الحركات الجهادية الإرهابية أقرب للغرب مما نتصور

الحركات الجهادية الإرهابية أقرب للغرب مما نتصور
الثلاثاء 13 يناير 2015 - 17:41

“الخوف أسوأ الناصحين” مثل هولندي مترجم بتصرف. هذا هو المناخ الذي يسود أوربا وأجزاء أخرى من العالم عقب مذبحة شارلي إيبدو في باريس. الخوف ناجم عن العجز عن تفسير حدث ما ووضعه في سياق يسمح بتوقع ما هو آت بشكل واضح. حين تكثر السيناريوهات وتتعدد التفسيرات، تتوفر البيئة الصالحة للخوف وهو ما سعى وسيسعى إليه الإرهابيون الذين يستهينون بالموت والحياة في ذات الوقت.

على هذه الخلفية ينشغل الكل بتفسير المذبحة ودوافع الذين يقفون خلفها على مستويات متعددة، منها الشخصي، الايديولوجي، الجيوسياسي.. الخ. من هذه المستويات هناك من يقول بأن من يقوم بمثل هذه العمليات الإرهابية هم عبارة عن حفنة من الشباب العاطل الفاشل الأعزل من كل شهادة أو خبرة تؤهله لشغل اي وظيفة محترمة، الباحث عن هوية وعن معنى لحياته.

لدينا في هولندا ومنذ زمن طويل الشريحة التي وصفت بـ ” الأصولية التنويرية” يمثلها مفكرون مثل “بول سخيفر” والسياسي الليبرالي المخضرم “فريتس بولكشتين” والليبرالية من أصول صومالية “عيان حرسي علي” التي ما دأبت تدعو المسلمين للقيام بحركة اصلاح دينية وبسرعة كي ينسجم الاسلام مع مبادئ وقيم القرن الحادي والعشرين.

على مستوى آخر نرى من المحللين من يذهب إلى أن ما حدث هو مظهر من مظاهر السباق بين داعش والقاعدة في خطف الأضواء وتلميع كل تنظيم لنفسه أمام جمهرة أتباع الفكر المتطرف الجهادي. القاعدة ترى أن تنظيم داعش تنظيم طرفي يحارب داخل الاقليم، بينما تنظر لنفسها كتنظيم عالمي له اليد الطويلة التي تطال أمريكا وقلب أوربا وهذا ما ارادت تأكيده بهذه المذبحة.

وعلى مستوى ثالث نرى فريق المحللين الذين يجنحون لاختصار الأمر في صراع الحضارات، الاسلام ضد الغرب. هذه الفكرة لها امتدادها داخل الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوربا التي تصيح الآن: انها الحرب هذا ماقاله خيرت فيلدرز زعيم حزب الحرية اليميني الهولندي وما قالته ماري لوبين في فرنسا وربما قاله قادة يمينيون في بلدان أوربية أخرى.

كي أعثر على تفسير أكثر شمولا وذا منظور أوسع عدت لأرشيفي من مجلة الفلسفة الهولندية لأعثر في عددها لشهر سبتمبر 2006 على مقابلة مدهشة مع المفكر الهولندي الأمريكي “ايان بوروما” Ian Buruma الذي عكف بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر على إعداد ورقة مشتركة مع الفيلسوف الاسرائيلي “أفيشاي مارغليت” والتي صدرت بالفعل في 17 يوليو من العام 2002 بعنوان: Occidentalism المفاجئ في المقالة أنها نسبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر والعقلية التي تقف خلفها، نسبتها الى تقليد الحركات المناهضة الأوربية من لدن مناهضة الاصلاح الديني ومناهضة التنوير، انتهاء بالحركات الشعبوية التي أدت لظهور النازية كحركة مناهضة لدولة المؤسسات الغربية بشكلها المعروف.

ذهب ايان بوروما تحديدا لتشبيه الحركات الجهادية بالرومانتيكية الألمانية. أوجه الشبه هنا عديدة على رأسها كراهية المدينة التي تمثل التخلص من الجذور، والعجرفة والمداهنة. كذلك كراهية كلا التيارين لروح الغرب كما تتبدى في العقلانية والعلمية. اضافة بالطبع لكراهة المدنية بما هي عليه، الطريقة التي يعيش بها المواطن في الدولة الحديثة وما يحيط بحياته من تأمين ومعاش، وهي أشياء تتعارض مع صورة البطل الرومانسي الذي يقدم التضحيات الكبيرة ويربأ بنفسه عن كل مكسب دنيوي. وفي الختام كراهية غير المؤمن، المتمسك بالمادة المكتفي بها، الذي ليست لديه أي مثل عليا، مقابل المؤمن الخالص الذي يمثل النقاء المطلق.

الفرق الوحيد بين الرومانتيكية الألمانية وبين الجهاديين المسليمن أن الأخيرين يذهبون في كراهيتهم للغرب وقيمه لدرجة أبعد تهدف لتدمير الغرب وكل ما هو غربي، وهو ما يحاولونه بمثل العملية الارهابية الأخيرة. يتمنون لو حدثت مواجهة بين المسملين الساكنين في أوربا وبين بقية مكونات المجتمع، وكأنهم يصيحون ذات الصيحة الصادرة من اليمين المتطرف في أوربا: انها الحرب.

الخلاصة أنه ليست ثمة حرب بين الشرق والغرب هنا فكلاهما يتقاسمان ذات تاريخ الأفكار وتدفع حركاتهما المناهضة نفس الديناميات.

– صحفي وناقد فني سوداني مقيم في هولندا

‫تعليقات الزوار

2
  • kitab
    الثلاثاء 13 يناير 2015 - 19:46

    أستاذي الكريم ! أتساءل ؛ وقد يتساءل معي الملايين من المسلمين والمسيحيين واليهود على السواء ؛ أليس هناك مؤسسات قضائية في أروبا والغرب عموما تناهض الإساءة إلى مشاعر الآخرين والإمعان في إلحاق الأذى بها ، وبعبارة أليست هناك قوانين لزجر الإعتداء على الحرمات والمقدسات ؟ وبالتالي أليس هناك قنوات لمقاضاة من يسيء إلى خمس سكان المعمورة 1.4 مليار مسلم ؟!

  • كاره الضلام
    الثلاثاء 13 يناير 2015 - 20:27

    و لكن الالمان يا سيدي لا ياتون الى بلدان المسلمين و يفرضون فيها قناعاتهم،المسلمون من يدهبون اليهم دون مراعاة قيم المستضيف،و المسلم مصاب بمرض عويص هو انه لا يرى سوى نفسه و يعتبر ان الاخرين هم من يجب عليهم التاقلم معه و مطابقة هواه و لو كان هو الضيف، و قد ياتي يوم يفرض عليهم اغلاق المطاعم في رمضان لانها استفزاز لمشاعره الدينية،من حق الغربيين ان يكرهوا من يشاؤون في بلدهم و ليس لاحد ان يحاسبهم بالقيم الانسانية ويتهمهم بالنفاق و خصوصا ان كان من المسلمين،و دلك لان الاسلام لا يعترف بالقيم الانسانية فكيف يحاسب الناس بناء عليها، المسلم الفرنسي الجنسية الدي يدين بالولاء لداعش لا يعرف قيمة المواطنة فكيف له ان يحاسب الناس على قيمة الحرية و حدودها؟هل يعترف المسلم بقيمة التسامح هو الدي يعتبر الاديان محرفة و اتباعها منافقين ؟فكيف يطالب اليوم الغرب بالتسامح؟و مثل الطفل الدي يغمض عينيه لكي لا يراه احد و هو يسرق يغمضون اعينهم عن الحقيقة الجلية و هي ان عدائهم للناس سابق بكثير و هو موجود في النصوص بشكل واضح،و لكن دات المرض يابى الا ان ينسب العيب لغير المسلم و يحتكر العصمة للمسلمين

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة