مرثية الشاحنة والوطن

مرثية الشاحنة والوطن
الإثنين 1 دجنبر 2014 - 23:35

هلْ كانت شاعرةُ العراق الفذَّة، نازك الملائكة، وهيَ تنظمُ قصيدتها “الكوليرا”، عامَ 1947، تخمنُ أنَّ حينًا من الزمن يأتِي على بلادِ المغرب، فيكُون بها راحلُون على شاحنات المزابِل، غير هامدِين على عرباتٍ تجرُّهَا الخيُول فتقرعُ حوافرها الأرض؛

خارج حسابات الجسُور والطرق، ثمَّة ما رجَّ وجدَان المغاربة، يومَ رأوْا جثامِين تلقى إلى شاحنة القمامة، لكأنَّها كومة دجاجٍ مذبُوح، يعدُّ وليمةً عند آخر النهار. بلاستِيك قاتم، قتامة الغيم والأفق في هذا الوطن، ثمَّ تغادر في غمرة المطر، وقدْ تغزَل بقطراتهِ المترفُون وبثت بشائره في نشرات المساء الرباطِي؛

لا وقتَ زائدًا عندنا نوليه للمآسِي، نفردُ تقاريرَ بالدقائق، نبتاعُ لهم الأكفان، ونؤمن قطرات من ماء الزهر، نرشها على جثامينهم، ثمَّ نطوِي القصة، لنسدِي العون إلى غرب إفريقيا، كي يجابه الإيبُولا، كيف لا ونحنُ الممتدُّون الفاتحُون للأعماق؛

لا حاجة لنا بالحرج، فلا تشوشُوا، أمَا علمتم أنَّ لنَا منتدًى لحقوق الإنسان بقصور مراكش، أمَّه “المناضلُون” من بقاع المعمُور، علَّهم يهبوننا شهادة “حسن سلُوك”، ويبرئون العصا من عظام المغاربة؛

ذرُوا العدميَّة وتأملُوا ما امتدَّ من بنيان، فِي قطارات السرعة وتقارير “دوينغ بيزنس” وثناء العارفين بالاستثناء المغربي، أمَّا البؤس العارم، فخدوش صغرى في النمَاء، وغيمٌ عابرٌ يكدرُ صفو الأوراش؛

لا تطلبُوا الكثير من الدَّولة، فإذَا ما ابتاعتْ لكم الدواء والغذاء، منْ أين يا ترى تدفعُ فواتير السفر، وإقامات الاستجمام، في عواصم “تبادل الخبرات”، ومن عساه أن يدبر ولائم العاصمة للضيوف والمحاضرين والمادحِين؛

ماذَا عساكم تريدُون أيهَا الناقمُون، ألم تتعودُوا على إغاثة أنفسكم بأنفسكم، ألستم أناسًا إذا انكسر ساقُ رجلٍ منكم، جمعتمْ لهُ مالًا، يجبرُ كسره، وأمنتمْ من عاداتكم، طعام المستشفى، فأحطتم جنبات سريره بكؤوس الياغُورت وأكيَاس الفواكه؛

ما دهَاكم تلتفتُون إلينا اليوم، لكأنكم عهدتمونَا نجزعُ شيبًا وشبابًا إذَا ما أصبتم، ألم تكونُوا تعرفون قبل اليوم، أنَّ متمَّ مهتنا، عند وهب شهادة الميلاد، وتدبيج شهادة الوفاة، ورمي فتات فيما يفصلهما من أعوام؛

ألمْ تجدُوا وقتًا أنسب لتغرقُوا سوَى أسابيع قبل توضيب البساط الأحمر في مراكش، وتهييئة للحسناوات يتبخترن عليه، ويرمين ابتساماتهنَّ للعدسات، ألمْ تخشوْا أنْ تفوح رائحةُ الموت، فتفسدُوا على الوطن، احتفالاته، وتذيع صوركم، فيتخذوها مدخلًا للنيل من قضاياه؛

لا تلُومُوا المتأنقِين السمان، المرشُوشِين عطرًا باريسيًّا، ذرُوهم، فمَا مصابكمْ إلَّا من قدر لا رَادَّ له، فلَا تتمردُوا، كفكفُوا دموعكم، وأحبُّوا الوطن، كمنْ هامَ في حبٍّ عذرِي، فلا ينتظرُ من محبوبته ودًّا ولا عطفًا ! ذلكم الحبُّ فكونُوا به عارفِين ! وذلكم الوطن فظلُّوا لهُ مخلصِين !

‫تعليقات الزوار

5
  • arabickeyboard
    الثلاثاء 2 دجنبر 2014 - 01:34

    أوجزت فأبدعت لا فض فوك بارك الله فيك
    و لكم الله يا عباد الله

  • حماضت و تبيريمات
    الثلاثاء 2 دجنبر 2014 - 01:38

    من لديه الحق في التكلم عن ضحايا الفيضانات هم أهل الضحايا لا غير . الناس اقامت العزاء و دفنت الشهداء منذ اسبوع و هؤلاء التجار مازلوا يستغلون دماء الناس بعد ان بارت تجارتهم منذ مدة طويلة .
    و يتهمون شركة *دلع* بمحاولة استغلال التوائم الخمسة . على الاقل الشركة قدمت عقد و مقابل مادي . اما هؤلاء الخونة الانذال لم يوكلهم أحد بالتكلم نيابة عنه و رغم ذلك يحاولون ما امكن استغلال الوضع دون ان يقدموا او يؤخروا شيئا للمتضررين

  • البوزيدي ، طوفان بنكيران
    الثلاثاء 2 دجنبر 2014 - 16:34

    استغلال لكارثة طبيعية ولضحايا قتل معظمهم الجهل والتهور. وحتى نتحدث في الصميم فإن من يجب أن ترثيهم فعلا هم من يجثم بنكيران على صدورهم ، إذ ظهر جليا ألا شيء يمكن أن يطيح به ، لا الأزمة ولا انسحاب وغدر الحلفاء ولا الإضراب العام العبثي المخدوم ولا الفيضان ولا حتى الطوفان . وفروا مدادكم ولعابكم فالرجل باق على ما يبدو إلى حدود 2021 أو يزيد ، وما شاء الله فعل.

  • يونس
    الثلاثاء 2 دجنبر 2014 - 18:34

    لا أخفي عليك سيدي أن أسلوب كتابتك الرائع ألهاني عن رسالتك وهول ما أصابنا.نتمنى أن نقرأ لك المزيد.

  • كاره الجرادا ا لادمي
    الأربعاء 3 دجنبر 2014 - 05:26

    الى البوزيدي صاحب التعليق رقم 3 لم تستسغ حرقة والم صاحب المقال والتي مررها باسلوب ناعم .شخصيا كنت اعتقد بفسحة امل لكن ظاهرة الحمايات الشخصية في القرن 19 والاحتماء بالاجنبي تحولت الى الاحتماء بالملكية وللاسف بالكيرانية في القرن21

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 4

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال