حرب الطرق: ماذا لو أفلح الصغار في تغيير سلوك الكبار؟

حرب الطرق: ماذا لو أفلح الصغار في تغيير سلوك الكبار؟
الأحد 3 مارس 2013 - 11:30

الصورة: أرشيف

قالت العرب قديما ” قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر” ٬ وقد تنطبق هذه المأثورة على الناشئة عندما تتاح لها فرصة التعبير والابتكار بحرية ومسؤولية خاصة حينما تتعقد الأمور في وجه الكبار ٬ كما هو شأنهم مع حرب الطرق وما تخلفه وراءها من خيبات وحسرات .

فقد أبانت الحصيلة الثقيلة لحوادث السير في المغرب ٬ ماديا وبشريا ٬أن القوانين مهما ازدادت حزما وصرامة٬ لا تكفي وحدها لوضع حد لنزيف هذه الطامة الكبرى التي تحصد في طريقها على مدار السنة أربعة آلاف قتيل ناهيك عن خسائرها المادية الجسيمة المقدرة بعشرات المليارات.

ولهذه الأسباب تحاصرنا اليوم مجموعة من الأسئلة عن كيفية الوصول الى المبتغى مادامت نتائج الحملات الوطنية وما يصاحبها من معدات لوجيستيكية للمراقبة وترسانات قانونية٬ لم تف بالغرض المطلوب لبلوغ التوقعات المرجوة. فهل من سبيل لوضع حد لدموية هذه الحرب المعلنة خارج مدونة السير وماذا لو أفلح صغارنا في تغيير سلوكنا على الطريق؟

أجل ٬ يمكن أن يتحقق ذلك بعيدا عن أبراج الفقهاء وورشات الخبراء. إنها فكرة ذكية انبثقت من مخيال براعم تنتمي الى إحدى المؤسسات التعليمية بمدينة قلعة السراغنة خلال الحملة الوطنية الأخيرة حول السلامة الطرقية.

والفكرة من أساسها تقوم على مبدأ التحفيز في نطاق التربية الطرقية ٬ حيث نظم هؤلاء البراعم ٬ من تلاميذ الطور الإبتدائي ٬ بساحة مؤسستهم مدارا طرقيا منظما بعلامات التشوير ويشتمل على مجموعة من المطبات على شكل متاهات لعب الأطفال والتي ينبغي لكل مرشح لعبورها أن يتوخى الحيطة والحذر حتى يعبر سالما آمنا .

ومما أضفى على مجسم هذا المدار الطرقي المصغر٬ نصب بعض العلامات المكتوبة بخط اليد والتي لم يعد يلتفت إليها الكبار اليوم ٬ من قبيل ” لا تسرع يا أبي فنحن في انتظارك ” و” في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ” و” التأخر في الوصول خير من عدم الوصول “.

وأمام مرأى ومسمع من الكبار الذين تابعوا العرض٬ من آباء وأولياء ٬ انطلق الصغار في لعبتهم ونجحوا ٬ جميعهم ٬ في الوصول الى نقطة النهاية دون السقوط في المطبات او ارتكاب مخالفات تستحق الإقصاء من المشاركة حسب قوانين اللعبة التي اطلعوا ٬ سلفا ٬ على شروطها.

وعند انتهاء اللعبة تم اللجوء الى لجنة التحكيم ٬ وهي مجموعة أخرى من البراعم كانت تسهر على الحرص على تطبيق القوانين بكل ما تتطلبه من نزاهة وصرامة ٬ وأعلنت عن النتائج والتي جاءت كلها إيجابية حيث توفق الجميع في عدم تسجيل أية مخالفة تستحق الإقصاء لكن الفارق بين المشاركين هو كيفية التعامل والإنضباط والتسامح في المرور وتجنب الإزدحام والتحلي بالصبر والتأني ٬ ذلك أن قانون هذه اللعبة لا يعتبر العجلة في الإنجاز عاملا موجبا للإقصاء من السباق.

وقد دأبت هذه المدرسة في برنامج أنشطتها التطبيقية ٬ على تنظيم مثل هذه السباقات في كل مناسبة تقتضي تربية التلاميذ على احترام قانون السير ٬ وكانت نتائجها عادية ومحدودة في قلة قليلة من المتفوقين ٬ لكن المستجد في لعبة هذه السنة هو أن جميع التلاميذ المشاركين تفوقوا ٬ ودون استثناء ٬ في الحصول على نتائج إيجابية .

والسر في ذلك ٬ يكمن في تحفيز التلاميذ بإقتراح منهم ٬ يقضي بتخصيص مكافأة للفائزين الأمر الذي استحسنه الطاقم البيداغوجي للمؤسسة لكونه سيخلق نوعا من التنافسية في الأداء ويشجع المتبارين على احترام شروط اللعبة.

وعلى هذا الأساس تقرر وضع جوائز هامة بالنسبة للتلاميذ لتتويج الثلاثة الأوائل في هذا السباق حسب الشروط المتفق عليها في ( دفتر تحملات ) اللعبة ٬ وهي صعبة لأنها على غير العادة المألوفة ٬ لا تتطلب السرعة المتهورة بقدر ما تتطلب الصبر والتأني والتفكير مليا في تجاوز العقبات والوصول بسلام الى خط النهاية.

ومما لاشك فيه أن جمهور الكبار الذي تابع العرض ٬ قد إلتقط الرسالة وهي ” بليغة وعميقة ” في أبعادها ٬ كما جاء على لسان إحدى الأمهات ٬ خاصة حينما اتضح أن جل هؤلاء التلاميذ شاركوا أكثر من مرة في مثل هذه اللعبة ٬ وكانت نتيجة مشاركتهم في سباقات السنتين الماضيتين عادية ولا تخرج عن نطاق الدروس الرتيبة والمألوفة لديهم ٬ إذ كانوا لا يكترثون للنتائج لكنه عندما ظهر عنصر التشويق عبر التحفيز بات الجميع مهتما بجدية فائقة لأن كل واحد منهم وضع نصب أعينه الظفر بالجائزة مما حتم عليه بالضرورة الإلتزام الى أقصى حد ممكن ٬ بشروط اللعبة.

فماذا لو تم التفكير في نقل هذه الفكرة الذكية من ساحة المدرسة ٬ الى ساحة الواقع اليومي بتخصيص جوائز قيمة لأحسن سائق عربة أو شاحنة لنقل البضائع أو حافلة لنقل المسافرين على مختلف الأصعدة إقليميا وجهويا ووطنيا . ألا يمكن لمثل هذه الجوائز أن تشكل حافزا معنويا هاما للتخفيف من حدة الحوادث على الطرق واحترام مدونة السير.

وماذا لو تم استثمار نسبة ضئيلة من حجم الخسائر المادية التي لا تقل عن 11 مليار سنويا ٬ في تحفيز مستعملي الطريق بمختلف فئاتهم بوضع ورقة للتنقيط الإيجابي بدل الذعائر ٬ دون إلغائها بالطبع ٬ لكن يمكن أن تكون هذه الورقة ملازمة لوثائق السيارة توضع عليها علامات الاستحقاق . ولن تعدم الوزارة أو الجهة التي سيوكل إليها أمر هذه الورقة الوسيلة في كيفية تنزيل هذه الفكرة على أرض الواقع.

والأهم في ذلك كله ٬ هو إقحام الجانب التنافسي الضامن للتصرف بتلقائية تامة بسلوك مغاير دون حسيب أو رقيب على الطريق ٬ وبذلك سيكون عامل التحفيز أساسيا ومكملا لما تقوم به اللجنة الوطنية للسلامة الطرقية والتي ربما قد يكون لها دور جوهري في تعميق النظر في هذه الفكرة البسيطة والتي سنكون من خلالها قد غيرنا بالفعل سلوكنا وأخذنا العبرة في ذلك من من صغارنا.

❊ و. م.ع

‫تعليقات الزوار

9
  • amine
    الأحد 3 مارس 2013 - 12:06

    بصراحة بالنسبة من المعجزات في المغرب بنادم يفهم قانون السير
    العقلية القديمة نسبقك وتسبقني صحاب الطاكسيات والرالي ديالهم ممرات الراجلين مكينينش والا كانوا حتى واحد متيحترمهم والرشوة الطريق المحفرة

  • alimed
    الأحد 3 مارس 2013 - 12:08

    القدوة الحسنة ليس دائما بالشخص الكبير ولكن بالصلح و الانفع وفي هذه الحالة هم هؤلاء التلاميذ المبدعين.

  • فداء
    الأحد 3 مارس 2013 - 12:40

    ذلك ما نتمناه والعبرة في اضعف مخلوقات الله، فاذا عجز الكبار فالمرجو تقديم النصح من الصغار

  • azouzouz
    الأحد 3 مارس 2013 - 13:06

    إنها فقط ألعاب لاتسمن ولا تغني من جوع تضاف إلى سجل اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير. اللهم انها ستحقق المتعة للأطفال لا غيٍر. أما أسباب حوادث السير فهي تتجاوز هؤلاء البراعم. يتم الترويج على أن التربية الطرقية هي التي ستحل المشكل أما القوانين فهي غير كافية. بالله عليكم متى طبقت(بضم الطاء) القوانين بشكل صارم؟ناهيك عن حالات الطرق و ما يترتب عنها من تدهور لحالة العربات؟

  • أنا هو
    الأحد 3 مارس 2013 - 14:42

    أطفال هاد الجيل هما أمل الأمة في التطور لاكن المشكل واش تعليم الأولي ديالنا تيساهم فتطور ولا فالإنحطاط ؟!
    يجب إشراك الأطفال في كل شيئ حتى سياسة ليفهم مند صغره آشنو داير بيه
    فهاد لبلاد تيعجبونا غير نهار اليوم العالمي لشي حاجة وينيضو يجريو والكميرا تتصور
    و بقية العام وآالو !! هذا هو تخلف بكل المعاير و الله يصلح الحال
    سلام عليكم

  • rachid
    الأحد 3 مارس 2013 - 14:52

    المطلوب للتربية للكبار قبل الصغار

  • Salima
    الأحد 3 مارس 2013 - 16:58

    Je pensais la meme chose quand j'etais petite, mais malheureusement ma generation est devenu l'une des plus corrompus. Que l'egoisme et le materialisme…rien ne va changer, et c'est pour cela je suis plus dans un pays arabe…salutations

  • abdelah
    الأحد 3 مارس 2013 - 21:35

    لا يغير الله قوم حتى ان يغرو ما با نفسهم

  • المهدي ف
    الأحد 3 مارس 2013 - 22:44

    يُحكى أن بلدة مسعود كانت تعيش هنية مطمئنة ولم تعرف إليها المشاكل سبيلا إلا بعد اقتناء مسعود للسيارة المشؤومة… مسعود هذا لا فرق عنده بين قتل الحشرات و الأنعام… توالت كوارث مسعود و ما زاده نصح جيرانه إلا سُعارا… اجتمع القرويون مرارا لوضع حد لاستهتاره لكن دون جدوى…فقرروا اجراء خطوة استثنائية حيث حاربوا أمية البقر وكتبوا للبقر : انتبه مسعود~ عندئذ تنفس القرويون الصعداء

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات