فردة حذاء أو يوميات الموت

فردة حذاء أو يوميات الموت
الجمعة 17 شتنبر 2010 - 23:59

الصورة، المؤثثة باستمرار للعالم العربي، تلك التي رسمته قابعا تحت مسامير حذاء عسكري ضخم يجتم على روح الجميع . طبعا، التفسير الوحيد الذي تشع به نحو الأفئذة و الأذهان، حالة القمع المهولة المسوغة لمصير المواطن العربي، وتعتقله في وقائعه ومشاعره وأحلامه وآهاته وأزمنته الماضية والمستقبلية.



لكن الفضائيات ، ستنحت أيضا صورة ثانية، تعكس مسيرة سفينة الموت التي تمخر عباب النزيف العربي، أقصد بذلك صورة ما وقع عليها تبئير فردة حذاء أو نعل، تناقلتها المحطات الإخبارية عبر العالم، بعد حادثة موت غير قابلة حتى للحكي، التهمت ما يكفي من الحرث و النسل، جراء قصف أمريكي دموي أو تفجير انتحاري طائفي، ثم يبقى الشاهد . تحترق الجثت الآدمية ، وتتفحم، وترش بالأسيد، كأنها بقايا لحم حاملة لفيروس فتاك. لكن، فجأة ومن قلب المحرقة تتسرب قطعة جلدية أو بلاستيكية، كي تشي بالجريمة و تصنفها ضمن سجلات التواريخ السوداء . الضمير الإنساني لا ينسى قط ، وهو يمرن ذاته على الوخز كي يدوم لا نهائيا.


يتضخم، حيز فردة الحذاء ، إلى أن تكتسي الرؤى قاطبة ، تبتلع كيان بلد بأكمله . لذا، فما العراق اليوم؟ إنه مقبرة بشرية متحركة، تخبر عن عتبتها كومة أحذية متناثرة . موت، ثم موت ، فموت ، هي أمريكا إذن؟؟ كوكب من الدم ، ولادة قيصرية، ومجيء إلى هذا العالم خطأ.ورطنا كولومبوس وإن بغير قصد . لن تصير عالما جديدا ، بل رب أمريكا ولا خير من ميعاد واحد . تتنفس دما، وتقتات دما، وبين الدم و الدم حكاية أمريكية ما. لا يوجد شعب فوق هذه الأرض، لم تستحم أمريكا بدمه.


قبل 20 مارس 2003، أشعلت أمريكا حد الاحتراق أسطورة رجل اسمه صدام حسين وجيشه ومخابراته ومدافعه وعملائه وجواسيسه ، فأضحى نظامه فوبيا حقيقية، يقض مضجع الغرب ولا ينام من هوله العرب، تنمو في بلده الرؤوس النووية كالفطريات، سيجمع الخليجيين ويلقى بهم جميعا في حظيرة للدواب كي يختفون إلى الأبد ، وسيصبح امبراطورا لكل المستضعفين . أما الإسرائيليون، فسيطحنهم ويصنع من تلوثهم لحما و شحما للأسود و الفهود التي تزأر غضبا داخل قصور ابنه عدي … !!. انطلت شهب النزوات الهوليودية على أهل ” الحكمة” العربية، أو في حقيقة الأمر استغبوا عمدا أنفسهم للانتهاء شر نهاية ، من “الولد الشقي” الذي أتعبهم كثيرا بتنطعه وهواجسه وهلوساته وعجرفته، بينما إخوته العرب قد استكانوا إلى حياة صغيرة جدا.


استبشر الإخوة بأمريكا، وتبادلوا التهاني فرحين. فأمريكا هي الثورة، ولا حزن مع أمريكا. أرسلها، الرب في طريق صحراء العرب رحمة بهم ، بعد أجيال طويلة من الجور و الظلم و التنكيل بالناس من قبل أنظمة سياسية تعيش تماما خارج دورة التاريخ . إذن، أمريكا ستلقي بهؤلاء الأوغاد في البحر، وتولي علينا من يخافنا لأنه يخافها.


مرت سبع سنوات، لم يتم تنصيب تمثال الحرية وسط بغداد ولا في مقاطعة من مقاطعاتها. كل ما حدث، أن أمريكا حسب التعبير المصري ” خربتها وجلست على تلها” أو كما نقول نحن المغاربة ” لا حمار ولا جوج فرانك”.


هكذا، باسم التحرير الأمريكي، اختفى من ذاكرتنا وإلى الأبد، ما كان يسمى بالجمهورية العراقية ، بحضارتها الموغلة في القدم وعلومها وآدابها وذكائها وجمالها…، وأحلوا محلها ببساطة حفرة من حفر جهنم .


لم يعد من مسلك لمعرفة هذا السابق عراقا متمدنا ، وحاليا عراق التعتيم و العماء والظلامية و العقائدية القاتلة و العصبية و الطائفية و الشرذمة و الجماعة و الأقلية و القبيلة و العشيرة و الزمرة…، غير ما يحدده انبعاث حذاء هنا أو هناك.


ما من شك، في استبطان الجغرافية لمعانيها بالتاريخ، بيد أن مدى العراق الأمريكي قد أخل بهكذا قاعدة ، وتقطعت أوصاله إربا إربا ثم طويت صفحته إلى غير رجعة ، بتنكيل من التاريخ الأمريكي اللقيط الذي تلبسه عاصفة من الجنون ، تفوق هول إعصار كاترينا زمجرة و عنفا، كلما تعثرت تقارير ملفات استخباراته، بين نتوءات فطنة وبهاء شعوب غنية شديد الغنى بدواخلها.


أما، عن الإعلان الأمريكي الرسمي، بشروع وحدات جيشه في التراجع، فقد رسخ من جهة بشكل لا رجعة فيه، ثابت القوة وكذا النشل بين شعوب العالم المعاصر، بالتالي لا منظمة للأمم ولا مؤسسات دولية، ولاهم يحزنون. ثانيا، يعيد إحياء عناصر القضية بناء على متوالية لغوية تجمع بين السفسطة و التوليد اللغوي التائه: دخلوا؟ خرجوا؟ ولماذا دخلوا؟ وكيف لهم أن يخرجوا؟ وحين يخرجون متى سيدخلونها ثانية؟ وأين وكيف؟ هل الخريطة ذاتها ، كما أرادها صقور المحافظين الجدد، بمعنى العراق وسوريا وإيران ثم يسقط تباعا ما تبقى كأوراق الخريف؟ أم تغيرت الخطة؟ خاصة، أن استسهال المداخل ، وسوء التقدير كما فضحه النموذج العراقي، لن يراكم مزيدا من الفوضى الخلاقة، بل سيسرع لا محالة أكثر من ذي قبل في انهيار أمريكا . مع ذلك ، أي شركة للتأمين؟ سيطرق بابها أصلاء العرب، قصد المطالبة باستعادة العراق وتعويضهم عن “الهولدوب” Hold-up الذي جرى ذات واضحة نهار . لقد تصدعت ، الأرض إلى نصفين وابتلعت هذا البلد .


من بوسعه حاليا ، مع أحلك ظلمات كوابيسه، مجرد التفكير بأنه وطأ شبرا من العراق ، وهو الذي كان سابقا قبلة لتجار الذهب و الباحثين عن الغنائم . أمريكا، التي اقتحمت وتراجعت بجرة خطاب من طرف بوش ثم أوباما الذي كلف نفسه عناء التشدق بحزمة متواليات لغوية أبدى من خلالها افتخاره بعساكره وتضحياتهم الجسيمة ، ثم كفى الله العراقيين شر القتال . وكل تغييرمقبل ، وأنتم على سطو مسلح !!


لم يُترك فقط مصير العراق إلى أنياب الذئاب كما جاء على لسان طارق عزيز ، لكن خاصة فصيلة نادرة جدا من الضباع ، لأنه ما تبت أن وجدت حركة سياسية لبلد مقاوم، بهذا الفقد لأدنى شعور بالانتماء للوطن والدود عنه ، كما هو حال الذين فضلوا امتطاء ظهر الدبابات الأمريكية للتبشير بالعهد الديمقراطي ، وتثبيت أسس تجربة سياسية مغايرة لما أرساه صدام حسين. بيد، أن الأخير على الأقل ، أظهر وطنية صلبة ، حتى آخر رمق من حياته.وأرسى دعائم بلد علماني يسمو على كل عفن طا ئفي.


إذن ، سواء المالكي أو علاوي وكذا مرجعيات عمائم الشيعة …، كل فريق منهم يخدم أجندة أجنبية أو طائفية، لذا كان حتميا استعصاء الإعلان عن اسم الوزير الأول ، بعد مرور ستة أشهر على إجراء الانتخابات. وتبين للجميع، أنه لا قيمة تذكر لإرادة الناخب العراقي، الذي أضحت قيمته من قيمة هندسات حذاءه، المرتهن بمزاج المحاصصة الطائفية و البحث عن مراكز الوجاهة و الثراء ، وتحاشي ساسته للمواقع التي تكثر مسؤولياتها ويقل مردودها.


العراقيون، كانوا على شفا هاوية، فسقطوا في أضعاف أضعافها، ربما يترحمون داخل قيرورة أنفسهم ، بالرغم من كل شيئ على أيام الماضي. لقد أظهرت لهم الخديعة الأمريكية ، الجنان الفيحاء وسط مستنقعات للتماسيح.


ونحن نقلب بعض جذور المشكل، يجدر بحق أن نصرخ بهستيرية في وجه أنفسنا قبل العالم ، ما جدوى استعادة الكويت وتضييع العراق؟ إننا يتامى بدون العراق.


[email protected]

‫تعليقات الزوار

3
  • oumrrakwch
    السبت 18 شتنبر 2010 - 00:03

    أنا لست يتيما بدون العراق…. لدي وطني لدي أرضي لدي تاريخي……… لا أحتاج إلى الإنتماء لأمة عربية أو غربية أو……

  • الخنساء
    السبت 18 شتنبر 2010 - 00:01

    نعم انا ابنة الريف الاصيل احس باليتم واعترف دون العراق الحبيب هدا البلد العزيز الدى كان بالامس القريب بلد العلم والعلماء كما كان الوحيد بين اقرانه من تخطى شبح الامية والجهل واشعر بغصة حين تطلعنا الفضائيات عن احصاء مفجع لمن يملك درة من الانسانية عن نسبة الامية التى تعشعش في عراق العز والشموخ ولا عجب ان اعلنت الادارة الامريكية عن انتهاء مهمتها فالمهمة حقا منتهية ما دام الشعب العراقي نصفه او معظمه يعاني الجهل و الجوع والمرض كما اصبح فيه اساتدة جامعات يمسحون درج العمارات لسد قوت يومهم وقد ضاقت عليهم الارض بما رحبت في بلد غطى فيه الدم على كل شئ واقول لمن يصر على عدم رؤية الحقيقة اين جمال دجلة والفرات اين جمال بساتين النخيل اين جمال ضحكة الفلاح العراقى ولست ادافع هنا عن النظام السياسي البائد فاهل العراق هم من يترحمون على ماضيهم وهم ادرى بشعابها كما اشكر الكاتب على هده الالتفاتة في وقت كدنا نألف هده المناظر الدموية في شوارع بغداد فلم نعد نشمئز ولم تعد تثيرنابقايا احدية ملطخة بالدم ونسينا ان الاحدية لبقايا ارجل آدمية شكرا مرة اخرى وبالتوفيق .

  • aprestoutquoi
    السبت 18 شتنبر 2010 - 00:05

    قدرنا نحن العرب في هذا الزمان أن نتباكى على ما كان ونتناسى ما يجب أن يكون. قدرنا أن يستهان بنا فنهان ونطأطأ الرأس لمن يهون. قدرنا أن يرتابنا الشك فيما لدينا من الإيمان ونسلم أننا من فئة البدون. قدرنا هذا ليس له من عنوان سوى أنه ضرب من الجنون…قدرنا إن كان حقا قدرا هو أن نكون كمن لايكون. كفانا بكاء على الأطلال وموتانا يسقطون مليونا بعد مليون. كفانا هراء فنحن منهزمون منهزمون منهزمون.

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب