في اغتيال الحاجة إلى الأمل

في اغتيال الحاجة إلى الأمل
الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 19:22

لازالت صورة بنعيسى ايت الجيد، الذي كان زميلا لي في الجامعة، راسخة في ذهني، حين دخل المدرج في الطابق الرابع بكلية آداب ظهر المهراز، بداية شهر دجنبر من العام ١٩٨٧ . كان يتحدث عن ”الإصلاح الجامعي“ و ”الحرس الجامعي“ وقضايا الفساد التي كانت تتخذ أسماء أخري وتتجسد في صور القهر والاستبداد…. وما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي وجدت فيه نفسي رفقة صديق لي، وجها لوجه في ساحة عشرين يناير بظهرالمهراز مع ”صديق“ من طنجة التقينا به صدفة في القطار، وقد كان معاديا للجهة التي كنا نتعاطف معها….

لم أكن مناضلا في الساحة، ولكنني كنت وما أزال أتعاطف مع اليسار، لا لأنه يحمل الحقيقة، وإنما لأنه أقوي علي صناعة الأسئلة.. وباعتقادي أن كل مانحتاجه في وطننا العربي هو ”السؤال“؟!

كان ”الخصم“ يحمل في يده غصن شجرة ضخم وهو يلوح في الفضاء، تبادلنا الابتسامة الحذرة، ولم ننبس ببنة شفة، وعدنا إلي الخلف في اتجاه الحي العسكري، بينما هو استمر بدكنشوتية غريبة يحارب الفراغ في الساحة!

في اليوم التالي، وبعد هدوء العاصفة، وبينما نحن في ساحة عشرين يناير نادى علينا أحد المناضلين القاعديين وطلب منا -أنا وصديقي- أن نعطيه رأينا في الأحداث التي وقعت!؟

اكتشفت حينها أننا خارج المعادلة، وأن كل طرف سيشكك في انتمائنا، وأنه علينا أن نثبت براءتنا في كل مرة.

حدث ذلك في السنة الأولي من التحاقنا بالجامعة. لكن مع الأيام بدأنا نحسم الأمر، وصرنا -أناوصديقي- نعلن تعاطفنا مع اليسار، وبالتحديد التيار القاعدي، لأنه -بالنسبة إلينا آنذاك- كان يشكل ”سؤالا“ محرجا للأحزاب، و يفضح رخاوتها وبؤسها وتمخزنها. لقد كنا في حاجة إلى الحرية القصوى كي نفرغ شحنات الغضب التي امتلأنا بها. كان التيار الوحيد الذي يجعل أحلامنا الطوباوية ممكنة التحقق. اكتشفنا مع تزايد جرأتنا في التعاطف مع هذا التيار، زملاء وأصدقاء كانوا يناقشون الحداثة والمناهج النقدية وهم ”متأسلمون“. اكتشفنا ”الأقنعة“ التي سرعان ما كانت تتساقط مع كل نقاش حول ”قضايا الدين“ و ”الدين والسياسة“…

مع أحداث دجنبر ١٩٩١، التي عشناها بكل التفاصيل، واعتقال أصدقاء وزملاء من التيار الذي كنا نتعاطف معه، وهيمنة التيار الذي همه الأوحد هو القضاء على ”السؤال“، ومشاهد الدم والمجازر العنيفة والأسلحة و“الجيش“ الملتحي الذي كان يصول ويجوب في ربوع ظهر المهراز، تحولت ”مملكة ظهر المهراز“ إلي ساحة قفر تمتلئ ب“دوائر“ الفراغ -الحلقيات- من التيارين التي كانت تنتهي بالحروب والكر والفر!

هكذا آلت الجامعة المغربية إلي وضع كارثي إن على المستوى المعرفي أوالأخلاقي أو السياسي..

ماذا ربحت الجامعة المغربية من كل هذا التاريخ المشوش والمهمش في آن؟

حين تحدث إدوارسعيد عن الجامعة وكيف تشتغل في أمريكا، قال أنها تشتغل بصورة معقدة وإن ما ينتجه من كتابات وأفكار لا يمت بصلة إلي ما هو ”مكلف بتدريسه“ داخل فصول الجامعة. باختصار إن المتمعن في طرائق اشتغال الجامعة الأمريكية، ووفق النسق العام الذي يحكمها ينتهي إلي نتيجة مفادها أنها استطاعت أن تصبح ”مؤسسات“ مستقلة تشتغل وفق ”نظام“ و ”نسق“ من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يكون ”للفرد“ استقلالا وانزياحا عن الذي ”أريد له أن يكون“، أي إن هامش الحرية يكون غير موجود، وذلك بفضل توفير سياق من الإجراءات والقوانين التي من مهامها الضبط والتقنين والدمج. بحيث إن النظام الجامعي الذي تتحكم فيه الآلة الرأسمالية، وثقافتها واستراتيجياتها، تجعل الفرد مجرد بنية صغيرة داخل ”نسق“ قد يصعب عليه فهم ”مكانته“ فيه! ولهذا أصبحنا أمام مؤسسات ومراكز هدفها هو ”الاستقطاب“ والتدجين، وصناعة ”الأسماء“ و“العبقرية“، وإن أي محاولة للتفرد والانزياح يتم احتواؤها بتقنيات محكمة.. لقد صارت الجامعات تشتغل في اتجاه صناعة النخب التقنية، بنمط من الوعي ”التقنوي“ البرغماتي والمصلحي. ولعل أخطر ما في الأمر، أن هذه الآلة نجحت في استدراج كل مناحي الحياة الفكرية والإبداعية، ولم تترك أي هامش لحرية الإبداع في كل مناحي الحياة… لقد صارت ”الحرية“ أكبر وهم يمكن أن نتحدث عنه في المجتمعات الغربية في ظل هيمنة ”المؤسسة“ بكل تجلياتها، القانونية و الأخلاقية.. لهذا يعيش الغرب انتكاسة حقيقية على مستوي ”الغعل“ الفلسفي بعد أن هيمنت ثقافة ووعي ”البلاهة“ وهو ما تحدث عنه كونديرا بعمق حين قال: «حتى عهد قريب كانت الحداثة تعني تمردا غير محافظ ضد الأفكار الجاهزة وضد الكيتش. أما اليوم، فتمتزج الحداثة بالحيوية المتدفقة لوسائل الإعلام. أن يكون المرء حديثا أصبح يعني أن يبذل مجهودا خارقا كي يكون مواكبا لما يجري، يكون طبق ما يجري مقدودا عليه، يكون أكثر محافظة من كل المحافظين. لقد اردت الحداثة رداء الكيتش“.

إذا كان هذا يتعلق بالجامعة الغربية، والأمريكية تحديدا، فماذا عن جامعتنا الوطنية؟ وماعلاقة كل هذا بساحة الجامعة الآن وهنا؟

خلافا لما هو عليه الأمر في الجامعة الغربية، عرفت الجامعة المغربية تاريخا اتسم بالارتباك وعدم الاستقلالية، ما جعلها بؤرة تلتقي فيها كل حساسيات الواقع الفكري والسياسي الذي يجري خارج أسوارها. ولهذا كانت الأحزاب دائمة الحضور، كما أن النظام/السلطة لم يغمض جفنا عليها. فكانت الدولة تجند أجهزتها القمعية، فمارست القمع داخل الساحة الجامعية، ومارست الاعتقال، والتنكيل، والاختطاف، والقتل، والمحاكمات الصورية، غير أنها اكتشفت أن مقارباتها كانت لاتزيد هذه البؤر إلا تأججا واشتعالا، انتهت بإيجاد تقنية ”دودو من عودو“ -كما يقول المغاربة. ودخلت الحركة الطلابية في مسلسل من الهدم الذاتي والتسطيح والعنف والعنف المضاد، أفرغ الفضاء الجامعي من الوعي النقدي الذي كان ينبغي أن يكون خطوة تلي ”انهيار“ ”الوعي الماركسي السوفياتي“ و ”الوعي القومي“. ففي الوقت الذي كنا أمام لحظة فكرية وتاريخية ستدفعنا إلى إعادة طرح الأسئلة، خصوصا بعد انعاطفة المؤسسة الحاكمة وتحولاتها، وجدنا أن ”الفراغ“ و ”الخواء“ ملأ الفضاء الجامعي، وهو ناتج عن فقر في الإبداع وفهم التحولات، وسوء في التقدير، بل ونتيجة التحكم الذي كانت تمارسه الجهات خارج الجامعة.

وفي الوقت الذي كان ينبغي أن تتحول الجامعة إلى صانعة أفكار ومساهما في التحولات الاجتماعية والسياسية والفكرية، زادت ابتعادا عن الواقع. فبعد الطوباوية والفكر الثوري اللاواقعي، هيمن خطاب العنف والإقصاء، ولم يكن ممكنا إيجاد نقط للتواصل بين فريق لا يؤمن إلا بالأجوبة الجاهزة، وفريق لم يع جيدا المسؤولية الفكرية والتاريخية التي كان يضطلع بها من أجل الدفع ”بالسؤال“.

لهذا من الصعب أن نتحدث عن مؤسسات جامعية في وطننا، ومن المستحيل الحديث عن مشاريع جماعية ترعاها مؤسسات، لها تصور ومشروع مجتمعي ينشغل بسؤال المعرفة وقضايا الحداثة. في المقابل لدينا أفراد يحملون مشاريع، يحاضرون ويشتغلون وينتجون أفكارا وتصورات. لكن عمل الفرد على مستوي التأثير داخل النسيج المجتمعي أمر شبه منعدم، إذ يسهل التأثير في الشرائح المشكلة للمجتمع بتقنية الإعلام، الذي يهمش الأفكار العميقة، ويسوق ويعلي من شأن ”الفقاعات الفكرية“، مادام أن الإعلام ”السلاح“ الأنجع الذي تمتلكه الأنظمة الحاكمة،وهي التقنية التي تعرف أمريكا كيف توظفها، خصوصا بعد دخولها مرحلة مابعد سقوط جدار برلين!

إجمالا، كان من الطبيعي أن تسير الجامعة المغربية، التي دخلت مرحلة ”الشيخوخة“ منذ عقدين تقريبا، نحو عنف من نوع جديد، حيث الدولة مجرد متفرج. فبعد أن كان الشهداء تنزف دماؤهم برصاص العسكر، اليوم نعيش لحظة فاصلة في العنف حيث تسلم الطلبة الرصاص وصاروا ينوبون عن السلطة في ذلك!؟

الواقع ينذر بوجوه من الخيبات القادمة التي ستجعل من الجامعة مجرد مؤسسات لصناعة تقنيين مفرغين من كل وعي، همهم أن يحصلوا ويتعلموا ماأريد لهم أن يتعلموه، ثم يحصلوا على شهادات كي يبحثوا عن عمل، مفرغين من كل حس فني وجمالي جمالي واجتماعي وسياسي، لتتحولمشاريعهم وهمومهم إلي مجرد الرغبة في ضمان دخل قار وبناء أسرة، أي إن حلمهم هو تحقيق حياة جيدة، لا حياة لها معنى (والفارق شاسع)!

إذا كانت الجامعة الغربية تشتغل وفق نظام ومشروع دولة لها طموحاتها الرأسمالية والامبرالية والتسلطية، فأي مشروع لدى الدولة عندنا!؟

عن أي حداثة ومشروع مستقبلي يمكننا أن نتحدث، ونحن لم نستطع إنتاج فلسفات وأفكار كبرى، بل إن ما كان من المفروض أن يكون مشتلا لبذور الحرية والفكر والوعي المضاد المقاوم ”للبلاهة“ صار تربة خصبة لإنبات ”اللافكر الذي تنطوي عليه الأفكار الجاهزة“ -كما يقول كونديرا- ؟!

‫تعليقات الزوار

6
  • citizen
    الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 19:44

    في هدا البلد إغتالوا كل حلم جميل كل درة امل في غذ مشرق.انصاف الرجال حولوا طموح الرجال الى سراب.لا مكان للمواطن دو المبادئ اللذي يتشبت بالقيم والمبادئ الكونية

  • أمين صادق
    الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 20:54

    إن جازت تسمية "حرم جامعي" مجازَا
    فحرام ألّا تُحترم حرمة الحرم الجامعِي
    إن كان اسمها 'جامعة' وكفى به إسمَا
    فما بال جمعِها لا يجمَعه حِس جَماعِي
    عارٌ أن تُزهَق أرواح شباب حيث تُرعى
    قيم التسامح والرقي بالذات والتسامي
    وتقبّل الاختلاف وتقدير الآخر كيفما
    كان الانتماء والفصائل عُدّت والأسامي
    يا حسرة على فضاء ضاق مهْما رحُبا
    بطلاب علم لم تسعهم مدرجات الأعالي
    فنزلوا إلى مدارجها كأنها ساحات وغى
    يتنابزون ويتبارزون، كُلٌ مَن يُوالي
    واأسفاه على طاقات تُهدَر كي تُحمى
    مواقع نافذين ويبقى صيتهم بالعلالي
    أبناؤهم هنِئين في أروقة مدارس عليا
    والبسطاء هُلّكُ ليمْسوا هُم مِن المعالي
    يا لخسارة أولياء يشْقون علّهم يومَا
    يجنون الثمار إذ يرون أكبادهم تمشي
    مرفوعة الرأس بعلمها وعملها، نِعِمَّا
    نسلٌ معطاءُ لوطنه ووطنٌ نسلَه يعطي
    لا تيارات تجرفها ولا صراعات تقذفها
    بعيدا عن الغايات التي بها العقول تعي
    ولهَا العوائل تنتظر، حتى تنقشع الدّجى
    وعليها يُعوَّل في الحاضر لبناء الآتي..
    فيا ساسة وحكاما، وحركات وأحزابَا
    دعوا مَحارب العلم للعلم، كفانا مآسي
    حاربوا الإحباط واليأس من تعليم نَما
    فيه الضياع.. بدل الآمال التي تُحْيي!!

  • الباز الحكيم
    الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 21:37

    اذن نتمنى ان يفكر الطلبة مليا في ادوارهم المستقبلية وان يستيقظوا من الغفلة وينتبهواالى الدور الذي ينتظرهم كحملة رسائل تقافية واصلاحية وانهم هم لبنة التطور والنماء والتصحيح في زمن الوعي بلا وعي وزمن صراع الكفاءات مع اللاكفاءات وزمن الصراع المستوياتي مع الدون المستوى وزمن صراع المصلحين مع المفسدين وصراع خدام المصالح الخاصة مع خدام المصلحة العامة التي قد تمثلونها انتم ،لانكم رموز الوعي الصادق والامل المعقود والاقلام التي قد تقف بحيادها حجرة عثراء في وجه الانتهازيين والاستغلاليين ,اليوم يجب ان يستيقظ الضمير الطلابي ويكد ويزيد تعلما وسموا لترتفع راية العلم والتحصيل خفاقة داخل كل حرم كامعي وان يتحدوا على التراحم والاخوة والتعاون وينبذون كل الدخلاء على مدنهم العلمية ومن شاء المشاركة السياسية فأوكارالاحزاب فارغة وان يتركوا لجامعة نقية طاهرة ليحيىالمتنافسون ويلوح للافق نورالمبدعين والمخترعين والمنظرين عوض ان تحولكم الالة السياسية الجهنمية الى مشرملين وحاشا لله ان تكونوا كذلك فانتم زينة البلاد فاستيقظوالاننا نحتاج اليكم وانتم احياء ويؤلمنا ان تنطوي عليكم الحيلة فنخسركم وانتم اموات. انكم المستقبل

  • damir
    الثلاثاء 29 أبريل 2014 - 23:08

    المدرسة بصفة عامة اصبحت لا تلبي ما يحتاجه المجتمع الكل ينتظر نقط مرتفعة للولوج الى التكوين لمهني.
    ادا كان تلاميد الابتدائي يتناولون الحشيشة وتلاميد الاعدادية يحملون السلاح الابيض وفي الثانوي الاغتصاب والمخدرات فمن الطبيعي سيصل الطالب الجامعي الى العنف والقتل.
    يجب على الدولة ان تقوم ببحث معمق لهده الظواهر التي تنتشر يوميا وان يكون للمدرس والاعلام والاسرة دور كبير في محاصرة العنف المدرسي حتى يصل الطالب الى الجامعة خاليا من العنف.

  • الحياني:شاهد عيان محايد
    الخميس 1 ماي 2014 - 08:52

    أية أسئلة يطرح القاعديون ؟كيف يمكن الحصول على الروج والشيرا؟ كيف يمكن استقطاب الطالبات المغتربات وجعلهن بنات ليل حقيقيات ؟كيف يمكن الحصول على قبعة شبيهة بقبعة تشي غيفارا ؟الطلبة الإسلاميون كانوا في هذه الحقبة أكثر ديموقراطية من القاعديين من خلال "حلقيات " الإسلاميون يستمعون إلى الكل بينما القاعديون يشوشون.

  • الحياني:شاهد عيان محايد
    الخميس 1 ماي 2014 - 09:41

    أية أسئلة يطرح القاعديون ؟كيف يمكن الحصول على الروج والشيرا؟ كيف يمكن استقطاب الطالبات المغتربات وجعلهن بنات ليل حقيقيات ؟كيف يمكن الحصول على قبعة شبيهة بقبعة تشي غيفارا ؟الطلبة الإسلاميون كانوا في هذه الحقبة أكثر ديموقراطية من القاعديين من خلال "حلقيات " الإسلاميون يستمعون إلى الكل بينما القاعديون يشوشون.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة