مشاركة المرأة... تأملات في إشكاليات زمن ومكان المشاركة

مشاركة المرأة... تأملات في إشكاليات زمن ومكان المشاركة
الجمعة 7 مارس 2014 - 22:41

تشكل لحظة 08 مارس من كل سنة حدثا منتجا لجملة من التساؤلات الجديدة – القديمة من قبيل ما هي طبيعة العراقيل التي تعترض النساء في الوصول لمراكز القرار الحزبي، وبالتالي المساهمة والتأثير فيه؟ وهل هي عراقيل ثقافية مرتبطة ببنية الموروث الثقافي الذي قد يرى في المرأة كائنا مرتبطا بالفضاء الخاص فقط؟ أم هي معيقات موضوعية مرتبطة بمعطيات غير مشجعة لانخراط النساء في الأحزاب السياسية؟ أم أنها ذاتية مرتبطة بالمرأة في حد ذاتها التي تعتبر المجال السياسي مجالا ذكوريا وبالتالي تقنع نفسها بعدم القدرة على اختراق هذا المجال؟ أم أنها قانونية مرتبطة ببنيات فوقية تحد من عطاء النساء على مستوى البنى التحتية (الأحزاب)؟

وهي نفس التساؤلات التي تطرح من لدن قياديات/ين في أحزاب سياسية مختلفة التوجهات (يسارية، ليبرالية، إسلامية) ومتباينة الوزن السياسي (كبيرة، متوسطة، صغيرة) وكذا متباينة المواقع السياسية (في الأغلبية، في المعارضة، مقاطعة للانتخابات)- ففي نظر الكثيرات /ين منهن/م فإن الأمر يتعلق بالمعيقات الثلاث الأولى التي ذكرنا، كون المعيق القانوني تم تداركه في الإصلاح الدستوري – حينما استجاب الفصل التاسع عشر لمطالب عديدة ، حيث فتح متن هذا الفصل آفاق مرحلة جديدة، بتنصيصه على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، علاوة على إقراره بإحداث هيئة للمناصفة ومكافحة كل أشكال التمييز.- وفي القوانين التنظيمية المرتبطة به، لتبقى المعيقات في مجملها مرتبطة بالمعطيات الثقافية والموضوعية كمتغيرات مستقلة، وبالمعطيات الذاتية كمتغيرات تابعة.

إلى جانب المعيقات السالف ذكرها المرتبطة بالسياق/النسق العام، هناك معيقات أخرى مرتبطة أساسا ببعض المعطيات التي تشكل معطى موضوعي لا يمكن القفز عليه في تحليل ضعف تواجد النساء داخل الأحزاب وبشكل خاص داخل مراكز القرار،وتتمثل هذه المعيقات أساسا في التحاق النساء بشكل متأخر بالعمل السياسي، ثم الحواجز الموجودة داخل الحزب، فضلا عن بعض الاكراهات التي تطرحها البيئة والتاريخ.

ناهيك عن معطى أخصه بالتحليل أكثر من غيره ،ويتجلى في عدم ملائمة زمكان الاجتماعات – يطرح هذا المعطى من قبل الكثيرات حتى أثناء المشاركة في البرامج التلفزية المباشرة التي تبث ما بعد التاسعة مساء ـ الذي يمثل إحدى الإكراهات المعيقة لمزاولة المرأة للمهام التدبيرية في الحزب، ذلك أن معظم اللقاءات والاجتماعات، تعقد ليلا وأحيانا خارج مقرات الأحزاب – مركزيا أو محليا- الأمر الذي يحول دون تمكن المرأة من المساهمة الفعالة في تدبير المسؤوليات الحزبية المكلفة بها، ذلك أنه “حينما يبرمج الرجل تسقط من مفكرته أن النساء معه، مما يجعل البرمجة ذكورية لا تناسب إلا الرجل فقط”.

إن برمجة الاجتماعات غالبا ما لا تأخذ بعين الاعتبار مدى ملائمتها للمرأة، حيث أن أغلب اللقاءات والاجتماعات لا تنتهي في الغالب إلا في ساعات متأخرة من الليل ، لا تناسب العديد من القيادات النسائية، وهو الأمر الذي أكدت عليه سيدة بالقول “الاجتماعات تكون متأخرة ومعيقة لأدوار المرأة”، وتضيف أخرى بالقول ” هناك التوقيت أيضا، لأن الاجتماعات لما تبقى إلى آخر الليل، أنا شخصيا يمكن أنني أضحي أكثر، وأبقى إلى الحادية عشر ليلا في الاجتماعات ولكن هذا لا يمكن أن يواتي كل النساء، لا يمكن لأنه من الصعب بمكان أن يقبل زوج بهذا المعطى”.

تفيد هذه الشهادات بعدم ملائمة أوقات الاجتماعات واللقاءات للنساء، ذلك أن المرأة المغربية تظل وفية للوسط الثقافي الذي يضع تحفظات على خروجها ليلا ،مما يجعل أمر مساهمتها في اتخاذ قرارات تهم الشأن الحزبي بالغ الصعوبة.

وإلى جانب مواقيت عقد اللقاءات، فإن عقد هذه الأخيرة يتم أحيانا خارج المقرات الحزبية دون الأخذ بعين الاعتبار الفضاء في علاقته بالمرأة، على اعتبار أنه يمكن أن يكون غير ملائم أولا يحترم خصوصيتها على عكس الرجل، إذ أن المرأة لا يمكنه أن تطلع على ما يحصل إلا إذا حضرت اجتماع رسمي عادي يعقد في مقر الحزب، عكس الرجل الذي يمكنه أن يحضر في اجتماعات خارج الفضاء المعتاد(مقهى،منزل أحد القياديين …) تتخذ فيها قرارات قد تكون مؤثرة.

علاوة على عامل الزمن، بدوره عامل المكان يشكل مثبطا للمرأة على مستوى انخراطها في الفعل الحزبي من جهة، وفي تقلد مهام قيادية من جهة أخرى، وهو الأمر الذي ينبغي أخذه بعين الاعتبار في برمجة الاجتماعات واللقاءات، ضمانا لفعل حزبي يستوعب الجميع ويكيف خصوصيات المرأة والنسق العام مع المشاركة.

ومن نافل القول يتضح أن عشرية ونصف من المشاركة النسائية لم تكن كافية لتغيير صورة المرأة بشكل كبير رغم المجهودات المبدولة التي حسنت من تلك الصورة،ودليل هذا الاستنتاج هو غياب زعامات نسائية كاريزماتية،ناهيك عن ثقل بعض العقليات حتى النسائية منها،التي تستعمل الأخلاق كذريعة للحد من مؤهلات المرأة.

*باحث في القانون العام والعلوم السياسية

‫تعليقات الزوار

2
  • محمد الصديقي
    الجمعة 7 مارس 2014 - 23:39

    كلام منطقي اخي العزيز بودن يحتوي عل عدة نقاط مهمة لدى أشد على يدك ومزيدا من التألق

  • باحث في القانون العام
    السبت 8 مارس 2014 - 01:51

    يحتاج هذا الموضوع الراهن والاني إلى مقاربته من زوايا نظر متعددة،قصد الاحاطة به،وتأطير مواضيع مستجدة متعلقة به من قبيل المرأة ومقاربة النوع الإجتماعي،والمرأة ونظام التحصيص،والمرأة وممارسة السلطة،والمرأة والإستوزار،والمرأة والعمل النقابي،والمرأة والعمل المدني.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة