الحج على نفقة الدولة.. سجال فقهي مغربي

الحج على نفقة الدولة.. سجال فقهي مغربي
الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:29

هل الحج على نفقة الدولة جائز، أم أنه تصرف غير مشروع في المال العام؟.. سؤال بدا ملحا في المغرب مع اقتراب موسم الحج، وإثارته من جانب عالم المقاصد المغربي د. أحمد الريسوني على صفحات جريدة المساء المغربية.. خلال الفترة الماضية.

الريسوني في بداية كتاباته حاول أن يحرر أولا “أموال الدولة”، حيث اعتبر أن ما يسمى اليوم بأموال الدولة، أو المال العام، أو الأموال العمومية، هي أموال تعود ملكيتها الحقيقية لعموم أفراد المجتمع، موضحا أن الشرائع والقوانين قد تعارفت على أن تدبيرها والتصرف فيها يدخلان في صلاحيات ولاة الأمور، باعتبارهم نوابا عن الأمة، مستشهدا بقول العلامة علاء الدين الكاساني: “وأما الإمام فهو نائب عن جماعة المسلمين” (بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 2 /491)

واشترط الريسوني في تصرف هؤلاء النواب -وكذلك نوابهم- في أي جزء من المال العام شرطين أساسيين هما:

الأول: أن يكون بالأنفع والأصلح للمجتمع ولعموم الناس، طبقا لقاعدة: “تَصَرُّفُ الإمامِ على الرعية مَنوطٌ بالمصلحة”؛ فمصلحة الجماعة ومصلحة أكبر عدد ممكن من أفرادها هو المعيار المحدد للتصرف في المال العام: ما يصح منه وما لا يصح، وما يجوز وما لا يجوز، ومن يستحق ومن لا يستحق، وما هو الأولى، وما هو خلاف الأولى…

أما الشرط الثاني في نظر الريسوني: هو أن يُنفَق كلُّ مال في ما أخذ لأجله وفي ما رُصد له؛ فمالُ الزكاة للزكاة، ومال الفقراء للفقراء، ومال الأيتام للأيتام، ومال الأوقاف لما وقف له، ومال المرافق والمصالح العامة فهو لها… فإذا لم يكن للمال مصرف خاص محدد عدنا إلى الأساس الأول.

أشكال الحج الجائز

وميز عالم المقاصد المغربي بين عدة أشكال وأحكام في مسألة الحج على نفقة الدولة، وهي إجمالا كالتالي:

– مَن ترسلهم الدولة، أو أي جهة تابعة لها، للقيام بعمل أو مهمة ما في موسم الحج، فيؤدون مناسك الحج بجانب المهمة الموكولة إليهم، كما هو شأن أعضاء البعثات الإدارية والطبية والعلمية، وكذلك الوفود أو الشخصيات المكلفة بإجراء لقاءات ومشاورات ومفاوضات، مع وفود وشخصيات من بلدان إسلامية أخرى، سواء تعلق ذلك بالحج، أو بغيره من مصالح الدول والشعوب وقضاياها.

وهؤلاء يجيز الريسوني لهم أن يذهبوا ويحجوا على نفقة الدولة، أو تحديدا على نفقة الجهة المرسِلة لهم، ولهم أن يتقاضوا مكافآت وتعويضات زائدة عن نفقات الحج، بحسب ما هو معمول به.

– الشكل الثاني: يتمثل في الأشخاص الذين يذهبون إلى الحج على نفقة صناديق ومؤسسات حكومية، أو حُبُسية مخصصة أو مخصص جزء منها لهذا الغرض، وتكون مدخلاتها وملكيتها عائدة إلى فئة معينة؛ مثل صناديق التقاعد، وصناديق الأعمال الاجتماعية، فمن كان مستحقا بمقتضى مصارف هذه المؤسسة وقوانينها، ولم يكن قد سبق له الحج، وتم اختياره بطريقة عادلة، فله أن يحج على نفقة تلك الجهة.

حالات غير جائزة

والشكل الثالث: يوجزه الريسوني في إرسال أشخاص لمجرد الحج وما يدخل في رحلته من تعبد أو تبضع أو منافع خاصة، وذلك على سبيل التكريم والمكافأة، مع الإنفاق عليهم وربما الإغداق عليهم من مال الدولة لا لشيء إلا لمواقعهم وصفاتهم..

