اتحاد علماء المسلمين وتنظيم داعش

السبت 2 غشت 2014 - 22:59

خلال شهر واحد غير الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين موقفه مما يجري في العراق مرتين. وبحسبان الاتحاد بمثابة مرجعية فوق وطنية يحاول أن يحل محل المؤسسات الدينية المحلية عبر صياغة مواقف دينية جامعة، كتعبير عن الوحدة “الدينية” للمسلمين تعويضا عن الوحدة السياسية، فقد لوحظ أنه في موقفه إزاء تطورات الأحداث في العراق ذهب مذهبا مخالفا للمواقف السائدة في جل مناطق العالم الإسلامي، ولكل المؤسسات الدينية والعلماء، التي رأت فيما يحصل هناك من طرف جماعة”داعش” انحرافا عن مقاصد الدين الحقيقية وتغولا باسم الإسلام، بعد إعلانها ما سمي بالخلافة الإسلامية.

في منتصف شهر يونيو الماضي، عقب إعلان الخلافة المشار إليها، نشر الاتحاد بيانا مستعجلا اعتبر ما حصل نوعا من “الثورة الشعبية” في الموصل، وردا على سياسة نوري المالكي الطائفية، أما الدليل الذي جعله يخلص إلى ذلك الاستنتاج فهو أنه لا يمكن لفصيل ـ والمقصود هنا تنظيم(داعش) ـ “مهما كانت قوته أن يسيطر على مدينة كبيرة يسكنها قرابة أربعة ملايين نسمة”. وفي الواقع نسي الاتحاد أمرين أساسيين: الأمر الأول أن هذا ليس جديدا في حوليات التاريخ السياسي للميليشيات التي تنجح في السيطرة على مناطق يفوق عدد سكانها عدد سكان الموصل، والثاني أن السياسة الطائفية للمالكي لم تولد مع تنظيم”داعش”، ولكن الذي ولد مع هذا التنظيم بالفعل هو المعادلة التالية: أنه بعد تمكن النظام السوري من البقاء على غير المتوقع أصبح واضحا أن إيران ستأكل سوريا كما أكلت العراق، وبذلك نصبح أمام قوس شيعي يضم البلدان الثلاثة علاوة على حزب الله في إيران، ولكسر هذا القوس كان لا بد من سحب العراق من إيران، لذلك لم تتضح طائفية المالكي إلا عندما اتضح أننا ماضون نحو هذا القوس.

لكن الاتحاد لم يفطن لهذا الجانب السياسي، أو ربما فطن له وأراد أن يكون موقفه داعما لموقف البلدان التي لا تريد قوسا شيعيا في المنطقة. ولذلك سارع إلى اعتبار دخول تنظيم”داعش” إلى الموصل “ثورة شعبية”، مع أنه يعرف أن جزء واسعا من مقاتلي هذا التنظيم لا ينتمي إلى العراق، وأن التنظيم يتكون من عدد من الآفاقيين الذين يقاتلون تحت راية التنظيم دفاعا عن رؤيته الدينية والإيديولوجية، ولا يرتبطون بقضية وطنية بقدر أن ارتباطهم متعلق بقضية ذات صيغة دينية، ومن ثمة تسمية”الخلافة الإسلامية”التي أعلنوها، زد على ذلك أن هذه الدولة الجديدة المعلن عنها لا تضم العراق وحده، بل تشمل أجزاء من سوريا، وباب التوقعات مفتوح في حال استمرار الوضع الحالي. وقبل أشهر نشر التنظيم خارطة بالمناطق التي كان ينتوي ضمها إلى مشروعه السياسي اللاحق، وهي تضم عددا من البلدان في المنطقة، ولا ندري كيف غابت هذه الفكرة عن الاتحاد فاستعجل إصدار بيان يعتبر فيه ما حصل ثورة شعبية، بل”ثورة عارمة للسنة في جميع محافظاتها”، وحتى لو جاز ذلك فهي على الأقل ثورة شعبية تمت سرقتها من طرف التنظيم.

وما إن بدأت عملية طرد المسيحيين العراقيين من الموصل من طرف”الخلافة الإسلامية” حتى عاد الاتحاد إلى مراجعة موقفه السابق، حيث أصدر بيانا ثانيا يعتبر فيه أن تنظيم”داعش” افتأت على المسلمين”بإعلانه الخلافة المزعومة”، وطالب التنظيم بالسماح للمسيحيين بالعودة إلى ديارهم، لأنهم أبناء العراق الأصليون وليسوا دخلاء عليه، ولأن ما يجري محاولة لإدخال العراق في الفتنة.

مثل هذا التغير السريع في المواقف من لدن هيئة عالمية تمثل صوت العلماء في العالم الإسلامي ـ مع بعض التحفظات ـ يزيد الطين بلة في الوضع الحالي الذي يجتازه الدين الإسلامي بين المناوشين والمتهارشين، ويمنع من القول بأن الدين يمكن أن يكون مسرحا للحيادية من الناحية السياسية. والظاهر أن الاتحاد حاول أن ينأى بنفسه عن الدخول في خصومة مع النظام الجديد في العراق وسوريا، وأن يبقي الباب مفتوحا أمام التطورات المحتملة مستقبلا. فهناك اليوم حالتان متقابلتان في ما يتعلق بالتعامل مع هذا المولود الجديد: الحالة السورية التي تريد توظيفه من أجل الضغط على بلدان المنطقة والعالم الغربي بوضعهما أمام خيارين، إما هو وإما الإرهاب، والحالة العربية في بعض بلدان المنطقة التي تنتظر من المولود الجديد أن يستكمل ما بدأه قبل البحث عن صيغة جديدة لاستئصاله، بعد أن يكون قد أدى وظيفته، ولذلك نرى هذا التصامم الذي يطبع التعامل معه في الوقت الحالي، ريثما يستتب الوضع للنظام في بغداد.

لهذا السبب لم يتعرض الاتحاد لبيان موقفه العام من مسمى الخلافة الإسلامية وجوانب الخطأ الشرعية والدينية فيه، بل بدا وكأنه ـ في البيانين معا ـ يتعامل مع الوضع وكأنه وضع مسلم به، مكتفيا فقط بمطالبة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بالسماح للمسيحيين بالعودة إلى منازلهم، على نهج “هذا جهد المقل”.

‫تعليقات الزوار

6
  • sifao
    الأحد 3 غشت 2014 - 00:15

    قراءتك سطحية لموقف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، الموقف الاول كان طائفيا بامتياز ، عندما اعتبر ان ما حدث في العراق كان ثورة شعبية في كل مناطق اهل السنة ، رد فعل طائفي على طائفية المالكي ،رغم ان الكل كان يعلم ان" داعش" هي رأس الحربة في هذه الانتكاسة التاريخية الجديدة ، الاتحاد لم يدن الاعمال الاجرامية التي ارتكبها التنظيم في حق اهل الشيعة انتقاما لما يتعرض له اهل السنة في سجون العراق ، لكن اعلان الخلافة الاسلامية من لدن زعيم التنظيم اصاب اعضاء الاتحاد بعسر في الهضم ، لان الخلافة تشمل كل المسلمين اينما وجدوا وقد عبر ابو بكر البغدادي عن ذلك بصراحة عندما امر المسلمين قاطبة بطاعة خليفتهم الذي ابتلاه الله بهذا الابتلاء ، فجأة وجد هؤلاء انفسهم بين نار نصرة طائفتهم الدينية و نار طاعتهم لامراء وسلاطين وملوك ورؤساء الدول التي ينتمون اليها ويمثلونها في الاتحاد ، لذلك وجدوا في قرار ترحيل المسيحيين من الموصل مخرجا للازمة التي اوجدوا انفسهم فيها بسبب دعمهم ل" داعش " قبل اعلان الخلافة ، هذا يؤكد ان موقف الاتحاد لا ينبني على اي اساس شرعي وانما موقفا سياسيا يتغير بتغير الاحداث على الارض

  • mourad
    الأحد 3 غشت 2014 - 02:29

    ما حدث هو كشف عورة من يسمون "علماء المسلمين" الذين يأتمرون بأوامر قطر والسعودية ولا علاقة لهم بإسلام أو دين، بل هم خدام أسيادهم وعبيد البترول، كما أن القناع يسقط عن فقهاء النفط والدولار عندما يسكتون عن التقتيل والذبح ويعتبرون ذلك كله صحوة وانتصار وفتح مبين، إن قلوبهم قاسية وعقولهم متحجرة ومشاعرهم لا إنسانية ويتحملون نسبة كبيرة من مسؤولية الفتنة المشتعلة، فلا حول ولا قوة إلا بالله

  • محمد باسكال حيلوط
    الأحد 3 غشت 2014 - 08:50

    بمواقفه هاته يبين إتحاد علماء المسلمين وفاءه التام للإسلام إذ لا مبدأ راسخ لا لهذا ولا لذاك.

    نظريا لن يكمكن يا أخانا ادريس الكنبوري أن تعلم ما هو المبدأ المؤسس للإسلام

    “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ”
    أم
    “قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ”

    أما عمليا فإننا نعلم جميعا وكل العلم أن تاريخ الإسلام بدأ بغزوات وبحروب ردة ضد العرب أنفسهم قبل أن توجه قواتهم القتالية نحو الجيران ثم إضافة الجيران وحثهم على غزو جيران أبعد من ذلك وصولا بجيوش آمازيغية-عربية إلى أواسط فرنسا وإلى أقاصي آسيا بفضل الجيوش المختلطة.

    السيف وما أدراك ما السيف ثم الغنيمة وما أدراك ما الغنيمة أما الباقي فلغو وغثاء أحويين ؟

  • elias
    الأحد 3 غشت 2014 - 10:05

    الكهنة يعارضون داعش في العراق و يسكتون عن جرائمها في سوريا. من خلال ذالك يتبين ان الكهنة تحركهم قرارات سياسية.
    تركيا متمثلة في اردغان (و المعروف بلسانه السليط) عبدت الطريق بقوة لداعش للدخول الى سوريا. كما ان قطر انفقت ما يقرب مليارين من الدولارات على داعش. اذن لماذا لا نسمع استنكارا من الكهنة اتجاه تركيا و قطر؟ انها اسئلة لها اجوبة بديهية و هي ان مجموعة من الدول تريد تغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة مستعملين في ذالك كل الوسائل، و لا يهمهم المدنيين الذين يذبحون من طرف داعش.

    اني ارى الخيبة على وجه من خططوا و ساعدوا داعش، لأن القبائل في شمال شرق سوريا و بدعم من الجيش السوري ثارت على داعش. فقامت هذه الأخيرة بالأنسحاب من عدة قرى.
    المهم من كل هذا هو على الدولة ان تأخذ كل التذابير اتجاه المغاربة الدواعش العائدون الى المغرب. يجب على الدولة ان تضربهم بسد من حديد، لان هذه العناصر لا تعرف التسامح و حقوق الانسان.

  • AMDIAZ
    الأحد 3 غشت 2014 - 11:14

    الصراع بين السياسيين و المحاربين حرب أزلية يربحها السياسيين دائما نظرا لمبادئهم الالاستكية التي تتقلب مع حالت الطقس و لاتقانهم لفنون المناورة و القوالب و الضرب تحت الحزام و الطعن الغادر من الخلف….هذا في صراعات ذات وزن و أهمية أما في صراع بين الابل و الفئران في صحراء قاحلة فلا معنى.

    شكون القرداوي كاع و شكون داعش….عندك تركيا و إيران لتايتحاربوا على عظام الدجاج العربي المشوي لتيخلي ليهم الغرب ….و باش إقصروا من أجنحة الأكراد.

    أما المسيحيين راه مفتوحة ليهم اروبا و أمريكا و اسيا…الصين مثلا بنات ليهم مدينة تجارية و عطاتهوم لوراق و الشركات باش إستعمرو ليها غرب اسيا و إفريقيا….

    غير اليهود لي مازال شادين أغنان الخاوي على ديك الصحراء الجهنمية….و غا تجيهوم غالية…اليهودي صاعب عليه ادور فزناقي د اروبا حيث الشلوح و الترك تيشرملوهم…العرب لي ساهلين عليهم.

  • مغربي
    الأحد 3 غشت 2014 - 20:32

    أستاذنا الكريم:اتتبع تحليلاتك و مقالاتك في بعض الجرائد الوطنية ، و تنم عن وعي سياسي و فكري متقدم، كثر الله من أمثالك، و تحية.

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 1

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج