"أزمة شارلي إبدو" وعلى من تقع المسؤولية؟

"أزمة شارلي إبدو" وعلى من تقع المسؤولية؟
الجمعة 16 يناير 2015 - 19:57

إن جريدة شارلي إبدو الفرنسية، كما جميع الصحافة التي تضامنت مع خطها التحريري، ضربت أسوأ مثال من أمثلة العنصرية الدينية، والتهور، والشطط في استعمال الحقوق القانونية، بإساءتها إلى شريحة عظمى من المؤمنين في العالم، تلك التصرفات التي تضمنت الاستهزاء بالله تعالى وبرسله عليهم الصلاة والسلام، ورسم صورهم، والاستهزاء بمقاديرهم، إنما عكست مدى الانهيار الأخلاقي في أوروبا وفرنسا على الخصوص، وهو انهيار له ما بعده حتما…

إن ذلك الانهيار في الشعور بالآخر، وفي احترام الآخر، ليدل على فراغ روحي عميق، وتشتت أسري واجتماعي فظيع، وتخبط في معايير القيم ووسائل الثبات الإنساني، إذ لا يكتفي بالتعبير عن آراء دفينة، وإيمان معين، حتى يتعدى إلى البحث فيما يعتقده الآخر ويحترمه، والاستهزاء به، وإهانته، ضاربة عرض الحائط قيمة “القيم الدينية” ومكانتها في بناء الأمم والشعوب، وصناعة التاريخ…

إن إصرار تلك الصحف الأوروبية على متابعة ذلك النهج المزري، والانحطاط الأخلاقي والفكري والعقلي، والتمادي في الإهانة بالرغم من خروج مظاهرات رافضة، ورفع دعاوى قضائية، ليعد عدوانا صارخا، يفوق عدوان القتل بمرات، لأنه يقتل الضمير الإنساني، ويقتل اللحمة المجتمعية، ويقتل الاحترام، وثقافة الاحترام بين الناس، ويقتل العزة والشرف في الأمم، وهي معايير وقيم لم تعد تلك الجهات تعرفها ولا تقدرها قدرها…

كما أن البرلمانات الأوروبية التي فشلت في اعتبار المظاهرات المليونية التي خرجت في كل دول أوروبا ودول العالم، بعد صدور تلك الرسومات في الدنمارك وبلجيكا ثم فرنسا، وغيرها، لتدل على أنها برلمانات فقيرة من القيم الإنسانية، مبنية على مصالح مادية سطحية الأفق، لا تعطي للقيم الإنسانية مكانتها اللائقة بها، كما أن النتيجة التي صدرت، والتي وصلت إلى أبشع وأشد ردود الفعل؛ وهي: القتل، لتدل على مرض خطير في المنظومة التشريعية في أوروبا، تنذر بانفكاك مجتمعي وبشري وشيك…

فالمسلمون – وحدهم، وهم أكبر شريحة متدينة في أوروبا، والمعنيون بالأحداث الأخيرة – يشكلون ما يقرب من خمس سكان أوروبا، يعني: نحو مائة وعشرين مليون نسمة، موزعة بين دول أوروبا الشرقية والغربية، وعدم احترام هذه الكتلة الهائلة، إضافة إلى المسيحيين المتدينين، واليهود المتدينين، ليعتبر تغولا، وتجاوزا لا اخلاقيا تمارسه تلك الجهات، كما أنه سلاح بشع، أبشع من السلاح الكيماوي والنووي،تستعمله من أجل اضطهاد شريحة ضخمة من الأمة الأوروبية، واحتقارها، وتكرار إهانتها إمعانا في غيظها، واستفزازها…

وإن البرلمانات التي كان يفترض أنها تمثل الشعوب، وأنها منتخبة، بتفريطها في حماية هذه الكتلة الهائلة؛ لتعبر عن عدم جدواها، وعدم فائدتها في صيانة المجتمع الأوروبي، وأنها يجب ان تراجع نفسها على مستوى الفلسفة والمفاهيم العامة والقيم، فأمة مبنية على عدم الاحترام، وعدم التقدير،وعدم الشعور بالآخر، مبنية على الغرور بالنفس، والإمعان في استغلال السلطة وتسخيرها لمصالح ذاتية ضيقة؛ لهي أمة سرعان ما ستنهار، على وهن أشد من وهن بيت العنكبوت!.

كما أن القضاء الأوروبي الذي لم يأخذ بعين الاعتبار سيل الدعاوى المرفوعة ضد تلك الجرائد، والذي قام بحمايتها تحت شعار خلاب وموهم وهو شعار “حرية التعبير”؛ ليعتبر شريكا في جريمة التردي التي وصلت إليها أوروبا، ولا تنقص جريمته – من ناحية قانونية – عن جريمة القتل التي مارستها تلك المجموعة ضد أفراد جريدة شارلي إبدو، وأول ضحية لذلك القضاء؛ هو أولئك المقتولين من صحفيي الجريدة، ومن المهاجمين على حد سواء، لأن القضاء لم يحم الطرفين عن طريق الحسم في الشكاوى المرفوعة، وتقدير خطورة الموقف الذي يمكن أن ينفجر في أية لحظة من اللحظات…

أما رجال السياسة، فهم الشياطين التي أشعلت نار الفرقة والاختلاف، وذكت الشعور بالكراهية المتبادل، وألجمت الدوائر التشريعية من سن قوانين ضابطة لحرية التعبير، ومن ثمة ألجمت القضاء الذي يتحجج بالفراغ التشريعي في هذا المجال، وكل هذا يشير إلى ما ابتدأت به المقال من الفراغ الأخلاقي وعدم احترام الآخر، والطغيان الاستبدادي والعنصري الذي يغزو المنظومة الأوروبية…وطبقا لما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ؛ فإن هذه الحالة الهلامية لا بد وأن ستنتهي، ولا بد بأن تنهار أمام منظومة أخلاقية ستجد مكانتها في ذلك المجتمع إن عاجلا أو آجلا، إن بإرادة جماعية للتغيير والإصلاح، أو بانهيار عام لن تقوم بعده إلا بعد قرون مظلمة تعانيها المجتمعات الأوروبية كما عانتها منذ قرون…

‫تعليقات الزوار

5
  • boualitahmed
    السبت 17 يناير 2015 - 13:03

    بالفعل اخي حمزة اوربا عموما وفرنسا تحديدا فقدت بوصلة القيم الرشيدة التي تقود الى التوازن العقلي والعاطفي الذي يحترم التوابث الروحية للامم والشعوب والانكى من ذلك كله تطاولها على الانبياء بدعوى حرية التعبير …حان الوقت لاوربا ان تكف عن غيها واستكبارها وبالمقابل تنصت لصوت العقلاء من ابنائهاوالعقلاء اينما كانوا الذين يدعونها الى احترام قيم ومقدسات الاخرين.

  • راي
    السبت 17 يناير 2015 - 20:18

    فعلا السبب الرئيسي في ما حدث في فرنسا تتحمل العدالة النصيب الاكبر منه.ما كانت هذه الاحداث لتقع لو وجدت عدالة منصفة وغير منحازة.التدرع بحرية التعبير ليس بمبرر مقنع.لان الحرية هي قبل كل شيء اطار يمكن التحكم فيه وتنظيمه بحدود لاتقبل التجاوز اذا كان يشكل خطرا محتملا.فرنسا لم تعد ثقافة واحدة ووحيدة بل اصبحت تضم ثقافات متعددة .الفضل فعلا يعود الى الحرية .فليس هناك ما يفرض تقيد الجميع بمنظومة اخلاقية وحيدة في ظل مجتمع علماني يقوم على مبدا التسامح والتعارف والاعتراف المتبادل.فالتعدد الثقافي قد لايخلو من تنابذات ومناوشات لان كل طرف يحسب انه صاحب الحقيقة ويرى في مرجعيته النموذج المثالي.وعند ضعف او انعدام حكم نزيه يحول دون بلوغ التدافع حدا يؤدي الى توليد العنف المادي قد ينشب هذا العنف.لا بد من توقع وجود بعض من يبالغ في التطرف من هنا وهناك ومن ان ذلك قد تترتب عنه عواقب وخيمة قد تهدد التماسك الاجتماعي.واذا لم يتخذ الفرنسيون العبرة من هذا الدرس فان موجات العداء والتفرقة ستزداد قوة ويكون الخاسر الاكبر هو مبادئ الثورة الفرنسية.فقد تكون للسياسة والمصالح يد ولكنها ستنكسر اذا تجاوزت حدود التعقل والمعقول!

  • المكناسي
    السبت 17 يناير 2015 - 20:19

    مشاركة بعثت بها إلى موقع : Le point الفرنسية لكن مع الأسف لم يتم اعتباره؛ وهو كاتلتالي:
    On parle de « liberté d‘expression » c’est vital ; il est vrai. Mais quelle liberté d’expression on veut nous faire comprendre et accepter ? On nous insulte : c’est la liberté d’expression ! On nous humilie : c’est la liberté d’expression ! On porte atteinte à celui qui nous est le plus cher : c’est la liberté d’expression ! Une des chartes de l’ONU décrète : « à chacun de choisir sa religion ». Pourquoi ne veut-on pas nous laisser choisir notre religion à nous ? Aucun au monde ne peut porter atteinte à MOHAMED ; qu’on le veuille ou non il est le messager d’ALLAH notre DIEU, nous musulmans. Ces sales gribouillis dont on veut salir notre prophète ne sont – et ne resteront- que l’image et la preuve de la saleté de l’esprit de celui qui tente de nous faire comprendre ses idioties.

  • كاره الضلام
    الأحد 18 يناير 2015 - 00:08

    يسوق المنافحون عن الارهاب مغالطات لتجنب التنديد به،يقولون ان الاساءة الى اليهود ممنوعة في فرنسا و يستشهدون بالكوميدي ديودوني،بينما ديودوني يشتم اليهود كعرق لا نجد من يفعل دلك بالمسلمين،اعطونا كوميديا فرنسيا وصف كل المسلمين بالارهاب مثلا و لم يستدع الى الشرطة،الم يطرد اريك زمور من عمله لانه تكلم بسلبية عن المسلمين؟زمور لم يقل انه نتنياهو كما قال ديودوني انه كوليبالي قاتل اليهود،هل فهمتم الفرق؟ثم ادا كانت اللوبي اليهودي متحكما في فرنسا فكيف صوت برلمانها لصالح الدولة الفلسطينية؟و الاهم هو ان ديودوني يشتم المسلمين بشكل اعنف و يسخر من القرآن في احد عروضه مع أيلي سمون،و لو ان مسلما راى أهانة ديودوني للمسلمين سيظل يعشقه لان كره الاسلامي لليهود اكبر من حبه لنفسه،لو جئت مسلما فقيرا و قلت له:واش نبني ليك قصر و لا نقتل شي يهودي؟ سيقول لك اقتل اليهودي
    المنافحون عن الارهاب اختبؤوا وراء شعار انا شارلي و رددوا انهم مع غزة و فلسطين و جائتهم الصدمة من غزة نفسها التي خرجت تقول انا شارلي ،نرجسيتهم و انانيتهم تقول من واجب فرنسا التصويت لصالحنا من اجل الانسانية و من حقنا نحن مهاجمتها من اجل الاسلام

  • etrehomme2013
    الأحد 18 يناير 2015 - 13:12

    محاكمة
    1- أمانة الصحافية إذ يلزم النزاهة و الحياد في نقل الخبر مع حرية في التعبير و أسلوب تقديمه و لكن ليس بتزويره
    2- دفتر تحملاتها حيث تدعي أنها تقصد إضحاك الناس بينما تسهر على بكائهم
    3- إحداث الفتنة بين أبناء البلد الواحد بالخبر الكاذب مع تعريض الأنفس للهلاك و عمد بالإضرار بالناس و بنيتهم المعنوية والجسمية
    4- تنال من أعراض لأن الإنسان ذو تركبة مادية (جسم) و معنوية مقرون بالقيم من بينه احترام حرمة الآخر باحترام ذاته الوجودية ماديا و معنويا
    5- كون الجريدة تسببت في الفتنة بين بني البلد أنها قامت بالتحريض ضد الغير من خلال قناع الفكاهة و الصحافة مما جعل الرد على التحريض ما صُور أنه وقع الموت ؛ متورطة في التحريض على القتل و العمد في ارتكاب الفعل الجرمي من الغير بعتباره دفاع عن النفس لأن الدفاع عن الحرمة هو أصل الدفاع عن النفس
    7- وازعها الجرمي المال لعجزها القبلي و مس مبادئ الحرية و الأخوة و المساوات مجتمعة و مقرونة لا يمكن تجزيئها حماية الدم و العرض
    عهد الأخوة جعلت بنو البلد أعداء ؛ المساوات إذ المس بحرمة الغير مباح في حين حرصو على حرمتهم؛ الحرية لأن حرية المرء مقرونة بحرية الأغيار.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين