في مفهوم الديمقراطية

في مفهوم الديمقراطية
الأحد 23 فبراير 2014 - 14:21

مفاهيم سياسية للنقاش والنظر(6)

تصدير

ثمة التباس حاصل في فهم بعض الثنائيات ذات العلاقة بنوازل العصر، إذ يتصورها البعض علاقة تخاصم وتضاد، ولأن هذا الالتباس مرده إلى تلك العملية التماثلية بين تجربتين حضاريتين تاريخيتين متبايتين في أسسهما الفلسفية وفي سياقيهما التاريخيين،(التجربة الحضارية التاريخية الغربية ، والتجربة الحضارية التاريخية العربية والإسلامية)، فإن ذلك ينتج عنه عملية إسقاط قسري لحقل مفاهيمي بالكامل(مفاهيم الغرب) على حقل آخر مغاير له من حيث تربته وفضاءه القيمي والحضاري(المفاهيم الحضارية الإسلامية الأصيلة)، مما يولد لدى أصحاب هذا الإسقاط، ثنائيات متقابلة ومتصارعة ويستحيل معها التعايش، وهذا يؤدي طبعا إلى تأسيس مواقف حادة اتجاه أية إرادة تجديدية من داخل المرجعية الحضارية للأمة، والملاحظة نفسها قد نذكرها بالنسبة الذين يتخاصمون مع أية هبة تجديدية تنفتح على العصر وتحاول أن تستوعب نوازله في إطار تأصيل متجدد يفقه الواقع والشرع ويبحث عن ملائمة حكيمة تنتج اجتهادا ومواقف مستوعبة لهذه النوازل وغير رافضة لها بالمرة.

و من تبعات هذا التخاصم المفتعل، هو تأكيد البعض على تلازم العلاقة بين الديمقراطية وبين التربة االحضارية التي نبتت من داخلها من الناحية الفلسفية والعقائدية، فهل هذا التلازم صحيح فعلا؟ ثم إذا صح التعريف بناء على الثنائيات المتقابلة والمتضادة فما هو النقيض الحقيقي للديمقراطية؟

أولا مفهوم الديمقراطية

ما هي الديمقراطية؟ وهل هي مشاع إنساني يدخل ضمن المشترك البشري الذي لا ضرر فيه على خصوصيات الشعوب والمجتمعات الثقافية و القيمية؟
إنها فضاء عام يسود المجتمع ككل، متسم بالسمات التالية:

1. فضاء مكتمل للحريات (حرية التعبير والمعارضة والتنظيم …) ، في إطار قيم المجتمع العليا.

2. مشاركة فعلية للمجتمع في تحديد الاختيارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبرى له،

3. وذلك يتم في نظرنا عبر:

• آليات تداول فعلي على السلطة وهنا يحتل مطلب “نزاهة الانتخابات” أولوية المطالب، ومن خلاله يتحقق مبدأ: “لا سلطة بدون تداول فعلي حر”.

• آليات التقرير بما يحقق فعليا المشاركة المجتمعية من خلال إعمال مبدأ:”السلطة للمجتمع”.

• آليات التأسيس والمراجعة والتقويم سواء سياسيا من خلال إعمال مبدأ:”لا مسؤولية بدون محاسبة” أو دستوريا من خلال إعمال مبدأ:”سلطة التأسيس والمراجعة للاجتماع المدني للمجتمع”.

4. تقوية حصانة المجتمع بالشكل الذي يمنع أية محاولة جديدة لابتلاع المجتمع من طرف الدولة وذلك عبر إعمال مبدأ “استقلالية المجتمع المدني والأهلي “، وكذا مبدأ “فصل السلط “.

ثانيا شكل الديمقراطية وفضائها

بناء على هذا التعريف للديمقراطية، يمكن استنتاج الخلاصات التالية:

1. أن الديمقراطية آلية لإدارة الخلاف، غايتها تحقيق مناط مبدأ مشاركة المجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم، و مبدأ التداول الفعلي السلطة الذي يمنع من إمكانية التسلط والاستبداد؛

2. أن الديمقراطية ديمقراطيات، وهذا دليل على أنها أشكال لخدمة أهداف المشاركة في التقرير والاختيار والمراقبة والتقويم والتداول؛

3. وكونها قد تتخذ أشكالا عدة بحسب بيئة المجتمع و هويته وأعرافه، لخدمة نفس الأهداف التي ذكرنا، يعني أنها تتأطر بإطار مرجعية المجتمع العليا، وبالتالي لا غرابة حينما نجد أن حتى للمجتمعات الغربية ثوابت لا محيد عنها تأسست عبر مسيرة تاريخية طويلة لتشكل هذه المجتمعات، وهذه الثوابت تتأطر ضمنها الديمقراطية، وتتخذ شكلا من الأشكال بما يحقق أهدافها التي ذكرنا.

ثالثا نقيض الديمقراطية

إذا كانت الديمقراطية أداة لتحقيق المناطات التالية:

• مشاركة واسعة للمجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم؛

• التداول الفعلي على السلطة؛

• التنظيم التلقائي للمجتمع و مختلف تعبيراته التي يفرزها من داخله؛

فإن نقيض الديمقراطية هو كل أداة لتحقيق المناطات التالية:

• تحجيم مشاركة المجتمع في الاختيار والتقرير والتقويم؛ وبالتالي تهميشه والاستفراد بالقرارات والخيارات التي تخصه والتي موضوعها بامتياز؛

• التداول الفعلي على خدمة الاستبداد؛

• التحكم في تنظيم المجتمع، ولجم تعبيراته أو حرمانها أو مضايقتها أو محاصرتها، مع تعقيم ممنهج له حتى تنقطع الولادة المستمرة لتعبيراته الذاتية.

إن اختيار الديمقراطية هو اختيار بين أداة “وحيدة” يشرك بفعلها المجتمع ويتحرر من ربق التحكم القسري في شرايينه، وبين كل أداة “وهي كثيرة” تقصي بشكل ممنهج المجتمع من ساحة التقرير والاختيار، وتصنع منه مجتمعا طيعا ومن قواه أداة خادمة لمشروع تأبيد الاستبداد.

‫تعليقات الزوار

5
  • sebbar
    الإثنين 24 فبراير 2014 - 00:59

    نعم،هناك إلتباس وازدواجية في المفاهيم يجب أن تصحح لدى أبناء الحركة الإسلامية أولا.
    1)
    هناك خلط مريع بين الإمامة في القرآن،وهي دينية(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن،قال إني جاعلك للناس إماما) والإمامة كما عرفناها على مدار التاريخ الإسلامي، وهي سياسية وإن تلبَّست في بحثها عن الشرعية بلُبوس الدين.
    2)
    هناك خلط قاتل بين مفهومي "الحكم"بمعناه السياسي المتداول لدينا اليوم و"الحكم" في القرآن؛فهذاالأخيرلا يُفيد سوى"القضاء"وأحيانا"الحكمة"أو "العلم"،ولايتجاوز هذا المعنى إلى معنى الحكم السياسي بأي حال من الأحوال:
    (فلا وربك لايومنون حتى "يُحَكّمُوكَ" في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما "قَـضَـيْـتَ")
    (وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم) بمعنى يقضيان في الحرث.
    (ولوطا آتيناه حكما وعلما) ولوط كان نبيا مستضعفا ولم يكن حاكما سياسيا، فهو كيحيا النبي الذبيح الذي قال فيه القرآن: (وآتيناه الحكم صبيا)، أي آتيناه العلم والقدرة على فصل النزاعات بالقضاء العادل..

  • أمين صادق
    الإثنين 24 فبراير 2014 - 01:17

    أحياناً تكون " الطريق إلى جهنم مفروشة بالنوايا الحسنة " !

    الاستبداد والاستعباد قد يكون أقصر طريق إليهما هو .. الديمقراطية !

    ألمْ يصل يوماً أدولف هتلر إلى الحكم عبر صناديق الانتخاب ؟؟

    العبرة ربما ليست بالديمقراطية في حد ذاتها ، بل بـنتائجها !!

  • sebbar
    الإثنين 24 فبراير 2014 - 01:30

    3)تابع/في ازدواجية المفاهيم
    وأما(وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم،واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل إليك) وكذلك(ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولائك هم الكافرون) التي استند إليها سيد قطب والمودودي من قبله من أجل صياغة نظرية الحاكمية،فإنما تعني "وأن إقض بينهم بما أنزل الله".
    وتفسير ذلك أن حَيّيْن من يهود المدينة كانت بينهم نزاعات وثارات،وكان أحد الحَيَّين شريفا والآخر وضيعا، وكان الحي الشريف يرفض أن تطبق عليه شريعة القصاص التوراتية،ويريد إن يُغصب الآخر على قبول الدية، فجاءوا إلى محمد(ص) باعتباره جاء بشرعة التخفيف، فنزلت الآية السالفة وأيضا:"وكيف يحكموك وعندهم التوراة فيها حكم الله؟"
    "وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس…"
    وأيضا :"أفحكم الجاهلية يبغون؟ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟"
    أي أفحكم العصبية والغصب الذي كان سائدا بين القبائل يبغون؟
    ومن ثم يظهر أن المقصود بالحكم في هذه الآيات هو القضاء وفصل النزاعات..

  • sebbar
    الإثنين 24 فبراير 2014 - 01:53

    4)تابع/في ازدواجية المفاهيم
    الإمامة السياسية في القرآن وردت تحت اسم "الملك"،ولا علاقة لها بالإمامة الدينية!
    ولم يجمع بين الإمامة الدينية والإمامة السياسية في القرآن الكريم سوى بعض أنبياء بني إسرائيل الذين جعلهم الله أنبياء وملوكا..وهي حالة فريدة تميز بها سليمان الذي دعا ربه أن يؤتيه (مُلْكاً لا ينبغي لأحد) من بعده،وقبله داوود الذي قتل جالوت(وآتاه الله المُلْكَ والحكمة وعلمه مما يشاء).
    ويميز القرآن الكريم تمييزا قاطعا بين الإمامة الدينية والسياسية في الآية247من سورة البقرة:
    (وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا) فهاهو مَلِكُ يتولى شؤون الإمامة السياسية في حضرة نبي مؤيد الوحي!
    وفي هذا رد على كل التراث الشيعي الذي بدأ برفض إمامة "أبي بكر" السياسية بحجة إمامة "علي" الدينية،وفيه رد على كل التراث السني الذي انتهى به المطاف كالشيعة تماما مسوغا الحكم السياسي بمسوغات دينية كقياس خلافة أبي بكر على إمامته للناس بالصلاة بوصية من النبي(ص)، أوكالنسب الشريف،أو الإنتماء القرشي(الأئمة من قريش)إلخ..

  • sebbar
    الإثنين 24 فبراير 2014 - 03:00

    5)تابع/في ازدوجية المفاهيم
    هناك خلط آخر لا يقل خطورة ويتجلى في نقل مفهوم"البيعة" وما ينبتق عنه من مفاهيم ثانوية من حقل الدين إلى حقل السياسة:
    فالبيعة الدينية كما حصلت بين النبي (ص) والصحابة لا علاقة لها بالتعاقدالسياسي،فهي لم تقم على أساس "تعاقد" يروم رعاية النبي(ص) لمصالح المؤمنين الدنيوية، بل على أساس "بيع" المؤمنين أنفسهم وأموالهم "لله" مقابل الجنة في زمن كانت فيه الدعوة في حاجة إلى الأنفس والأموال:
    (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به).
    فهي بيعة لم يلعب فيه النبي(ص)سوى دور الوسيط:
    (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم)
    "البيعة الدينية"لا تكون إذن إلا لله،أو لنبي يتلقى الوحي من الله، فتكون من خلاله بيعة لله. ويترتب عنها مفاهيم ثانوية أخرى كمفهومي "السمع والطاعة"و'الراعي و"الرعية"،وهي كلها مفاهيم دينية لا تستمد دلالاتها ولا تؤدي وظائفها إلا في حقل الدين، الذي هو حقل "الواجب"، ومن ثم فإنه لمن الخطورة بمكان نقلها الى حقل السياسة الذي هو حقل "الحقوق" !

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب