حصتنا من حجارة السماء

حجارة هي أثمن من الذهب..

هي نيازك تتراوح أحجامها ما بين سنتميترات وكيلوغرامات..

ثمنها يبلغ في أسواق الحجارة 20 مرة أكثر من الذهب..

وأي راع محظوظ يمكن أن يتحول إلى مليونير، إذا اكتشف حجارة مريخية..

وعندنا كما هو الشأن في جهات أخرى من المعمور، تشكلت فرق لاصطياد أحجار أرسلها المريخ إلى الأرض..

وخلال الصيف، شوهد الآلاف من الناس منطلقين إلى البوادي المعنية، بخيامهم وزادهم، للبحث عن الحجارة النفيسة، بعد الإعلان في يوليوز 2014 عن اكتشاف نيزك في (فم لحسن) بضاحية طاطا..

ونتيجة للوعي الذي انتشر في بوادى وصحارى قوافل الرحل، حيث سقطت أحجار مريخية متنوعة الأشكال والأنواع، أصبحت لبلدنا مكانة خاصة بين الدول المهتمة بالنيازك التي تكشف عن أسرار كوكب المريخ بصفة خاصة، والكون بصفة عامة، نظرا لكون الأحجار التي تم العثور عليها، ذات قيمة علمية كبيرة..

وثمن الأندر منها يفوق كل تقدير..

تجارة النيازك تلتهب مجددا في الأوساط الشعبية المعنية، بعد أن توقع العلماء وابلا من الحجارات المريخية النفيسة باتجاه كوكبنا، وقد تصل إلى بلادنا كمية منها، وهذا يعني في ما يعنيه احتمال وصول الثراء إلى محظوظين من الناس..

الرحل المغاربة في بوعرفة، بنكرير، تويسيت، فكيك، سمارة، الزاك، طاطا،وتيشكا، مراكش،وأكادير، تداخت بشمال ورزازات، وغيرها من مناطق المغرب، شرقا وغربا وشمال وجنوبا، برزت منهم فئة تعلمت كيف تصطاد حجارات المريخ، وكيف توصلها إلى الأسواق العالمية..

وقد تمكن بعض الرحل، وأيضا بعض الخبراء، من بيع نيازك نادرة في أسواق أوربية بمبلغ 2000 أورو للغرام الواحد..

فتصوروا من يبيع كيلوغراما أو أكثر..

وقد برزت من هذه الحركة النيزكية المغربية نخبة من الخبراء المغاربة والأجانب، منهم أساتذة من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، ومن جامعات مغربية أخرى.. هؤلاء العلماء يقومون بتوثيق هذه النيازك، ويشاركون في المؤتمرات الدولية المختصة، ويقدمون اكتشافات المغرب النيزكية..

وعلى العموم، يصب (البيزنس) النيزكي في متاحف لندن ونيويورك..

ولحد الآن، توجد في الأسواق العالمية قرابة العشرة آلاف طن من النيازك، منها حوالي 7000 نيزك من المغرب..

لماذا لا يقوم بلدنا ببناء متحف وطني لاحتضان ما يصلنا بين الحين والآخر من الكواكب والنجوم والمجرات؟

وسؤال آخر: ألم يحن الوقت لتأسيس وكالة فضاء مغربية؟

لقد أصبح عندنا عالمان في وكالة الفضاء الأمريكية، وعالم في وكالة الفضاء اليابانية، وخبراء في التخصصات الفيزيائية الكونية بمختلف أرجاء العالم..

فعلينا أن نتطلع إلى فوق..

علينا بمراقبة السماء..

والتخاطب مع السماء..

مجموعتنا الشمسية جسد واحد..

إذا أصيب فيه عضو، تأثرت بقية الأعضاء..

وهذا بالضبط ما يحدث هذه الأيام بكوكب المريخ..

المريخ يتأهب هذه المرة لإرسال وابل من الحجارة إلى كوكبنا، بنسبة حوالي 1000 نيزك للساعة الواحدة..

سيحدث هذا خلال الأيام القليلة القادمة، وتحديدا يوم 19 أكتوبر 2014، حسب الخبراء الذين يتوقعون واحدا من أمرين:

إما أن يتعرض كوكب المريخ لصدمة من مذنب عملاق اسمه: سايدينغ سبرينغ..

وهذا يعني حدوث حفرة كبيرة جدا بكوكب المريخ، بشعاع 500 كيلومتر..

أو يتعرض المذنب لضربة من كوكب المريخ، في ذنبه الغازي الكبير..

وفي الحالتين، ستنطلق نيازك كثيرة باتجاه كوكب الأرض..

وهذا ما لا يعرفه فقط العلماء، بل أصبح يعرفه كثير من الرحل في المناطق النائية التي سقطت عليها نيازك في أوقات سابقة..

الرحل يتبادلون المعلومات، لمعرفة ما إذا كانت حجارات ثمينة ستصل إليهم في شهور لاحقة.. وعندها ستكون حجارات المريخ حدثا إيجايبا لهذه الفئة التي ترى في النيازك تجارة مربحة..

المتفائلون يرون الجانب الربحي..

والمتشائمون يستحضرون ما وقع عام 2013 حيث تسبب نيزك في مئات الضحايا بمدينة تشيليابينسك جنوب روسيا.. فقد أحدث سقوطه على المدينة انفجارا كبيرا ورعبا في الناس، وطبعا كثيرا من الضحايا..

وبين هؤلاء وأولئك تتمركز حول المريخ مركبات فضائية أمريكية وروسية وأوربية ومعها مركبة هندية..

أجل، الهند أول دولة من العالم الثالثة تصل إلى المريخ، وتبعث صورا حية، كما تفعل بقية الدول الكبرى..

ومن جانبها، الدول الكبرى أدخلت تغييرات على تموقع مركباتها وآلياتها الروبوتية الموجودة على سطح المريخ، تجنبا لأية مخاطر قد تصيبها إذا ما وقع تصادم بين المذنب العملاق والمريخ..

بينما على الأرض تشتغل فرق مراقبة، بالليل والنهار، لتتبع المذنب، وحساب مداراته، لمعرفة كيفية التعامل مع حالات مستقبلية في حجم الحالة المذنبية الحالية..

ولا يجوز التهاون..

فالمريخ مهم جدا لكوكب الأرض..

يسمونهما بالشقيقين..

فمعا ولدا من رحم الكون، فنجح كوكب الأرض في الحفاظ على الحياة، وصناعة حضارات، بينما المريخ ما زال مجرد كوكب صخري، يميل لونه إلى الاحمرار، فيسمى بالكوكب الأحمر..

ولحد الآن، تم اكتشاف آثار لوديان على المريخ، وهذا لا يعني أن الماء ما زال موجودا..

ويبقى السؤال: أين ذهبت مياه المريخ؟

وسؤال آخر: أين ذهب غلافه الجوي؟

وأيضا: أين ذهب الأكسيجين؟

وأين ذهب الطقس؟

أين ذهبت الجاذبية؟

ولماذا كل هذه العواصف الغبارية على سطح المريخ؟

وهل يعني كل هذا أن الحياة مفقودة تماما في الكوكب الأحمر؟ ألا يوجد نوع من الحياة في أعماق المريخ؟

وهذا يقود إلى التساؤال عن معنى الحياة.. ولذلك تشتغل بعض الدول، بشراكة، في إقامة كبسولات منغلقة بالقطب الجنوبي، لخلق حالة انعزال لفريق من العلماء، في ظروف مشابهة للمريخ، من أجل دراسة ما ستكون عليه الحالة النفسية للإنسان إذا رحل إلى الكوكب الأحمر.. فقد تبين أن الإنسان على سطح المريخ قد تتعرض نفسيته للخطر..

فما العمل؟

العلماء يبحثون عن كيفية لجعل الإنسان قادرا على التأقلم الحياتي مع ظروف الكوكب الأحمر..

دراسات كثيرة تتواصل هنا وهناك، من أجل مستقبل الحياة..

فهل ما زال هناك أمل في استخدام المريخ لحياة بشرية؟

إن علوم الفضاء قد اكتشفت لحد الآن، قرابة 500 كوكب من شاكلة الأرض، ولكنها كلها لا تحتضن كل مقومات الكرة الأرضية، من حيث وجود الحياة البشرية بكل ما تتطلبه من كائنات ونباتات وأحجار، ومناخ وجاذبية وغيرها..

دائما يجد العلماء نقصا يجعل الكواكب المكتشفة لا تشبه بشكل تام كوكب الأرض..

وهذا لا يعني فقدان الأمل..

العلم مستمر..

ومع استمراره، يتأكد يوما بعد آخر، أننا نعيش على كوكب من النوع النادر، وأن علينا أن نحافظ على الحياة، كي تحافظ الحياة علينا..

ولعل هذه أيضا من الرسائل التي يبعثها المريخ إلينا عبر نيازكه..

فالنيازك المريخية ثمينة جدا من حيث الشكل، ولكنها اثمن من حيث التوعية بضرورة الحفاظ على مقومات كوكب الارض..

وتبقى الحياة أثمن من كل حجارة..

وأثمن من كل ثمن..

وهذا هو الدرس..

هذه حصتنا من حجارة السماء..