أمنا الأرض مريضة.. نفسانيا

أمنا الأرض مريضة.. نفسانيا
الأربعاء 7 يناير 2015 - 13:51

كوكبنا الأزرق مريض..وليس المرض بيولوجيا.. المرض نفساني..وليس ناتجا عن خلل ذاتي، الخلل من البشر..والضغط على الأرض يزداد أكثر فأكثر، وكأنها مجرد وليمة استهلاكية..ويتواصل التهجم بحدة وعنف على ثرواتها الطبيعية، من بترول ومعادن ونباتات وغيرها، وعلى كائنات مرئية وغير مرئية، فيزداد يوما بعد آخر خلل الطبيعة، ويتسع الشرخ في العلاقة بين البشر وباقي مكونات الحياة في البر والبحر والجو..

هذا هو هجوم على الأوكسيجين.. هجوم على نبضات الحياة..ولم نعد نعيش حياة طبيعية..ولم تعد الطبيعة قادرة على المواجهة، وهي تختنق بالنسل، والاستهلاك، والأسلحة، وسوء التدبير، والجفاف، واجتثاث المناطق الغنية بالثروات الطبيعية، لفائدة مليارديرات هذا الزمن..العدوان متواصل.. والتواصل سيئ جدا مع كوكب الأرض.. والحياة مهددة في الصميم.. فالأرض مواردها محدودة، واستنزافها يزداد أكثر فأكثر.. وأعمق وأعمق..وأصبح السؤال المطروح: هل في الأفق كوكب بديل للأرض؟

ومن أجل البحث عن كوكب بديل، يصرف العالم ميزانيات ضخمة في الأبحاث والآليات، بينما الأولى أن يعاد النظر في علاقة البشر بكوكب الحياة، وعلاقة البشر بالبشر..إن كوكبنا يستطيع إعالة حوالي 10 ملايير نسمة.. ونحن اليوم حوالي 6 ملايير..الأولى هو تنظيم النسل، وتدبير علاقة إيجابية مع الطبيعة، لكي تعود الحياة إلى أمنا الأرض..

هذه هي الأولوية، وليست الإيديولوجيا التي تصر على البحث في المجهول.. وهو بحث يستنفد ثروات الأرض، ويراهن على قرون وقرون مقبلة..الرهان على مستقبل بعيد جدا ليس هو الحل.. الحل هو الحاضر.. وهو علاج العلاقة مع أمنا الأرض..كيف نعالج هذه العلاقة المريضة المهددة لحياتنا جميعا؟لا أحد يعرف إن كانت الحياة ممكنة على كوكب الأرض بعد قرن من الآن.. والحل موجود بأيدينا.. ولا يتطلب إلا الاعتراف بأهمية الغابات والأنهار والبحار والأجواء وعمق الأرض، وكل الكائنات، بما فيها الإنسان..

وليس المطلوب اعترافا على الأوراق.. ليس المطلوب اعترافا شكليا، بل عمليا.. في العمق..ويعني التوقف الفوري عن إبادة الكائنات الكبيرة والصغيرة، التي نراها والتي لا نراها، لأن هذه من أساسيات توازن الحياة على الأرض..والتوقف يعني أيضا منع الكيماويات من الوصول إلى الحقول الزراعية، لتمكين الأرض من التنفس والإنتاج الغذائي الطبيعي، أي تمكينها من حياة طبيعية..الحاجة ماسة لفلاحة الأرض بتقنيات أخرى متطورة، وهي موجودة، وبدون أدوية كيماوية.. فالكيماويات تقتل التربة.. تقتل الأغذية.. تنشر أوبئة جديدة بالفرشة الطبيعية، والمياه الجوفية، وفي الأجواء..

انقرضت كائنات من كوكب الأرض، بأسباب متعددة منها السلوك البشري.. وها نحن مقبلون على انقراضات أخرى بسبب سوء تدبير السياسة الكوكبية..وفي الظرف الراهن، تقدم الأدبيات البيئية بدائل لإنعاش كوكبنا، من أجل حياة جديدة تضمن الاستمرار عبر التعايش والسلام..ويجب احترام الفضاء، لأن الأرض نفسها كوكب سابح في الفضاء..ومن هذا الفضاء طبقة الأوزون التي تغربل الأشعة الشمسية لكي تجعلنا نعيش..وأيضا، احترام المدارات حول الأرض وكواكب مجموعتنا الشمسية، لأن تحويل الفضاء الخارجي إلى نفايات تكنولوجية، يشكل خطرا آخر على حياة كوكبنا الأزرق..

ولا داعي للتهرب بذريعة التنمية.. فالطاقة موجودة بشكل دائم.. فالعالم حافل بالطاقة الشمسية، والهوائية، والبحرية، وغيرها من البدائل الممكنة.. ولا مبرر لتلويث الأرض بهذا السباق الجنوني بين الشركات النفطية العملاقة التي لا يهمها إلا الربح، ولو باغتيال الحياة في كوكب الحياة..هناك بدائل لطاقة النفط، ومن ثمة تحقيق التنمية بدون الإساءة..

إن التنمية على حساب السلام، والحق في الحياة، هذه ليست تنمية، وإن كانت فهي تضخيم لبعض الجيوب على حساب الأغلية الساحقة من البشر، وبقية مكونات الحياة الطبيعية..المطلوب إعادة النظر في السياسة الدولية بشأن أمراض العصر التي أصابت كوكب الأرض، وتهدد حياتنا جميعا.. جميعا.. بدون استثناء..وقد انتقلت الكرة الأرضية من مرضها البيولوجي إلى مرض نفساني.. والحالة النفسية في كوكب الحياة ليست متوازنة نفسيا وعقليا وعصبيا.. وهذه الحالة تتسبب في مزيد من المشاعر السلبية والحروب والتلوث والنفايات النووية وغيرها..

إنه تلوث نفساني أصاب مجموع الكرة الأرضية، فتسبب في تصنيع العلاقات على أساس مصالح ذاتية..وساء التواصل بين الجسد والعقل والقلب والروح، ومن ثمة بين علاقات من المفروض أن يكون الضمير الإنساني محورها.. فالإنسان في العمق هو الأساس.. وأية مصلحة لا تحترم الإنسان، كل إنسان، في أي مكان، ليست سوى أداة تلويث نفساني للآخر..إننا بصدد تخريب العلاقات الإنسانية من خلال تدمير علاقاتنا الحميمية مع أمنا الأرض..وسوء التواصل هذا يتطلب العلاج لكي يكون تواصلا إنسانيا، لا مجرد تواصل بين شركات عملاقة تقود العالم إلى المجهول..

العالم بحاجة آنية إلى بناء علاقات دولية على أساس جديد.. أساس اسمه الإنسانية..إنسانية تحمي الكرة الأرضية من وباء نفسي شامل.. وباء هو نوع جديد من أسلحة الدمار الشامل.. وباء هو صدمات نفسية في كل مكان.. في الأرض وفي البشر..ها هو المرض البيولوجي يتقمص اسم المرض النفساني الشامل.. والسبب: غياب الضمير.. غياب الإنسانية..

وبدون إنسانية، تتوتر الأعصاب، ويتوقف العقل، والقلب، والضمير، وبالتالي يحدث ما نحن فيه.. وقد لا يكون فينا من يستطيع غدا أن يتساءل: يا رب ماذا فعلنا بأنفسنا؟

[email protected]

‫تعليقات الزوار

5
  • معلق
    الأربعاء 7 يناير 2015 - 23:12

    مقال في الصميم.اهم مشكلة اطلاقا هي علاقة الانسان بالارض.الانسان جزء من الارض والارض امتداد للانسان باعتباره كائنا حيا يتوقف وجوده على مواد مصدرها الارض.قديما كانت هذه المواد تقتصر على ما هو ضروري للحياة فلم يلحق الانسان اي ضرر بالطبيعة شانه في ذلك شان الحيوان.اما اليوم فلم تعد اي مادة خارج مجال الاستهلاك وبالتالي الملكية الخاصة.واكبر عدو للارض وللانسانية هي الملكية المتوحشة التي لاتنضبط للمثل الاخلاقية اي للقيم التي تحمي الارض والانسان.فوظيفة المثل هي الحد من النهم وشدة الرغبة.الملكية المتوحشة تدمر كل شيء وتحوله الى قيم استهلاكية لاتراعي مصير الانسانية ومستقبل اجيالها .تتعامل مع الطبيعة بانتقائية فتقضي على ما لايقبل الاستهلاك .ومن اجل التوسع اكثر فاكثر تستخدم القوة الدمرة للحياة مع العلم ان الكائنات التي تنقرض تفقد الى الابد.فهي بمثابة كنوز لاتقدر قيمتها الا بعد زوالها.وهكذا فان اكبر خطر يهدد الطبيعة هو الانانية المفرطة وانعدام الوعي بقيمة الطبيعة وقلة التشبع بالقيم التي تحمي الحياة بكافة انواعها.وفي غياب علاج مادي للجشع الانساني لابد للتربية ان تنهض بواجب حماية البيئة معززة بالقانون!

  • فاضل
    الأربعاء 7 يناير 2015 - 23:24

    قال تعالى :(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون . قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين) [سورة الروم: 41:42]. صدق الله العظيم.
    شكرا- أخي ـ على هذا الموضوع الذي يهم الإنسانية جمعاء؛ ولكن الناس عنه غافلون! وكأن هذه الأرض ليست أرضهم!

  • tamourt
    الخميس 8 يناير 2015 - 10:42

    لم تعد رحمة اتجاهك في قلوب العباد
    ما اكتفوا بالإعتداء بل لجوا في العناد
    فلم الصمت على من استحب في الشر لغة التمادي
    فثوري يا أم وقولي لا للفساد

  • marrueccos
    الخميس 8 يناير 2015 - 14:25

    الكل مجمع أن التدهور البيئي سببه الإنسان ؛ وأن النمو مرتبط بالضغط على الموارد الطبيعية ! هذه قناعة تعترف بها الدول الصناعية وتعمل من أجل الخروج من جدلية النمو والتلوث ! الولايات المتحدة لم تعد تختفي وراء ضرورة الضغط على الصين والهند للإلتزام بمعاهدة " كيوطو " كما كان يشترط " بوش الإبن " ! " أوباما " تجاوز هذا الشرط التعجيزي بعد أن أكد علماء البيئة على خطورة إرتفاع درجة الحرارة الناتج عن إنبعاثات ثاني أوكسيد الكاربون ! الصين أيضا تسابق الزمن للخروج من جحيم الإستهلاك المفرط للفحم والنفط ؛ فالعاصمة بيكين أصبح تلوث الهواء فيها لا يطاق ! أوربا في طريق المنع الكلي للغازوال وحدها فرنسا من تسجل تأخرا نتيجة ضغط لوبي صناعة السيارات ! البرازيل إنتقلت إلى الإيتانول ! هذه مؤشرات دالة على نضج البشرية وإستعدادها النفسي على تجاوز مخلفات الثورة الصناعية كما ظهرت في إنجلترا !!! المؤتمر العالمي حول البيئة الذي ستحتضنه باريس 2015 قد يوقع لإتفاق تاريخي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ! تبقى ثغرة هائلة تتجلى في تخلف المؤسسات التعليمية العالمية على مواكبة التحولات الجارية لإنقاذ ما تبقى من تنوع نباتي وحيواني !

  • ghali
    الجمعة 9 يناير 2015 - 11:45

    savent bien que la terre n'a pas brsoin d'aide humainssss sur la terre rien ne se paire le tout se transform. il y a une toure idiale et parfaite t'inquiettent pas la terre rest e infiniment

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 9

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين