الأخبار السّاخنة

الأخبار السّاخنة
السبت 22 فبراير 2014 - 19:27

مع كلّ ما يجري في بلادنا من استعصاء للحالة السياسية والاقتصادية، وعسر الهضم التي تعرفه الحكومة التي تتخبط في ملفات كثيرة، تكاد تفقدها توازنها المسنود بالطوب الأحمر. وغلاء الأسعار بشكل يلوّح بانفجار الاستقرار الملغوم.

مع مرور الحكومة من عنق الزجاجة، في حالة إمساك مزمنة عن خلق تغيير حقيقي سياسي أو اقتصادي..وتمسّك المؤسسة الملكية بدورها كمتحكم رئيسي في مسرح العرائس، المكون للمشهد السياسي ببلادنا العتيدة..

ولأنك مواطن محروق دمه على هذا الوطن، تفضل التجول عبر كل القنوات العالمية ، بحثا عن خبر يتحدث عن حقيقة الوضع في البلاد، ولا ” تعبّر ” القنوات الوطنية التي تنام في العسل طوال السنة، مع تكرار أسطوانة “العام زيييين..”

ولأنك تظل مواطنا طيبا يعيش أيامه على قيد الأمل، تأخذك الحمية الوطنية وتقوم بإطلالة هي الأولى من نوعها منذ زمن على القناة الأولى، لترى ملامح انفراج أو محاولات لحل الأزمة، التي يحاول البعض التغاضي عنها بسد أذنيه عن سماع حشرجة القهر في قلوب المواطنين..

وتجلس تشاهد الأخبار الوطنية بحسن نية…

تفاجئك المذيعة بعد إسهاب في سرد الأنشطة الملكية، بتفاصيل مملة عن ندوة ما تناقش موضوعا لا يشغل الشعب الكادح، تضم أناس لا تهمهم هموم هذا الشعب، يجتمعون في فنادق فاخرة في قاعات مكيفة، ثم ينصرفون إلى غذاء أو عشاء دسم ..

وتنبسط أساريرك ..حين ترى ريبورتاجا عن إحدى المناطق الفقيرة في الأطلس، حيث درجات الحرارة تبلغ 10 تحت الصفر، وحيث البرد وقلة الأكل، حولا الناس إلى فزّاعات من عظام مكسوة بخرق لا تخيف الطيور فحسب بل تخيف الأشباح نفسها، تمشي على الأرض هونا لخفة وزنها ..

تغتبط رغم قسوة المنظر، فكثيرون ماتوا دون رؤية نهاية النفق، ووصول كاميرا القناة المخزنية إلى القمم الباردة المنسية، هو حتما نهاية النفق المظلم.

تستدعي حواسك كلها لتسجيل هذه اللحظة التاريخية..

لتجد أن الريبورتاج يدور حول الأكلات الساخنة التي تسخن “عظيمات” السكان في هذا البرد القارص..!

يسألون شاب ما، كيف يستعدون لهذا البرد؟

يقول المسكين ببراءة : بلبس الثياب و..الكثير من الثياب!

لكن من أين لهم الكثير من الثياب؟

طبعا هذا سؤال لن تطرحه القناة البوق..

فالثياب مطلب غالي لهذه الفئة غير المحظوظة من سكان المغرب العميق، بدون موارد طبيعية ولا صناعية، في عزلة شبه تامة عن بقية العالم.

ثم تنتقل الكاميرا إلى النساء وهن يعددن أكلة بسيطة جدا، مثل الكوارع بالحمص أو العصيدة.. يتجمع عدد كبير من الأطفال، على طبق وضع وسط المائدة يحتوي ثلاث قطع من الكوارع وبضع حبات من الحمص..أو” زلافة” زيت مع بعض العصيدة.

تصورهم الكاميرا وهم يتظاهرون بالأكل بأدب جم ، ويبتسمون خفية خجلا من هؤلاء الغرباء الذين جاؤوا ليضحكوا عليهم بتصوير طعامهم الهزيل.

بينما في الحقيقة الوسيلة الوحيدة التي تمكنهم من تناول لقمة من ذاك الطبق، مع ذلك العدد من المنافسين ..هي الهجوم النووي السريع الخاطف..!

كنت أتمنى لو أن الكاميرا تصور ذاك المنظر..

كنت أتمنى لو أن تصور الكاميرا الأطفال وهم يرتجفون بالخرق التي يرتدون، والتي يُفترض بها أن تكون ثيابا، أو يسيرون شبه حفاة على الثلج ..

كنت أتمنى لو أن تصور الكاميرا النساء يلدن، على قطعة بلاستيك مفروشة على الأرض المتربة، لأنهن لا يملكن بطانية إضافية، فيحافظن على بطانياتهن القليلة نظيفة لتدفئتهن بعد الولادة..

كنت أتمنى لو أن الكاميرا تصور الأطفال وهم لا يذهبون إلى المدرسة، لأنها لا تحتوي على كراسي، ولا يستطيعون افتراش الأرض الموحلة، لأن السقف يقطر حين تمطر.. وغالبا ما تمطر في تلك البقعة المنسية من بلادنا..

كنت أتمنى أن لا تكون في بلدي مثل هذه المشاهد..

لكن إن كانت فالأفضل أن أراها، على أن أرى وجها ممسوخا لبلد منافق، يضع الكثير من مساحيق التجميل فقط لينهض من السرير..!

https://www.facebook.com/pages/Aicha-Belhaj-%C3%89crivaine/416153878433542

‫تعليقات الزوار

11
  • أمين صادق
    السبت 22 فبراير 2014 - 23:29

    " كنت أتمنى لو أن تصور الكاميرا الأطفال وهم يرتجفون .. "
    هب أنها صوّرتْ، ماذا تُرانا يا أختاه فاعلون ؟
    غير التعبير عن الأسف للحظة، ثم ..عابرون ..
    واجترار الألم برهة أو حتى ساعة، ثم .. ماضون …

    " كنت أتمنى لو أن تصور الكاميرا النساء يلدن، على قطعة بلاستيك .. "
    وإن صوّرتْ، من ذا الذي سَينبري ويفديك ؟
    يا امرأة الجبل البئيسة، ومن يحفل بوضع بنيك .. ؟
    إلا رحمة الله التي تتضرّعين أن تحميك …

    " كنت أتمنى لو أن الكاميرا تصور الأطفال وهم لا يذهبون إلى المدرسة .. "
    ولو صوّرتْ، هل ستُبنى المدرسة قبل تصبح الطفلة آنسة ؟
    هل سيبنيها فاعلو خير إن لم تفعل الدولة الحارسة ؟
    من مِنا سيشغل باله، بعد التصوير، بأمر هذه المؤسسة ؟!

  • أحمد ربا ص
    الأحد 23 فبراير 2014 - 00:22

    لاينكر إلا معاند قساوة ظروف الحياة التي يعيش في ظلها سكان جبال الأطلس التي تقترن في ذهن الكاتبة بالمغرب العميق. لكن هذا الأخير يبدأ من ضواحي الرباط العاصمة.
    ففي جماعتي سيدي بطاش وبئر النصر القرويتين، يعاين المرء تهميشا يتمظهر في غياب البنية التحتية التي من شأنها التخفيف من تأثير وعورة التضاريس على تنقلات الناس في هذه المنطقة التي هي عبارة عن هضاب وأودية ووهاد.لاوجود هنا لمرافق صحية تستقبل امرأة حاملا استبدت بها آلام المخاض على حين غرة أو أيا كان من الساكنة تعرض للسعة عقرب أو زاحف سام.
    وحدها وزارة التربية الوطنية أريد لها أن تنوب عن كل القطاعات الوزارية الأخرى من خلال أقسام متناثرة هنا وهناك بلا ماء ولا إنارة ولا هم يحزنون.هنا تقل نسبة تمدرس الأطفال(إناثا وذكورا) عن المعدل الوطني بفارق كبير يعزى غالبا إلى بعد المدرسة عن المنازل هي التي عبارةعن أكواخ من طين.
    لايتوفر الربط بشبكة الكهرباء إلا في المركزين القرويين لهاتين الجماعتين، في حين تغرق باقي دواويرها ليلا في ظلام دامس باستثناء الليالي المتزامنة مع منتصف الشهر الهجري حيث يكتمل البدر.
    لم يكتب أبدا لهذه المنطقة ان حظيت بربورتاج تلفزي.

  • بن سليمان
    الأحد 23 فبراير 2014 - 07:52

    كنت أتمنى ان اقرأ مقالا يخرج عن الروتين الذي مله جزء كبير من المغاربة في الهجوم الحاقد على الملكية وعلى الحكومة ،كنت أتمنى ان ترى كاتبة المقال الجزء المملوء من الكأس لتبت روح الأمل لا ان تحاول تصور تعفناث جسد يتعافى بإرادة شعب وحكومة وملك اختاروا التغيير في ظل الاستقرار ، ونجحوا في ذلك .

  • طالب معاشو فنرفيج
    الأحد 23 فبراير 2014 - 10:03

    جميل، ولكن لم تتحدثي عن دور الشعب نفسه. شعب مشغول بالبحث عن ماركة الهاتف المحمول ومعطف وسيارة الملك بدل طرح السؤال: من أين لك هذا؟ شعب الأوامر والإلتفافات الملكية. شعب "كنطلب من سيدنا…" وبركة سيدنا.

  • وبهيم عبدالله
    الأحد 23 فبراير 2014 - 10:08

    لاحول ولاقوة الا بالله كلهم كانو تحت داك السقف بخيره وخيراته لااحد منهم نفر يوما منه كي يديقنا من بعض اكلة تسببت له الما كلهم اخرجوا منها غصبا واعيدولها برغبتهم وتمويلا اهل هده القبة تحبهم ام هم انساب لها سالت نفسي ياترى يقولون المغرب بلد مضياف وضيف الله حقه تلات ايام اليست الحكومة الجديدة ضيفا على من سكنو القبة عقود لماد خنقوها من اول يوم بمادا تضايقهم اليس من حقها ان تاخد مهلة حتى تهيئ اكلة لهاد الشعب على مزاجها وهنا ك فالشعب هو الدي سيتدوقها اما ان يرضى واما ان يسخط بالله علكم هل تركتم تحت القبة اتاتا يصلح للطبخ او الوضوء كل شيئ انجستموه الم يرق لكم ان هاده الحكومة المحبة للطهارة اولا واختيار الاواني اولا واصلاح المطبخ ام انكم تعودتم ام انكم تعودتم على مقولة الي طيبتوا معفون ياكلو راجلها خليونا طرانكيل باراكا من بلابلا بلا فايدا لعرفنا عرفنا عراه ما هماتنا كساتو

  • أبوعربي
    الأحد 23 فبراير 2014 - 10:09

    إعلام مسخر لأغراض لا ترى في غير تكريس قيم "الكلاخ" هما , ولا ترى في غير التلاعب بمصالح الفئات الهشة هدفا , ولا ترى في الإنسان غير قوته وغناه .
    إعلام كان وأضحى بعيدا عن هموم مموليه, إعلام سار يشكل خطرا على أبناء القرن الواحد والعشرين ,إعلام يعلم هجر العلم والخنوع لما يفعله السفهاء, إعلام نسي بقصد أو بغير قصد أنه يحمل رسالة تنوير الرأي العام وتوجيه الأنظار إلى مكامن الخلل وأضحى يزرع الرداءو الحرمان
    أنشر يا هسبريس

  • جلال المزغوب
    الأحد 23 فبراير 2014 - 10:51

    شكرا لك سيدتي،فقد تحاملت على نفسك وحملتها مالا تطيق حين جلست أمام تلفزتناوتجرعت بصبر مشاهدتها بعض الدقائق، أما نحن فقد هجرناها فترةطويلة .
    نريد أن نسألك عن أحوالها ، هل لا زالت نفس الوجوه والأصوات هي هي، أم تغيرت ؟ هل لا زال البندير الذي تعزف عليه موال" العام زين" هو هو أم غيرته بآلة أخرى؟ ونشرات الأخبار! كيف أصبحت؟ هل لا زالت تبدأ وتنتهي بنفس البداية ونفس النهاية…؟والسهرات والطبخات والإشهاروالعلامة… لقد عانينا كثيرا من كل هذا وتسبب لنا مرارا في مغص حاد بالمعدة، وأصبنا بعسر الهضم،فلم نتماثل للشفاء إلا بعد أن هجرناها، والحمد لله على كل حال ،ولقد أصبحنا نسأل عن أحوالها من بعيد، لا كرها فيها !؟ حاشى وكلا! ولكن خوفا من أن تعاودنا الحالة: حالة المغص الشديد، وعسر الهضم!.

  • bassou
    الأحد 23 فبراير 2014 - 11:33

    مقال جميل جدا يصور اعلامنا المتخلف جدا الدي يابى ان يساير الشعب والعصر والعالم رتابة هدا الاخبار التي تقدم على الاولى مند ان كان ادريس البصري وزير الداخلية والاعلام نفس المضمون نفس القراءة وان اختلفت الوجوه والعيون 60 دقيقة من الاخبار الوطنية تتابعها من البداية الى النهاية دون ان تفهم اي شيء او ان تعلم عما يتحدثون . جمعيات الوديان والسهول والمنتديات التي تنظم تحت شعارات لايفهمها الا القائمون بها ميزانيات تهدر هباء منثورا . ويبقى المغرب العميق يزداد عمقا وتبقى المعاناة تنتظر قافلة طبية تزور منطقة عميقة ايها المغرب العميق لا تمرض حتى تصل القافلة والقافلة تاتي كل عقد من الزمان . يا اصحاب الجمعيات والمنديات ويا من يقدم اخبارهم على التلفاز كفاكم كدبا على الشعب نريد حلولا لمعاناتنا وليس الكدب على دقوننا . اشكر صاحبة المقال .

  • جميلة
    الأحد 23 فبراير 2014 - 16:10

    شكرا للكاتبة التي عبرت عنا جميعا ضد إعلامنا الوطني الذي مازال نائما في العسل إلى ما شاء الله وكان الله في عون كل فقراء المغرب

  • NOUR EDDINE
    الأحد 23 فبراير 2014 - 16:18

    j ai essaye plusieurs fois de voir des TVs marocaines a l etranger je ne vois que des series etrangers.des festivals …etc.j ai vue des cas des marocains qui sont oublies par le government,lamentables,oublies.les repportages se concentrent seulement sur GOLO L AM ZINE.c est triste de voir des marocains qui souffrent d avoir le minimum vital au siècle 21.

  • bernoussi
    الأحد 23 فبراير 2014 - 23:05

    هذا هو الكلا م الذي نريد ان نسمعه لا النفاق والتصفاق شكرا جزيلا

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب