كاميرا التلفزة : ثم ماذا بعد دفن الموتى؟

كاميرا التلفزة : ثم ماذا بعد دفن الموتى؟
الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 11:03

الأجواء هي نفسها،الخطاب ذاته،الوجوه عينها.لكن،ماذا بعد؟يموت الواحد،تتلاحق المراثي من كل حدب وصوب،نحو جهة واحدة : كان الرجل،ثم كان… ،فجأة لم يكن.لقد رحل بعيدا جدا إلى عالم ثان، لانعرف عنه شيئا،اللهم حفنة من القصص والحكايا،كل يؤولها حسب رغباته الشخصية.

نولد،نتقنع،نموت.هل الحياة، مجرد مقدمة أم نهاية؟هل الموت، بداية للانهائي؟هل الحياة، عبور والموت مستقر؟هل الموت صرخة اليقظة الفعلية؟أسئلة وغيرها كثير،مؤرقة جدا لذلك قال كونفوشيوس :((إننا لانعرف شيئا عن الحياة،فكيف نعرف عن الموت)).ربما،لا يشفي غليلها إلا الذوبان والتماهي مع الموت نفسه.

كلما تابعت على شاشات تلفزتنا،مراسيم التوديع الأخير لمشاهير مجتمعنا،إلا وتقاطرت ناحية رأسي كومة من الأسئلة،ساعيا أن أربطها بالمغزى والعبرة من الموت ومختلف سلوكات الوضوح، وضوح قدرية الموت، الواجب التزامها حتى يتطهر المجتمع،فأنتهي إلى لازمة: ثم ماذا بعد؟ما الغاية من الاحتفاء الجماعي بطقوس الموت تلك؟حيال “أعدل قسمة” بين البشر وهي الموت.الفرد يولد وحيدا،يموت وحيدا،ثم يصمت داخل لحده وحيدا،فالموت مصير فردي لذلك ردد كائن من عيار غيفارا :((لايهمني متى وأين سأموت؟))،فيجيبه سلفادور دالي في موقع آخر:((العظماء لايموتون)).غيرأن مقتضيات،تفعيل وتعميم العبرة من الموت،سرعان ما تأخذ صيغة جماعية،لأن وقعها يحدث رعبا لدى باقي الأحياء.

يبدو المشهد ثابتا لايتغير: سيارة إسعاف،تدور عجلاتها ببطء شديد.تحوي داخلها،تابوت ميت. يسير خلفها حشد، يختلف حجمه ونوعه،حسب مقام الرجل إبان حياته، ضمن نسيج علية القوم.وزراء،كبارموظفي جهازالدولة،إضافة إلى بعض من أسرة وأقارب الميت. سيرتدي جلهم، غالبا اللباس التقليدي الوطني. نظارات سوداء، من الطراز الرفيع تغطي مساحة واسعة من وجوههم.يكشف ماترسب من ملامحهم، عن قنوط ويأس.يجترون الخطى بتؤدة ، كأن على رؤوسهم الطير.يلاحقون بجوارحهم السيارة، وعبرها ربما، يستغرقهم على الأقل خلال تلك اللحظة، مصير الرجل المسجى وسطها.تقاسيم ناعسة ومتعبة،ينبعث منها خوف ورعب ودلالات المباغتة،كأنهم يتناظرون همسا : أحقا نحن ميتون، مثل هذا في يوم من الأيام؟هل سيدركنا الموت،بدورنا؟هل ستصبح حياتنا،وكل ما نرفل فيه من نعيم وجاه وسلطة، تحت وطأة شر ميتافيزيقي اسمه الموت؟.

طبعا،الموت فيصل شديد البأس بين ماقبله ومابعده. الأجواء الجنائزية الحزينة،التي تجمد الدم في عروقنا،فتشدنا متسمرين مع الدافنين عبر بوابة التلفزة،إلى جلال الواقعة ومايميزها من طهر آدمي مطلق،ستمثل بكل المقاييس أكبر محكمة وجودية لما صنعناه سابقا،ثم طبيعة المسار الذي سنختاره بعد ذلك.يقول توفيق الحكيم :((لاشيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم)). أما سقراط ،فقد اعتبر:((الحياة بدون ابتلاء لاتستحق العيش)).لاشك،أن المعنى الأول والثاني،سينتهيان كليهما إلى عظمة الموت وجلالها وقعها وألمها على الذات والآخرين،وأن أكبر ابتلاء يعيشه الإنسان في هذه الحياة،يبدأ بالموت وينتهي عندها.

كم من سياسي محترم،دفناه جميعا تلفزيا تحت الأضواء المنبعثة لموقف عام مؤثر،ودبجت عند رأسه لما صمت،اعترافات مطولة؟ لكن إلى أي حد اعتقدنا صدقا،أننا سنجتاز نفس التجربة في يوم من الأيام،بالتالي تحفزنا وشمرنا على سواعدنا،كي نخلد بموتنا دون أن نموت أبدا.مرجعية، يتقاسمها المؤمن وغير المؤمن ،أو بلغتنا المتداولة حاليا،المتدين والعلماني،فالأول يسري عليه ماقالته، الأم تيريزا :((علينا أن نأتي بشيء جميل من أجل الله)).والثاني،سوف يجد مع حكمة شكسبير:((السبيل الوحيد لجعل البشر يتحدثون خيرا عنك هو قيامك بعمل طيب)) ،أو تلك التي شكلتها عصارة التجارب المختلفة لقائد في وزن ونستون تشرشل :((سوف يذكرني التاريخ طالما أنني سأكتبه بيدي)) ،نبراسا لحياة مابعد الموت.

كم من مثقف معتبر،استمرت الدولة لدواعي سياسوية ضيقة،في تبخيس وتهميش رمزيته والحيلولة دون أن تعثر أفكاره على سبيل مجتمعي؟صبيحة موته،وبسرعة البرق يعاد إلى الذاكرة المشوهة بريقها المفترض،فتدرجه خطب المرددون، ضمن زمرة الذين لاخوف عليهم ولاهم يحزنون،فصار منهم وإليهم. طيب، لامشكل ، لكن بعد انتهاء طقوس الوداع تحت أنظار كاميرا التلفزيون،وتفرق الشمل،سيلقى ثانية بسيرة ذلك المثقف وإشعاعه إلى غياهب النسيان الكامل،حتى مناسبة موت آخر لمثقف آخر.فإلى أي حد،يستلهمون ويستثمرون النموذج الفكري لذاك المثقف؟كي يحصنوا الجماعة،من الميتات المجانية التي يزخر بها الواقع الهش المغيب للأفق المعرفي.

كم من رياضي أو فنان،حققا أعظم المنجزات بعصامية نادرة،لكن تواطؤ لامبالاة المكان مع نوائب الدهر،جعلتهما مهملين،لم يسندهما في محنتهما غير رصيف قارعة الطريق؟قد يموتا،قبل موعدهما،وهما يتجرعان مرارة ظلم ذوي القربى.ساعة إلقائهما في الحفرة الترابية،ومكونات الحشد دائما نفسها،الحيثيات ذاتها،الديكور ذاته ،الكلمات عينها،فيرتقيان وقتها إلى مرتبة آلهة الإغريق. بعد مواراتهما الثرى ،وانتهاء التصوير التليفزيوني، يطرح السؤال الحقيقي : هل ستشكل تجربتهما فعلا وماديا،قطيعة فعالة بين ماقبل موت البطل أو الفنان،ثم مابعد الاحتفال الرسمي بموتهما،يعني تأبيد حياتهما؟فتتبنى السياسات العامة للدولة مع طهرانية بكائيات الموت، نهجا رياضيا وفنيا واضح المعالم،هدفه خدمة الشباب فيزيائيا وميتافيزيقيا بتوجيه طاقاته نحو الإبداع والخلق،عوض تركه لقمة سائغة للعنف والإجرام والإرهاب والضحالة.

كم صاغ الرسميون من مراثي جياشة،تأبينا لهذا الراحل أو ذاك،فتأسفوا وتحسروا على ما لحق بالبلاد والعباد من هول الفقد. لكن ماذا بعد،ماذا يتأسس على أرض الواقع؟تحضرني هنا وصية لأديسون تقول:((كن شجاعا تحلى بالإيمان وانطلق)).كثيرا،ما يؤاخذ على العرب عموما ومن بينهم المغاربة طبعا،أنهم لايهتمون ولا يكترثون قطعا بمن تميز منهم في أي ميدان من الميادين،لكن بمجرد موته، ستقال في حقه المعلقات الطويلة،بل ستأدلج الموت وتغلف بأغلف السياسة، بشكل يثني على التوجه العام للبلد،بحيث لن تترك الطقوس لمنطق الصدفة،لكن ستكتسي التفاصيل ماكبر منها وماصغر،دلالة أيديولوجية معبرة يتوخى منها بث مجموعة من الرسائل المشفرة كالواضحة. هكذا،تلوث الموت وتغتال في عريها الشفاف،ويتم تزيفها بسيميائيات الديماغوجية.

نولد،نتقنع،نموت.كل منا يمارس أقنعته بالطريقة التي تشبع نزوعاته الشخصية،خلال لحظة من اللحظات نعتقد بصحة تلك الأقنعة،ونستمتع بهذا الوهم الكبير.وحدهم عظماء البشرية والراسخين في العلم،من يمتلكون القدرة على العيش بحرية متجردين من كل أنواع الأقنعة،لذلك استحقوا حياتهم حقا مثلما خلدهم موتهم.

‫تعليقات الزوار

2
  • ميت عاجلا او آجلا
    الثلاثاء 8 أبريل 2014 - 14:53

    التصميم الذكي

    النظرية العلمية يجب ان تخضع لقوانين الطبيعة

    المشكلة الرئيسية في نظرية المصمم الذكي انها تحيلنا الى استنتاج خارق مافوق الطبيعي
    العلوم الطبيعية تصف المبادئ التي يقوم عليها العالم بإعتبارها نتيجة قوانين المادة لهذا السبب فان اي نظرية تشير الى ان الاسباب خارج قوانين الطبيعة لايمكنها ان تكون عائدة للعلوم الطبيعية
    الظواهر البيلوجية لها دائما تفسيرات طبيعية ويجب ان تتبع مبدأ ان كل شئ مترابط مع بعضه في سلسلة من الاسباب ورد الفعل

    نظرية المصمم الذكي تملك نقطة ضعف اخرى، ان "المصمم" المدعى لايمكن ان نملك عنه اي تصور او برهان او حتى قدرة على البرهنة عنه. بمعنى اخر لايمكن السيطرة على هذه النظرية. في الكتاب الشهير "Why Intelligent Design Fail" الذي صدر عام 2006 نجد الملاحظة التالية:" رجال العلوم المزورة يستخدمون عادة مصطلحات خاصة بهم وتعاريف ضعيفة وفضفاضة من اجل اخفاء إنعدام وجود مضمون منطقي". هذا الامر لانجده فقط عند اتباع نظرية المصمم الذكي، بل عند اغلب من يحاول اضفاء العلمية على النصوص الدينية، بما فيه اتباع الاعجازات العلمية .

    سامي المنصوري

    الحوار المتمدن

  • كاره الضلام
    الأربعاء 9 أبريل 2014 - 00:20

    الوجود جريمة كاملة،العقل فيها المتحري و الاديان فرضية مظللة.
    نحن في الحياة مثل زنوج اغاثا كريستي،دعينا الى جزيرة معزولة،لا نعرف من دعانا و لمادا،و يد خفية تصفينا واحدا تلو الاخر لسبب لا نعرفه.
    العمر خمر نشربها في الظلام،السلبي في الامر اننا لا نعرف كمية السائل المتبقي،و الايجابي انه شراب مسكر يلهينا كيفه عن كمه.
    العمر مخطوطة صفراء بدون توقيع و لا عنوان
    العمر معدن يتمدد بالفرح و ينكمش بالحزن
    الحياة تجربة لا تسبقها نظرية
    لو كان الموت نهاية الحياة لما انزعجنا منه،نكره الموت لانه ياتي دائما قبل الاوان،الانسان يقبل على الموت بحب ادا جاء في اوانه(الموت الرحيم او الانتحار)
    la vie est un desir, la mort un orgasme
    la mort est un hommage aux miserables et une humiliation aux bons vivants
    la mort ne serait tragique que si la vie etait une comedie
    la viellesse n est que le sentiment d avoir raté sa jeunesse
    الشيخوخة خيانة الجلد للثعبان
    التجاعيد وشم مقدس من طقوس عبدة الحياة
    ضد الموت هو الجنس
    ادا كانت حياة بعد الموت فانها حتما ابشع،لان اليقظة دوما ابشع من الحلم

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة