خطاب 15 سنة لمحمد السادس

الخميس 31 يوليوز 2014 - 22:18

في سابقة من نوعها، استخدم العاهل المغربي محمد السادس في خطاب عيد العرش – عيد الجلوس – للعام 2014، حزمة من “التراكيب الجديدة” التي تكشف عن تجديد في أسلوب بناء خطابات الملك، فاستخدام تعبير من قبيل “وقفة تأمل وتساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية” لعقد ونصف العقد من الحكم، تعكس إيمانا بـ “ثقافة الاعتراف” بأن كل شيء ليس على ما يرام في المغرب، وأن كل شيء أراده الملك لبلده وشعبه لم يتحقق بعد، وأن المفهوم التاريخي “للجهاد الأكبر” لا يزال مستمرا من الجد محمد الخامس إلى الابن الحسن الثاني، فالحفيد محمد السادس.

مارس العاهل المغربي “أسلوب الصدمة” في خطب كثيرة خلال السنوات الماضية، ففي خطاب غشت/ أغسطس المنصرم، في ذكرى ثورة الملك والشعب، فصل الملك محمد السادس طويلا في فشل التعليم في المغرب، وفي خطاب افتتاح السنة البرلمانية في أكتوبر الماضي، تحدث عن فشل تدبير مدينة الدار البيضاء، أكبر مدينة مغربية، واستنهض النخب البرلمانية، فالاعتراف بكل صراحة، وتسمية الأشياء بأسماءها، أصبح “أسلوب ملك” في مخاطبة شعبه المغربي.

فبعيدا عن “خطاب التمجيد” لما حققه المغرب من “تراكمات إيجابية”، منذ وصول العاهل المغربي محمد السادس إلى الحكم – العرش – في نهاية تسعينيات القرن الماضي، أعلن الملك المغربي أن خطاب عيد العرش – عيد الجلوس – هو “وقفة تأمل وتساؤل مع الذات” بكل “صراحة وصدق وموضوعية”، هذا يعني أن “الروح المؤسسة” لدستور صيف 2011 تجد لها تنزيلا ـ تطبيقا عمليا ـ في “منطق تركيب الخطاب” أي “التغيير في ظل الاستمرارية” و”الإصلاح بالملكية ومع الملكية”، فالرأي العام الغربي مقتنع أن الملك منذ “جلوسه على العرش” قدم مبادرات غيرت المغرب إلى الأبد، ودفع كل “الأوراش الكبرى” بسرعات إنجاز لا سابق معرفة للرباط بها.

ففي سلسلة “الاعترافات الملكية” بالواقع المغربي، إقرار العاهل محمد السادس أن “الإنجازات مهما بلغت” فـ “ستظل دون ما أرتضيه” للشعب المغربي، ما يعني عدم الارتكان إلى ما “تراكم من إيجابيات” ومواجهة واقع يشاهده الملك في “جولاته السنوية” كل عام في “المغرب العميق” الذي لا يزال لا يستفيد من “ثروة المغرب”، وهذا إقرار تاريخي من الملك وغير مسبوق.

كما أن اللجوء إلى استخدام “منطق التساؤل” في الخطاب، يكشف في قراءتي، أن “أسلوب الحكم” القائم على “سياسة القرب” من كل المغرب، مكنت الملك من الوقوف على حقائق ومشاهد، لم تنقلها “التقارير الرسمية” وأن “ربط المسؤولية يالمحاسبة” كمنطلق للدستور المغربي الحالي “قناعة للملك”.

فبالرغم من مشاريع برنامج محاربة الفقر الذي يحمل رسميا اسم “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية”، لا تزال الأمم المتحدة تعترف بالمغرب “تلميذا كسولا” في التنمية، ما يعني أن المغرب لا يحتاج إلى تنمية أو نمو حالياً، بل في حاجة لتحقيق ما أسميها بـ “المعجزة المغربية الممكنة”، فالمملكة لها من الإرادة السياسية للملك محمد السادس، ومن “تراكم الفعل” ما يكفي لتحقيق حلم “القفزة الكبيرة في النمو”، فكيف ذلك؟

لا زلت أتذكر مدينتي طنجة، في تسعينيات القرن الماضي، “نموذجا مغربيا متقدما” في ضعف واهتراء البنية التحتية، وهزالة الخدمات التي تقدمها الدولة المغربية للمواطنين، في هذه المدينة التي تلقب بأنها عروس الشمال، لم نكن كجيل مراهق وحالم، نتوقع يوما أن تصلنا “الطريق السيار”,

فأتى العقد الأول من القرن الحالي، ليكشف عن “طفرة في كل شيء” في مدينة طنجة، وكلما زُرت المدينة، الواقعة في غرب شمال المملكة، على البحر الأبيض المتوسط وعلى المحيط الأطلسي، قادما من مدينة الدراسة والعمل لاحقا، العاصمة الرباط، أكتشف أن مدينتي تتغير صوب الأفضل، ليس هذا “تمجيدا مجانيا” ولكنها “صورة واقعية” يعرفها أهل طنجة جميعا.

فنموذج مدينة طنجة، يمكن أن يتحول في المغرب إلى “أسلوب دولة” بقيادة الملك محمد السادس، بعد تفكيك المغرب المتمركز على الرباط إداريا، وتنازل النخب السياسية والحزبية عن حسابات بالية مرتبطة بالانتخابات وبالامتيازات وبالمعارك الكلامية التي لا تنتهي، إلى أقاليم – جهات – تمتلك “قرارات إدارية واسعة” تحت مظلة “وطن واحد”، لتعمل كل منطقة على التنافس على النجاح لإصلاح الحال والاقتصاد، وتنمية كل قرية لا تزال تئن في القرن الحادي والعشرين تحت وطأة الفقر، وتعاني ومن التهميش والعزلة.

فخلال سنوات مرت، رافقت مبادرة محاربة الفقر عبر كل المغرب، ووقفت على محاولات فيها النجاح وفيها الفشل، لإرادة المملكة في الذهاب صوب المستقبل، فأن تفتح وزارة الداخلية أبوابها للصحافة، لتراقب عن قرب ما يتم إنجازه في المبادرة، التي تحمل لقب “ورش ملكي”، أعتقد أن هذا “تغيير راديكالي” في تفكير من تلقب بـ “أم الوزارات” تاريخيا في المغرب.

لا أومن بمقولة “الاستثناء المغربي” أو “النموذج المغربي”، فكمواطن “فخور بوطني” بإيجابياته وسلبياته، وأومن بـ “تراكماته الإيجابية”، وأعرف جيدا أن هنالك “ملفات عالقة” تحتاج لإصلاح، وأولها مجال عملي المهني الإعلام والصحافة والنشر، لأن كل تجربة لدولة في “التراكم الديمقراطي” مثل المغرب، تحتاج إلى “صحافة مهنية وموضوعية” قادرة على “ممارسة المرافقة” بعيدا عن خلط المهنة بالنضال السياسي الضيق مع أخذ المسافة المهنية من السياسي ومن صانع القرار الإداري.

ففي خطاب عيد العرش – عيد الجلوس – الـ 15، إعلان من العاهل المغربي لـ “جيل جديد من التحديات” بجرعات إضافية من مواجهة واقع المغرب، بعيدا عن تقارير تحاول أن تتحدث عن الإنجاز، بعيدا عن منطق “البرامج المرحلية” و”المخططات الخماسية أو العشرية” لأن الوطن ليس أرقاما بل مواطنين، تتغير حياتهم، وأعتقد أن الاعتراف بالواقع كما هو، أول النجاح في تقديري، فيما الباقيات الصالحات فخير للجميع داوماً.

‫تعليقات الزوار

6
  • JOUBA
    الخميس 31 يوليوز 2014 - 23:43

    إنْ أُرِيدُ إلاَّ الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْهِ أُنِيبُ} [هود: 88].

  • marrueccos
    الجمعة 1 غشت 2014 - 12:21

    كثرة الإصلاحات تقتل الإصلاح ! كثرة القوانين تقتل القانون Stop reforme ملخص خطاب الملك والمرور إلى تقييم وتثمين ما أنجز ! ليس بعد 15 سنة فقط ؛ إنما لمرحلة ما بعد الإستقلالل مباشرة ! وهو ما أجمله في مصطلح " الرأسمال غير المادي " !!!
    الكل يجمع أن لدينا من القوانين ما يضاهي أكثر الدول ديمقراطيا ! والكل يجمع أيضا أننا نعاني من تطبيقها تطبيقا سليما ! وهو ما يعاب على المغرب ! جاءتنا سابقا وفود من بولونيا ؛ بلغاريا ؛ كرواتيا ؛ رومانيا … بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي لتستفيذ من شراكتنا مع الإتحاد الأوربي ! وتم لها ذلك فلم تستفذ فقط بل تخطتنا بأن إندمجت كليا مع الإتحاد الأوربي في ما بقينا نحن في حالة الستاتي كو ! لم نحسم في تحالفاتنا الإستراتيجية ! لا نحن مع أوربا ولا نحن في مرتبة كوريا الجنوبية ! نخبنا السياسية سيزيفيون في صراع أبدي لبلوغ قمة العروبة لا هم أدركوها ولا هم أعلنوا إستسلامهم لعجزهم ! مستقبل المغرب مع علاقاته بأوربا والإتجاه بعد ذلك غربا ! الأطلسي بعدنا الإستراتيجي الغربي ومنه نعبر إلى ٱسيا عبر باناما !!! لكننا نعاني من سداد الٱفاق محدودي الخيال !

  • sa3d
    الجمعة 1 غشت 2014 - 13:59

    أتمنى من الصحافة السياسة أن تحدو حدو الملك وتلخص ما نجاح وما أخفق فيه محمد السادس في الخمس عشرة سنة الماضية, بصراحة وموضوعية عوض المدح فقط.

  • قارئ عابر
    الجمعة 1 غشت 2014 - 16:02

    مجرد خطاب .لم يبق بعد النهب الذي تعرضت له هذه الثروة عبر ستين سنة من الاستقلال،عفوا (الاستغلال) لا غير.هناك أذناب الاستعمار التي استفادت في هذه الفترة وراكمت ثروتها في غياب سلطة وطنية بالإضافة إلى نهب المستعمر من غير محاسب كل الثروات الطبيعية وخاص الفلاحية والمعدنيةوالبحرية. للنظر إلى ثروات اكبر أغنياء المغرب وفي مقدمتهم كبار رجال الدولة ورؤساء المقاولات وحتى الأحزاب السياسية التي تجعلهم في الجوزاء والمواطنين البسطاء في أعماق الأرض.عزاؤنا لكل من ينتظر من هذا الخطاب نصيبا من هذا الغنى الرقمي الذي حرم منه أباؤنا قبلنا وسيرث نفس الوضع أبناؤنا وحفدتنا كما ورثناه عن أبائنا.وكم يلزم من الزمن لتغيير العقليات لنصل إلى ما يحلم به هذا الخطاب؟!

  • يجب كنس المحيط
    الجمعة 1 غشت 2014 - 16:49

    الملك أصبح يمارس نقدا ذاتيا بينما المسؤولون ووسائل الإعلام والجهاز المخزني كله يؤله الملك كدبا ونفاقا وطمعا ،إنه المسخ بعينه
    على الملك أن يتخلص من كل أؤلائك المنافقين الكدابين الإستغلاليين ،الذين يبدون طيبوبتهم وجديتهم وإنسانيتهم ثم يمارسون فرعونيتهم عندما يكون المواطن الأعزل أمامهم
    ما لم يتخلص الملك من "مسامر الميدة" المنافقين المستغلين فسيقع للمغرب ما وقع لسيدنا سلميان والذي وافاه الأجل المحتوم وبقي واقفا متكئا على عكازه إلى أن أكلته ألأرضة ليسقط على الأرض ليكتشف الإنس والجن أنه مات مند أمد بعيد

  • loutfi
    الجمعة 1 غشت 2014 - 21:56

    اتمنى من اعماق قلبي ان تكون الصراحة والشجاعة والنزاهة في تقويم السياسات والمبادرات الملكية لان النفاق والتزلف والتملق هو اكبر خيانة للوطن وللملك
    نعم الملك مبجل ولا تنتهك حرمته وهو محبوب وموجود في قلوب المغاربة جميعا
    لكن لابد من الادلاء بشهادة صادقة من اجل الملك ومن اجل الشعب ومن اجل التاريخ

    شكرا

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة