مستقبل ماضينا

مستقبل ماضينا
الأحد 21 شتنبر 2014 - 14:00

كلما استمعت أو قرأت مادة لإحدي ”شيوخ“ هذا العصر، فكرت في سر استمرار هذا المنحى المظلم من حضارتنا العربية الإسلامية، حتى كادت تترسخ لدي قناعة أنه من المستحيل التخلص من ”سلطة السلف“ الذي صار “صالحا“ -كله- لمجرد أنه ”سلف“، ينتمي إلي جزيرة تقع في تاريخ تفصلنا عنه مسافة زمنية.

في هذا السياق تحضرني، دائما، حكاية ذلك العجوز الصيني الذي مات ولم يترك لأبنائه الثلاثة سوى بطيخة واحدة. فاجتمع الأبناء الثلاثة لاقتسام التركة. فقال الأول: ”لنأكل البطيخة قبل أن تتحلل وتفسد“، بينما الثاني قال: «لنحتفظ بها ذكرى أبينا نتذكره بها طوال حياتنا“، فيما نطق الثالث قائلا: «لنأكل البطيخة ونحتفظ بالبذور لنزعها في العام القادم، وهكذا سنتذكر والدنا وسنكسب مالا وافرا إذا ما اشتغلنا بجد لنرفع من المحاصيل».

واضح أن المجتمعات العربية، في غالبيتها، تنقسم بين الاختارين الأول والثاني، فالبعض يجتهد من أجل أن يحافظ علي ”بطيخة“ التراث، إما في ثلاجة الزمن، أو في مخزن. وكلاهما سيؤدي بها إلي التحلل والفساد. أما البعض الآخر فهو يريد أن يأكلها أو يرغب في التخلص منها.

باستعارة مفهوم عبد الله العروي“ ”للشيخ“، كما تناوله في الإيديولوجيا العربية المعاصرة، نلاحظ أن هذا النمط يزداد قوة وصلابة، بل وهيمنة واتساعا، موظفا كل التقنيات الحديثة، من وسائل اتصال، وعلوم ونتائج الأبحاث الصادرة عن أحدث المختبرات، كي يعضد طروحاته ليقنع أنصاره بقوة وملاءمة إرثه، كما هو، وبالصورة التي كان عليها، للحاضر والمسقبل. بل إنه المستقبل الذي يحمل الخلاص لهذا الواقع المتردي. كما يرى أن الخطأ والفشل ليس في ”التراث“ وإنما في الواقع، وبذلك فهم يسعون إلى تغيير العالم ومنطقه كي يتناسب مع ”حقائقهم“ التي لاتقبل التغيير ولا التحول، بدل تغيير نظرتهم إلي التراث والعالم!

لعل هذا الهروب من الحاضر، والسكن في الماضي، والاعتقاد الزائد بأن الحقائق كلها توجد في الماضي، هو الذي يزيد مجتمعاتنا ابتعادا وتهميشا، ومغالطة، في فهم الحاضر ومنطقه. وهذا ما يزيد من عقم فهمنا لذواتنا وحقيقتنا وكذا حقيقة ”الآخر“. بل إنه يجعلنا نعيش في حالة القلق والعزلة بمعانيهما السلبية التي تحولنا إلى ما لانريد. أي هذا ما يحولنا إلى جسد مريض وعقل مشلول يسعف ”الآخر“، المتفوق والمهيمن، على اختراقنا والتلاعب بنا.

أليس واقعنا، اليوم، وما تشهده المجتمعات العربية من أحداث العنف والخلل والانحدار، يكشف بوضوح كيف تحولنا إلي ”كراكيز“ في يد الآخر!؟ ألم نعد نجسد الصورة النمطية التي يريدها لنا الآخر، من خلال تعميق الصور السلبية للدين والثقافة؛ هذه الصور التي تزداد ازدهارا واتساعا في المجتعمات الغربية، بصورة لم يعرفها التاريخ المعاصر من قبل!؟

إن أسباب هذه الانتكاسة قد تم التطرق إليها من قبل العديد من الباحثين. وتكاد تكون عولجت من جل الزوايا، بمعني أنه تم وضع اليد على العوامل التي كانت سببا في هذا الداء. لكن الأمر -مع الوقت، يزداد تعقيداو خصوصا مع تدخل ”الآخر“ بكل تقنياته وأدواته، ووعيه بأن الإبقاء على واقع يهيمن فيه الخطاب الذي يرى في الماضي حقيقته المطلقة، قد يزيد من قوة هذا الاتجاه، وهو ما يراد له أن يترسخ داخل مجتمعاتنا التي صارت تعيش ”انفصاما“ أصبح جزء من كينونتها، التي تتعايش معه بانسجام بعيد عن أي قلق إيجابي يؤدي إلي التخلص من الأوهام!؟

إذا كان هذا حال من يريد أن يحتفظ ”بالتراث“، كما هو تمجيدا للأجداد والآباء، وإذا كان الذين يسعون إلي تجاوز التراث بالتخلص منه، عبر استعارة، أو بالأحري الانخراط في حياة الغرب زمنا ومكانا ومعنى، أي ”التغريب“، فإنهما معا يشكلان درجة واحدة من الخطورة، وإن اختلفا في المنطلقات. فهما معا يقودان إلى إعدام التراث، عن طريق ”الاغتراب“ في الزمن أو الثقافة!

إذن ماذا عن النمط الثالث؟

أي كيف يمكننا أن نستفيد من ماضينا ونتجاوزه في الآن ذاته!؟ ثم كيف نحوله إلى طاقة تساهم في صناعة مستقبل مستقل، يكون فيه الماضي مكونا، فاعل ومتفاعل، لكنه ليس حقيقة، وإنما معان فقط تغني في صناعة حقيقة الحاضر؟

إن أهم عملية ينبغي القيام بها هي التخلص من الأوهام التي نؤمن بها حول التراث، وتخليصه من قبضة الوعي الأسطوري الذي ينزه الماضي من تاريخيته، ومن أنه ”أحداث“ ووقائع حدثت في ”التاريخ“ فاعلها ”الإنسان“/البشر. وإن التراث ليس واحدا، بل هو متعدد، وفيه من الاختلاف والتنوع ما يسع كما هائلا من التجارب الإنسانية والثقافية، ويغطي كما هائلا من المجتمعات والثقافات التي ساهمت في إغنائه على مدى مراحل مختلفة من تاريخ صناعة ذلك ”التراث“ الذي كان ”حاضرا“ في حينه، يقبل التجديد والاختلاف والتنوع، ويقبل الطعن والمساءلة والإثراء. ذلك أن ثراء تراثنا لا يكمن في ”واحديته“، لأنه ليس واحدا، ولم يكن أبدا، كما يريد البعض أن يسوق له، وكأنه نزل من السماء في لحظة واحدة ثم انتهى التاريخ!؟

إن ثراء التراث يكمن في تنوعه وتناقضاته أيضا، في اختلافاته وصراعاته وجدالاته، وتطاحناته، وأيضا في ارتباطه بواقعه، وف سعيه الدائم نحو ”راهنيته“ و واقعيته“، ومدى إخلاصه للواقع/واقعيته!؟

التراث بذور، بالنسبة إلينا، ستحتاج منا إلي جهد كي تزهر وتعطي الثمار، خصوصا بعد أن صار اليباب يعم تربتنا (اليباب الفكري طبعا!). فهناك من يشتغل في الظاهر والخفاء، جاهدا برش مواد سامة على هذه التربة، وهي مواد توظف فيها مكونات تنتمي إلى من يجعل ”التراث؛ قطعة أسطورية متعالية لا تاريخية!

فكيف نتخلص من ”الشيخ“ وذاك الذي يساعده في الجهة المقابلة برفع راية ”التحديث“ باعتباره مدخلا لانتشالنا من مآزقنا!؟

إن الحداثة ضرورة لم تعد تقبل التأجيل!؟ والحداثة لاتقبل المهادنة والتعايش مع ”المطلقات“ ما دام أنها منجز لا يتحقق إلا بالتخلص من كل ”أوهام الحقائق“، كما أن الحداثة لا يمكنها أن تقبل ب“الشيخ“ الذي يرى أن ”التحديث“ كاف لصناعة الحدث!؟ وهذا ما يعني أن أكبر أعداء “الحداثة“ هو ”التحديث“!؟

‫تعليقات الزوار

5
  • amahrouch
    الأحد 21 شتنبر 2014 - 23:20

    Les premiers califes et les premiers clergés nous ont laissé des pastèques empoisonnés,des livres qu ils avaient manipulés à leur guise pour les ajuster à leurs intérets temporels.Vous n avez qu à regarder ce qui se passe aujourd hui au 21 siècle où tout le monde voit tout le monde pour comprendre ce qui s était passé dans les ténèbres du passé.L occident a pris conscience que les livres légués sont la source de dissensions entre les adeptes d une meme religion et inter-religieuses c est pourquoi ils se sont efforcés à combler les lacunes en inventant la franc-maçonnerie qui accepte toutes les religions et plus tard la laicité qui permet la cohabitation de toutes les confessions du monde.Nos coreligionnaires persistent dans leur erreur en s enlisant dans leurs sunnisme,chiisme et autres rites.Ils osent devant le monde entier d amender les Constitutions pour s accrocher au pouvoir et exploiter les richesses humaines et matérielles de leurs pays.Je crois en Dieu et en ses prophètes mais

  • amahrouch
    الأحد 21 شتنبر 2014 - 23:54

    SUITE…je crois en Dieu,en ses prophètes,en ses livres authentiques mais jmais je ne croirai à ce que nous préconise cette bande de califes qui avaient succédé à Sidna Mohamed et qui s arrachaient mortellement le pouvoir!Ils nous recommandent d envahir les paisibles peuples de les islamiser de force,prendre leur femmes,leurs filles et leurs imposer des tributs(jizyas).C est au massacre qu ils nous invitent:démembrer des familles,les taxer pour leur croyance ou les islamiser malgré eux!Quelle islamisation est cela?l histoire nous apprend que les juifs et les musulmans convertis par contrainte au christianisme pendant l Inquisition le pratiquait le jour et s adonnaient à leurs cultes la nuit!Le jihad n est qu un prétexte pour s approprier des terres et usurper des richesses.Ce sont là des exemples parmi d autres que l islam doit revoir.La meilleure façon de promouvoir sa marchandise ou sa religion,de nos jours,c est ne pas la promouvoir mais bien la travailler seulement

  • عبد العليم الحليم
    الإثنين 22 شتنبر 2014 - 14:12

    بسم الله الرحمان الرحيم

    قال صحفي يهودي منصف للإسلام:

    منذ الأيام التي كان فيها الامبراطور الروماني يلقي بالمسيحيين للاسود والعلاقة بين الامبراطور و رئيس الكنيسة اصابها الكثير من المتغيرات.
    الكنيسة انقسمت الى الكنيسة الشرقية(اورثوذوكس) و الكنيسة الغربية( الكاثوليك)
    في الغرب حبر الكنيسة الرومانية(الكاثوليكية) الذي لقب بالبابا الذي كان يصر على ان يتقبل الامبراطور علو مكانته عليه.
    المعركة بين الامبراطور والبابا شكلت الكثير في التاريخ الاوروبي كما ساهمت في تقسيم الناس. بعض الاباطرة لفظوا البابا واهملوه، كما ان بعض البابوات لفظوا الاباطرة., وحرموهم كنسيا, ويذكر في التاريخ كيف ان هنري الرابع وقف امام قلعة البابا حافي القدمين في الثلج مدة ثلاثة ايام حتى قرر البابا ان يبطل قرار الحرمان الكنسي..

    لكن هناك اوقات يتعايش البابا والامبراطور مع بعضهما بسلام ونعيش نحن هذه الحقبة الآن البابا بندكت السادس عشر والامبراطور الحالي بوش الثاني بينهما الكثير من الانسجام.حيث كانت تصريحات البابا الاخيرة متماشية بصورة رائعة مع الحملة الصليبية بقيادة بوش الثاني ضد الفاشية الاسلامية في اطار صراع الحضارات.

    يتبع

  • عبد العليم الحليم
    الإثنين 22 شتنبر 2014 - 14:39

    بسم الله

    في محاضرة البابا رقم 265 في الجامعة الالمانية كان يشرح ما اسماه الفرق الكبير بين المسيحية و الاسلام…

    كيف يستطيع المرء ان يتعامل مع هاتين العبارتين المتعارضتين البابا اوجد حلا عجيبا اذ قال

    ان هذا كان عندما كان محمد ضعيفا بلا قوة اما عندما اصبح قويا استعمل السيف لنشر الايمان

    في الحقيقة ان محمدا استعمل السيف في حروبه مع اعدائه من يهود ومشركين و مسيحيين و غيرهم عند تكوين دولته الا ان هذا كان عملا سياسيا و ليس دينيا.
    المسيح يقول:تعرفوا على الناس من ثمراتهم.
    نستطيع ان نعلم كيف تعامل الاسلام مع مختلف الاديان من خلال اختبار بسيط:

    كيف تعامل الحكام المسلمون مع اهل الاديان المختلفة لاكثر من الف عام عندما كان لديهم المقدرة و القوة على نشر الايمان بالسيف؟

    في الحقيقة انهم لم يستعملوه.

    لقد حكم المسلمون اليونان فهل اصبح اليونانيون مسلمين هل حاول احدهم اسلمتهم على العكس لقد تبوأ المسيحيون اليونانيون مراكز عليا في تركيا العثمانية.الصرب والبلغار وغيرهم من الدول الاوربية التي كانت تحت الحكم العثماني ظلت مسيحية نعم الالبان و البوسنيون أصبحوا مسلمين ولكن هذا كان خيارهم و ليس بالاكراه.

    يتبع

  • عبد العليم الحليم
    الإثنين 22 شتنبر 2014 - 15:51

    الحمد لله

    ويتابع

    في عام 1099 الصليبيون اجتاحوا القدس و ذبحوا المسلمين و اليهود المقيمين فيها دون تمييز باسم المسيح الطيب الرقيق…
    تحول المسيحيون الفلسطينيون الى الاسلام طوعا وتكلموا العربية وهم اجداد الفلسطينيين المسلمين الحاليين.

    كما انه لا يوجد اي دليل على اي محاولة مورست ضد يهودي لتحويله للاسلام.

    وكما هو معروف جدا لقد تمتع اليهود بالعيش تحت حكم المسلمين في الاندلس كما لم يتمتعوا في اي مكان حتى وقتنا الحالي.في اسبانيا المسلمة كان اليهود سفراء ووزراء وشعراءو علماء.في اسبانيا المسلمة عمل العلماء اليهود والمسيحيون والمسلمون معا على ترجمة الفلسفة الاغريقية و اليونانية والمخطوطات العلمية.لقد كان بحق عصرا ذهبيا.كيف كان هذا ليكون لو كان محمد امر بنشر الاسلام بالسيف.

    ولنتعرف على ما حدث بعد ذلك عندما استولى الكاثوليك على اسبانيا لقد عملوا ارهابا دينيا كان اليهود والمسلمون امامهم خيار بشع اما ان يصبحوا مسيحيين او يذبحوا او يهجروا…
    مئات الالوف من اليهود الذين رفضوا التخلي عن عقيدتهم تلقتهم الدول الاسلامية باذرع مفتوحة من المغرب غربا الى العراق شرقا و من بلغاريا شمالا الى السودان جنوبا

    يتبع

صوت وصورة
أحكام قضية الدهس بالبيضاء
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:58 2

أحكام قضية الدهس بالبيضاء

صوت وصورة
معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 23:55

معرض الحلي الأمازيغية للقصر الملكي

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 3

احتجاج بوزارة التشغيل