وفي هذه الحالة يقول الفقيه المغربي: حج هؤلاء الناس لا يجوز، وهو من أكل المال بالباطل، وهو من التخوض في مال الله بغير حق.

وأضاف: “هذا لا يجوز لأي مسئول أن يتصرف به، كما لا يجوز للمستفيدين أن يقبلوا ذلك ولا أن يطلبوه، فإذا فعلوا، فالأموال التي أخذوها، والنفقات التي أنفقت عليهم على هذا النحو، تبقى دَينا في ذمتهم“.

– والحالة الرابعة: هي تلك التي سبق لنواب مصريين قبل مدة أن احتجوا عليها، حيث يكون وراء الإرسال إلى الحج غرض سياسي يرمي إلى الاستقطاب والتأثير على مواقف المبتعثين، وهذه الحالة يعتبرها الريسوني حالة أدهى وأمر، وهي جناية دنيوية وأخروية، والحكم فيها أوضح من أن يحتاج إلى كلام، ومثل ذلك أيضا، إذا تم الأمر لمجرد المحاباة واعتبار القرابة أو الصداقة، أو لمصلحة شخصية.

لا بأس.. بشروط

وفي حديثه لموقع إسلام أون لاين يحدد الدكتور محمد بولوز، باحث في العلوم الإسلامية، الأصل في مال الحج، معتبرا أنه لابد أن يكون من المال الطيب الحلال؛ لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا الطيب، وأصول المال الطيب إما عمل مشروع بإتقان، أو تجارة مشروعة بصدق، أو عطية بحق.

والعطية بحق، يقول بولوز عنها: هي كالهدية المشروعة غير المتلبسة برشوة أو مصلحة مرتبطة بمنصب، أو صدقة يأخذها الفقير من مال الزكاة والصدقات والكفارات وغيرها، أو ميراث مستحق، أو مكافأة مستحقة بمعايير موضوعية.

ويناقش الباحث المغربي حدود الحج على نفقة الدولة، وهل يشكل اعتداء على أموال المجتمع وأكلا للمال بالباطل، بالتأكيد على أن التصرف في المال العام منوط بالمصلحة وبرضا الأمة أو من ينوب عنها، وبالتالي لا يرى بولوز بأسا في حالة ما إذا صادق نواب الأمة على ميزانية الدولة، بما فيها الجزء المخصص لتكريم عدد من الموظفين أو من عموم المواطنين، بإرسالهم إلى الحج على نفقة الميزانية العامة أو ميزانية مختلف القطاعات الحكومية، أو مؤسسات موازية وفق معايير موضوعية مفتوحة مبدئيا في وجه من توفرت فيه تلك الشروط من غير محاباة أو مصالح شخصية أو قرابة أو رشوة أو ولاءات حزبية أو انتخابية أو طائفية أو عرقية أو غيرها.

وأضاف بولوز: “لا أرى بأسا بذلك، ولا حرج على من كان نصيبه الحج بتلك الأموال وهو من النعمة التي يسرها له الله عز وجل، ومن سبل الاستطاعة التي توفرت له لأداء المناسك“.

التدقيق في بعثات الحج

ويشدد بولوز على أنه من المفروض في نواب الأمة عند مناقشة الميزانية التدقيق في النسبة المخصصة لبعثات الحج، حتى لا تكون على حساب أولويات الشعب في الغذاء والصحة والأمن والدفاع وغيرها من الضروريات، وأن لا يتجاوز ذلك خانة التحفيز والتكريم في الحدود المعقولة التي تذكي التنافس في خدمة الصالح العام.

وتابع: “مع التأكيد على أنه ليس في الشرع ما يلزم الدولة أن تنفق على الناس لأداء فريضة الحج؛ لأنها منوطة بالاستطاعة الفردية ومن لا يملكها فلا إثم عليه، ومن مهام النواب أيضا ومن له حق المراقبة والمتابعة والمساءلة من المسئولين التدقيق في الشروط الموضوعة للاستحقاق ومساءلة مختلف الوزارات والمؤسسات التابعة للدولة عن المعايير المعتبرة في الاختيار، حتى تتميز بالشفافية والموضوعية والنزاهة وتعميم الاستفادة حتى لا تبقى حكرا على أناس يحجون كل عام في وقت يحرم فيه آخرون“.

الحج على نفقة الدولة من العطايا

وتحفظ العلامة محمد التاويل في الجزم برأي حاسم في الموضوع، معتبرا في حديثه لـ”إسلام أون لاين” أنه يدخل محل خلاف بين الفقهاء منذ عهد العباسيين وغيرهم، ويعتبر الحج نوعا من الهدايا والعطايا تنعم بها الدولة على بعض الأفراد، ففي نهاية الأمر يُعد الحج عبارة عن هدية المال وهدية تذكرة السفر، وأكثر الفقهاء يجيزون ذلك.

ويضيف التاويل أن أم المؤمنين عائشة وابن عمر رضي الله عنهما كانا يقبلان هدايا أضعاف المال المخصص للحج.

ويشير إلى أن القول بأن الحج على نفقة الدولة يعتبر تصرفا في المال العام، فهذا ليس دقيقا، حيث إن بعض الفقهاء يرون أن الدولة ليست منتجة للمال، إنما جامعة له ومسئولة عن صرفه، وحين ترى الدولة إقامة شعائر دينية من قبيل الحج يمكنها فعل ذلك”.

واختلفت الإجابات بين مؤيد للطرح الذي يقول: إن الحج على نفقة الدولة جائز لا شيء فيه، وبين من لا يرى ذلك معتبرا أنه نوع من أكل المال بالباطل، والتخوض في مال الله بغير حق.

‫تعليقات الزوار

7
  • salah
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:43

    الواقع:مغاربة تابعون للدولة اغلبهم له مداخيل ويمتلك كماليات جمة،اطر الدولة من فئة الاغنياء،يقصدون بيت الله الحرام بنية الحج،وباموال من خزينة الدولة(اموال الشعب)يجمع هؤلاء الانتماء الى مجتمع به بلدة كانفكو واكثر من الثلث يعيشون تحت عتبة الفقر.نطرح السؤال التالي:ما هو الحج؟الاجابة على لسان اي تلميذ ابتدائي الحج من فرائض الاسلام الخمسة لمن استطاع اليه سبيلا وهنا سؤال ثاني :بما ان المال هو مال الشعب ،هل هذا الشعب قادر على اهداء اموال الى هؤلاء ليحجوا؟ لمن الاولوية لاطفال انفكو على سبيل المثال لا الحصر ام للحج؟.اما القضية الثانية فهي البعثات التي تسهر على سير الحج او المرسلون للمصلحة العامة فالاجدر بهم ان يسموا الاشياء بمسمياتها اي انهم ارسلوا الى بيت الله الحرام للخدمة وليس للحج ،لن انسى ابدا ذلك الشاب الذي اختير لاداء مناسك الحج ففوت التذكرة لابيه فذهب الى الحج ،وبينما نحن جلوس الى طاولة العشاء تأوه الوالد مرددا اه لو كان لي ابن له مرتبة في المخزن لكنت انا بدوري في الحج……..

  • متتبع
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:41

    اتااظن ان بعض الفقهاء يتساهلون في اصدار الفتوى دون اعتبار للنص القراني الدي ينص ان فريضة الحج تكون بالاستطاعةوهده الاخيرة تكون بالمال الخاص والحلال
    اما فيما يخص المال العام فهو يخص الشعب خاصة الدي يعاني من ويلات الفقر والعوز انا اظن ان هدا الحج باطل وكدلك الحج بواسطة السحب خاصة داك الدي يكون للاشهار لمنتوجات معينة (المساحيق.وما شابه دلك وووو)
    واسمع ان هناك بعض الاشخاص يدفعون الرشوة حتى يتقدمون في لائحة السحب لا حول ولا قوة الا بالله
    اللهم ارزقنا حجة طيبة وحلالا انشاء الله ولا تحرمنا من الوقوف بعرفات

  • java
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:31

    لا ارى معنا لهدا الكلام فالدولة لا تبعت للحج الفقراء وانما الاغنياء حتى ان الملك فهد ابن عبد العزيز يخصص للمغرب سنويا فيزات مجانية مهداة للفقراء واللتي تباع بأتمان تتراوح بين 10000 و20000 درهم لا يستفيد منها الا اصحاب الوساطة وللعلم فالملك فهد جازاه الله خيرا يخصص للمغرب اكتر من اي بلد آخر تلك الفيزات واللتي يمنحها لبلدان عدة ايضا ؛ كما واقول ان من البلادة ان يضن المغاربة ان المال الدي يدفعونه للحج :على المملكة السعودية ان ترجع اغلبه للحجاج لان مالهم تستفيد منه Les agences في المغرب وقليله يحفض للحاج احتياجاته الغدائية اما المملكة السعودية فتخصص اموالا طائلة لخدمة زوار بيت الله الحرام والحرم نفسه من عائدات البترول
    واقول نهاية حج مبرور وسعي مشكور وتقبل الله من كل حاج والحج فريضة لمن استطاع اليه سبيلا وليس كما يفعل بعضهم حيت ياخدون السلف لدلك غفر الله لنا ولهم

  • هدهد سليمان
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:37

    إنه حج المخبرين ( البركاكة). و النظام السعودي لا يتبرع لصالح بعض عموم الشعب المغربي بقدر ما يشتري حراسا و مخبرين بتواطوء مع النظام المغربي. و الواضح أن المقصود من ذلك هو السعي الى الإبقاء على تفتيت وحدة كلمة الأمة الإسلامية و إبعاد أهداف الحجيج ( الإتصال، نقاش أحوال الأمة، التعارف، خلق جو من التلاحم و التآزر و التعاطف حول قضاياها المصيرية ). يلتقي هدف النظامين في أن يتحول الحج الى شعيرة تافهة بعيدة عن ما كان يسعى اليه الإسلام الحقيقي (( خلقناكم من ذكر و أنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)). و كل ذلك بأوامر من جهات تلتقي مصالحها الدنوية ومصالح الرجعية العربية المتسربلة في زي إسلامي مفضوح.
    ملاحظة: لم يكن يكتب للدعوة الإسلامية من نصر مؤزر لولا لقاء الأنصار و المهاجرين أثناء مواسم الحج ، وتحديدا في مكة زمن البداية بإشهار الدين الجديد و التحول إلى التعبد لإلاه واحد .

  • المغفل
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:33

    سؤال واحد فقط يحيرني وارجو الاجابة الشافية الكافية هاد فلوس الحج لي ولا بهاد الثمن من المستفيد منه لاننا نعلم ان الطائرة بقدة وقدة والسكن بقدة وقدة والباقي كيفاش زعمى فين طار

  • عمـــــــر إبن الإســـــلام
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:35

    أتذكر موقفا قام به التابعي الجليل عبد ابن المبارك العالم الرباني الورع ـ رحمه الله ـ حين خرج إلى الحج ، فاجتاز ببعض البلاد ، فمات طائرٌ معهم ، فأمر بإلقائه على مزبلة هناك ، وسار أصحابُه أمامه ، وتخلَّف هو وراءهم .
    فلما مرَّ بالمزبلة إذا جاريةٌ قد خَرَجَت من دار قريبة منها ، فأخذت ذلك الطائر الميت ، ثم لَفَّتْهُ ، ثم أسرعت به إلى الدار ، فَتَبِعَها ، وجاء إليها فسألها عن أمرِها ، وأخذِها الميتة ؟!.
    فقالت : أنا ، وأخي هنا ، ليس لنا شيءٌ إلا هذا الإزار ، وليس لنا قُوتٌ إلا ما يُلقى على هذه المزبلة ، وقد حلَّت لنا المَيْتَةُ منذ أيام ، وكان أبونا له مال ، فظُلِم ، وأُخِذَ مالُه وقُتِل !!.
    وأمام هذه الحال المؤثرة ، كيف صنع ابن المبارك ؟!.
    لقد أمر بِرَدِّ أحمال القافلة ، وقال لوكيله الذي معه المال : كم معك من النفقة ؟.
    قال : ألف دينار .
    فقال ابن المبارك : عُدَّ منها عشرين ديناراً تكفينا للرجوع إلى مَرْو ( بلدته ) ، وأعطها الباقي ، فهذا أفضل من حجنا هذا العام ، ثم رجع .

  • karim de fès
    الإثنين 10 نونبر 2008 - 16:39

    إلى عمـــــــر إبن الإســـــلام,
    شكرا على هده المعلومة. بعد التلاوة دعوت لك بالستر. زدنا من جودك يا أخي و إفض علينا بحكايات أخرى. و لك الأجر عند الله

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين

صوت وصورة
الماء يخرج محتجين في أزيلال
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:30

الماء يخرج محتجين في أزيلال