الدين والآخر

الدين والآخر
الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 00:10

يسلط “المؤشر العربي 2014″، الذي ظهرت نتائجه قبل أيام عن”المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، الكثير من الأضواء على القضايا المختلفة التي تهم المواطن العربي اليوم، مثل الموقف من المؤسسات الحكومية والديمقراطية والمجتمع المدني والمشاركة السياسية وسواها، وهي القضايا التي لا تزال تشغل الشارع العربي ـ أو الشوارع العربية بالجمع ـ بسبب أن التجارب السابقة ظلت تدور حول نفسها مثل الرحى، لا طحنت زرعا ولا سكتت عن الضجيج، وهو ما جعل المواطن العربي يعيش حالة انتظار دائمة ومفتوحة، لم يزدها ما سمي بالربيع العربي سوى التهابا.

وما يهمنا التطرق إليه هنا هو الشق المتعلق بمكانة الدين في المجتمعات العربية، من خلال النتائج التي أظهرها المؤشر. وهو شق عريض يتطلب دراسات تحليلية أوسع، ولكننا سنتوقف عند محورين أساسيين، يتعلق أولهما بالموقف من الآخر داخل نفس العقيدة، ويتعلق ثانيهما بالآخر خارجها.

مما لا شك فيه أن مرحلة “الربيع العربي” وما بعدها قد شكلت منعطفا مهما جدا في ما يتعلق بحضور الدين في المجال العام، وهذا تحول لعله لم يحصل طيلة تاريخ الإسلام قاطبة. من ناحية كان هناك سقوط المركزية في الخطاب الديني، ومن ناحية ثانية كانت هناك حالة من الشتات في الخطابات الدينية غير الممركزة، وهي سمة طبعها الصراع بين الفاعلين في المجال الديني ووضعية استقطاب حادة، أما من ناحية ثالثة فقد كان هناك عنف غير مسبوق يستمد مسوغاته من النظريات الدينية نفسها، ليس هذا فحسب، بل هو يزايد على الاختيارات الأخرى دفاعا عن مشروعية العنف، ورغم أن هذه الوضعية الأخيرة لها ما يماثلها في تاريخنا الإسلامي، إلا أن أشكال التعبير عنها وأنماطها السلوكية تطورت بشكل لا نظير له.

والواضح أن هذه التحولات الجوهرية التي مست العمل الديني، إن من ناحية الأسس، أو من ناحية المظاهر السياسية والاجتماعية، قد أثرت على مواقف الرأي العام العربي تجاه قضية حضور الدين في المجال العام، فبالقدر الذي أصبح الدين أكثر حضورا في هذا المجال العام بالقدر الذي أصبح فيه هذا الحضور قضية شخصية تحفز المواطن العربي على تحديد موقفه، بحيث إن الدين لم يعد حزمة من التعاليم الأخلاقية والتعبدية فقط، بل أصبح صناعة خاضعة لتقنيات متعددة، مثله مثل أي فلسفة أخرى، ليبرالية أو غير ليبرالية، تتداخل فيها الصورة والخطاب والبهارات السياسية وسيكولوجية التلقي والجمهور.

ولأن الدين هو، بالأساس، خطاب في الهوية، بالمعنى المتعالي، فإن حضور الآخر في هذا الخطاب هو حضور أساسي وجوهري. ولو نظرنا إلى قضية التكفير، على سبيل المثال، التي أصبحت الأساس الذي تقف عليه الجماعات المتطرفة، لوجدنا أنها في مضمونها الفكري والفلسفي خطاب حول الآخر، أو إعادة صياغة الآخر دينيا، وتحديد موقعه إزاء الهوية التي ينطلق منها المكفر، سواء كان هذا الآخر موجودا داخل المعتقد المشترك، أو خارجه.

ومن هذه الزاوية فإن التحولات الأخيرة في العالم العربي، في المجال الديني، قد دفعت المواطنين العرب إلى اتخاذ مسافة شعورية ومعرفية من هذه القضية الشائكة. فحسب”المؤشر العربي” ارتفعت نسبة المؤيدين”بشدة” لمقولة”ليس من حق أي جهة تكفير الذين ينتمون إلى الأديان الأخرى”، من 27 في المائة في مؤشر سنة2012/2013، إلى 30 في المائة في المؤشر الحالي، بينما حفظت فئة المؤيدين على نفس النسبة في كل من المؤشرين، وهي 40 في المائة، بينما بقيت فئة المعارضين “بشدة” في نفس الموقع أيضا، وهي 6 في المائة، وهو رقم له مدلوله الخاص، يشير إلى أن القاعدة الأوسع من الرأي العام العربي تمثيل إلى تغليب كفة التسامح، مع ملاحظة أن نسبة المعارضين قد انخفضت بنقطة واحدة بين المؤشرين، لتنزل من 15 إلى 14 في المائة، لنجد أن نسبة المعارضين على الجملة هي 20 في المائة، لكن دون أن نغفل الترابط الدينامي بين الفئتين، باحتمال انتقال فئة المعارضين إلى فئة المعارضين”بشدة”، والعكس وارد أيضا.

أما مقولة “ليس من حق أي جهة تكفير الذين يحملون وجهات نظر مختلفة في تفسير الدين” فقد حازت اهتماما أوسع، ربما نظرا لموجة التكفير الديني في الإسلام وانتشار الجماعات المتطرفة، حيث انتقلت نسبة المؤيدين”بشدة” من 27 في المائة في آخر مؤشر إلى 32 في المائة في المؤشر الحالي، مقابل تقلص نسبة المؤيدين من 42 إلى 41 في المائة، لكن هذا التراجع لا يبدو مهما أمام تراجع آخر في فئة المعارضين، التي تقلصت من 14 إلى 12 في المائة، بينما حافظت فئة المعارضين بشدة على نفس الموقع، وهو 5 في المائة.

والخلاصة هي أنه ليس من الضروري قراءة التحولات الراديكالية التي يمر منها الإسلام اليوم باعتبارها تحولا في الذهنية العامة نحو مزيد من التشدد، بل العكس، فثقافة التسامح هي التي ستنتصر في النهاية على موجات الغاضبين باسم الدين.

‫تعليقات الزوار

9
  • محمد البسيط
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 00:43

    والخلاصة هي أنه ليس من الضروري قراءة التحولات الراديكالية التي يمر منها الإسلام اليوم باعتبارها تحولا في الذهنية العامة نحو مزيد من التشدد، بل العكس، فثقافة التسامح هي التي ستنتصر في النهاية على موجات الغاضبين باسم الدين.
    الإسلام دين التسامح

  • أبو عمران المراكشي
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 01:19

    الدين و الغير أصح لغويا و أسلوبيا من الدين و الآخر حيث "الغير" تحدد عاقلية الآخر بينما "الآخر" تشمل العاقل و غير العاقل…هذا من جهة الشكل فأما من جهة المضمون فقد اطلعتُ على ذلك الإستطلاع سلفا و لم أجد غير الذي قلتَ فلم تأت بتحليل عميق للنتائج غير أنك قمت بقراءة صحفية سطحية تروم الإنباء و الإخبار ليس إلا و عليه لا أرى حاجة لإدراج موضوعك تحت خانة "كتاب و آراء"…تقبل فائق التقدير و الإحترام…

  • خ/*محمد
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 01:24

    من الضروري واولى للدولة بأن تنشغل بالويلات والطامات والكوارث والآفات والمآسي والانحلال الأخلاقي والفساد الاجتماعي والنفاق السياسي والهزات الاقتصادية والفضائح المالية المدمرة للدولة *حين نتغلب على كل هذا سنكون من الجماعة والفرقة الناجية والطائفة المنصورة علما وعملا *
    القضايا التي لا تزال تشغل الشارع العربي ـ أو الشوارع العربية بالجمع هي !: اننا نكره امريكا لانها تغلغلت فيها الصهيونيه – المسيحيه 'المتطرفه' واصبح نصف موظفي البيت الابيض تابعين لجماعات التاثير الصهيونيه او ما يسمى باللوبي الصهيوني في امريكا المعادي للاسلام وللعرب بمختلف انتمائتهم الدينيه وتنوع حضاراتهم والنهج الديني المعتدل خصوصآ للاسلام ودينه المعتدل والخوف من صعود هذا الاسلام بالقادم من الايام،، وولوج نظرية 'صراع الحضارات من جديد الى الواجهه،، وهذا ما تخافه امريكا' الماسونيه!*
    فلا احد ينسى كيف أن بوش الأب قد صرح بنفسه ومباشرة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي كحلف يقف في مواجهة حلف الناتو الغربي بقيادة أمريكا، حيث قال بالحرف: 'العدو الآن هو الإسلام والعرب ويجب اسقاط اسلام العرب*

  • Preposterous
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 10:27

    Avant la montée de l’idéologie islamiste, les musulmans trouvaient dans l’islam un moyen de faire la paix avec soi-même et avec autrui et un facteur fondamental de cohésion sociale et de poursuite d’un idéal éthique à la fois personnel et collectif. Ça, c’était avant que les télé-cheiks et les prêcheurs de la haine ne les aient bourrés les cranes avec une idéologie fascinante basée sur une supposée supériorité morale des musulmans face à un Occident décadent et amoral et prônant l’exclusion et la violence. Avec eux, l’islam cesse d’être une religion de paix, d’ouverture et de dialogue et devient l’apologie de la débilité, de l’extrémisme et de la barbarie.

  • khalid
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 12:09

    تحليل عميق كالعادة، أعجبتني هذه العبارات التي تستحق التنويه …ولو نظرنا إلى قضية التكفير، على سبيل المثال، التي أصبحت الأساس الذي تقف عليه الجماعات المتطرفة، لوجدنا أنها في مضمونها الفكري والفلسفي خطاب حول الآخر، أو إعادة صياغة الآخر دينيا، وتحديد موقعه إزاء الهوية التي ينطلق منها المكفر، سواء كان هذا الآخر موجودا داخل المعتقد المشترك، أو خارجه.

  • Ahmad
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 14:10

    Excelent article monsieur ganbouri, vous avez de la vision.

  • sifao
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 16:31

    مصداقية الكلام تتأتى اولا من تسمية صاحبه للاشياء بمسمياتها ، على اي اساس تسمي الحراك الشعبي في دول شمال افريقيا "ربيعا عربيا " في الوقت الذي تم فيه اسقاط عبارة "المغرب العربي " من الدستور المغربي ؟ لتفادي مثل هذه النقاشات الجانبية كان بامكانك الحديث عن "ربيع ديمقراطي"لاعطاء مصداقية لكلامك ، الباحث الاكاديمي يتجنب كل ما قد يمنح للقارئ فرصة تصنيفه ضمن فصيل ايديولوجي معين.
    متى غاب الدين عن المجال العام في الدول الاسلامية منذ الخلافة الاولى الى يومنا هذا ؟ كل الامارات والمماليك التي تعاقبت على تولي شؤون المسلمين رفعت شعار الاصلاح الديني لتثبيت وجودها او للاطاحة بسابقتها او لغزو اراضي جديدة ، الدين لم يغب عن الحياة العامة ولو لحظة واحدة حتى يصح قولك " انه تحول لعله لم يحصل طيلة تاريخ الإسلام قاطبة " اما مركزية الخطاب الديني فقد انتهت بنهاية فترة تولي الرسول لامامة المسلمين ، حيث افترقوا الى شيع وفرق متناحرة كل واحدة تدعي الاحقية الشرعية والتاريخية لخلافة المسلمين، القول ان سقوط المركزية الدينية كان وليد الربيع الديمقراطي مجرد كلام فارغ لا يستند الى اي معطى تاريخي لانها سقطت بوفاة الرسول .

  • Ahmed52
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 21:41

    غموض كيير في المؤشر هبط ب 1 طلع 2
    الانسان المسلم لا يؤمن الا بالدين الاسلامي وبس.

    الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (ال عمران).

    وايات اخرى كثيرة فيها من تحرض نبد الاخر "داخلي كان او خارجي" واخرى تدافع عن التسامح مع المسلم وغير المسلم.

    وهنا بيت القصيد.

    اما المؤشر طلع او هبط معرفناش العوامل وراءه .وش الغبن ولا الحقرة ولا التهميش ولا ……………..

    اما ان يطلع المؤشر او يهبط فمن حرك انتفاضة "الربيع العربي" لا علاقة له بالاسلامين فهم كانوا في هده البلاد مند قرون ولم يفعلوا شيئا.

    كيقول المثل: "منين تطح البقرة كيكترو اماس".

    يتبع.

  • sifao
    الأربعاء 8 أكتوبر 2014 - 23:16

    متى كان الدين في العالم العربي حزمة من التعاليم الاخلاقية والتعبدية ? كل دساتير دوله يشكل الدين فيها اهم مصدر من مصادر سن تشريعاتها ، بستثناء بعض الدول التي فصلت الدين عن الدولة ، ليس نتيجة خيارات ديمقراطية وانما نتيجة اسباب طائفية كلبنان او تبعية سياسية بسبب الاستعمار كتونس ، وكان "الربيع" في تونس مثلا ، فرصة لاعادة المياه الى مجاريها الطبيعية ، اي عودة الدين الى فرض نفسه على الدولة ولو بقوة السلاح .
    الدين في جوهره خطاب رفض الآخر غير المنتمي اليه ، الاسلام مثلا اعتبر كل ما ليس منه جاهلية ، منذ الوهلة الاولى ، حتى الديانات السماوية قال عنها انها محرفة ، ليفرض نفسه كخطاب وحيد حامل للحقيقة الازلية ، بل في كثير من الاحيان تخطى حدود الرفض الى استعداء الآخر غير المسلم ، فأصبح الآخر هو العدو ، ولم يقف الامر عند هذا الحد ، بل ان تشظي "الحقيقة" الاسلامية نتج عنها ميلاد عدة كيانات محلية رفعت في وجه بعضها البعض سيف التكفير وتوسع مجال الاستعداء ليشمل الجميع الا الطائفة المستعدية ، وهذا ما يحدث الآن في دول "الخريف الدماغي" الذي يصفه المرضى بالربيع العربي .

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس