فرنسا: ديمقراطية مثيرة لعلامات الاستفهام

فرنسا: ديمقراطية مثيرة لعلامات الاستفهام
الجمعة 4 أبريل 2014 - 10:02

من الناحية الظاهرية، لا شيء يدعو للتساؤل، فالانتخابات البلدية الفرنسية في دورتها الثانية أشرت على هزيمة ثانية للحزب الاشتراكي وتقدم ليمين الوسط وتقدم غير مسبوق لليمين المتطرف، كما دفعت الرئيس هولاند إلى اتخاذ إجراء تعديل في رأس حكومته، وذلك حتى يعطي الانطباع بأنه فهم نبض الشعب الغاضب من سياسته، وأنه يعتزم التصحيح قبل فوات الفوات.

كل هذه المؤشرات الظاهرية عادية وطبيعية في بيئة ديمقراطية محكومة بالتنافس السياسي والتداول على السلطة، لكن، ما هو جدير بالتساؤل وإثارة علامة الاستفهام هو التشابه الذي يكاد يعيد رسم التاريخ السياسي القريب بجميع تفاصيله، فهل هو مكتوب في جبين الديمقراطية الفرنسية أنه كلما وقع اندحار للحزب الاشتراكي يعطي مساحة كبرى لتقدم اليمين المتطرف، كلما وقع حراك سياسي وحكومي، يعطي للرجل القوي، القادم من وزارة الداخلية الزخم السياسي، وتتم صناعته على عين من الآلة الإعلامية، ويهيأ لإنقاذ فرنسا، وتبوأ مقعد الرئيس الفرنسي.

حدث هذا مع الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، الذي شغل منصب وزير الداخلية الفرنسي قبل أن يفوز بالرئاسة، وجمع حزبه”الاتحاد من أجل حركة شعبية” يمين الوسط، وبنى مجده السياسي على أعقاب الرصيد السلبي الذي ورثته فرنسا في عهد الاشتراكيين ميتران وجاك شيراك، وخاض حملته الانتخابية للفوز بالرئاسة الفرنسية معتمدا في المقام الأول على مواضيع الأمن و”الهوية الوطنية” والهجرة، وأعلن القطيعة مع سياسات الماضي.

ربما تتكرر نفس الصورة اليوم، فالرئيس الفرنسي “فرانسوا هولاند” لم يجد من خيار لإعطاء صورة جديدة عن حكومته، وإقناع الفرنسيين بجدواها- وهي التي حظيت بأسوأ شعبية في تاريخ فرنسا- سوى الدفع بوزير الداخلية، مانويل فالس المعروف بـ”الشرطي الأفضل” في فرنسا للقيام بهذه المهمة.

والمثير للانتباه، أنه مباشرة بعد تعيين فالس كرئيس للوزراء بدلا عن جان مارك ايرلوت الذي قدم استقالته من منصبه على خلفية خسارة الحزب الاشتراكي في الانتخابات، تحركت آلة إعلامية ضخمة، تسلط الأضواء الكثيفة على قدرة هذا الرجل العجيبة على مواجهة التحديات التي تواجهها فرنسا، بل إن هذه الآلة تحركت في اللحظة التي تولى فيها فالس وزارة الداخلية حتى أثارت ضخامتها انتباه المحللين والمراقبين الذين توقعوا مبكرا أن يصير فالس رئيسا للوزراء.

أوجه التشابه عديدة بين فالس وساكروزي، فكلاهما يرفعان نفس الشعار” الأمن، ومحاربة الهجرة غير الشرعية”، وكلاهما له علاقة متينة بالإعلام، ويتمتعان بذكاء سياسي كبير، والاثنان نضجا على مهل في مطابخ وزارة الداخلية.

نعم، الصورة لم تكتمل بالنسبة إلى فالس، ولا ندري بالتحديد هل سيكتب له نفس المصير الذي كتب لساركوزي، وذلك بالتحول إلى رئيس جمهورية، أم أن التاريخ السياسي الفرنسي سيأخذ منحى آخر.

فهل تؤشر فالآلة الإعلامية الفرنسية التي تشتغل بكثافة هذه الأيام لتلميع صورة فالس على أن لكل تجربة دولتها العميقة، وأن الفارق بين التجارب ليس في وجود هذه الدولة العميقة من عدمه، وإنما في أشكال التكيف مع البيئة السياسية وقواعدها وآلياتها؟

في فرنسا الديمقراطية مثلا، لا أحد أن يشك في أن الانتخابات هي التي يكون لها الكلمة الفصل في تحديد الحزب الحاكم والرئيس الذي سيحكمها، لكن هذه الآليات، بقدر ما لها الفاعلية الإجرائية، بقدر ما تطرح علامات استفهام عن قدرتها على صناعة النخب وترقيتها.

في فرنسا، كما في بلدان أخرى، هناك ديمقراطية بأركانها وشروطها، وتشتغل آلياتها بمستوى عال من الكفاءة في الظروف المستقرة، لكن في اللحظة التي يتم فيها استشعار أي خطر واقع أو متوقع على أمن فرنسا وهويتها، تقدم الوصفة التي ترفع شعار الإنقاذ والأمن وربما الهوية، ويكون ذلك دائما برجل الداخلية الموثوق به، وبتوافق مع الآليات الديمقراطية، وبدعم قوي من الآلة الإعلامية الضخمة، وتستوي في قبول هذه اللعبة القوى اليمينية والقوى اليسارية.

هذا على الأقل ما يسمح به التأمل في العقدين الماضيين من تاريخ فرنسا السياسي، وما يؤكده التشابه الذي يحصل في المشهد السياسي والموقع الذي تحتله وزارة الداخلية الفرنسية في الحقل السياسي.

‫تعليقات الزوار

7
  • ايت صالح
    الجمعة 4 أبريل 2014 - 12:50

    لا شك انها ديمقراطية
    لكن هذه الكلمة البراقة لا ينبغي ان تخفي عنا
    وجود مرض ينخرها من الداخل تضاعف هذه السنين
    هو هينة الرأي الواحد : كثيرون هم الرجال والنساء
    الذين يلوذون بالصمت حفاظا على مستقبلهم المهني

  • Chirac socialiste?
    الجمعة 4 أبريل 2014 - 13:11

    Notre problème au Maroc c'est que chacun veut être spécialiste de tout!! L'auteur ne s'est même pas donné le temps de faire une petite recherche pour vérifier ce qu'il rédige!! Chirac n'a jamais été socialiste. au contraire c'est lui le fondateur de l'UMP en 1976. c'est vrai le FN est un parti extrémiste mais son discours est bcp plus tolérent que le PJD. et allez verifiez!

  • mohamed abdellaoui
    الجمعة 4 أبريل 2014 - 13:18

    شكرا لك الاستاذ على هذا التحليل/الملاحظة

    فالس حاصل على الجنسية الفرنسية متأخرا قادما من اسبانيا

    هو من أصول يهودية يعتز بها طبعا مثل ساركوزي

    لكن الغريب هو هو التلميع الاعلامي كما ذكرتم لشخص بسيط مثل فالس!!!!!!

  • fedilbfrahim
    الجمعة 4 أبريل 2014 - 15:09

    ر بما ان النظرفي مراة الاخر لا يفيد الوجه القبيح لصاحبه لان العيب فيه وليس المراة.
    لعل الخطاب الشعبوي و استغلال الدين لا يفيد الممارسة في شيء فالديمقراطية قبل كل شيء نظام تدبير الاختلاف و التنوع و ليس الية الاقتراع كاداة وبروباغندا مؤقتة و ظرفية و هو ما يجعل الاسلاميين و منهم البواجد المغاربة طبعا و ليس اتراك يقبلون الالية و يرفضون الجوهر لان سياستهم براغماتية و بوابة للانقضاض على حقوق الاخرين و فرض الامر الواقع بديكتاتورية الدولة الدينية و مركزية الحكم كما فعل اخوان مصر
    اما من الناحية التدبيرية فحزب البواجد ابان عن عجزه في محاربة الفساد فاتجه لمحاربة الفقراء بزيادات متتالية و تجميد الاداءات و ووقف الاستثمار
    و كذلك تقليص مناصب الشغل
    المشكل الحقيقي الذي يعانيه المغرب هو هدر ميزانيات ضخمة لانتاج التخلف و التشنج و الكراهية بفعل التعليم الديني و وتوظيفه في تكريس الميز وادعاء الافضلية العرقية والديينية و الانتساب الى المطلق و الصالح و افضل العلوم مقابل الاخر هو الجحيم و هذا يخدم الاحزاب الاسلامية ايضا بعدما و ضفته الملكية لنفسها اصبحت تتنازعه مع البواجد ومن في حكمهم

  • Yousf
    الجمعة 4 أبريل 2014 - 21:46

    Vous avez annoncer la couleur de votre analyse a travers le titre de votre article.bien que vous ne niez pas le caractere profondement democratique des municipales francaises puisque vous ne pouvez simplement pas prouver le contraire vos reflexes de pejidiste pur et dur vous trompent !la question identitaire en france se pose en termes du refus de l'exclusion !regardez les triangulaires et comment les lois de la republiques ont triomphe malgre la percee significative de l'extreme droite .mais dites nous votre lecture de la question identitaire! Etes vous pret a permettre la cnstruction des eglises comme ils le font pour les mosquees? Regardez le bruit que vous faites sur le bac francais et le pitoyable discours de certains dirigeants du pjd sur cette reforme ! Vouloir interpreter un aspect de la vie politique francaise pour justifier une ideologie qui fait de l'identite arabo conservatrice l'unique attribut de la nationalite est pour le moins inadmissible !

  • Hmidane
    السبت 5 أبريل 2014 - 11:57

    M. Bilal, qu'est ce que tu essayes de nous dire : Qu'il ne faut pas trop considérer la démocratie française ? Ou bien c'est une critique constructive? et qu'en est il , pour notre belle démocratie ? ne mérite t elle pas un petit effort de ta part ?
    Allah yn3al li may7cham !!!!!

  • Rim@s
    السبت 5 أبريل 2014 - 22:16

    "عهد الاشتراكيين ميتران وجاك شيراك"
    جاك شيراك كان من نفس حزب نيكولا سركوزي l'UMP

    اللعبة السياسية في فرنسا تدور أحداثها دائما بين القطبين المعروفين (اليمين و اليسار) لكن في الحقيقة الذي يحدد سياسة الحكومات المتعاقبة بالدرجة الأولى هو الإقتصاد (و اللوبيات المتحكمة فيه…), فكيف ما كان الفائز فلابد له من مصادقة (و لو وراء الستار) من طرف كبريات الشركات CAC40 ومن يواليها

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة