رحم الله باها: كدت أقول "بيريغوفوا" المغرب

رحم الله باها: كدت أقول "بيريغوفوا" المغرب
الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 00:36

ركن سيارته وانقاد لقدره:

في سنة1992 عين الرئيس الفرنسي “ميتران” Piere Béregovoy وزيرا أولا،في ظرف سياسي واقتصادي حرج؛اتسم بفتح ملفات الإنفاق العمومي غير المراقب؛وانخفاض العائدات الضريبية مما أزم وضعية الخزينة الفرنسية.يضاف الى هذا توالي المتابعات القضائية ،بتهم الارتشاء، لعدد من المقربين للرئيس.آلى الوزير الأول على نفسه محاربة الارتشاء السياسي والمقاولاتي بلا هوادة؛ وفي تقديمه لبرنامج حكومته ،أمام الجمعية الوطنية،بتاريخ 8أبريل 1992،أكد على:

“الاستعجال،أخيرا، في محاربة الرشوة..مع وزير العدل “ميشال فوزيرت” أصرح علانية بمساندتي للقضاة الذين يلاحقون الفساد ،انتصارا للقانون لاغير.هناك شكوك تثار حول بعض الأشخاص العموميين الذين اغتنوا بطرق غير مشروعة؛فإذا كانوا أبرياء يجب أن ينصفوا ،وإذا كانوا مذنبين يجب أن يعاقبوا.. وفي جميع الحالات يجب أن تسود العدالة ..وأقدم دعمي أيضا للشرطة التي تعمل..” عن ويكيبديا

لم تعوز لوبيات الفساد الحيل لتدمير الرجل ،فراحوا ينقبون في حياته الشخصية ،وعلاقاته،ومعاملاته المالية الخاصة،عن منافذ للريح.على مدى شهور لم يكن هم الصحافة الفرنسية غير الحديث عن امتيازات استفاد منها ،بصفة شخصية مباشرة ،أو من خلال عائلته. وحينما ارتقى الأمر إلى انكشاف قرض بدون فائدة ،وظفه في شراء شقة بباريس ،وكون المقرض من محيط ميتيران استلت كل السكاكين ،وتسابقت الأيادي نحو رقبة الوزير الأول.

في مساء يوم السبت فاتح ماي1993- بعد شهر من مغادرته “ماتنيون”- وبالضبط على الساعة السادسة وثمانية عشر دقيقة ،أُشعرت الوقاية المدنية بمدينة NEVES بوجود “بيريقوفوا” ،صريعا،على جانب إحدى ترعات المدينة؛وبرأسه أثر طلق ناري. انتهى التحقيق إلى تأكيد انتحاره بمسدس حارسه الشخصي.

وعلى الطريقة الفرنسية المعروفة،لم تتوقف الأمور عند هذه الخلاصة الرسمية فظهرت روايات عدة وسُجلت أشرطة ،تحاول أن تؤكد أن الرجل لم ينتحر وإنما قتل. حتى الاستعلامات العامة الفرنسية لم تؤكد منذ البداية نتيجة التحقيق.كل ما هو مؤكد أن الرجل ركن سيارته ،وانقاد لخطواته صوب الترعة حيث لقي حتفه بطلق ناري.في جنازة الوزير صرح الريس ميتران بالآتي: “كل تفسيرات العالم لا تبرر كوننا سلمنا للكلاب شرف رجل،وفي النهاية حياته؛بثمن جنوح مزدوج لمتهميه ،عن القوانين الأساسية للجمهورية،تلك التي تحمي شرف وحرية كل واحد منا.

ان الذهول ،الحزن والألم الذي أصاب عمق الضمير الشعبي ،منذ الإعلان عن ما حدث يوم السبت ،هل سيوجه صوب سبل جديدة للمواجهة –على أساس الاحترام المتبادل-مما يعطي معنى جديدا للحياة السياسية؟أتمنى ذلك وأطالب به،وأُلجأ الى قضاء الفرنسيين ،بخصوص الإنذار الخطير الذي يتضمنه الموت المرغوب فيه ل”بيير بيريقوفوا”.”

من neves الى بوزنيقة:

تستحم المأساة الفرنسية في مياه المحيط الأطلسي الشاسع ،مخلفة فيه كل خصوصياتها الجوهرية؛لتعبر الى شاطئ بوزنيقة،ومنه الى قنطرة وادي الشراط لتعيد تمثيل ما ظل عالقا بها من متشابهات:

*وزير دولة ،مكانته بالنسبة لرئيس الحكومة ،بمنزلة هارون لموسى –كما كانت منزلة بريقيفوا من ميتران- يقرر هو بدوره ،تقريبا في نفس التوقيت المذكور،أن يركن سيارته ثم ينقاد لخطواته وهي تتجه به صوب الترعة –مرة أخرى- حيث قضى غرقا رجل برلمان صديق له. انقاد لخطواته أكثر من تفكيره؛لأن الظلمة لم تكن لتسعفه في رؤية ما كان يود رؤيته.

ولأنه ترك ما كان يريد رؤيته في السافلة،وصعد إلى السكة؛ربما لكي لا يموت،رحمه الله، إلا عاليا كنسر عمر أبي ريشة.أكاد أجزم أن رئيس الحكومة لو استشاره في نفس الزيارة الغريبة –توقيتا ومكانا- لنهاه ،ولأقسم عليه ألا يفعل.

لهذا أقول انقاد ولا أقول ذهب.في الشريط المأساوي يُسمع صوت وهو يقول للوزير الرباح: سبحان الله كم من أرواح أزهقت في هذا المكان.كأنه آهل بأهله. طبعا هذا من باب تفسير الغريب بالغريب.

وليس لنا الا أن نقول مع الشاعر: لكن إذا حم القضاء على امرئ***فليس له بر وليس له بحر

*الانتحار الذي ثبت رسميا في حق الوزير الفرنسي،مستبعد جدا بالنسبة لرجل دولة – حسب النعت الملكي السامي-يمثل مدرسة في الإيمان والحكمة والنصح؛حسب شهادات كل من خالطه سياسيا وشخصيا. ومن جهة أخرى فان من يصادق،لعشرات السنين -مستشارا- بن كيران، لايمكن ألا تصيبه عدوى التفاؤل والضحك،حتى في أحرج اللحظات.

* وكما هو الأمر بالنسبة لبيريقوفوا –ولكل وزير حازم- لا بد أن يكون المرحوم عبد الله باها قضى وهومثقل الوجدان والفكر بقضايا الدولة التي يطلعه عليها رئيس الحكومة؛وهي قضايا غير هينة ،اعتبارا للوضعية الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد،أسوة بمحيطها الدولي. واعتبارا لقضايا الوحدة الترابية للمملكة ،والمحيط العربي المتداعي،وموت الأخلاق الدولية.

وإذا كانت أبواب جهنم فتحت على الوزير الفرنسي ،في أمور لها مساس – ظلما- بذمته المالية ،فان المرحوم عبد الله باها وافد جديد على السلطة ،ولم يعرف له ثراء مشبوه. الرجل ينعت بالعلبة السوداء مما يعني أن كل ثروته في رجاحة عقله ووفائه وتواضعه؛وكل ذهبه في الصمت الحكيم،والعمل الدؤوب.

*خلافا للوزير الأول الفرنسي لم تتعرض الصحافة الوطنية لعبد الله باها بسوء ،وربما حتى بخير؛لأن الرجل ظل خارج حلبة المصارعة ولا أقول المعارضة؛يتابع القصف والقصف المضاد في البرلمان ،لكنه لايرد مباشرة،على الأقل.في هذه ،ربما، لم يكن بن كيران يستمع لنصح رفيقه وصَفِيه.

*وكما تلاحقت الطعون في خلاصة التحقيق الفرنسي الرسمي ،وقد أكد فرضية الانتحار؛تقاطرت ،في وسائط التواصل ،وفي المواقع الإخبارية،فرضيات التصفية السياسية، و حتى غير السياسية لوزير الدولة.

طبعا لاينكر أحد أن كل الشروط توفرت لتفسير ذهول المواطنين، وهم يخبرون بأن وزيرا قضى تحت عجلات قطار؛وهو في مهمة غريبة،اعتبارا لتوقيتها. نعم قيل عن وزراء العدالة والتنمية إنهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق،ويركبون القطارات ؛لكن أن يضاف إلى هذا كونهم يموتون تحت عجلاتها أيضا ،فهذا لا يستسيغه أحد؛وان كان حصل.

لينقشع هذا الغبش لا بد أن يقدم تقرير التحقيق ،الجاري،ما يكفي من التفاصيل للمواطنين،فهذا من حقوقهم.

هذا الإلحاح على أدق التفاصيل مؤشر ايجابي يدل على الحيوية والتتبع؛وهما شرطان من شروط المواطنة الحق.

الظاهرة الخطيرة التي أصبحت تتيحها شبكات التواصل هي توزيع الاتهامات ،بكل نزق شبابي وعشوائية؛وقد رأينا كيف انهار الوزير الأول الفرنسي ،متألما من نهش صحافة غير نزيهة.وكيف تألم ميتران لموت وزيره وصديقه – نهشا-وتمنى أن يجد الجميع في المأساة درسا لحسن تدبير الخلاف والمواجهة.

إن شهيد المغرب وزير دولة ،من حزب كبير،وللدولة مؤسساتها القضائية ووسائلها لتفسير كيف جرى ما جرى.

تعزية خاصة:

لصاحب الجلالة ،حفظه الله،في فقد رجل دولة كَبُر أداؤه وتواضعه. للعائلة الصغيرة التي ستظل تنتظر الأب والزوج، في أوقات دخوله المعتادة؛لكن المرحوم لن يعود؛اذ عاد روحا إلى خالقه عز وجل.فصبرا صبرا آل باها..للمغاربة جميعا ،فحيثما وليت وجهك وسمعك، يتناهى إليك الألم العام لهذا المصاب الجلل ؛وقد بكى الأباعد كما بكى الأقارب والأصحاب.ولرئيس حكومتنا الذي فقد خلا وفيا ووزيرا عاملا ومستشارا ناصحا.نعم نعرف أنك فقت أخا لم تلده أمك؛وكنت وفيا أروع ما يكون الوفاء.

تقبلك الله يا شهيد في عالي المراتب.

[email protected]

ramdane3.ahlablog.com

‫تعليقات الزوار

6
  • MOUSSA BENKRIM
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 09:31

    Qu'Allah lui fasse miséricorde et le bénisse.
    C'est un homme qui travaille avec une sincérité exemplaire dans le silence pour le bien être de son pays et pour forger un modèle de réforme qui peut être un exemple à étudier et à suivre pour enrichir les expériences humaines réussies dans l'histoire de l'humanité.
    Cette philosophie du devoir dont parle Abdellah Baha doit être inculquer dans les mentalités de tout le monde par les moyens éducatifs et pédagogiques pour établir la justice sur la terre.
    :Faire son devoir demande de la sagesse et du courage mettre la cloche au cou du chat par une souris
    Chacun doit être responsable de ses actes et doit assumer ses responsabilités pour que les choses bougent et surtout l'élite politique, idéologiques et économique.
    La mort est destinée pour tout le monde donc la mort de chaque personne doit être une leçon pour les vivants.
    Nous sommes tous à Dieu et à Lui nous retournerons.
    Qu'Allah pardonne à tout le monde et les guide vers la droiture.

  • noureddine
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 10:02

    رحم الله شهيدنا سيدي عبدالله بها، مطلبنا هو إجراء تحقيق نزيه و اطلاع المغاربة عليه، لحد الساعة كل التفسيرات التي اعطيت للحادث غير منطقية، نريد تفسيرا شافيا لما وقع، فتوقيت الحادثة و طريقها تطرحان أكثر من علامة استفهام، نطلب قليلا من احترام عقولنا.

  • FOUAD
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 14:25

    شكرا اخ الادريسي على مقالك الا اني اقول انها مقارنة مع وجود فارق غاب عنك! و هو ان متران "اقال" بيروكوفوا لتسببه في خسارة الاشتراكيين الانتخابية و ان متران رفض حتى "الرد" عليه في الهاتف و ان بيروكوفوا غير متدين و ان تكوينه الاكاديمي بسيط فهو غير حاصل على الباك و ان بيروكوفوا و اثنان من اصدقاء متران انتحروا ابان حكمه!
    فهي مقارنة ينقصها الصواب و تمنيت لو احتفظت بالنصف الثاني فقط!
    Mon salam

  • سعيد
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 15:18

    فرضية الانتحار التي يدندن حولها البعض تبدو مستبعدة، لا لكون الفقيد متدينا،وانما لكونه كان في قمة توازنه النفسي قبل الحادث.
    ان ينتحر الانسان بتلك الطريقة البشعة يتطلب ان يكون في حالة من السوداوية الشديدةmelancolie بحيت يصبح من المستحيل عليه معها مزاولة العمل وحتى التواصل مع الصحاب والاهل والابناء،بل يدخل في حالة من العزلة ورفض الاقبال على الحياة، وهو ما لم يظهر ابدا على الفقيد الذي ظل يزاول مهامه العاىلية والسياسية بكل تفاءىل وسلاسة حتى اخر لحظة من حياته.
    شخصيا كدت مرة ان اتعرض لدهس قطار سريع قبل سنوات،اذكر اني تفقدت السكة جيدا قبل ان اتقدم بكل اطمىنان، لكني لم اكد اخطو خطوات حتى فاجني بسرعة مفرطة على بعد امتار قليلة،اقسم اني لم اسمع هديره ابدا الا على بعد امتار لان الريح ببساطة كانت تهب بقوة عكس اتجاهه!
    اعتقد والله اعلم ان بها حصل معه نفس الشيء،وانه تفقد جيدا السكة قبل ان يتقدم الى مكان الحادث،لكن ذهنه شرد لاحقا وهو يستحظر فاجعة الزايدي فحصل ما حصل،ولعله لقي حتفه هناك وهو يهم بقراءة الفاتحة على روح الزايدي في عين المكان.
    هذا مجرد راي والله اعلم بما حصل.

  • arsad
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 15:38

    اذا كان المرحوم قد قضى وقتا في ذلك اليوم المشؤوم في مكان قريب من مكان الحادث او مر علبه وهو في طريفه الى حيث مقصده فيجوز انه قد فكر في افتقاد المكان وذهب لكي يلقي نضرتا على الوادي ولكن ان يكون في مدينة الرباط وبيته في حي اامحيط ولا مأرب له في اي مكان يعدي فيه على وادي الشراط فهناك اذا لغز ما في الامر ولك من جانب آخر المرحوم ليست له عداوة مع اين كان وليس ممن يحققون في قضيت ما ولا دخل له في كل الحسبات من هذه المشاكل فهو صديق للكل ومن المستبعد ان يكون هناك حادث مدبر فالكل يشيد بخصاله الحميدة وبرجاحة عقله واخلاقه ولاﻻيسعنى الا انقول وجبت ورحمه الله وغفر له

  • Enigme
    الأربعاء 10 دجنبر 2014 - 18:46

    انه اللغز المحير !
    كيف لرجل عاقل، متكون، متعلم، له خبرة وذراية، ويذهب الى السكة اثناء غروب الشمس !
    في طفولتي كنا نسكن بجانب سكة القطار، وكنا نمر فوقها. وكنا حذرين ونحن اطفال !
    فكيف لرجل عاقل ان لا ينتبه لمرور القطار وهو يدرك جيداً أن في ظرف كل 20 دقيقة القطار يمر من هناك.
    بعيداً كل البعد عن فكرة المآمرة، وأن الشخص البشوش، النقيُّ، العفيف ليس له أعداء، يمكن ان يكون لنا 0،5% من الشك حتى نفهم هذا اللغز المحيّر والغريب !
    رحمه الله، وأسكنه فسيح جناته، وأ رزق الله أهله الصّبر والسلوان
    فموة الشهيد باها درس لمن لارحمة في قلوبهم، للفاسدين والمفسدين،والمنافقين والمنافقات !
    يحسبون انفسهم خالدين، بلا !

صوت وصورة
سكان مدينة مراكش بدون ماء
الثلاثاء 19 مارس 2024 - 01:05

سكان مدينة مراكش بدون ماء

صوت وصورة
خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين
الإثنين 18 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | عواقب عقوق الوالدين

صوت وصورة
كاريزما | حمزة الفيلالي
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | حمزة الفيلالي

صوت وصورة
خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني
الإثنين 18 مارس 2024 - 22:00

خيوط البالون | المقلب الأخير لري تشيكوني

صوت وصورة
رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا
الإثنين 18 مارس 2024 - 21:30

رمضانهم | أجواء رمضان في روسيا

صوت وصورة
ابراهيم دياز يصل إلى المغرب
الإثنين 18 مارس 2024 - 18:09

ابراهيم دياز يصل إلى المغرب