه البحر والتي لطالما حذرت الفاو ومنظلمات بيئية وعلمية من ما سيهدد المغرب من شح المياه.ماذا تنتظر والطبيعة منحتنا حلا بوجود بحرين بارض المغرب . لذا فهي الاسراع ورصد جميع الامكانيات لحل الاشكالية وبسرعة

  • ملاحظ
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 12:45

    فعلا اذا كانت هذه الصورة المتقطة في مغرب القرن 21 …

  • المجيب
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 16:42

    إذا لم تخني الذاكرة، أعتقد أن المطرب الشعبي الستاتي هو من أدى أغنية "الفيزا والباسبور من كازا لمرساي"، أتمنى لو أنه يعيد الكرة ويطربنا بأغنية على نفس المنوال وفي نفس المقام بعنوان "البيدو والحمار في تالسينت وغفساي" للتعبير عن مشكل الماء الذي تتخبط فيه البوادي والقرى المغربية المنسية.

  • مواطن من تهالة اقليم تزنيت
    الإثنين 10 شتنبر 2018 - 17:27

    تعاني منطقة إريغ تهالة من العطش لأزيد من ثلاث عقود ما تسبب في هجرة الساكنة نحو المدن .
    السبب في ذلك هو غياب سياسة مائية إن لم نقل غياب كلي للدولة في هذه المنطقة .
    للتذكير فهي منطقة يسكنها أمازيغ فلا داعي للإستغراب . فذلك شيء ألفناه فالأولوية للمناطق العروبية .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين