ما الذي تريده صاحبة الجلالة؟

ما الذي تريده صاحبة الجلالة؟
الأربعاء 21 ماي 2014 - 00:37

كتبت أكثر من مرة سابقا، أن حالة “الفوضى غير الخلاقة” التي تعرفها الساحة المغربية، لن تنتهي سوى إلى مزيد من الفوضى، ذلك أن الأمور لم تأخذ إطلاقا مسارها الطبيعي، بل كنا أمام “تغيير” مسبوق بفعل أمر وبضغط على أزرار، بينما المطلوب هو أن يكون هذا التغيير نتيجة سيرورة اجتماعية (سلسلة من الإجراءات أو العمليات تتميز بتغيرات تدريجية تقود إلى نتيجة معينة).

قد يُلبس البعض هذه المفارقة لبوس “الخصوصية المغربية” المعلومة، لكن إلى متى سنستمر في التعاطي مع الواقع بعناد واستعلاء؟

إذا كان المغاربة بشرا يجري عليهم ما يجري على البشر في كل زمان ومكان، فلابد من تحديد المفاهيم أولا ثم احترام النواميس التي تحكم المجتمعات ثانيا، أما إذا صدقنا أننا فعلا كائنات من نوع خاص، لا يمكن أن يجري عليها ما يجري على شعوب الأرض، فتلك مشكلة حلها لدى خبراء علم النفس وليس مجالها الصحافة والسياسة.

لقد كشفت مناظرة “الممارسة الصحافية وسؤال الحرية بالمغرب”، التي نظمتها الزميلة “هسبريس” بشراكة مع إذاعة “هنا صوتك” الهولندية، كثيرا من أعراض حال الفصام التي يعاني منها الوسط الإعلامي وحتى السياسي، فلو أنك طرحت على أي صحافي أو سياسي أو فاعل حقوقي أو أي متتبع للشأن العام في المغرب سؤالا من قبيل : ما معنى حرية الصحافة أو ما المقصود بحرية التعبير؟ لما استطاع أن يجيبك بجملة مفيدة، ليس لأن “الحرية” أصلا مفهوم فلسفي يصعب تقديم تعريف مضبوط له، بل لأن أغلبية الذين يتداولون هذا المفهوم (حرية الصحافة) لا يتوفرون على تصور واضح لمعناه وحدوده وفواصله..

ولهذا قلت إنه من الضروري ضبط المفاهيم أولا، قبل التوسع في نقاش المضامين..

إذا استبعدنا الباحثين عن الشهرة، والمزايدين، ومن خُلقوا ليعارضوا على طريق “الحطيئة” الذي عندما لم يجد من يهجو، هجا نفسه.. ومن لا يرون سوى السواد والظلام.. فبالإمكان التوقف عند ثلاث نقط أظن أنها ينبغي أن تؤطر أي نقاش حول حرية الصحافة..

النقطة الأولى تتعلق، بما الذي يريده الصحفيون؟

إن الجواب على هذا السؤال يتطلب بداية أن نحدد من هم الصحفيون، فالمغرب من البلدان التي يمكن لأي كان فيها أن يشتغل بالصحافة، بل أن يعين نفسه رئيس تحرير أو مدير نشر، من أول رمية، ودون أن يراكم أية تجربة أو خبرة، حتى لو افترضنا أنه تخرج من مدرسة “عليا” للإعلام والصحافة.. فهل سمعتم يوما أن خريجا جديدا من كلية الطب أجرى عملية جراحية في اليوم الموالي لتخرجه؟

بكل أسف هناك هروب تلقائي من هذا السؤال، لأنه سيجر إلى نوع من “النقد الذاتي” الصريح والموجع الذي لا يريده أحد، وحبذا لو تطوعت أية جهة من الجهات وانتدبت ثلاثة أسماء لصحفيين مخضرمين يحظون باحترام الجميع في الوسط الإعلامي، ليقوموا بمهمة محددة : أن يختاروا يوما من أيام الأسبوع، ليقوموا بقراءة غلته من الصحافة الورقية والإلكترونية، وليقدموا لنا في نهايته تقريرا، عن عدد التجاوزات المرتكبة، وعن نسبة احترام قواعد العمل الصحفي، ولن نطالبهم -من باب التخفيف- بالتوقف عند شيء اسمه أخلاقيات المهنة بطبيعة الحال..

لا أطرح هذا الاقتراح من باب التحدي، بل رغبة مني في معرفة ما هو السقف الذي يمكن أن تقف عنده “حرية الصحافة”؟ وللإجابة على هذا الاستفهام، أتمنى أن يبادر أحد حراس معبد الحرية ليقدم لنا مثلا لائحة بالمواضيع الممنوع الخوض فيها، او التي تعرض صاحبها للمساءلة.. فحين تقف أمام أي كشك لبيع الصحف، وتتجول على عناوين الصفحات الأولى، لن تفاجأ بوجود ملفات عما يأكله الملك وما يشربه، وما يفعله في أوقات فراغه، وعما تلبسه الأميرات وما تفضلنه من مأكولات .. مرورا بالجيش والأمن، بل ستجد من يدعو صراحة لإقامة جمهوريات على أسس عرقية، وليس جمهورية واحدة، ومن يسب الدين والملة، ومن يدعو للتطهير العرقي، ومن لا يكتفي بوصف الصحراء بكونها “غربية”، بل يعتبرها أرضا محتلة.. وغير ذلك مما يغني عن التذكير بما تتعرض له الحكومة ورئيسها ووزراؤها من هجومات واتهامات..

يبدو لي أن هذا العنوان العريض “حرية الصحافة والتعبير”، أصبح مظلة مناسبة لممارسة القذف والسب دون حسيب ولا رقيب، بدليل أن موظفين عموميين يملي عليهم موقعهم الوظيفي -الحساس أحيانا-، التحلي بأعلى درجات “التحفظ”، أصبحوا يتبارون هم أيضا في تدبيج المقالات والتعليقات الجارحة أحيانا.. وويل لمن سولت له نفسه الاحتجاج أو الدفاع عن نفسه.. فـ”عجلة حرية الرأي” تدور وتطحن كل من يعترض طريقها..

وفوق كل ذلك، ألم يسمح بتوزيع كتاب “يوميات أمير منبوذ” دون أية عراقيل رغم كل ما تضمنه من قصص يفترض أن تظل خلف أسوار القصر؟ ألم تسقط قبل ذلك أحلام كثير من الذين راهنوا على إصدار كتب عن الملك والقصر والجيش …؟

– النقطة الثانية، تتمثل في أن الرأسمال الحقيقي لأي صحفي هو استقلاليته. ولا أقصد هنا بالاستقلالية، غياب الموقف أو الرأي، بل ألا يكون “رأيه” بوحي يوحى، أو تحت الطلب… وفي يوميات مولاي هشام وعلاقته ببعض حملة الأقلام ما يغني عن كثير من الكلام.. عن علاقة المال بالصحافيين وليس بالصحافة فقط..

إن أقوى ضربة تلقتها الصحافة المكتوبة في المغرب، تمثلت في الانهيار المفاجئ الذي عرفته بعض المطبوعات الحزبية (العلم والاتحاد الاشتراكي تحديدا) التي كانت بالفعل مدارس صحفية عابرة للأجيال.

فانهيار الصحافة الحزبية بشكل سريع، بسبب تجربة التناوب أولا، ومشاركة حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في الحكومة، وبسبب عجزها ثانيا عن التأقلم مع الواقع الجديد ومع التطورات المتلاحقة، فسح المجال أمام “مدارس أخرى”، لصحافة من نوع آخر، ترى نفسها “سلطة” فعلا، بالمفهوم المخزني للكلمة..

بكل أسف، لقد وجد جيل من الصحفيين نفسه أمام ساحة فارغة، بلا جدران وبلا سقف، بل وجد نفسه في مواجهة دولة “مترددة” تحاول التخلص من ماضيها البوليسي القمعي، وتتعامل بحساسية مفرطة مع كل ما له علاقة بـ”حقوق الإنسان”، وفي نفس الوقت تحن “أناملها” إلى عاداتها القديمة.. فماذا كانت النتيجة؟

عوض أن نكون أمام صحافة مهنية حقيقية تعكس تطلعات الرأي العام، وتمارس رقابة من نوع خاص على صناع السياسة، وجدنا أنفسنا أمام أدوات قابلة للاستعمال بشكل يسيء إلى صورة وسمعة كل حملة الأقلام في هذا البلد.

أما الضربة الثانية فتمثلت في صمود “جيوب مقاومة التغيير” داخل قلعة الإعلام العمومي.. ولا يحتاج الأمر هنا إلى تفاصيل ولا إلى تكرار ما يعرفه الجميع.. لكن لنستحضر كيف أن “مستخدمة” فشلت في إدارة قناة عمومية بشهادة الأرقام والإحصائيات والواقع، تعلن صراحة أنها “تعارض” الحكومة، وتهدد بأنها “صديقة” للملك.. نقطة إلى السطر..

ولنستحضر كيف أن إدارة “قطب عمومي” رفضت الانصياع لحكم قضائي مستعجل، وبررت ذلك بـ”طول المشوار” بين مكتب الضبط ومكتب الرئيس.. وكأنها خارج زمن الهواتف النقالة والأنترنيت وثورة المعلوميات..

إنها نتيجة حتمية لاصطفاف الجميع ضد دفاتر التحملات، التي كان ينبغي تنزيل نسختها الأولى لترسيخ مبدإ اختصاص الحكومة بوضع السياسات الإعلامية.. وبعد ذلك كل شيء قابل للتعديل والتصحيح والنقاش..

النقطة الثالثة والأخيرة، يختزلها سؤال : ما هو دور الصحافة؟

قد يبدو هذا السؤال سهلا لو طرح على المستوى النظري، لكنه على المستوى العملي معقد ومتشعب بل أكاد أجزم أنه من المستحيل الإجابة عليه؟

قد نتفهم المواقف الحادة والقطعية للصحف الحزبية، سواء كانت من الموالاة أو محسوبة على المعارضة، فالمواقع السياسية تتحكم تلقائيا في المواقف الإعلامية..

لكن كيف نفسر أن صحافة “مستقلة” تحمل مثلا، الحكومة مسؤولية كل الشرور، بل إنها من أول سطر إلى آخر كلمة في أي عدد لا ترى سوى الإخفاقات؟ ألم تسجل الحكومة الحالية ولو حسنة واحدة طيلة الشهور الماضية؟

بطبيعة الحال هناك أيضا صحافة “مداحة”، لكن “مدحها” يظل نسبيا في كل الأحوال، ومشوبا بالنقد بين الفينة والأخرى.. وفي الحالتين معا، فإن “الموضوعية” هي الضحية الأكبر..

السبب في هذا “التخبط” يكمن في إشكالية عامة عرفها المشهد المغربي منذ نهاية التسعينات، تمثلت في “سوء فهم” الحدود والصلاحيات والاختصاصات..

فقد رأينا جمعيات تعتقد أنها ليست مؤهلة لتنوب فقط عن الجماعات الترابية، بل يمكنها أن تعوضها، كما رأينا صحفا تعتبر نفسها بديلا للأحزاب السياسية، وحتى للمؤسسات الدستورية…ورأينا تلفزة عمومية تحاول لعب دور المعارضة خاصة بعدما تقهقرت هذه الأخيرة ولم تعد لها أنياب أو مخالب..

وقد نتخطى كل هذا “اللعب” السياسي والإعلامي حين تكون ساحته “الشؤون الداخلية”، وصراع المواقع واللوبيات، ففي الحروب القذرة لا يسأل المتحاربون عن نوعية الأسلحة، لكن حين يمس هذا “اللعب” بالمصالح العليا ، فهنا لابد من قرع الأجراس.. خاصة حين تتحول بعض الكتابات إلى شهادات تسيء للمغرب وتمس بحقوقه..

رحم الله السيدة علياء الصلح التي كثيرا ما ردّدت كلمات والدها الزعيم رياض الصلح: “يجب أن لا يكون للحرية جدران.. إنما يجب أن يكون لها سقف.. وسقفها هو أمن الوطن”.. لكن من يفهم هذا الكلام؟

http://facebook.com/my.bahtat

‫تعليقات الزوار

8
  • البوزيدي ، نصف حقيقة
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 01:33

    " وجدنا أنفسنا أمام أدوات قابلة للاستعمال بشكل يسيء إلى صورة وسمعة كل حملة الأقلام في هذا البلد" " صحافة من نوع آخر، ترى نفسها "سلطة" فعلا، بالمفهوم المخزني للكلمة" ، استنتاجات صحيحة مع الأسف ، لكنها لا تشكل إلا نصف الحقيقة ، ألا ترى معي أن استعمال الصحافة المأجورة لم يجد نفعا مع هذه الحكومة الاستثنائية الجاثمة على صدور المفسدين ومن يحن إليهم ؟ أية سلطة يمكن أن يمارسها إعلام منحط ، متنابز ، سخيف ، مفضوح ، صبياني ، إباحي ، عرقي ، مخنث ، لا أخلاقي ؟ أم أنك ترى استثناءات تذكر؟

  • AnteYankees
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 05:53

    هناك من الصحف التي لا تعرف حدود الحرية و إلي أين يمكن أن تصل بها. بل هناك من لا يفقه خطورة الكلمة. لذا ستجده يتطرق بعدم الاكتراث و بجرأة لمواضع تمس الأمن الوحي و الجسدي للمغاربة بعدما تحطم جدار الجنس. ستجد من يدعو لإقامة جمهوريات متعددة على أسس عرقية، وتجد من يسب الدين والملة في إمارة المؤمنين، ومن يدعو للتطهير العرقي في أرض يسمى المغرب، ومن لا يكتفي بوصف العرب بأرذل الأوصاف، بل يعتبرهم محتلين للمغرب… وغير ذلك مما يغني عن التذكير بما يتعرض له المواطن العادي من اغتراب ببلده. فإني أجزم أن الغاية غير بريئة لمن له أداة التحكم لما آلت له حرية التعبير ببلاد 96٪ من عديمي الإطلاع عما ينشر بالصحف الورقية!!! إن التطبيل للعشق له مآل الزوال عند بزوغ الفجر و ذهاب الليل، فيا من تضن أن العاشق ولهان للأبد عليك الاستدراك للنجاة قبل فوات الأوان.

  • Almohajir
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 09:02

    هذا حنين دفين الى الماضي حنين الى خطبة السيد بن ددوش واستاذنا الكبير السيد مصطفى العلوي. هل تتذكرون برنامج "قالت الصحافة" وبصوت مرتفع ومزعج وكذلك مخيف

  • jaouad
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 09:36

    ليس في المغرب وحده حتى الدول التي تدعي حرية الصحافة والديمقراطية توجد فيها خطوط حمراء

  • القانون
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 11:07

    هناك صحف عالمية امريكية قبل نشرها لسبق صحافي يعرض مصالح افراد او جماعات مادية او معنوية للخطز الا وتستشير مختصين قانونيين .في حالة ما ادا كانت هناك متابعة .لا تفكر في الاحتما ء بقانون الصحافة او حريتها فقط ويمكن العودة متلا الى قصية او فضيحة وترغيت .وهنا نتدكر اخطاء قانونية ارتكبتها احدي الوزارات .مباشرة قام الحسن التاني بتعيين مستشار قانوني لكل وزارة .ان الصحف الكبرى تتوفر ايضا على مستشارين قانونيين .اما عندنا في المغرب فالمقالات الخارخة عن القانون هي المرحب بها عند القراء .وهدا اللاخيرهو ملك ملوك الصحافة

  • أمين صادق
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 13:00

    يا رب … ساعدني أن أقول كلمة الحق في وجه الأقوياء ولا أقول كلمة الباطل في وجه الضعفاء ، وأن أرى الناحية الأخرى من الصورة ، ولا تتركني أتهم خصومي بأنهم خونة لأنهم اختلفوا معي في الرأي !

    – رابندرانات طاغـور –

  • شاكر لله
    الأربعاء 21 ماي 2014 - 13:48

    نردد معك نفس السؤال من يفهم ذلك وعلى كل واحد ان يبدا بنفسه ولاينسى ان سقف الحرية هو امن الوطن لو تجذر في كل الانفس هذا الوعي لما كان هناك عبث وما كان هذا السوء الفهم بين كل المكونات لحقل لم يتم تحليل تربته جيدا قبل ان يحرث المجال خصب وبكر لكن الذين يغوصون فيه يعتبرون ان لايمكن ان يكون لمقال صدى الا بانتقاذ وكانه هو الشخص الوحيد الذي اتاه الله حكمة في هذا الوطن وان لم يفعل في المقال يقوم باختيار عناوين لاجتذاب الانظار
    صحفيونا مثل سياسيونا عليهم ان لاتكون في كرشهوم لعجينة وان يكون لسقف طموحاتهم حد ينسجم مع قدرهم حتى لايتيهون في اللعب على كل الاحبال نتفهم اننا مبتدؤون ولابد ان تحفل الساحة الاعلامية والسياسية بمن اتوا لهما عن طريق اتلخطا

  • anass malaga
    الخميس 22 ماي 2014 - 10:18

    tu dit seulement la verite et rien que la verite

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز