في نقد الوعي الزائف

في نقد الوعي الزائف
الأحد 9 فبراير 2014 - 21:42

أو ”أشكال التخريب في الثقافة العربية“

1

قرأت بمتعة وتجاوب إيجابي ما كتبه مؤخرا أستاذنا وصديقنا المبدع أحمد بوزفور حول «أشكال التخريب في القصة المغربية“، وأعتبره من أهم ما أثير في الأشهر القليلة الأخيرة -إلي جانب ما طرح أستاذنا عبد الله العروي حول قضايا العربية والتعليم- حول قضايا التحديث والحداثة ومستقبل وعينا. غير أن المثير هو هذا الصمت المفزع الذي يطوق كل فكرة أصيلة، وهو صمت دال وله دلالاته، بل هو آلية ”سلطوية“ تشتغل وفق نظام لخطاب مهيمن تتواطؤ حوله الكثير من أنماط الوعي السائد لتكرس نموذج الزيف و“التهافت“ والخضوع لمنطق ”اقتصاد السوق“ بمعناه الثقافي.

فبعد ”خرجة“ الأستاذ عبد الله العروي، الذي تم التعامل مع أطروحته بمنطق ”مختل“ هيمنت عليه ”الثقافة الكروية“ و“المصارعة“، إذ اكتفى الكثير ب“الفرجة“ والتعليق الباهت، وانتهت القضية، ولكأن الأمر كان يتعلق بحادثة سير عابر لا بمستقبل ومشروع مجتمعي وحضاري!

تأتي أصالة ما يطرحه صديقنا المبدع أحمد بوزفور، من حمله لهم المبدع الحق الذي يعي جيدا دوره في مجتمعاتنا، وفي المرحلة التي نعيشها الآن، إذ المبدع لا ينبغي له أن يعنى بالأجوبة، وإنما ينبغي له أن ينشغل بالسؤال، وأن ينشغل بمنطق ”الشك“ و“خلخلة“ اليقينيات“، وعليه أن يهتم بـ“خلوته“ أكثر من أي شيء آخر. لأنه لا يتعامل مع ”الصورة“ وإنما يتعامل مع ”الحقائق“ التي يطاردها من أجل تقعيرها وتعميقها. وهنا نتذكر جيدا موقفه التاريخي حين رفض جائزة المغرب للكتاب، في الوقت الذي يسلك البعض كل السبل -كلها!!- من أجل أن يتوجون، وليس أن تتوجه أعمالهم، إذ الأعمال ليست سوى وسيلة لتحقيق ”الهوس“ المرضي الذي يسكن بعض الذوات.

2- ”أنا كاتب طنجاوي“

كثيرا ما كان يردد شكري، بعد نضجه، وفي السنوات الأخيرة من حياته عبارة ”أنا كاتب طنجاوي“. وكان يقصد بذلك، أن الخصوصية والمحلية والارتباط ب“المحلي“ هو الذي سيؤدي إلى ”العالمية“! ذلك أن ”الحقيقة“ التي يطمح إليها الجميع، توجد في أعماق الذات، وما على الفرد إلا أن يهتم بها ويسبر أغوارها ويسائلها، بحيث لا يمكن أن يتحقق عمق أو بلورة لقضية من خلال ”الزيف“ و“التكلف“ والهرولة وراء الشهرة… الشهرة مرحلة لا تأتي إلا متأخرة، وقد لا يعيشها الكاتب في حياته. ذلك أن العمل الأصيل، لا يخضع لاقتصاد السوق ومتطلباته. وهذا من أخطر ما جنته العولمة على ”وعينا العربي“. إذ يخضع الإبداع ، اليوم، في الغرب -أمريكا تحديدا-، إلي معايير دقيقة جدا من حيث اللغة والمواضيع والأجناس الأدبية، وتقنيات الصياغة، وهذا ما حد من قوة ”الانزياحات“ والإبداعات وتخييب آفاق انتظار القراء، في الوقت الذي يعتبر الإبداع آخر ملاجئ الكائن البشري، اليوم، في ممارسة الحرية.. وطبعا هذا التنميط والضبط والإخضاع يراد من ورائه صناعة وعي ينذر بالكثير من المآسي، سواء في المجتمعات المتقدمة، أو في مجتمعاتنا العربية التي ستعاني أكثر، وبصورة كارثية للغاية.

3- ثقافة الجوائز

إذا كانت ”الجوائز“ -من حيث فلسفتها- احتفاء بالعمل، فإننا نلاحظ اليوم ازدهار هذه السوق/الثقافة بصورة تنعكس سلبا على مسار الإبداع وأصالته. فما يحدث في الكواليس، وتداول الناس ”للوائح الطويلة والقصيرة“، وتتبع الإقصائيات، ومرور أعمال من هذا البلد إلى ”التصفيات النهائية“ يدفعنا إلى طرح العديد من الأسئلة، سواء من حيث قيمة هذه الأعمال فنيا ومعرفيا، أومن حيث السياق الذي يحيط بهذه الجوائز، التي تتمركز في ”الشرق البترولي“ الذي يسوق ”ثقافة خطيرة ذات ملامح ظلامية“ رغم مظاهرها ”الحداثية“! وهذا ما يفضح ”الوعي الزائف“ لبعض المبدعين والمثقفين، الذين يهرلون وراء ”الشهرة“ والتقاط الصور ولو اقتضى الأمر منهم أن يدفعوا مقابل ذلك!؟؟ والقارئ لبعض هذه الأعمال يكتشف مدى ”التصنع“ والتسطيح الذي يهمين على بعضها، إذ تدرك أن النص كتب تحت الطلب.. هذا إذا غضضنا البصر عن ”المساومات“ والضغوط والهواتف والعلاقات العامة!؟

هذا ما لخصه أحمد بوزفور بقوله ”الكاتب بدل الكتاب“… والحال أننا في أمس الحاجة إلى كتب ونصوص لا إلى كتاب وصورهم في المنصات!؟

4- الكاتب والمترجم

سبق للأستاذ عبد الفتاح كيليطو أن أشار في إحدى المناسبات إلى أن المبدع الغربي لا يهتم بالترجمة، لأنه يعي ذاته ولغته وعالمه. غيرأن مبدعنا المغربي/العربي يعيش وهما غريبا للغاية، فهو بعد نشره لعمل أو عملين، والتقاطه لصور وهو يلقي علي جمهور لا يتعدى العشرين شخصا، يتم ”جلبهم“ بالإلحاح، وتحرير تقرير صحفي ونشره ”بالإلحاح“، ثم إجراء حوار ”مع نفسه“ باستخدام اسم مستعار (لمحاور من خيال!)، يبدأ بالبحث عن العالمية، فيبحث عن مترجم لعمل لم يقرأ حتى أصدقاءه، ليوهم نفسه أنه انتقل إلى فضاء فولتير وشكسبير وسرفانتيس!؟ لكن لا أحد يتساءل: ثم ماذا بعد؟!

ولربما زاد من تعميق هذه المعضلة، تلك الفكرة التي رسخت في أذهان المبدعين العرب، الذين يعتبرون أن الترجمة وهجرة النص إلى اللغات الأخرى يشكل قيمة في حد ذاته، ونجاحا، وتحقيقا للعالمية. قد يكون هذا صحيحا إلى حد ما، لكن ليس بالصورة التي تروج للفكرة. إذ أن ذلك لا يزيد إلا من تعميق الهوة ومن ”مركزية“ الغرب وتهميش الهامش.

نحن أمام أسئلة ينبغي أن نعيد صياغتها والبحث فيها، فعوض أن ننبهر بترجمة أعمالنا، ينبغي أن نواجه أسئلة من قبيل: من يقرأنا في هذا الغرب؟ وكيف يقرأنا؟ وهل تحافظ نصوصنا، حين تهاجر، على قيمتها الفنية والإبداعية؟ وما هي وظيفتها وطبيعة الأسئلة التي تولدها في القارئ، داخل السياق الثقافي الذي تبدأ فيه حياتها بعد الترجمة؟

من واجب المثقف والمبدع العربي أن يتجاوز النعرات والحساسيات والهوس بالاعتداد بالنفس، والثقة المفرطة والعمياء في الذات وما تنتجه، وأن يواجه حقيقته بالمزيد من الجرأة والوضوح، والانشغال بالأسئلة العميقة التي من شأنها أن تساهم في خلق فضاء تتنفس فيه النصوص بالمزيد من المحافظة على قيمتها وخاصيتها كإبداع، حتى يقوم الخطاب الإبداعي بالوظيفة التي وجد من أجلها. وكما قال ادوار سعيد ليس الشاعر هو الذي يصنع الشعر، وإنما الشعر هو الذي يصنع الشاعر.. ويبدو أن بعض ”كتابنا“ يتوهمون أنهم بصناعة ”صفة المبدع“ يمكنهم أن يصنعوا الإبداع العظيم..!

‫تعليقات الزوار

5
  • AnteYankees
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 07:05

    إن مشكلة المبدع العربي هو ضنه أن الإبداع هو الطعن في المقدس للوفاء بالخروج عن المألوف. لإن قواعد الإبداع المسطرة من طرف المفكرين الغربيين تلتزم بما سلف بدأ بالشك في كل شيء من يقينيات إلى خلخلة المقدس عنده. و الخطء عند المبدع العربي أن باتباعه منهج غيره لا يمكن أن يسمى مبدعا و إنما مستهلكا لمنهج. و الهرولة للترجمة للغات أخرى إنما هي هجرة كاتب النص ذهنيا إلى من يُزَكي عمله و للذي يُكْتَبُ له. من هنا فلا مفكر و لا مبدع عربي في عصرنا و إنما تلاميذ لمن له الفضل في إزاحتهم من براثن الجهل المركب.

  • جلال المزغوب
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 10:30

    الإبداعات الكبيرة ،توقفت اإلى أجل غير مسمى،في كل المجالات الإبداعية على العموم،ما نراه أحيانا مما يسمى إبداعا والذي تسبقه حملات دعائية ضخمة ،لا نجد فيه إلا إنتاجا متكررا،ممجوجا،يبدوا فيه التصنع واضحا،ولا يعبر عن أي هم وجودي،ولا عن أي شخصية متفردة ومبهرة تعبر عن انتماءها الحقيقي ،
    الإبداع هو منتوج كباقي المنتوجات البشرية،توضع عليه بصمة الجهة المصنعة،وقد يتعرف المستهلك على مصدر الإنتاج فقط من خلال نكهته دون أن يرجع الى علامة المصنع،ومن حقنا هنا أن نتساءل:هل استطاع مثقفونا ومبدعونا أن يرسموا ملامح مميزة لشخصيتنا المغربية ؟قد يكون الجواب صادما ،فلحد الساعة ليست لنا ملامح واضحة،وليس لنا وجه حقيقي مميز،صورتنا خليط من الألوان والملامح .

  • اليقين
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 12:21

    ؤ شكون سمعك؟!!!!!!!
    الدولة التي عليها أن تشجع العلم والعلماء والبحت العلمي والفنانون هي آخر من يعلم.يكفيها الهاجس الأمني!أما سواه فمؤجل.كما أن الفنانون الصادقون والمخلصون فضلو الإنزواء وتركوا الساحة للغوغاء والإنتهازيون.من منطلق محاولتهم فلم يجدوا من يساندهم ولا من يجاريهم ،إنهزموا وتراجعوا.كم من أستاد باحث وأستاد أكاديمي ترك رسالته واتجه نحو مشاريعه التجارية وهلوساته الدنيوية.ناس لديهم ما يقولونه ولم تسعفهم لغتهم كي يعبروا عنه وناس تعلموا اللغة وتركوا المضمون.ذلك أن المغرب لم يعرف يوما استقرارا لغويا .فمن الأمازيغية والعربية والفرنسية والإنجليزية ،خليط من اللغات لا يصلح لتكوين نص أدبي متجانس.

  • بنعياد البحيري
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 12:54

    اشكر صاحب المقال وهسبريس الناشرة له ,لان مضمون المقال يضع الاصبع على جرح الثقافة والابداع عندنا في المغرب ,وسمى الاشياء بمسمياتها على غير المعتاد من كثير من الكتاب في هذا الزمن الرمادي .
    وهنا اروي مضمون حوار مع رياضية مغربية في رياضة رمي الصحون -بالبندقية -اجرته معها احدى القنوات المغربية ، جاء فيه: ان رامي القرص الناجح هو من يركز على القرص الهدف لا على منافسه الذي بجواره …
    ومن هنا يمكن ان ينسحب مضمون هذا الحوار على المبدع الحق ، الذي عليه ان يركز على الهدف في ابداعه ،لا على كم كتاب نشره غيره ولا كم ندوة اطرها ، ولا كم صورة ظهرت له ..

  • أمازيغي من المغرب الطاهر
    الإثنين 10 فبراير 2014 - 18:38

    … وهذا من أخطر ما جنته العولمة على ”وعينا العربي“ …

    لا واه .. لا واه

    ما زلتم مصرين على العيش في وهم العروبة.

    آش من وعي عربي آش من زميطة آش من زعتر

    وا فيق.

    المغرب أمازيغي.

    من لا يملك وعيا أمازيغيا مغربيا فهو ليس بمغربي.

    قالك "وعينا العربي"

    حنا دابا ف 2014 والمغاربة مازالين تالفين تايتصحاب ليهوم راهوم عرب.

    واك واك.

    وا موشكيلة هادي.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة