الإعلام سلطان الديمقراطية

الإعلام سلطان الديمقراطية
الأحد 18 ماي 2014 - 08:53

تابعنا جميعا مواقف وآراء العديد من الفاعلين في الحقل الإعلامي، خلال المناظرة التي نظمتها الجريدة الإلكترونية هسبريس وموقع هنا صوتك، وكانت تجسيدا لهموم وهواجس المهنيين والمتتبعين، وأصحاب القرار كذلك، كما لم تكن خالية من الرسائل، سواء كانت سياسية أو مهنية تخص الصحفيين أنفسهم أو الرأي العام….ومن منطلق الهاجس الذي يسكننا، كناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، المتمثل في مناصرة حرية الإعلام، يجدر بنا إثارة ماهية الإعلام في معادلة المجتمع، ليس بالضرورة إغناء لما راج في المناظرة، ولكن استقراء على هامش ما أثير، وما يثار حول الإعلام على وجه العموم.

إذا حاولنا اختزال موقع الإعلام في تصميم المسكن المجتمعي، نجده يتخذ منزلة شرفات بيوته، التي تطل على الباحة السفلية، حيث تتجمع الفئات الاجتماعية المنهكة، فتعبر من خلالها روائح ما يطبخ في بيوت، وما يقترف في أخرى من أفعال ومن مشاجرات، وما يسربه ساكنو البيوت التي تؤدي مجاريها نحو ينابيع باحة المسكن، حيث تترسب كل موبقات المسكن بفعل الجاذبية الطبيعية.

نسعى من خلال هذا التوصيف إلى التأكيد على أن الإعلام يلعب أدوارا خماسية الأضلاع، طبيعية في جوهرها، فيما تعاكسها أدوار مماثلة بمنزلة الظل، لتشكل تصميم المعين، قد لا تكون متناسقة الأهداف، لكنها ذات تركيز واحد في المرمى : الإثارة والاستجلاب.

فالأدوار الخماسية الطبيعية هي على الشكل التالي :

للإعلام مهمة اطلاعنا كيف تدير مؤسسات الدولة الشأن العام، لنعرف هل تجسد بالفعل مبدأ دولة المواطنة، حيث تعطينا بشكل أو بآخر فكرة عن مدى ربط المسؤولية بالمحاسبة.

للإعلام مهمة كشف الممارسات السياسية بكل تجلياتها : حين يمكننا من مواكبة سلوك الفاعلين السياسيين، لنلمس طبيعة الأمراض والعلل المزمنة، التي تصيب حقلنا السياسي، ونكتشف كيف أنها سريعة التكاثر والتوالد، حتى إذا ما جفت علل، نضجت علل أخرى أكثر فتكا وأكثر مناعة من سائر المضادات المتاحة، لدرجة أضحت عصية على التحليل بالوسائل التقليدية المتاحة، وكلما تشتد النزاعات داخل الحلبة السياسية، تشتد معها لعبة المتشابهات في عناصر المعادلة، ويتعذر معها فرز الفاعل من المفعول به وبين السليم والمعتل وبين الظالم والمظلوم.

للإعلام مهمة ربط جسور التواصل بين الدولة ككيان بسلطه التقليدية، باعتباره نظام حكم بمؤسسات ونفوذ، وبين المجتمع المدني، باعتباره كيانا رقيبا ومتربصا باختلالات هذه المؤسسات.

للإعلام مهمة ردم الهوة الثقافية والولوجية بين أفراد المجتمع، حيث يساهم في تقليص البون الثقافي بين أفراد المجتمع، خلافا لما كان عليه الحال في الحقب الماضية، فأصبح ذلك الإنسان العادي الذي يعيش في بيئة مسالمة يعي جيدا خلفيات الصراع حول البرنامج النووي الإيراني مع الغرب، كما لم يعد بين شخص في أبعد نقطة نائية وخبر فاجعة إرهابية في عاصمة الضباب مثلا سوى الإشارة لأيقونة “عاجل ” بضربة زر على لوحة مفاتيح مطاطية، كي يعرف ثلاثية القضية : الصفة والسبب والمصلحة.

للإعلام مهمة إذاعة صرخات المظلومين، من خلال إثارة أحداث أو قرارات أو ممارسات، ضاعت بسببها حقوق ومصائر أناس، مهما كبرت أو صغرت قيمتها، لكنها قد تسبب في تحرك الجهات الأعلى، لتقرر أو تصوب أو تدافع، وهكذا تصنع حدثا من شأنه التأثير في مسار، أوإحداث تغيير في تشريع، أو اتخاذ قرار في قضية مطلبية على لائحة الانتظار، وما إلى هنالك مما يحتمل أن يترتب عن ذلك، أو حتى التزام الصمت إلى أن تمر العاصفة، لتعود حليمة لعادتها القديمة…

في معاكسة تماثلية للأدوار الطبيعية للإعلام، ثمة أدوار في الظل، أعرضها حسب تقديري الشخصي كما يلي :

قد يحمل الإعلام على عاتقه مهمة تعتيم ما يروج في دواليب الدولة، ليسقطنا في فخ دولة الطبقية، التي تؤمن بكون كل شخص ملزم بموقعه التراتبي، وعلى الإعلام السمع والطاعة، وترويج البضاعة، بالطريقة المصاغة، ومن يتعدى خطوطه فسيف العقاب مسلط عليه من كل حدب وصوب.

كما نجد الإعلام يتقمص دور المدافع عن فعل سياسي من جنس الفساد والإفساد، حتى لو كان على رؤوس الأشهاد، فقد يصنع الإعلام من خلال أحداث وهمية أو مدبرة صغيرة الوزن أو حتى كبيرة، لكن فرقعتها تكون مدوية، أو قد يسبر أغوار ماض، بنية تسفيه طرف ما، أو يجتر جزءا من كلام مر على لسان ما، في زمان ومكان ما، ويصبغه بإخراج شيطاني محكم، بغرض تسفيه حاضر الضحية بماضيه، في إطار لعبة تصفية الحساب، وربما بالوكالة لمن يدفع….

وفي معاكسة لدوره في ربط الجسور، قد يسعى الإعلام إلى بناء هوة سحيقة في علاقة مؤسسات الدولة بالمجتمع المدني، فينفث السموم ويفقد المواطنين ثقتهم فيما بينهم وبين المؤسسات، حيث يساهم في استعداء المؤسسات وتسفيهها، وإعطاء الانطباع بكونها مصدر المآسي والنكسات.

كما قد يسعى الإعلام إلى لعب دور رهيب وفتاك في دفع الإنسان من الانسلاخ عن هويته وإيعاده عن ثقافته وتراثه وأصالته، لا بل يزرع في نفسه ازدراء واستعداء مستتبا إزاء هويته.

أما في مقابل دوره العظيم في إسماع صرخة المظلوم، فإن الإعلام قد يقلب الحقائق رأسا على عقب، كما قد يجعل من ظالم، مسكينا تآمروا عليه، أو يجعل من مظلوم، متحايل لا حق له، وقد يصنع من تظلم أو فعل صادر عن مظلوم منعطفا في التاريخ، وربما في إعادة دورة الحياة، حتى لو بني ذلك على باطل.

كل هذه الأدوار واردة في الفعل الإعلامي، لا تختلف سوى في تمظهراتها، وفي مدى تفاعل المتلقين وردود أفعال

أبطالها.من هنا نكتشف ببساطة، بأن الإعلام ليس مهنة فحسب، أو سلطة رابعة كما صنفت تقليديا، بل سلطة السلط، التي تدفع في اتجاه كشف العورات، واستضعاف القوى، واستلاب النفوذ، وتعرية المستور، بغايات قد تكون سلبية أو إيجابية.

وهكذا، تتمكن المجتمعات من أن تتدرج في تطورها بفضل سلطان الإعلام، لتنتقل من عهد العتمة المطلقة إلى عهد الضبابية بين العتمة والتعتيم، ثم تنتقل بعد ذلك إلى مرحلة التعتيم المكشوف، حتى يبلغ ذروة دوره الحيوي، ويصل إلى المصداقية في نقل الخبر والمهنية في أداء رسالته.

ففي فترتي العتمة المطلقة والضبابية، يكون الإعلام سلطانا مستبدا لا خلاق له، ولما يلج مرحلة التعتيم المكشوف، يصبح إعلاما مهيجا لا بوصلة له، فلا يستطيع المتطفلون إخفاء وجوههم، لأن آلة كشفهم دقيقة وسريعة الأداء وواسعة التأثير ي هذه المرحلة، فيما يرقى أداؤه إلى مرتبة رائد التغيير حين يدخل رحاب الشفافية المطلقة، يقبض ببوصلة دقيقة وفعالة، فيصبح عادلا في تناول القضايا ومنصفا لا مفرطا ولا مسرفا.

لذلك، لا ضير في الاعتراف بأن الإعلام يلعب دورا محوريا في تطويع الفعل السياسي، وذلك لما يساهم به في تمكين الشعب من نيل حريته، فالإعلام مقياس في تقييد نظام الحكم، فكلما كان نزيها وموضوعيا وصادقا، قيد يد الحاكمين، مما يمتن من حرية الشعب، وكلما كان مزيفا ومموها للحقائق ومتسترا على الجرائم بل مدافعا عنها، أطلق عنان الحاكمين وأضحى آلتهم الجهنمية، مما يقلص من حرية الشعب، وكلما تقلصت حرية شعب كلما تقلصت حظوظ تقدمه، حتى لو نجح عباقرته في صناعة القنبلة النووية.وما زلنا نتساءل هل نحن بمنزلة الضبابية بين العتمة والتعتيم، أم وصلنا مرحلة التعتيم المكشوف، ليبقى الجواب نسبيا، وكل يراه من زاويته.

باختصار شديد، حين نسعى إلى تلمس طريق الديمقراطية، فلنعلم أن الإعلام نبراس هذه الطريق، ونبراس طريق مظلمة عتمة، يكون بالمحصلة سلطانها، سواء كان وميضا، فلا يرى من الطريق سوى القدر اليسير، أو نورا ساطعا قد يكشف الطريق ومسيره.

– ناشط في مجال حقوق الإنسان

‫تعليقات الزوار

4
  • simo canada
    الأحد 18 ماي 2014 - 12:24

    كل سلطة تسعى الى التضييق على حرية الإعلام هي سلطة دكتاتورية تخشى الشفافية والمحاسبة، فالمبررات التي تقدمها للنيل من حرية الصحافة غايتها طمس الحقائق والتستر على فشلها،لأن الحرية هي الأصل ودون ذلك تعتيم وليس هناك مجال للتبرير

  • Mustapha Azoum
    الأحد 18 ماي 2014 - 12:33

    اينما تكون المعنى يوجد الكذب وبالتالي يمكننا توظيف المعنى
    من اجل خلق الكذب والبهتان هكذا كلام الكاتب الايطالي
    Umberto Eco كتبه سنة ١٩٧٥.
    باختصار يتم استغلال الدين والاعلام والمال من اجل بث
    الفساد والافساد في عالمنا المعاصر من هنا وجب فضح
    هاته الممارسات القذرة بصوت عال .

  • Lfadl
    الأحد 18 ماي 2014 - 16:43

    Il y a le "TCHARMIL" avec armes blanches et celui avec "LES GROS MOTS". La liberte de la presse "OUI", mais pas l'abus jusqu'a enfreindre le respect et se lancer chaqu'un dans ce qu'il lui convent, ou sert les interets de certains. Au Maroc nous n'avons pas encore atteint le niveau adequat qui nous permettrait d'aborder des sujets avec plus de raffinement. Nous devons traiter nos problemes selon le niveau de notre peuple, autrement, nous plongeons dans les forfaitures, et les demagogies. Notre PRESSE n'aiguise ses armes que contre nos Institutions, pendant que notre pays est malmene par des corrompus de l'interieur , de l'exterieur, des Organisations vendues jouant aux maitres du monde, se prenant pour des justiciers. C'est le cas d'Amnesy Internationale. Depuis notre independance, nous avons toujours eu cette MARCHANDE soudoyee sur le dos , et plus pourrie encore , allant a l'encontre de ce pourquoi nous nous battons. Voila nos vrais ennemis, sortez vos plumes, et au combat MAROCAINS

  • الباز الحكيم
    الأحد 18 ماي 2014 - 21:16

    نعم كاد الاعلام ان يكون سلطان الديمقراطية لو كانت هناك اصلا ديمقراطية على ارض الواقع ،كما ان سيادته تحول الى تاجر ومنافح عمن يدفع اكثر خصوصا لما ارتدى بدلة تعدد الالوان الحزبية وتوزعت جثة المسكين امام ابواب مقراتها وهو يمدح ويقدح ويطبل ويستعد بكل الوسائل لموسم قنص الاصوات الانتخابية وتمجيد طيفه السياسي ,اما فصيله اي طرفه السلطاني الخاص فغارق في الربح وتطبيق الاجندات دون التفاتة الى المواطن الذي هو لونه ولسان حاله ، لكنه بهذا التجاهل والتناسي ضعفت مادته التقويمية والتاديبية والاصلاحية .السلطان الديمقراطي محتاج الى مراجعة مواده والتحرر من التبعية والحزبية وخدمة مصالح ضيقة، او لاختلافات مجانية شخصية ، لان في ذلك اجهازا على حقوق المغربي، الذي يتطلع للاصلاح الفعلي والتشغيل الفعلي واصلاح التعليم والصحة والمطالبة بمحاربة المفسدين ,اننا ننتظر منك ايها السلطان الديمقراطي طرح هذه القضايا على منابرك الاعلامية وبمختلف اشكالها، بل اجعلها هي شغلك الشاغل ولا يلهيك عنها مطمع فتتجاوزها وتختزلها في مواد اعلامية رذيئة ووصفية وانشائية،بعيدة كل البعد عن هموم وامال وطموحات المغربي …..زشكرا

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس