كانت السيدة مارية أرملة السيد جاك صاحب معامل النسيج الشهيرة في أمستردام ، تتمنى أن ترى ابنها المدلل والوحيد ستيفان يدخل إلى القفص الذهبي … كانت تريد أن ترى حفيدا لها ، والذي سوف يحمل لقب العائلة الشهير “نيلون”
كانت مارية تتألم كثيرا عندما ترى حياة الضياع التي يعيشها ستيفان ، يظل طوال النهار نائما في غرفته وفي الليل يتسكع بين العلب الليلية حتى الفجر فيأتي به سائقه الخاص و هو في حالة سكر مقززة مارية كانت على يقين أن امرأة هي من يستطيع أن يغير من طريقة حياة ستيفان فكانت تردد دائما القولة المشهورة ” وراء كل رجل عظيم امرأة” و تحكي كيف أنها تزوجت والد ستيفان الذي لم يكن يملك إلا مصنعا صغيرا للنسيج ! أصبح بعد زواجهما يتربع على عرش صناعة النسيج في هولندا و كل العالم !
كانت مارية تحرص أن يرافقها ستيفان إلى الحفلات الراقية التي تقتصر فقط على طبقة النبلاء و البرجوازيين ، ممنية نفسها أن يصادف هناك فتاة يعجب بها فيحبها ، كانت مارية تشعر بنشوة لذيذة وهي تتخيل حفل زواج ستيفان بفتاة من عائلة راقية في أحد القصور ، لكن ستيفان كان يذهب إلى تلك الحفلات الباذخة دون رغبة و كثيرا ما يحاول أن يجد لنفسه عذرا ! وحتى عندما يذهب تجده غالبا ما يتسلل كاللص هاربا من تلك الفضاءات إلى الحانات الرخيصة بشوارع أمستردام الحمراء !
تدخل مارية إلى غرفة ستيفان ، تجدها مظلمة ، تفتح ستائر النوافذ ، فتدخل أشعة الشمس ، ستيفان يدخل رأسه تحت الوسادة
مارية : قم أيها الكسول الساعة تقترب من السادسة !
ستيفان : لا يا ماما ، دعيني أنام
مارية :نحن مدعوون اليوم لحفلة تنكرية في قصر palais sostdijk ، أنسيت ذلك ؟
ستيفان : لا أرجوك ، أشعر بالاكتئاب من هذه الحفلات ، لا أريد أن أذهب
مارية : علي كل مرة أن أذكرك ، أنها فرصتك لتتعرف على رجال الأعمال ، هناك تتم الكثير من الصفقات ، متى ستشعر بالمسؤولية ؟ و تتصرف كرئيس مرشح لمجلس الإدارة لمعامل النسيج ….. علينا أن نكون في الحفلة حوالي الساعة العاشرة
بدا ستيفان كأنه آت من زمن آخر و هو يرتدي ملابس الحفلة التنكرية التي تشبه في تصميمها ملابس العبيد الذين يشتغلون في قصور الطبقة الأستقراطية في القرن السابع عشر ، كانت مارية هي من اختارت ملابس الحفلة التنكرية لتتلاءم مع رمزية القصر الذي يعود تاريخه إلى أواسط القرن السادس عشر
كانت قاعة الحفل تشبه إلى حد كبير مهرجانا للكرنفال ، ظل ستيفان منزويا يجلس إلى طاولة فيها الكثير من النبيذ و المكسرات ، ينتظر أن تنتهي هذه المسرحية المملة فيمر الوقت متثاقلا و بطيئا.
يرفع ستيفان رأسه عن الكأس ، فيلمحها تمر بجانبه ، انبهر بجمالها ، شعر أنها تختلف ، كانت متنكرة في لباس عاملة النظافة ، شعرها الأشقر كالحرير منسدلا إلى الوراء و قد تجاوز كتفيها عيناها لم تكونا زرقاوين بل عسليتين ! آه يا إلهي… كيف لامرأة أن يجتمع فيها ما تفرق في غيرها ! كيف لامرأة أن تختصر كل المسافات بين الشرق و الغرب في وجهها الملائكي ! كيف لامرأة تشعرك بالحر و انت تعيش في عصر جليدي !
شعر و كأنه لا يقف أمام امرأة لكن أمام لوحة اجتمع فيها كل ألوان الطيف ! كأنه أمام سمفونية تُعزف بالبيانو و الناي !
توجه إليها
– مرحبا أنا ستيفان ، ستيفان نيلون
ابتسمت بحياء
– أنا بيترا
– ممكن أن أدعوك لهذه الرقصة بيترا ؟
احمر وجهها، لكنها تابعت سيرها
مارية كانت تراقب عن كثب ، اقتربت من ستيفان و همست له :
إنه الحب من أول نظرة عزيزي ! على ما يبدو دعواتي ودعوات القسيس جوان أتت أكلها أخيرا !
– إنها جميلة جدا ماما ! أتعرفينها ؟
– جمالها ليس غريبا علي … إنها تشبه زوجة الكولونيل رامون ، صوفيا اليونانية ، يقال إن أصولها شرقية ، كانت ملكة جمال اليونان ، هذه الفتاة قد تكون ابنتها ، أو ربما ابنة ليندا زوجة عمدة مدينة روتردام ، فليندا تنتمي لسلالة السلاطين العثمانيين ، لكن دعنا الآن نبحث عنها
تغيب بيترا وسط الأقنعة ، يقترب نهاية الحفل ، بدأ بعض الحاضرين يغادرون ، ستيفان يكاد يصاب بالجنون و هو يبحث و سط الوجوه المقنعة ، يخشى أن لا يراها من جديد فتخرج من احد أبواب القاعة الكثيرة ، تقترح مارية أن ينتظرا خروجها عند الباب الرئيسي الكبير للقصر ، يجلس ستيفان و مارية داخل السيارة ، عيناهما مركزتان على الباب الكبير ، يصل إلى مسمعهما موسقى من داخل القصر On ne vit pas sans se dire adieu
ل Mireille Mathieu يخرج الكولونيل وزجته اليونانية ، لكنها لم تكن معهم ، ليندا ذات الأصول العثمانية تركب سيارتها و يخيب ظنهم مرة أخرى !
لقد غادر الجميع ! ….لم يبق إلا عمال النظافة ..
– من المجموعة القصصية ” أشواق مهاجرة ”
اذا كان الأدب مفاجاة فأنت أديب تسقط الطاءرة بعيدا عن الحديقة
قصصك ممتعة ومتنوعة ولا نعرف خاتمتها الا في اخر سطر .