اعتقال معارض في حماية النقابة المناضلة

اعتقال معارض في حماية النقابة المناضلة
الخميس 10 أبريل 2014 - 23:55

رجل بملامح عنيفة، يحمل بين يديه حزاما جلديا يصوبه في وجه كل من يحاول الاقتراب من الزعيم الخالد، كان الصحفيون الأكثر تضررا من “فتونة” بلطجي نوبير الأموي وهو يمنع كل من يحاول اكتشاف سقطة الزعيم النقابي مغميا عليه من التعب والتقدم في السن، كان يصرخ ملوحا بسلاحه فاسحا المجال للقائد الأبدي للنقابة للمرور والانسحاب السريع، يضرب بسياط حزامه الكل، هكذا بدا المشهد يوم الأحد في مدينة الدار البيضاء، إثر مسيرة عمالية ضد الحكومة المغربية دعت إليها ثلاثة من أكبر المركزيات النقابية في البلاد، بدت الصورة فاضحة: زعيم نقابي تحول إلى ما يشبه رجل عصابات تدافع عنه ميليشيات مسلحة من المرتزقة.

وبينما كان “الرجالة” يفرغون بحركات “الفتونة” و “الجلد” الطريق ليمر الرفيق القائد الذي يقضي ولايته الرابعة على رأس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ولاء منه للجماهير الكادحة والمكافحة من أجل العيش وتوفير رغيف الخبز اليومي، كانت قوات الأمن المغربية تعتقل عددا من الشباب من داخل المسيرة النقابية وترمي بهم بشكل عنيف في سيارات الشرطة، اختارتهم الشرطة بعناية من داخل المسيرة دون غيرهم، التهم المعلنة الموجهة إلى 11 معتقلا (9 منهم في حالة اعتقال) ينتمون جميعهم إلى حركة 20 فبراير تراوحت بين تهمة ممارسة العنف ضد الشرطة في غياب أي شهود، وتهم أكثر سريالية وهي التظاهر بدون ترخيص، لكن التهمة الحقيقية والغير معلنة هي التعبير عن الرأي وقول الحقيقة العارية من أي تحفظ و المتخلصة من تقديرات السياسيين والنقابيين، اعتقل الشباب لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء المرسومة من طرف الدولة لمسيرة من هاته النوعية ، اعتقل الشباب الذي كان يتظاهر مسالما – على عكس حماة الأموي- لأنهم لم يقتنعوا بسقف الشعارات التي حددتها القيادات النقابية الشائخة وتجاوزوها ليحاكموا في شعاراتهم من رأوه من وجهة نظرهم المسؤول الحقيقي عن معاناة الشعب وجوعه وفقره، لم يمارس الشباب العنف وإنما رفعوا شعارات قوية وواضحة تحمل النظام السياسي المسؤولية، إنه السبب الحقيقي لاعتقالهم.

الرسالة واضحة وضوح الشمس : يمكنك أن تنتقد أداء الحكومة المنزوعة الصلاحيات والسلط في دستور 2011 كما تشاء، يمكنك أن تخرج للاحتجاج ضدها في الشارع، بل ويمكنك حتى الاستفادة من الدعم اللوجستيكي والمعنوي والمادي للدولة وأجهزتها، يمكنك أن ترفع أكثر الشعارات راديكالية ضد بنكيران وحكومته، بل يمكنك أن تستعمل كل النعوت الجارحة والمسيئة والقاسية ضد شخص رئيس الحكومة دون أن يحاسبك أحد أو يستفسرك، لكن ممنوع عليك أن تتجاوز هذا السقف، وحينما تجرب أن تفعل يكون مصيرك السجن، لتتحول المسيرة المرخصة و المعلن عنها ، والتي يغطيها التلفزيون الرسمي نكاية في بنكيران وحكومته فجأة إلى مسيرة غير مرخصة ومحظورة ، تصبح المشاركة فيها تهمة تقود إلى الاعتقال، ويصبح عدم الانتماء إلى أي تنظيم نقابي أو جمعوي مسوغا للاعتقال وكأن المشاركة في المسيرات يجب أن تكون حكرا على الإطارات وممنوعة على المواطنين غير المنتظمين في أي إطار لشبهة احتمال إثارتهم للفوضى، أي عبث.

لم تشر المركزيات النقابية، في بياناتها وهي تحتفي بالحشود التي خرجت، لا من قريب ولا من بعيد إلى هاته الواقعة التي حصلت أثناء تنظيم مسيرة شعبية تتحمل مسؤولية الدعوة إليها، والمسؤولية عن سلامة المستجيبين للدعوة للحضور في المسيرة، وهو أمر لا يمكن أن يكون سقط سهوا بطبيعة الحال، وإلا كيف يمكن أن تكون قد مرت كل هاته الأيام دون أن يصدر عن النقابات أي موقف، واضح أن صمت النقابات هو بمثابة ضوء أخضر للسلطات الأمنية وإشارة إلى أن المعتقلين لا علاقة لهم بجسم “مسيرة 6 أبريل”، لتخلي “البيروقراطية النقابية” مسؤوليتها عن أي إخلال بالاتفاق أو السقف المتفق عليه، لقد التزمت القيادة النقابية التي حولت نقابات مناضلة إلى ضيعات شخصية بالتعليمات بحذافيرها، وبالتالي فإن أي خروج عنها فإنها غير معنية به، يال العار.

كان العمل النقابي حتى زمن غير بعيد مبعثا على الفخر والاعتزاز، قدمت النقابات المئات من الشهداء والمعتقلين في سبيل الدفاع عن حقوق الطبقة العاملة وفي مواجهة استبداد الدولة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لكن حالها اليوم للأسف صار يبعث على الاشمئزاز، تحولت النقابات إلى ملكيات خاصة لزعامات من زمن الديناصورات، همها الأول ليس الدفاع عن حقوق العمال وخبز الفقراء، بل البقاء على رأس النقابة والخلود فيها لمراكمة الامتيازات، وهم مستعدون لأجل ذلك للمساومة وعقد الصفقات مع الدولة وفق ما تقتضيه مصالحهم الذاتية والخاصة، يهددون ويرغدون ويزبدون فقط كلما دعت الحاجة إلى المصلحة، بعد أن كانت في طليعة المدافعين عن الجياع اليوم أصبحت النقابات تحمي الاعتقالات السياسية وتشرعن استبداد الدولة واضطهادها للمعارضين لسياساتها، في 20 يونيو من سنة 1981 كانت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل إلى جانب المقهورين الذين خرجوا احتجاجا على السياسات الاقتصادية للدولة فارتكب ادريس البصري وزير داخلية الحسن الثاني المجزرة الشهيرة في حق سكان الدار البيضاء، اليوم تقف النقابة في الصف الآخر بصمتها، ولم يخرج نوبير الأموي الذي كان معتقلا سابقا غير ما مرة بسبب تعبيره عن آرائه، ليصرخ بصوته الغليظ محتجا على الدولة مستنكرا اعتقال شباب عبروا عن آراء لطالما عبر عنها، فما أمكرك أيها التاريخ وما أقساك.

شاركت “مجموعة 6 أبريل” لشباب حركة 20 فبراير خلال المسيرة العمالية إيمانا منها بضرورة المشاركة في كافة المحطات من أجل التعبير عن آرائهم وبأنهم يجب أن يتواجدوا إلى جانب العمال، الشباب ليس قاصرا سياسيا وليس متهورا ولا متطرفا كما يحاولون الترويج لذلك تبريرا للاعتقال، الشباب خرج للمطالبة بحياة كريمة وبعدالة اجتماعية، فبأي ذنب اعتقلوا ؟ لو كانت المسيرة غير مرخص لها، فلماذا لم تعتقل القوات العمومية الآلاف الذين خرجوا في هاته المسيرة ؟ أو على الأقل المئات منهم الذين لا ينتمون إلى أي إطار نقابي ؟ لماذا لم يسجن موخاريق والعزوزي و الأموي المحرضون عليها ؟ كيف يغطي التلفزيون الرسمي مسيرة تشارك فيها عناصر خطيرة تهدد الأمن العام؟

للأسف فإن فالدولة تتعامل باستهتار وهي تعلم الحقيقة، تعلم أن الاتهامات التي اتهمت بها الشباب سابقا و اليوم غير منطقية ولا يصدقها عقل، لكنها تمضي وكأنه اختيار استراتيجي للحكام في هذه اللحظة في إقبار كل الأصوات الممانعة المطالبة بالتغيير وترسيخ ثقافة الصوت الواحد، وكأن الرغبة هي محو محطة مهمة من التاريخ المغربي المعاصر، 20 فبراير 2011 وارتداداتها يجب أن تمحى من التاريخ المغربي بأي ثمن، فبعد أكثر ثلاثة سنوات اكتشفوا أن روح الفكرة لا تزال حية لذلك يجب إبادتها، الدولة تخجل من أن تقول للعالم أن النموذج المغربي الاستثناء في كل المنطقة يحاكم المتظاهرين لأنهم عبروا عن آرائهم السياسية خلال مسيرة احتجاجية، لذلك ألصقوا بهم التهمة الأبدية التي ألصقت بكل معارض سياسي منذ عهد الحسن الثاني : ممارسة العنف، إنهم لا يستطيعون حتى الاعتراف أن المتابعة سياسية، فهم لا يكفون عن التبجح بأننا نعيش في نظام ديمقراطي.

‫تعليقات الزوار

5
  • ياسين الغاريبي
    الجمعة 11 أبريل 2014 - 00:14

    مقال رائع و جميل و عميق و مفيد و غاية في الاثقان، بارك الله فيك اخي و اكثر من امثالك و جعلك من الصالحين- و سير الله يرحم والديك و يعطيك الصحة و العافية و هناء البال و العقل- اخي اتحفتنا بمقال فريد مثقن في كتابته و تنظيمه و قوي في افكاره و عذب في تراكيبه يا اخي- يا اخي في الله هل لك فن ان تكتب لنا كتبا لمزيد من العلم النوراني الاصيل و مزيد من المتعة الرائعة- اخي في الله فعلا اتحفتنا و انعشتنا بمقال اكثر من جيد، فلك مني الشكر الجزيل و يا ربي يخلف عليك لانك كما لو قرأت نفسي و عقلي و مخي الصغير البسيط- كم من مرة اقول في نفسي ان في المغرب كتابا عظاما لكنهم غير معترف بهم و يجب فقط اطلاق العنان لهم و مدهم بالمداد و "استيلوات" و الورق الصقيل لكي يخطوا لنا بمداد من ذهب و فخر مقالات و افكار و محاولات دقيقة و جذابة ليس لها مثيلا- اخي في الله بوركت و بارك الله في قلمك و في نيتك و سريرتك كما بارك على الانبياء و الرسل و الاولياء و الصالحين و الشهداء و الابرار و الاطهار و الاخيار و الاحباب و كل ذوي ادراك و بصيرة و تبصر و تبحر و ازدهار و رقي و سؤدد و مجد و عزة و فخر و بناء و تشييد و زخرفة و بديع و فن

  • zainab
    الجمعة 11 أبريل 2014 - 12:16

    وا ش كاينة شي نقابة
    لباطرون مخدمنا فغابة
    لا حقوق لا كلمة مصوابة
    التحرش والكابة
    عايشين بحال السحابة
    لا كسوة زينة لا قرقابة
    الدخاخن فلوزين ديرة ضبابة
    لا تغطية لا مقاربة
    صحتنا مشات هابا
    شيبوبني وانا شابة
    ديما معصبة وسابة
    وفهاد لخدمة مابقيت حابة
    سمطتهم علينا ضاربة

  • مجرد ملاحظ
    الجمعة 11 أبريل 2014 - 14:42

    هذا دليل ، على ان النقابات ، والوصوليين … تركب على معاناة من ليس لهم: لامدخول ، ولاشغل ، ولا من يدافع عنهم عند الشدة ، وقمع المحكومات والمخزن… الا الله ، ومناضلات ، ومناضلين امثال :الاخت الرياضي خديجة ، والسيد المحامي عبدالرحمان بنعمر شهامة النضال ، تجده الى جانب الحقيقة عند كل اعتقال…تحية لمثل هؤلاء نساء،ورجال النضال… احذر ياشعب المغرب ، يا من ليس لك من يدافع عنك سوى الله ، وامثال ما سلف ذكره اعلاه ، وما شابهما…احذر من الوصوليين ، الذين يريدون تحسين وضعهم ، ورواتبهم وتفاوضهم ، وقربهم من صناعة القرار بمختلف انواعه… ولو كانوا يريدون الخير لفقراء ، ومساكين المغرب لكان اول مطلب ، هو ايجاد مدخول لكل اسرة فقيرة لادخل لها…اما ، وهو تحسين الوضع للفئوية ، فانهم لايبالون لمن كان مصيره اسود من معاناتهم الظرفية ، ستتحسن وينسونا فقراء ومساكين المغرب الحبيب كما نساها وغض الطرف عنها من سبقوهم عندما تحسنت وضعيتهم ، وعائلاتهم ، واقربائهم وعشيرتهم…..

  • عبد القادر
    الجمعة 11 أبريل 2014 - 19:44

    اسي عماد
    تتحدث عن الدولة .في المغرب ليس لنا دولة بالمفهوم العصري للدولة تسير بمؤسستها عندنا المخزن هذه البنية القروسطوية والمتردية والتي لازالت جاثمة على صدور هذا الشعب المكلوم.
    الله يرحم والديك اقلع عن التكلم عن الدولة في المغرب وسمي البنية كما هي اي المخزن!!! ومايسمى الدولة ديكور واجهة للاستهلاك الخارجي!!!

  • شاهد عيان
    السبت 12 أبريل 2014 - 02:11

    كنت في المسيرة العمالية ل 6 أبريل و عندما شاهدت راية سوداء كتب عليها 20 فبرايرالتحقت بمجموعة 20فبراير لمسافة 1 كيلومتر تقريبا لأتعرف عن قرب على هذه الحركة فسجلت الملاحظات التالية :
    1) لم أعرف ما علاقة حركة 20 فبراير بمسيرة عمالية محضة تهم العمال والموظفين و مشاكلهم الاجتماعية.
    2) عدد مجموعة 20 فبراير محدود جدا ( مابين 100 و 120 شخصا)
    3) اغلبيتهم شباب أقل من 30 سنة.
    4) أغلبهم كذلك من الذكور .
    5) يحملون أعلام مختلفة : علم أسود مكتوب عليه "حركة 20 فبراير" . علم أحمر يحمل صورة ل " تشي غيفارا" .علم أحمر يحمل المطرقة و المنجل (علم الاتحاد السوفياتي سابقا ) . أحدهم يلتحف علم الحركة الأمازيغية . لا وجود لأي علم مغربي !!!
    6) يرفعون شعارات لا علاقة لها بالشعارات المتفق عليها من طرف النقابات الثلاث :
    " المخزن أرحل "
    " جماهير ثوري ثوري على النظام الديكتاتوري "
    " الشعب يريد إسقاط النظام "

    أعتقد أن حركة 20 فبراير فشلت في استقطاب الجماهير خصوصا بعدما شاهد المغاربة كيف خرب أصدقاء 20 فبراير كلا من تونس و ليبيا و مصر و اليمن و سوريا و أوكرانيا …

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات