أشهبون يستعرض مع الحاج العلواني مسيرة هجرته إلى أوروبا

أشهبون يستعرض مع الحاج العلواني مسيرة هجرته إلى أوروبا
الإثنين 13 يونيو 2016 - 14:15

وتستمر الحكاية.. حكاية الهجرة.. حكاية تلو الحكاية.. آلاف الحكايات تشكل فصلا من فصول تاريخ المغرب الحديث..حكايات جيل رائد قرر في غفلة من الزمن إضفاء معنى جديدا لوجوده خارج حدود وطنه.

والحاج أحمد العلواني كان أحد هؤلاء الرواد؛ ففي سن الرابعة والعشرين قرر مغادرة مدينته بني ملال في اتجاه أوربا، فاستقل مساء 10 غشت 1960 رفقة صديق له باخرة ركاب من ميناء الدار البيضاء، مرفوقين بدراجتيهما، إذ كانا من أبطال سباق الدراجات حينها في الجنوب، في اتجاه فرنسا..بعد رحلة استمرت أربعة أيام وصلا إلى مرسيليا، ومن هناك تابعا رحلتهما بالقطار إلى قرية هارن القريبة من ليل، وبعد أيام من البحث سيجدان عملا في شركة لمد الأسلاك الكهربائية تحت الأرض.

وبما أن تأشيرة إقامة الحاج العلواني في فرنسا كانت محدودة في ثلاثة أشهر فقط، فقد قام بإرسال خطاب إلى رئيس الجمهورية شارل ديغول، يلتمس فيه تمديد إقامته؛ وهو الطلب الذي حظي بقبول الرئيس فعلا، إذ جاء الأمر للشرطة بمنحه الإقامة الدائمة، ما مكنه من الالتحاق بالعمل في منجم للفحم الحجري بالمنطقة.

بعدما يقرب من سنة من العمل داخل أنفاق المنجم، وبسبب قسوة ظروف العمل سيرحل العلواني إلى باريس، وهناك سيضطر للإقامة في غرفة رديئة وضيقة كان يتقاسمها مع ثمانية أشخاص آخرين، لم تكن تتوفر على حمام، بل ولا حتى على دولاب للملابس؛ فكان يترك ملابسه في المصبنة القريبة، حيث يرتدي الملابس النظيفة ويترك المتسخة؛ الأمر الذي سيجعله يحزم حقيبته ويتوجه إلى ألمانيا بحثا عن آفاق عيش جديدة.. في ألمانيا لم يتمكن من العثور على عمل بسبب الشتاء القارس، “وجبال الثلوج التي كانت تغطي جل أنحاء البلاد في تلك السنة”.

وانتقل الحاج أحمد إلى بلجيكا، حيث سيتم قبوله للعمل في أحد مناجم منطقة زولدر، وسيتصادف قدومه مع افتتاح الشركة لمركب سكني جديد للعمال، مجهز بكافة المرافق الضرورية. “ورغم القرار الذي اتخذته مع نفسي بعدم العودة للعمل في المناجم فقد تراجعت عن قراري بسبب هذا السكن، كان كل شيء جديدا ومريحا”، يقول العلواني.

بعد فترة، وبإيعاز من أحد الإيطاليين سيرحل الحاج أحمد إلى هولندا للعمل في مناجم هونسبروك بإقليم ليمبروغ؛ في ذلك الوقت كان معظم العاملين هناك من الإيطاليين..”المغاربة كانوا في بداية القدوم إلى هولندا، وكانوا يأتون بالخصوص من مناجم فرنسا وبلجيكا. وبعد أن رأى أرباب العمل جدية وقوة العمال المغاربة بدؤوا في طلبهم والبحث عنهم.. وأنا فخور بذلك، فقد كان المغاربة في ذلك الوقت رجالا بالمعنى الحقيقي للكلمة، كانوا لا يسيؤون إلى سمعتهم أو سمعة بلدهم”، يقول العلواني.

بعد ذلك سيغادر العلواني المنجم بصحبة رفيقين، والوجهة كانت هذه المرة مدينة هارلم، وفي الطريق توقفوا بمدينة ديلفت للبحث عن عمل، ووجدوه فعلا في معمل للصمغ، ولكن المشكلة كانت استحالة العثور على سكن؛ مما جعلهم يواصلون طريقهم إلى هارلم التي دخلوها في أكتوبر 1964.

في هارلم سيقيم العلواني ورفيقاه في غرفة واسعة مع ثلاثة مغاربة آخرين. “كما وجدت عملا في معمل ستورك للآلات الصناعية.. بدأت عاملا بسيطا، وبسبب مثابرتي وتشجيع رؤسائي وصلت إلى مراتب عليا في المعمل. كان بالإمكان أن أصبح رئيسا لو أنني كنت أتوفر على الدبلومات اللازمة”، يقول الحاج، الذي ظل يعمل في هذا المعمل إلى حدود 1976، إذ أحيل على المعاش المبكر بسبب حالته الصحية.

في سنة 1969، وهي السنة التي وقع فيها المغرب وهولندا معاهدة استيراد اليد العاملة المغربية، سيلتقي الحاج أحمد مع فتاة مغربية جاءت ضمن بعثة من النساء المغربيات، تم استقدامهن من المغرب للعمل في هولندا، وسيتزوج بها.

عن ظروف العيش في هولندا في ذلك الوقت، يقول الحاج العلواني إن الأمر لم يكن سهلا كما هو عليه الحال الآن، مضيفا: “في البداية كنا نشتري اللحم والدجاج من المحلات الهولندية.. طبعا كان هناك منا من يتورع عن ذلك؛ وفي ما بعد كنا نذهب عند الفلاحين من أجل اقتناء الدجاج الذي كنا نذبحه بأيدينا. ولاحقا وبعد ازدياد أعداد المهاجرين المغاربة بدأت تظهر المجازر الإسلامية”.

وعن ذكرياته مع رمضان خلال ستينيات القرن الماضي يحكي الحاج العلواني بنبرة تشي بنوع من النوستالجيا: “عند اقتراب رمضان كنا نقضي اليوم السابق له ملتصقين بأجهزة “الراديو”، فترى الواحد منا يضع أمامه أحيانا مذياعين يبحث فيهما يمينا ويسارا عبر الأمواج القصيرة عن إذاعة عربية تعلن بداية الصوم. لم تكن هناك حينها مساجد ولا قنوات فضائية ولا إنترنيت كما هو عليه الحال اليوم. أما مائدة الإفطار فلا تختلف في شيء عما كنا نتناوله كل يوم خلال وجبة العشاء. لم يكن عندنا وقت لتهييء “الحريرة” مثلا، فبعد رجوعك من عملك الأساسي تأكل بسرعة لتذهب للالتحاق بعمل إضافي آخر (دوبلاج). فقط بعد استقدام المغاربة لزوجاتهم وأطفالهم بدؤوا في معايشة الأجواء الرمضانية المألوفة داخل البيوت، أما صلاة العيد فكنا نؤديها قبل تأسيس المساجد في الملاعب أو القاعات الرياضية”.

وبحرقة يضيف الحاج: “والآن عندما أرى شبابنا وهم يسخطون على الواقع الحالي أحس بالألم.. في السنوات الأولى من الهجرة لم تكن هناك مساجد ولا متاجر إسلامية..واليوم أصبحنا نتوفر على كل شيء ونتمتع بالحقوق نفسها التي يتمتع بها أي مواطن هولندي آخر. نمارس طقوسنا الدينية بكل حرية. نساؤنا وبناتنا يمشين متحجبات في الشارع بكل أمان، لا يعترض سبيلهن أحد.. كل هذه الإنجازات تمت من طرف عمال بسطاء، في غالبيتهم غير متمدرسين. هذه الإنجازات يجب أن تكون محل تقدير وأيضا مصدر إلهام للأجيال الجديدة”.

‫تعليقات الزوار

6
  • محمد
    الإثنين 13 يونيو 2016 - 15:11

    هاذا صحيح جزاهم الله خير. الجيل الأول كان فى المستوى. الله يهدي شبابنا إلى أخلاق القرآن والسنة. آمين يارب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد.

  • Si HMAD ALBOULITIQ
    الإثنين 13 يونيو 2016 - 15:30

    وبعد أن رأى أرباب العمل جدية وقوة العمال المغاربة بدؤوا في طلبهم والبحث عنهم.. وأنا فخور بذلك، فقد كان المغاربة في ذلك الوقت رجالا بالمعنى الحقيقي للكلمة، كانوا لا يسيؤون إلى سمعتهم أو سمعة بلدهم"، يقول العلواني.

    Remarquer ce que ce Monsieur avait dit : quand ils
    ont donné une bonne image sur le Marocain, les patrons sont encouragés à engager des Marocains, ça c'était avant
    Maintenant c'est une autre catégorie de Marocains, l'arnaque, mauvaise image, malhonnêteté
    et autre alors il allonge les murs et les rues durant toute la journée, qui va leur faire confiance
    malheureusement

  • lhmama
    الإثنين 13 يونيو 2016 - 16:58

    تربينا على الانبطاح وطأطات الرأس ومرست علينا الحكرة ابا عن جد لدلك يقبل علينا الاروبي كاقبال الدئب على الحمل يعرف الاروبي جيدا ان المغاربة les marocainsكالنعاج بعكس الجزاىرين والتونسيون لا يعطون قيمة للاروبي كتلك التي نعطيها اياه نحن

  • Amazigh from uk
    الإثنين 13 يونيو 2016 - 18:58

    إلى صاحب التعليق 3
    حدك تم! فيك من السداجة و البلادة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت. لقد حكمت على عدة أمور من دون تتمعن ليثك تفكر قليلا .

  • Said Haarlem
    الإثنين 13 يونيو 2016 - 23:04

    الحاج العلواني نعم الرجل,و كلامه صحيح، لا ننسى ان الجيل الاول عانى الامرين حتى استطاع ان يشق طريقه الى سوق العمل و تنظيم مختلف جوانب حياته. اما ما نراه اليوم مع الاسف لا تخلوا جريدة هولاندية من اخبار عن رعونة بعض الشباب الذي اتخذ من تشويه صورة المغاربة هواية يومية ,ضاربا الحائط بكل القيم التي تربينا عليها. الله يهدي ما خلق

  • اوبها
    الثلاثاء 14 يونيو 2016 - 02:10

    مع احترامي التام للجيل الاول الذي يمجده اصحاب التعليقات،الا انه لم يكن في المستوى ابدا طرد المستعمر ابدا،حتى لو كان ذلك صحيحا لمذا استعمروا اصلا،كل الدول كان،فيها جيل ما بعد الاستقلال اساسا للتطور الا نحن من لم يمجد المتسعمر هاجر الى وطنه ليعيش مع من قتل الاف المغاربة دون وجه حق بل حتى الان مايزال المغاربة يمجدون الفرنسين و الفرنسية

صوت وصورة
شاطئ الرباط في حلة جديدة
الإثنين 25 مارس 2024 - 00:30 1

شاطئ الرباط في حلة جديدة

صوت وصورة
خارجون عن القانون | قتل أخوين
الأحد 24 مارس 2024 - 23:30 1

خارجون عن القانون | قتل أخوين

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | صمود أندلسي
الأحد 24 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | صمود أندلسي

صوت وصورة
كاريزما | محمد الريفي
الأحد 24 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | محمد الريفي

صوت وصورة
ملهمون | لم يفت الأوان
الأحد 24 مارس 2024 - 22:00

ملهمون | لم يفت الأوان

صوت وصورة
دوري رمضاني يخلق الفرجة
الأحد 24 مارس 2024 - 20:30 1

دوري رمضاني يخلق الفرجة