تهافت العقلانية

تهافت العقلانية
الأحد 13 أبريل 2014 - 20:39

تتحدث عن وجود تعصب غير مبرر مبالغ فيه من طرف بعض الجماهير الكروية، وعن وجود سمسرة وغش وتزوير، تطفو على السطح فقاعاته بين الحين والحين، ينال اللعبة.. كل هذا التعصب وهذا “الاستغلال” قائمان بارزان معترف بهما،، فيناقشك “المتتبعون” في علاقة اللعب بالحياة وأهميته داخلها كمكون ترفيهي ضروري للإحساس بمتعتها، ويسرد “الآخر” سيلا من التهم آخر ما يمكن أن يقال بشأنها أن صديقنا هذا لم يقرأ من المقال إلا اسم الكاتب، وأنه يمكن تماما أن تكون تهمه تلك صائبة لو احتفظ بها لموضوع آخر ذي صلة بمضامين ما أورده!!

والحالة هذه، فقد أعادنا أصحابنا هؤلاء إلى مربع نقاش سابق، كان من ضمن ما ورد في تعليقاتهم، طرح أسئلة أقل ما يقال عنها غريبة جدا بالنظر إلى مستوى واضعيها وسياقها ومجال وضعها:

– {نفترض أن هناك خالقا، فهل يكون هو الله؟}

– {“هب” أن هناك خالقا، كيف نفسر المعراج وانبلاج الماء وشق الصدر وانشقاق القمر؟}

– {لماذا يربط الدين التاريخ بالبشر مع أن الطبيعة أقدم وجودا من الإنسان؟}

– {لماذا لم يبرز الله “”الخجول”” للإفصاح عن وجوده؟}، ولا ندري أين تكون قيمة الدين والإيمان والاعتقاد حالة البروز!!؟

– {لماذا هناك اختلاف في الأديان؟ وأيها أصدق؟}، وكأن اختلاف الروايات ينفي وجود الراوي!! مع أنه ينفي أن تكون كلها صحيحة، وعليه وجب البحث عن الصحيح.

وغير ذلك كثير من الأسئلة والأحكام والاستنتاجات… الواردة في تلك التعليقات، مما يتنافى مع مفهوم الدين أصلا، لأن التصديق به يغير تماما قواعد التحليل وطرق الاستدلال.. كما أن طرح هذه الأسئلة ينم عن قصور في الإلمام بالوضع النسقي وكذا نقص في الإدراك الدلالي.. ذلك أن افتراض وجود خالق، يعني التسليم بإثبات ما أخبر به موجوداته عن نفسه من أسماء وصفات، وكذا ما يُطلب منهم من أدوار وما حدد لهم من مهام وغايات… وإلا فما ينبغي له أن يكون خالقا، ولا أن توجد له مخلوقات.. كما يقتضي(الافتراض) التسليم أيضا بتحكمه(الخالق) في قوانينه -المادية- التي هو من وضعها، وبالتالي يمكنه تغييرها في أي اتجاه متى شاء..

من جانب آخر فإن الرسالة موجهة إلى من يهمه الأمر، وعليه فنصوصها مرتبطة بمعيشه ومصيره والأحكام المنظمة لذلك، وبالتالي فالتاريخ بالنسبة إليه هو ما ارتبط بوجوده..

ثم يأتي دور الملاحظات أو الاعترافات أو الطروحات،، ومنها أن {الإلحاد ليس طرحا}!! ولا ندري ما هو الطرح إذن؟ وأين هو؟ وما هو تفسير الوجود؟ هل هو الصدفة التي لا إرادة لها أم ماذا؟، ومنها أيضا: {نحن لا نقول أن العقل يفسر ويبرر كل شيء!!}، وما دام الأمر كذلك، لماذا إذن يتم الاقتصار على قبول ما فسره العقل وبرره فقط فيما ارتبط بالدين دون غيره مما يشمله الاعتراف بعجز العقل حياله؟؟!!!

في الجانب الآخر، وعلى المستوى السطحي المبدئي فقط(دون الغوص في بحور التفاصيل العلمية المادية الدقيقة الغير معللة)، هناك أيضا صيبا من الأسئلة ليست أقل إحراجا ولا تشكيكا: كيف يمكن التصديق أنه كان هناك “ماموتا” أو “ديناصورا”؟؟ مع واقع الاختلاف وإمكانية التزوير؟؟ وكيف يمكن للعامة(غير المتخصصين، أو غير المطلعين على الأقل) التسليم بوجود “الميتوكندري” ودوره في خلايا الجسم، دون تصديق رواية الأخصائي وتواتر الشهادات بشأنها؟!! ولماذا يتم قبول تطور/تحول من قرد إلى إنسان، ولا يتصور ذلك التحول في الاتجاه المعاكس(أطرح السؤال هنا فقط من الجانب المنهجي، لأنه لا يوجد أصلا تسليم برواية المسخ الخِلقي، وإنما يذهب الكثير إلى تأويل “المسخ” الخُلقي)؟!! الشاهد أن الحكم للأسف إنما هو على الهوية والمصدر، وليس على المضمون والجوهر!!

في ما يتعلق بالتعدد والاختلاف والتزوير والتحريف، نعم.. نحن أيضا نقول -كما تقولون- أن نصوصا قد شابها تحريف وتزوير، غير أنكم لا تعترفون أن ذلك لا يعني البتة أنه لا أصل لوجودها!! إذن نتفق أولا أن ذات صيغة موجودة بالقوة، ثم، بعد ذلك، نتحراها لتحديد صيغة وجودها الفعلي!!

أما في ما يتعلق {“بهوس” المسلمين لنشر دينهم}، فإن نشر الدين عام بين جل الأديان(المسيحيون خاضوا حروبا عسكرية ومولوا بعثات ضخمة (حروب اقتصادية وثقافية وإعلامية…))، بل بين كل الأفكار(المفكرون هم محاضرون في التاريخ والجغرافيا)،، ثم أين العيب في السعي لتقاسم أفكار يراها أصحابها نافعة(في الحقل الذي تقدم فيه)، ما دام المتلقي له حرية الاتباع أو الابتعاد؟!! وما هو البديل المقترح والحكمة والتصرف المثالي: الانعزال والصمت مثلا؟؟!!!

حقيقة، هراء أن يكون كل هذا التراث، وهذا التفسير للتاريخ وصراعاته بين قوتي الخير والشر… خرف..

إن ثبات حضور مبدأ التدين في النفس البشرية إن كان سببه وحدة الأصل، مع الاختلاف الجذري في كل المكونات الشخصانية الأخرى(اللغة، اللون…)، فإنه يعني قوة “الجين” العصية على الاضمحلال، ووراءه ما وراءه من غريزة وفطرة محركها وركيزتها الوحدانية الموجودة في كائن ما!!

للإشارة فقط، فإن المصطلحات بدورها توجِد أزمة خاصة مع تشبث بعضنا بتصنيفات معينة تحت مسمى إرث العلوم(مع الإنكار على الخصم استعمال مصطلحات حقل معين بنفس الداعي)، ومن ذلك وضع الدين كمرادف للخرافة -بحمولتها القدحية المنتقصة من قدر المنعوت- في مقابل العقلانية!! مع أنه يمكن استعمال “الغيب” أو “الإيمان” أو “الروحانيات”… والتي ليست عقلانية في تصنيف انتمائها، غير أنها دوال محايدة الحمولة.. فليس الإنسان مجبرا على استهلاك قاموس بعينه، حيث أن إمكانية النحت اللغوي والتوليد والاشتقاق والابتكار…، تبقى دائما قائمة..

حسنات أصدقائي أنهم متابعون مواكبون، ومطلعون على مذاهب الفلسفة، غير أنهم يفتقدون حس التجرد وبصمة المتأمل الشخصية، لذا المرجو منهم تمثل ما يدعون إليه من الموضوعية والتجرد والترفع عن الأحقاد والكراهية والضغائن، وذلك بالنظر في متن الموضوع ونقده -أو حتى انتقاده- من داخله، دون البحث عن سبب تأخر المقال، والرجوع إلى أرشيف النعوت والسب المتكونة عبر ترسبات أزمنة جيولوجية ربما تكون وهمية ليست إلا..

‫تعليقات الزوار

7
  • samouh
    الأحد 13 أبريل 2014 - 23:06

    قال احدهم ان الالحاد لعبة عقلية ممتعة لكنها تكلف الكثير كما اورد عدنان ابراهيم. وقال ستيفن هوكينغ ان القوانين الفيزيائية قادرة على شرح الوجود دون الحاجة الى خالق ثم اشار الى امكانية وجود خالق. ثم سئل داوكينز عن مقابلته لله فرد انه احتمال ضئيل . و قال ابن خلدون ان النفس ان لم تنصف وتعدل تشيعت لنحلتها و مذهبها و من اراد بلوغ كل الاسباب تاه وسط الحيرة و التخبط . قوة الدين العظمى هي قدرته على الاستيعاب الشامل للاحداث و الاشخاص و لعل اروع ماقيل في الدين هو كونه المبتغى و المنتهى للبشرية لعلامتنا الفقيد مصطفى محمود . و كونه الوسيلة الفعالة للبناء كما قال ابن رشد . الالحاد تعبير عن التكبر فلم يعد يرض الملحد بمن يامره و ينهاه
    الم يحاور الشيطان الله؟ و سمع كلامه؟ فلم كفر؟ انه الكبر.

  • the deist
    الأحد 13 أبريل 2014 - 23:08

    تحية من القلب إلى السيد أمازيغي مرتد الذي كان سببا في استفاقتي من غفلتي بعدما ساق لي حديث الإسراء والمعراج حيث لم أكن أتصور يوما أنه تم على طائر البراق ذي الجناحين بل كنت أعتقد أن الله وحده يعلم الكيفية التي رفعه بها إلى سبع سماوات في الفراغ الفضائي.

  • sifao
    الإثنين 14 أبريل 2014 - 01:31

    لو جاء كلامك تحت عنوان"تهافت العقلانيين" وتعرضت لما ورد في بعض تعاليق القراء من نتاقضات او لبس او عدم استعمال المفاهيم في سياقها الدلالي ، او بعض المغالطات التاريخية والمنطقية ، لتفهمنا الامر ، لكن ، ان تتحدث عن "تهافت العقلانية": بهذه السذاجة والسطحية فإن ما جاء في "مقالك " الى سمح الادباء او الصحافة بتسميته "مقال"، لا يرقى الى مستوى ان يُنشر كمادة معرفية اوعنوانا لنقاش مفيد ، لان مثل هكذا مفاهيم تحتاج الى زاد معرفي مهم وجهاز مفاهيمي خاص ، لا يخوض فيها الا الراسخون "في الفلسفة" اول قراءة نقدية جدية لمفهوم العقل التي يمثلها كتاب "نقد العقل الخالص" مكتثت قرنا من الزمن ، او يزيد ، في المكتبة الملكية ببرلين ، لم يجرؤ احد على قراءة الكتاب وفهمه ، وكل من حاول فتحه يكتفي بالتعليق عليه بجمل من قبيل "مؤلف الجنون" كتاب"مختوم بالشمع الاحمر" …لذلك اقول، واعتذرمنك،" لست مؤهلا معرفيا وفلسفيا لمناقشة عنوان من هذا الحجم والدفاع عن عدم تهافته .

  • خبراثور
    الإثنين 14 أبريل 2014 - 11:35

    ر قم1

    الالحاد يدل على التكبر .

    والتدين يدل على الغباء

    فمن يعتقد ان التيمم بالتراب طهارة ونظافة

    وان ناقة خرجت من صخرة

    وان القمر انشق

    هو كائن مسطول وفي قمة الغباء .

  • walid ed
    الإثنين 14 أبريل 2014 - 14:56

    سأحاول أن أوضح أكثر ما جاء في آخر تعليق لي

    كان سؤالي هو : لنفترض أن الله موجود ؛ثم ماذا بعد ؟ ماذا يريد هذا الله الخجول ?
    لما وصفت الله "المحتمل" بالخجل ليس لأنني أريد منه أن يظهر جليا للعامة مع أن ذلك ليس بالأمر الصعب عليه طبعا !
    قصدت بوصفه بالخجل كونه ترك أناسا لا يعدون و لا يحصون يدعون أنهم رسله ومنهم من أله نفسه بعد ذلك
    لندع التاريخ جانبا و نتبع منهج إبن خلدون في تمحيص ما دون من تاريخ البشر سواء الديني منه أو السياسي ..
    لنتأمل معا في ما أنتجه التاريخ "أي الحاضر" من عمران وثقافة ..
    إن كان فعلا هناك إله فسيكون مضطرا إلى إثبات وجوده نظرا لما نعيشه من هرج خاصتا على المستوى الديني !

    ثم يبدو أنك ممن يعتقدون أن عدم إثبات وجود الكون بالصدفة يستلزم وجود إله لأن للكون نقطة بداية ! أسألك إذن لماذا تلغي إحتمالية أن الكون هو بحد ذاته الله ؟؟ أم أنك من أتباع الفكر الغربي "أرسطو .."

    أجد في مقالك الكثير من المغالطات كما ستجد في ردي نفس الشئ هذه هي سنة الحياة في نظري إذن لا داعي للتعصب
    حتى أضمن أن لتعليقي فائدة ترجى أنقر في جوجل
    BICEP2 telescope
    تحياتي

  • الراعي الرسمي
    الإثنين 14 أبريل 2014 - 16:59

    المشكلة أننا نحاور على شبكة اللامساواة الظالمة حيث طرف يرد في ألف سطر و في عدة مقالات على معلقين لا يملكون فوق الألف كلمة.. على العموم بما أن المجال لا يسمح للرد بالتفصيل فسأقول لك أن الرغبة في إثبات أن للعلم قدرة محدودة, و أن أسسه النهائية تعتمد على نوع من الإيمان لا على المعرفة, هي رغبة يمكن تفسيرها على أساس علم النفس, و لكنها لا تجد تأييدا من المنطق, فهناك أشباه علماء يشعرون بالفخر عندما تنتهي محاضراتهم عن نفي التطور بدليل مزعوم على أنه ستبقى هناك أسئلة يعجز العالم عن الإجابة عليها. و كثيرا ما يستشهد الناس بآراء هؤلاء بوصفها دليلا على هدم كفاية الفلسفة العلمية, مع ذلك فكل ما تثبته هذه الآراء تدعو إلى الإستسلام لنوع من الإيمان. أما من كانت الحقيقة ضالته المنشودة فعليه ألا يستسلم لتحذير الاعتقادات المسلم بها, حتى لا تهدأ في النفس سورة البحث, ذلك لأن العلم سيد نفسه, و هو لا يعترف بسلطة تخرج عن دائرته.

  • alkortoby
    الإثنين 14 أبريل 2014 - 19:23

    6 – الراعي الرسمي

    "المشكلة أننا نحاور على شبكة اللامساواة الظالمة حيث طرف يرد في ألف سطر و في عدة مقالات على معلقين لا يملكون فوق الألف كلمة"
    ــــــ
    ومن يمنعك أن ترد أنت بدورك في ألف و10 آلاف سطر وفي عدة مقالات أو حتى في كتاب أو مجموعة كتب؟
    إنت سيد خيارك ولم يرغمك أحد أن ترد كمعلق فقـــــــــــــــــــط. لك كل الأختيارات، فلاتغمط نفسك هذا الحق ولا تبخل علينا بنقاش غني.

    سيزيف رمز العذاب الأبدي، عليه أن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، لتتدحرج إلى الأسفل عند وصولها إلى القمة. ويعيد سيزيف حملها إلى الأعلى، وهكذا دواليك وإلى الأبد.
    هذه الأسطورة تعكس الإشكال الوجودي عند الإنسان، أوعبثية الوجود المتمثل في القلق الوجودي. وهذا المأزق الوجودي هو ماحاولت الفلسفة الوجودية أن تجد مخرجا منه بالإجابة عن سؤال "كيف الخروج من هذا المأزق الوجودي؟".

    في رأيي وجود الإله كان أفضل جواب للخروج من فكرة عبثية الحياة والتخلص من هذا القلق الوجودي. الإله هو الغكاز الذي يسند ظهر الإنسان المقصوم بالضرورة.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات