من يساعد القوات المساعدة؟

من يساعد القوات المساعدة؟
الثلاثاء 26 غشت 2014 - 10:00

ما إن غادر الثكنة متقاعدا في 1992، حتى عسْكر الداء الخبيث في جسده، ليعيده إلى المداومة، لكنْ على المستشفيات والمختبرات ومراكز الأنكولوجيا هذه المرة؛ فمنذ سنوات ورحّال مانون، رجل القوات المساعدة، يعايش الألم ويطارد الموت الذي يتربص به مصرّا على انتزاعه من زوجته وأبنائه الذين ما إن اطمأنوا إلى انتهاء زمن الأوامر الموجهة إلى رحّال بالترحال من ثكنة إلى أخرى، حتى باغته سرطان طائش، اخترق جسده، عضوا عضوا، كسلاح عابر للحدود.

خلال مدة وجيزة صالَ المرضُ الخبيث وجالَ، بحرية، بين مناطق عدة من جسد رحّال، وها هو الآن ينتشر في البانكرياس والعمود الفقري والقفص الصدري.. راسما خريطة من 13 نقطة سوداء. مؤخرا، قال له أحد الأطباء المشرفين على علاجه، ببرودة، وهو يحمل رقاقة “السكانير” ويشير بأصبعه إلى نقطة سوداء فوق ضلع من أضلعه: “يكفي أن تعطس لينكسر ضلعك هذا آ سي رحّال”!

صباح كل يوم جديد، ينتصب جندي “الكمبانية 184″، التي حاربت نواحي الزاك، واقفا، كما كان يفعل أيام “السربيس”، لتحية العلم. يتطلع إلى ساقيه الرفيعتين، ويخاطبهما ككائنين منفصلين عنه: مادمتما قادرتين على حمل رحّال والمشي به فلن يقعد عن مواجهة الداء الغادر، يقولها وينطلق نحو الإدارات والمختبرات والمستشفيات، متشبثا بالحياة حتى آخر نفس نابض فيه. صدمة رحّال، الفاجعة، كانت عندما اكتشف سرطانا آخر يسابق ذاك الذي يسكن جسده، إلى قتله: إنه سرطان المحسوبية والزبونية واللامبالاة.

قبل حوالي ثلاثة أشهر، قصد رحّال مانون مقر أحد المختبرات الطبية بالدار البيضاء للحصول على دواء”Zytiga” الذي يوصف عادة للمصابين بسرطان البروستات، ممن ينتشر المرض في أنحاء أخرى من أجسامهم (La métastase). قبل أن يصل إلى هذا المختبر، كان رحّال قد قطع ثلاث مراحل قادته إلى ثلاث إدارات: الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي (CNOPS) الذي أشّر على طلب حصوله على الدواء، وأحاله على تعاضدية القوات المساعدة التي وافقت على تغطية كلفة الدواء، ثم أحالته بدورها على وزارة الصحة التي أرفقت ملفه الطبي بشهادة تؤكد أنه يخضع لعلاج بهذا الدواء تحت إشراف ومراقبة مصالحها الطبية، ومن وزارة الصحة انطلق الرجل المريض نحو المختبر الطبي بعين السبع. نظر المسؤول عن المختبر إلى ملفه الممتلئ، ثم إلى جيبه الفارغ، وقال: “جبدْ 14 مليونْ”! أكد له رحّال أن ملفه يستوفي كل الشروط، وأن الإدارات الثلاث تؤكد أن وضعيته التعاضدية سليمة، وحاجته إلى الدواء ملحة، وحقوق المختبر المالية مضمونة.. لكن المسؤول عن المختبر تشبث بـالـ14 مليونا “كاش”. تطلب الأمر من رحّال أياما من التنقل بين الإدارات الثلاث، بين الدار البيضاء والرباط، وعشرات الاتصالات والتدخلات.. لكي يروق مزاج صاحب المختبر ويعرف أنه ليس بقالا في حي شعبي، يعلق على باب المحل: “ممنوع الطلق والرزق على الله” وإنما صاحب مختبر تربطه تعاقدات قانونية مع تعاضيات (من التعاضد وليس العضّ) تمثل موظفين ومتقاعدين ليس بمستطاع أي واحد منهم، كيفما كان راتبه، ومهما بلغت مدخرات عمره، أن يؤدي 14 مليونا كل ثلاثة أشهر.

هل انتهت مأساة رحّال عند هذا الحد؟ لا، بل تفاقمت؛ فبعدما أنهى الحصة الأولى من الدواء، وعاد ليسلك نفس المسار البيروقراطي، اصطدم، في أول خطوة، بمشكل مغربي اسمه الصيف! فإذا كان المثل العربي يقول: “الصيف ضيعت اللبن”، ففي المغرب يصح تحويره ليصبح: “الصيف ضيعت الحياة”؛ يوم 31 يوليوز المنصرم قصَد رحّال إدارة “CNOPS” بالرباط، فسلمه أحد الموظفين ورقة كتب عليها تاريخ التأشير على طلب الحصول على الدواء: “jeudi”، هكذا دون تحديد أي خميس من أي شهر من أية سنة! عاد رحّال في الخميس الموالي، فالتالي، ثم الثالث… عبثا، أصبح الرجل المريض يستجمع قواه، كل يومين أو ثلاثة، ويقصد إدارة “CNOPS” فلا يجد من ينصت له. بعدما اشتد عليه المرض وسدت في وجهه الأبواب، اتصل بأحد النقابيين فقام ببعض الاتصالات ثم أخبره بأن موضوعه قد تمت معالجته. قصد رحّال “CNOPS” معتقدا أن العقدة الأولى في مسار الحصول على الدواء قد حُلت. وقف أمام الموظف فـ”ضرب” اسمه على الحاسوب ثم أخبره بأن اسمه مدرج ضمن من تم التأشير على طلباتهم بالموافقة. لم تكد هذه الجملة تستقر في رأس رحّال، حتى أردفها الموظف بأخرى: لكن الطبيبة المكلفة بالتوقيع على الطلبات في عطلة إدارية. “الطبيبة كونجي وأنا نموت؟!” تابع الموظف نقره للوحة الحاسوب، فهذا ليس شأنه ولا شأن المدير ولا الوزير ولا رئيس الحكومة. “أليس هناك من يعوض هذه الطبيبة؟؟!”، أكمل الموظف نقره للوحة الحاسوب…

منذ 31 يوليوز إلى اليوم، لايزال رحال يطرق الأبواب، مع أن نشرة استعمال الدواء تؤكد أنه يفقد مفعوله بعد عشرة أيام من التوقف عن تناوله. أما إذا تجاوز الأمر عشرة أيام فإن مستوى المرض يتفاقم بـ200 في المائة. من يساعد رجل القوات المساعدة، هو الذي قضى حياته في مساعدة كل الإدارات والمصالح، في السلم والحرب؟

‫تعليقات الزوار

3
  • جبجوب ابو العزة الثاقبة
    الثلاثاء 26 غشت 2014 - 12:53

    منذ دخل الاستعمار الى ارض المسلمين و ما تلاه من حكم العلمانيين و الحداثيين و اليساريين و نحن نعيش من سيئ الى اسوأ، و من تخلف الى تخلف اعمق، لاننا ابتعدنا عن ديننا الحنيف و تقاليدنا العظيمة و تراثنا المجيد و عاداتنا و ارتمينا في التغريب – قبل الاستعمار لم يكن اجدانا يعرفون الامراض و الكوارث و الهزائم و الماسي و كانت لنا تقاليد طبية تداوي جميع الامراض و العلل الجسدية و النفسية كما فعل الرازي و ابن سينا و غيرهما…و لم يكن هناك لا "كنوبس" و لا "تقاعد" و "اضراب" و لا "قوات مساعدة" بل بيت الزكاة و بيت مال المسلمين و المساجد العامرة باهل الخير و البر و الرحمة و الاحسان و كانت الناس لا تخشى الامراض و الفقر لانها كانت مؤمنة و يأتيها خالقها برزقها من حيث لا تشعر.. كانت الناس فعلا قوية البنية لا يطالها المرض و الوهن و العجز الخ لكن مند ان حل الكفار ببلادنا و الامور تستفحل كثيرا.. في ال 60 كانت الناس تذهب فقط عند الولي الصالح المفتوح دوما و مجانا و تبقى هناك حتى يأتي الله بالشفاء التام.. اليوم نتزاحم امام العيادات و الاطباء و المختصين بلا فائدة..فماذا لو عدنا الى سلفنا الصالح الطاهر النقي الخالص

  • مواطن مغربي
    الثلاثاء 26 غشت 2014 - 14:39

    برافو عليك أسي سليمان و ر حم الله من رباك و علمك.

  • شهادة للتاريخ
    الأربعاء 27 غشت 2014 - 01:21

    يعتبر رجال القوات المساعدة اهم العناصر التي يحسب لها فضل كبير كقوات للتدخل في الحفاظ على الامن فمشهود لهم بالفعالية والنجاعة التي تفوق بكثير نجاعة الامن الوطني يعني البوليس كما يشهد لهم تدخلهم كقوات مشاركة في حرب الصحراء المغربية ومرابضتهم على الحدود مما يجعلهم ندا للقوات الملكية المسلحة وندا كذلك لتدخلات الدرك الملكي وعلى هذا الاساس فهم بوليس وعسكر ودرك ورغم هذه المهام الجسام التي يقومون بها مقارنة مع البوليس الذي لا يحرك ساكنا الا في مدارات المدن عينه فقط على الاشارات الضوئية وعلى تحرير محاضر المخالفات للسير مما يجعل عملهم في المدن كنزهة في حديقة ومع ذلك رواتبهم تفوق بكثير رواتب البوليس الذين يبذلون اقل مجهود مقارنة مع القوات المساعدة
    كيف يعقل رجل امن يتقاضى راتب لايقل عن5000dh بينما رجل في القوات المساعدة لا يتجاوز راتبه 3000dh على اقصى تقدير اليس هذا ظلم وحيف ما بعده حيف،انصفوا من فضلكم هذه الفئة وارفعوا من مكانتهم ماديا ومعنويا واجتماعيا والله العظيم فهم اكثر مواطنة وتضحية من رجال الامن الذين هم اقل كفاءة وشجاعة من القوات المساعدة.

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز