الختان في السنغال .. تجربة ألم تصنع الرجال

الختان في السنغال .. تجربة ألم تصنع الرجال
الأحد 27 شتنبر 2015 - 00:05

صرخة مدوّية انطلقت من فم الفتى عبدولاي، وجسمه الصغير مثبّت بإحكام على طاولة العمليات من قبل مراهقين بدت عليهما علامات الحرص الشديد على ألا يتحرّك الطفل قبل إتمام ختانه من قبل الممرّض الذي انكبّ على أدواته يعقّمها ويعدّها استعدادا لأداء مهمّته، في سنّة حميدة تزدهر خلال أغسطس من كل عام، آخر شهر قبل موسم العودة إلى المدرسة.

وبأصابع تعوّدت على مثل هذه العمليات، وحركات تدرك جيّدا كيفية التعامل مع لحظات حاسمة لا تحتمل التردّد أو الخطأ، أمسك الممرّض بمقصّ كبير، قبل أن ينحني على الجسد الصغير المثبّت ويعمل أداته بشكل برقي لم يتسنّ حتى للحاضرين تبيّن مراحله، لتنتهي عملية الختان على وقع كلماته “سكوت.. سكوت.. لقد انتهينا”.. وبابتسامة عريضة، يلتقط قطعة من القطن ويضعها مكان الجرح لإمتصاص الدم المتفجّر منه، معلنا بحركة من يده ختان الصبي الصغير.

ألبور نديور.. ذاك هو اسمه.. ممرّض متقاعد يقوم بختان الأطفال بمنزله، وذلك منذ عقود من الزمن، حتى أنّه تعوّد على مثل هذه العمليات.. يقول للأناضول: “أقوم بختان الصغار منذ 1968، وهذا العمل غير مريح بالمرّة كما يبدو عليه، نظرا لما يتطلّبه من متابعة”.

ألبور، الشيخ السبعيني الذي تختزل تقاطيع وجهه المجعّد حكايات الآلاف من الأطفال الذين قام بختانهم، عاد بذاكرته إلى سنوات خلت، ليشكّل وضعية مقارنة بين الختان في الماضي والحاضر، حيث لفت إلى أنّ أبرز الفوارق تكمن في “التخدير الموضعي، والذي لم يكن موجودا في السابق، بما أنّه يتم ختان الصبي دون تخدير، وذاك ما كان يصيب الأخير وعائلته بهلع كبير”.

أما عبدولاي، فهو فتى في السادسة من عمره.. كان ملتفا في رداء أبيض تقليدي، وقد اجتاز لتوّه أوّل إختبار لشجاعته على تحمّل رؤية المقصّ الحديدي الكبير دون أن يغمى عليه. اختبار لا مفرّ منه، بما أنّ هذا التقليد الإسلامي الذي تحثّ عليه السنّة النبوية الشريفة، يعتبر أيضا من التقاليد الاجتماعية والثقافية أيضا، بما أنّ الختان يشمل جميع الذكور في السنغال سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين.

ملابس فضفاضة طويلة، وحزام غير رفيع يشدّها، وقبّعة أنيقة متناسقة الألوان، تميّز من يمتهن ختان الأطفال في السنغال. الـ “نجوليس”.. هكذا يسمّون في لغة الولوف المتداولة لدى معظم سكّان البلاد، حتى أنّه ما إن يمرّون من أحد الشوارع في مدينة “روفيسكي” الواقعة على بعد 25 كم جنوب شرق العاصمة داكار، حتى ترتفع إليهم أصابع الصبية، لاسيّما خلال عطلة الصيف، والتي تعتبر “موسم النجوليس” أو موسم الختان في البلاد.

“اختيار العطلة الصيفية لختان الأطفال لا يحمل دلالات دينية أو روحية معيّنة”، يقول السنغالي مامادو سامبي للأناضول، مضيفا أنّ “كلّ ما في الأمر هو أنّ الأطفال يكونون في إجازة ولديهم متّسع من الوقت، ولذلك نفضل ختانهم خلال هذه الفترة من العام”.

ومع أنّ الختان حافظ على موسمه الصيفي، إلاّ أنّ تغييرات عديدة طرأت عليه على مرّ السنين. فممتنهنوا هذا النشاط، فقدوا الكثير من بريقهم، بحسب غريك ندويي، وهو أحد سكان مدينة “روفيسكي”، والذي قال للأناضول، إنّه “بالإمكان أن نرى في أيامنا هذه أطفالا وقع ختانهم غير حاملين للعصا الصغيرة التي كانت رمزا لخضوع الأطفال في القديم للختان، كما أنه يحدث وأن يخرجوا غير مرتدين لقبّعاتهم، والأسوأ من ذلك هو أنّ البعض منهم ينامون في غرف أمّهاتهم”، لافتا إلى أنّ “الأطفال الذين يتم ختانهم كانوا يعيشون معا في السابق، تحت إشراف من يكون أكبرهم سنّا”.

ندويي، المهندس المعماري ذو الستين عاما، قال أيضا إنّ “عملية الختان كانت تجرى في شكل جماعي، أي أنها كانت تشمل مجموعات تضمّ عددا فرديا من الأطفال: 9 أو 11 أو 13 وهكذا”، و”الإحتساب الفردي يعتبر من أشكال الحماية الروحية من الأرواح الشريرة، بحسب المعتقدات الشعبية السائدة”.

“الختان لم يعد كما كان عليه”، يقول من جانبه، مبايام سيك، وهو من بين الذين يمتلكون دراية واسعة بالموروث التقليدي المحكي في السنغال، فهذا المفهوم يحمل أكثر من دلالة، وعبارة “هل وقع ختانك؟” تحمل معاني ذات صلة بالشجاعة، وهي تقال لأي رجل يظهر نوعا من الليونة ونقصا في الشجاعة في مواجهة وضعا ما في حياته اليومية”.

موروث غني بالدلالات، يسعى آس غايي إلى إحيائه وحمايته من الاندثار، وذلك من خلال تنظيم حفلات للختان الجماعي. “قمت بختان 9 أطفال معا هذا العام، و5 العام الماضي”، مشيرا إلى أنّه تعيّن عليه دفع “مبلغ بقيمة 112 ألف فرنك افريقي (200 دولار لمواجهة نفقات التمريض”.

الممرّض المتقاعد ألبور نديور عاد ليقول إنّ “السنغاليين يفضّلون هذه الأيام ختان أبنائهم في سنّ تتراوح بين الـ 3 إلى 6 سنوات، نظرا ليسر القيام بمثل هذه العملية في مثل هذه السنّ المبكّرة”، بل إنّ “البعض من الآباء يقومون بختان أبنائهم منذ ولادتهم”. خيار لقي رفضا قاطعا من قبل الناشط الثقافي ألكسندر ليتي، والذي قال للأناضول بانفعال ظاهر: “لماذا نفعل ذلك في وقت لايزال فيه أطفالنا رضّعا؟”، مشيرا إلى أنّ مثل هذه الممارسات “تشوّه مفهوم الختان”.

حنين جارف إلى تقاليد تكاد تتلاشى في خضمّ مظاهر الحداثة الطاغية على أسلوب الحياة في السنغال. ومع ذلك لم يفقد آس غايي أمله في أن “يكون عدد الأطفال الذين ستشملهم حفلات الختان الجماعية أكبر في السنوات القادمة”، وفي عودة جملة الطقوس التي كانت تحفّ بمثل هذه المناسبات، والتي من أبرزها حفل “الكاساك”، والذي ينتظم حول النار لإعلان شفاء الأطفال عقب ختانهم. وجه آخر للتقاليد السنغالية لاتزال محفورة في ذاكرة البعض، رغم تسونامي الحداثة الطاغي.

* وكالة أنباء الأناضول
صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات