عن بوادر تقارب العدالة والتنمية المغربي والسلطة، وعن حيرة المعارضة

عن بوادر تقارب العدالة والتنمية المغربي والسلطة، وعن حيرة المعارضة
الإثنين 5 يناير 2015 - 23:58

إذا ما نحن استثنينا الفترة التي تولي فيها حزب الاتحاد الاشتراكي تدبير شؤون حكومة البلاد، بعد اشتداد الأزمة ووصول المغرب وقتها استنادا إلى بعض التقارير الصادرة دوليا إلى مرحلة “السكتة القلبية”، وامتلاك الاتحاد لبعض “مقومات الحل والمخرج”، اعتبارا لكونه كان يعتبر أحد الأقطاب الرئيسية للمعارضة، ولامتلاكه جزء من كفاءات البلد، ولكونه كان يمتلك جزء من الامتداد الشعبي في ظرفية كان التأثر فيها واضحا بالخطابات الثورية والتحررية عبر العالم.

إذا ما نحن استثنينا هذه الفترة، والتي لم يحرص الحزب (مع كامل الأسف) على المساهمة إيجابا في الحفاظ عليها، وتأمين شروط استدامتها، فيمكن اعتبار سياسة الحصار على التيارات ذات الخلفيات الدينية “أحد ثوابت تدبير السياسة في المغرب لمرحلة ما قبل الربيع العربي”، وقد تجلى ذلك بوضوح إما بطرق ناعمة من خلال اللجوء إلى التزوير وصنع النتائج الانتخابية، أو عبر التحدث بغلظة مع رموز هذا التيار لثنيه عن تعميم مشاركته على طول الرقعة الجغرافية للبلد أو عبر لجوء الحزب إلى نوع من “التقزيم الذاتي” تقديرا منه للجو السياسي العام ورغبته في عدم إحراج السلطات وللمساهمة بطريقته في إنجاح “مسار الدمقرطة المتدرج” والذي كان يحتاج إلى أحد أنواع “التضحية الذكية” من الحزب في تلكم الفترة العصيبة.

للتيار الإسلامي بدوره نصيب مقدر في تحمل جزء من تبعات هذا الحصار المسلط عليه، إذ يبدو وكأن الديمقراطية لم تكن مرسخة بشكل كبير داخل أوساطه، إذ غالبا ما كان يتم التعامل معها بطريقة انتقائية، “كوسيلة وليست غاية”، وربما أيضا بفعل القمع والتسلط الداخلي الممارس من طرف السلطة والمدعوم بسياسة دولية ظالمة متأثرة بتداعيات الحرب الباردة، تنحو إلى الكيل بمكيالين في التعاطي مع القضايا المنصفة والعادلة خاصة قضية العرب والمسلمين الأولى فلسطين، وهو ما كان يدفع جزء من أنصار هذا التيار إلى التشدد والتطرف وإلى اختيار العنف كأسلوب للتعبير والتنفيس على الذات، كما حصل مع التفجيرات التي عرفها التراب الأمريكي أو النسخة المغربية لهذه التفجيرات في مدينة الدار البيضاء، وهو ما كان يساهم في المزيد من تضييق الخناق على التيار المعتدل، الذي كان يجد نفسه في وضعية محرجة وفي وضعية الترافع من أجل تبيان المسافة التي تفصله عن الجماعات المتطرفة ومحاولته جاهدا تفنيد المقولة القائلة “ليس في القنافد أملس”.

مياه كثيرة ستجري تحت الجسر، إذ بفعل رياح الربيع العربي، سيجد التيار الإسلامي نفسه وقد تصدر واجهة الأحداث، حيث اختار التعامل باتـــزان مع شرارة الأحداث التي كانت وقتها جد ساخنة، وعوض أن يزيد النفخ في الأحداث وتسخين الوضع الداخلي في شكل احتجاجات واضطرابات كما كان يحصل في العديد من الدول العربية، فضل تيار حزب العدالة منحى مغاير يروم تهدئة الوضع الداخلي وإبراز قيمة الحفاظ على مكتسب الدولة وعلى قيمة الأمن والأمان رغم النواقص الذي تعتري الوضع بشكل عــام.

الدولة من جهتها لم تبق مكتوفة الأيدي إذ بادر ملك البلاد عبر الخطاب التاريخي ل 9 من مارس، إلى إجراء تعديلات جد هامة مست الوثيقة الدستورية وإجراء انتخابات سابقة لأوانها، أفرزت كما هو معروف عن تصدر الاسلاميين للنتائج وهو ما أسفر عن قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة باعتباره الحزب المتصدر للنتائج حسب ما ينص على ذلك المقتضى الدستوري المعدل.

في محاولة للمزيد من طمأنة الوضع، وخصوصا للمزيد من تطبيع العلاقة مع الدولة، سيلجأ الحزب الإسلامي وخصوصا رئيس الحكومة إلى اتخاذ العديد من الإجراءات القاسية في “عرف الشعب”، إجراءات تهدف إلى خدمة “خيمة الدولة” بتعبير الأستاذ راشد الغنوشي، لأنه في عرف الحزب الإسلامي إذا ما سقط عود الخيمية فإن تداعياته (لا قدر الله) سوف تصيب الجميع ومن دون استثناء، ولذلكم فقد أخذ الحزب على عاتقه مسؤولية تنزيل هذه القرارات الجريئة والشجاعة، من أجل ضمان نوع من التماسك لخزينة الدولة والحيلولة دون وقوعها في الانهيار والعجز. ففي مقابل هذه الخطوات الضرورية والمؤلمة في “منطق الحزب” يجب أن تنتفي الحسابات السياسية الضيقة وقد لا يهم معها حتى شعبية الحزب.

وإذا كانت الأحزاب في السابق لا تمتلك شجاعة القيام “بهكذا قرارات” لأنها كانت محرومة من أية امتداد شعبي وكانت تتخوف من انقلاب الشارع عليها والذي كان يملك الإسلاميون قدرة تحريكه، إلا أن الوضع هذه المرة يبدو جد مختلف، إذ سيذهب الحزب الإسلامي في الاتجاه الذي يبرهن فيه “لمراكز القرار” بأنه ليس هنا من أجل تحقيق مآرب حزبية ضيقة، أو محاولة تقوية ذاته شعبيا من أجل قلب الطاولة، بقدر ما أن هاجسه هو خدمة البلد والتفاني في ذلك، ومع أن القراءة المتسرعة لبعض مبادراته قد تبدو “ظاهريا” وكأنها ضد مصالح الشعب إلا أنه “في منطق الحزب” ومع تدقيق النظر إليها على المدى المتوسط والبعيد قد يجعل من الإقدام عليها ضمن العناصر الإيجابية والجريئة والتي قد تخدم لامحالة الحزب في علاقته مع السلطة ومع الشعب في نفس الوقت، بالنظر لحجم الإنجازات التي لامحالة آتية ولو بعد حين.

بعد حوالي ثلاث سنوات من الحكم، وفي شبه تقييم لحصيلة علاقة الحزب بالدولة، يبدو وكأن الحزب ماض في “الطريق الحسن”، إذ يبدو وكأنه قد راكم نسبيا ما يفيد بأنه قد استطاع أن يتقدم مسافات على هذا المستوى، يؤكده من جهة تجديد الثقة في الحكومة بعد خروج حزب الاستقلال منها في ظرفية جد دقيقة اتسمت بمسار التراجعات على الثمار الإيجابية للربيع العربي، خاصة بعد انقلاب مصر، ينضاف إلى هذا الأمر “المنحى الانحداري” الذي تبرزه حدة النقد الذي عادة ما كان يوجهه الحزب لبعض دوائر السلطة، كما نلحظ نوع من الهدوء والارتياح في نبرة الخطابات الأخيرة للسيد بنكيران، ومن خلال ما أبداه بعض رموز الحزب مؤخرا من كلام له علاقة بالرفق بالدولة وعدم الترويج للمغالطات والتبين في قضية وفاة المرحوم باها، ناهيك عن ما قرأه الحزب من مؤشرات إيجابية فيما يخص الرسائل الثلاث التي وجهها ملك البلاد في نعي المرحوم باهــــا.

هذا التقارب والذي بدأت بعض مؤشراته تلوح في الأفق، ربما يكون لا يعجب الخصوم، لأنه يضرب في الصميم جانب من القوة التي كانوا يستمدونها انطلاقا من طبيعة الأدوار التي كان البعض منهم يقوم بها من حيث “فعل المتعين” في ما يخص الحيلولة ومحاولة إيقاف وقطع الطريق على المد الإسلامي، ففي ظل هذا التقارب ربما قد يكون “هذا البعض” قد أحس بأن عنصرا هاما ومربحا ( إسداء الدور للسلطة) قد سقط من بين أيديه، وسيكون عليه هذه المرة التعويل على ذاته وعلى الآليات والأدوات الطبيعية في ممارسة السياسة، والمتمثلة في بناء قاعدة حزبية صلبة وفي محاولة خلق رأي عام داعم لتوجهات الحزب وفي بناء الهياكل وتقديم الحلول والمقترحات والاضطلاع بالمهام الحقيقة للمعارضة.

عوض الاضطلاع بهذه الأدوار، يبدو بأن بعض الكيانات الحزبية قد بدأت في ممارسة السياسة بمنطق جديد، منطق الحفر في بعض الملفات التي تلمح عبرها عن عدم رضاها ومباركتها لهذا التقارب المفترض، إذ بدأنا نسمع عن كلام معسول توجهه هذه الأطراف له علاقة بالحقوق والحريات الذي يجب أن تتمتع به كل من العدل والإحسان والجمعية المغربية لحقوق الإنسان مثلا، في شبه تركيب لخطاب مضمر يبادل السلطة “الصاع بالصاع” ففي مقابل الأدي الذي قد لحق بها جراء القرب الافتراضي ما بين السلطة والعدالة والتنمية، تريد هذه الأحزاب أن تلمح للسلطة إلى جانب من الأدوار الخفية التي مازالت تلعبها في ما يخص سكوتها على بعض القضايا المحرجة والعصية على التدبير في منطق السلطة..

وحبذا لو يكون دفاع هذه الأحزاب دفاعا صادقا ينم عن إيمان عميق بالديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات بذل أن يكون استحضارا لنفس “النهج التكتيكي” الذي يريد الابتزاز عبر التوسل بكل الطرق الممكنة وحتى الملتوية، وهو ما يبرز حاجة بنكيران وصحبه ربما للاستعانة بالصمت في ممارسة الحكم وعدم الفرح والترويج لخطاب الانفراج( إن كان هذا الانفراج أصلا صحيحا)، لأنه إذا لم يكن لبعض هذه الأحزاب القدرة على البناء فربما تكون قادرة على الهدم، وهو الدرس الذي يجب استخلاصه وتأمله بسرعة في رسم السياسات المستقبلية للحزب.

http://freisma.com/zarhouti-blog

باحث في المشهد السياسي

‫تعليقات الزوار

4
  • hammouda lfezzioui
    الثلاثاء 6 يناير 2015 - 12:07

    السلطة بحاجة الى من يستمع الى املاءاتها واوامرها بشكل صارم وينفدها في الحال.واضن انها وجدت ضالتها في pjd بعدما كانت تتخيله سابقا كتمساح قادم,فكرت في الاجهاز عليه تارة,وباقصائة تارةاخرى .وعلى العموم فكل الاحزاب مخزنية الا منظمة العمل الديمقراطي الشعبي كما قال المرحوم ابراهام السرفاتي وقتها.

  • marocain
    الأربعاء 7 يناير 2015 - 19:37

    Je me retrouve sur la meme longeur d'onde avec l'analyse de l'auteur. Merci de continuer.

  • وهيبة المغربية
    الأربعاء 7 يناير 2015 - 22:06

    انظم ام الاخوان الى مغازلة السلطة ليس وليد اليوم
    بمراسلات بن كيران للبصري والتقرب من وزارة الداخلية
    انطلقت منذ بداية الثمانينات ( وقبلها ان ركزنا انظارنا
    عن بعض الاغتيالات بواسطة ميليشيات الشبيبة الاسلامية
    مثل عمر بن جلون..) حينها اختارت الداخلية ( البصري)
    تشجيع الفصائل الإخوانية المغربية للوقوف امام بقايا
    الوطنيين ومنهم الاشتراكيين و الشيوعيين …

    وهيبة المغربية

  • من دون مشكل
    الأربعاء 7 يناير 2015 - 23:29

    والله العظيم هاد شي مزيان اول مرة تمر السنوات من دون فقضة قلب او وجع تمر 3 سنوات من عمر الحكومة الحالية بسرعة فائقة من دون مشاكل اللهم ارحمها وزدها نعمة رغم القرارات الصعبة الا ان الحكومة تفرح الشعب والقادم احسن وراء صاحب الجلالة نصره الله انا غادي نصوت على العدالة والتنمية المرة الجاية عه…

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة