صور من باريس ما قبل وبعد شارلي

صور من باريس ما قبل وبعد شارلي
الخميس 29 يناير 2015 - 12:55

وأنت تعبر فضاءات المطارات ومحطات القطار والميترو، أو تتجول في شوارع باريس وفضاءاتها ، في بهو الفندق أو على كونتوار المقهى، تستقل البيس أو ترتاد المساحات التجارية الكبرى، تنتظر دورك في الصفوف أو تمشي على الأرصفة وتلج المتاجر أو المطاعم …ينتابك الإحساس بأن شيئا ما حصل، تحس بتغير الناس والأحوال واضطراب الوجوه والابتسامات، فلم تعد هي باريس التي أعرفها وأشياء كثيرة حصلت. نظرات توجس يحدوها الكثير من الحذر المتبادل وحركات الناس التي لم تعد عفوية وواثقة، سواء الفرنسيين والفرنسيات أو ذوي الأصول والألوان والملامح الأخرى المختلفة الذين يعج بهم المشهد الباريسي المختلط.

يبدو الوضع مختلفا بين جنبات وأروقة متحف الفن المعاصر حيث يسود اطمئنان أكثر، وكأن ولوج المتاحف في حد ذاته انتقاء واصطفاء، وتقاسم فضاء الإبداع الجمالي والنظر المشترك إلى اللوحات والتثبيتات والمنحوتات والفوتوغرافيات…يقرب أكثر بين البشر وينسي الجميع ولو للحظات اختلافاتهم التي حولها العنف المتبادل إلى صراع خفي وحذر وتوجس صامت. فالفن قادر على تبديد القبح البشري وانتزاع مزيد من الاطمئنان والبسمات والاحترام المتبادل من بين تقاسيم الوجوه والعيون والألسن المختلفة، ولو للحظات.

لا أدري إن كان التوجس والحذر سيستمر في بسط غيمته التي تعكر أجواء باريس وأنوارها المألوفة، أم أن منطق التاريخ والأشياء يكون دائما أقوى من صراع المعتقدات والإيديولوجيات والمصالح وردود وتصرفات الأشخاص والجماعات، حيث ينتصر العقل والاختلاف والتعايش والحب والتقدير الإنساني على الاستغلال والاستغباء والازدراء والهمجية والكراهية؟

أتذكر مشاهد سابقة تجعلني مطمئنا للمستقبل. اندهشت وأنا أتابع مند عدة سنوات كيف هرولتا امرأتان مسنتان فرنسيتان على الرصيف وسط باريس وتذرعن بولوج متجر هربا بعد أن أسأن الضن بشخص ذو ملامح عربية-إسلامية يعبر الشارع فجأة في اتجاههن، ولم يطمئن إلا بعد انصرافه من المشهد!

أتذكر كيف فقد أستاذ باحث فرنسي بمعهد تربوي عالي صوابه ولم يعد يمتلك نفسه بعد نقاش عميق بيننا حول مواضيع عديدة منها وضعية الفن في فرنسا، والمركزية الغربية والاختلاف الثقافي…، بعد أن كان يعتقد نفسه وثقافته مركز العالم، وبقية البلدان مجرد براري وشمال إفريقيا صحراء قاحلة.

أتذكر كيف انزعج جزائريون عندما ولجت دريكستور خاص بهم، ولم يهدأ لهم بال فكلفوا امرأة بالقيام بكل المحاولات الممكنة لتعرف أصولي وجنسيتي…، سألتني: Tu es Arabe ?، أجبت: Non je suis Amazigh، حوار انتهى بمغادرتي، مغادرة كيتو عربي في اتجاه باريس الفسيحة!

أتذكر كيف أحسست بغربة كبيرة رفقة صديق فرنسي ونحن نتجول في إحدى المدن الصغرى بجبال الأرديش حيث مقر عمله، وبعد كل تلك النظرات والحركات غير المألوفة التي تنم عن توجس من طرف العابرين والناظرين وحتى معارفه، اكتشفت فيما بعد أننا نتجول في إحدى معاقل جون ماري لوبين الأولى وبلدياته التي يجتاحها بنسبة أصوات مهولة!

على نقيض هذه المشاهد السلبية والعابرة، تحتفظ ذاكرتي وتنتعش أكثر بالعديد من الصور واللحظات الجميلة التي تقاسمتها ولا أزال مع الفرنسيين. أتذكر منها الآن كيف تقدمت مني شابة فرنسية ذات شتاء وتقاسمت معي حجم مظلتها بعد تهاطل المطر ونحن ننتظر دورنا في صف طويل أمام مدخل متحف جورج بومبيدو، وبعد التعارف وتبادل أطراف الحديث والتقدم في النقاش أصرت على أن تهديني رواية L’âge de raison لجون بول سارتر التي كانت تحملها في يدها.

أتذكر العديد من اللقاءات والنقاشات الثقافية التي جمعتني بالفرنسيات والفرنسيين خلال ندواتي الثقافية وافتتاح معارضي التشكيلية وعروضي البيداغوجية بباريس ومونبوليي وكرونوبل ورومونس وفالونس وبريفا… أتذكر لحظات مهمة جمعتني صدفة بالعديد منهم على متن القطارات وفي محطات المترو وفي فضاءات المقاهي والمتاحف والمسارح والمعاهد الجامعية…والتي كانت تذوب فيها اختلافاتنا ومعتقداتنا وأصولنا…أمام منطق التبادل الثقافي والمعرفي والإنساني.

أتذكر صورة أصحاب لحي بملامح صارمة وإصرار على المشاركة، يحملون كيسا كبيرا لجمع التبرعات في مدخل مسجد كبير بضواحي باريس يوم الجمعة، وعندما استفسرت أحد أقاربي الذي دعاني وكان برفقتي أكد لي أن المشهد يتكرر مند عدة سنوات وآلاف الفرنك كانت تجمع حينها كل أسبوع، وفي جناح النساء يتبرعن حتى بحليهن، لكن وجهة كل تلك الأكياس المملوءة من المال والحلي تبقى مجهولة!

تأكدت مما كان يؤكده العديد من الأصدقاء، الفضاءات الوحيدة التي يغيب فيها الحوار ويضخم فيها الخلاف والأحكام المطلقة في فرنسا وغيرها من دول أوروبا هي بعض المساجد والكنائس والكيتوهات المعزولة، وبعض المتخيلات والخطابات الدينية والإعلامية والسياسية…الضيقة والمنغلقة.

فباريس تتسع للجميع، وكل مدن وقرى ودول وقارات العالم تتسع لنا جميعنا، لكن أيادي خفية عليا وظاهرة تحرك دمى الشر المتبادل لإثارة الكراهية.المؤكد أن الناس يعرفون بعضهم البعض، وجلهم يقدرون اختلافهم المتبادل، جلنا مطلع على ثقافتهم ويقدر عطاءهم الإنساني والحضاري، وجلهم يقدرون قيمة ثقافتنا واختلافنا، والكثيرون منهم يعرفون الإسلام ويحترمونه أكثر من بعضنا، من بعض جهلائنا.

‫تعليقات الزوار

8
  • لشهب
    الخميس 29 يناير 2015 - 16:54

    تتنكر ﻻصلك من اجل ان يرضوا عليك ايها المستعرب من اجل مادا فنحن الدين نعيش في فرنسا ونعرف الفرنسيون اكتر منك تبيع دينك ونسبك واصلك من اجل $.والله نحن في فرنسا نعتز بعروبتنا وبتقافتنا .

  • ايت صالح
    الخميس 29 يناير 2015 - 17:50

    في المقال … أشياء مخيبة للآمال لا تليق بمقام مثقف مغربي أو كما يحلو لك ذالك أسي رشيد …. أمازيغي … ما دام أن ..مغربي؛ مغاربة توصيف من اختراع المشارقة … ( علينا ان نطالب شباط الذي يهيم فينا حبا هذه الايام بتقديم اقتراح الى نواب الأمة بتغيير اسم بلدنا وإحلال اسم " تمزغا" مكان " المغرب" … حتى يكون لكل سائل عنا جوابه " نحن من تمزغا " ومن … الجنون … فنون …
    أما المخيب للآمال .. فأن يساهم مثقف في تضبيب الصورة لواقع ما … مثل أي سياسي شعبوي لا يهمه رسم الاشياء في موضوعيتها … بقدر ما يهمه حشر الاصوات الى جانبه .. لست من اصحاب اللحي ولا من مرتادي المساجد .. لكن من النزاهة أن نقول 1/ جمع المال لبناء المساجد عمل لا يعاقب عليه القانون 2/ في فرنسا بناء المسجد موكول للمسلمين لا للدولة .. فهل في جعبتك طريقة أخرى لجمع المال 3/ مصير الاموال المجموعة … تتدخل الدولة بقضاءها اذا صرفت في غير وجهتها. 4/ عرف أجدادنا بقول " المعقول" فاحفظوا لنا هذه القيمة حتى مع أولئك الذين قد " لا نحبهم"

    انشري يا هسبريس … .. نشرك الله في مشارق الارض ومغاربها …

  • محمد
    الخميس 29 يناير 2015 - 21:06

    صحيح لم يتغير الشيئ الكثير سوى الاعلام هذه الايام

    والاعلام يعكس انشغالات السياسة

    والسياسة منكبة على ورش الهجرة المستعصي بسلبياته على مسالة الهوية وبمشاكلها العالقة منذ عقود

    كل هذا مادامت اسعار البترول في تراجع مايعطي الاولوية لتسريع الحسم في كل هذه الامور

    الهجرة والاندماج وكذا الهوية ثم المواطنة

  • Kant Khwanji
    الخميس 29 يناير 2015 - 22:29

    دائما نقرأ تعاليق تقتل المنطق بكل منطق، "الإسلام دين سلم و سلام"!
    فهل جحافل الجيوش التي اجتاحت العراق والشام و فارس ومصر وشمال أفريقيا والأندلس وبواتيي الفرنسية، كانت في مهمة إنسانية لنشر السلم و السلام أم من أجل: زكاة، جزية، نهب كلي، سبي، رقيق؟
    أينهم من :"ولو شاء ربك لآمن كل من في الأرض"
    لكن لما نفتح صفحات " الكتاب والسنة"، و كتب السيرة، نجد أهوالا تشيب لها رؤوس الأطفال، ودعوات للقتل بدم بارد وبكل حزم!
    "اقرأ":
    قطع الرؤوس:
    "فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق"-محمد

    قتل الأسرى:
    "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض" -الأنفال

    التمثيل بالجثث:
    إبن مسعود يقطع رأس ابي الحكم ويجعل خيطا في أذنه ويجر الرأس
    روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: «أن ناسا، اجتووا في المدينة فأمرهم النبي (ص) أن يلحقوا براعيه ـ يعني الإبل ـ فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فلحقوا براعيه فشربوا من ألبانها وأبوالها، حتى صلحت أبدانهم فقتلوا الراعي وساقوا الإبل، فبلغ النبي (ص) فبعث في طلبهم، فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم»
    القرضاوي:"إسلام عربي وعروبة إسلامية"

  • freak latinos
    الجمعة 30 يناير 2015 - 00:48

    هدا الدليل الدي قلناه مرارا لا فرق بين بربري و عربي لا يمكن لاي واحد ان يفرق بين العرب و البربر كلهم واحد لان اصلهم من اليمن لا يمكن لاي اجنبي ان يميز بين بربري مغربي و خليجي نفس الملامح نفس الشكل نفس العقلية نفس المشي المختلفون هم سكان الشمال حيث يجد صعوبة في التفريق بينهم هل اسبان او لاتينوس لان اصولهم من الاندلس اما الباقي كله عربي واختلط مع العرب كفى نزاعات فارغة قال امازيغي قال عربي

    المرجو من هسبريس النشر لاجل الراي الاخر

  • Hicham UK
    الجمعة 30 يناير 2015 - 11:10

    من حقه ان يتشبث بهويته الامازيغية و احترم كل من يفعل ذلك و لكن ليس من حقه ان يوهم الاخر بان الامازيغ لا دخل لهم بنزول سمعة المسلمين و العرب باروبا الى هذه الدرجة. عيب كل العيب على من يدعي انه مثقف ان يقوم بخداع القارئ و هو يعلم علم اليقين ان الاوروبيين يحسبون و ينادون كل من هو قادم من شمال افريقيا بالعربي مع العلم و بالدليل القاطع ان الاغلبية الساحقة هم امازيغ بل و منهم من لا يتكلم العربية اطلاقا.

  • said abdou
    الجمعة 30 يناير 2015 - 18:03

    Vivre en France, Arab or Amazigh, Tu es toujours considere coupable jusqua ce que tu prouve que tu es innocent. et c'est ca le resume de ton essay. Good luck to you. you got the rest of your life to prouve your innocense. N'oublie pas se sont les francais qui nous ont appeles barbare, plutot berberes pour etre un peut gentille.

  • الرياحي
    الجمعة 30 يناير 2015 - 20:58

    لسبب بسيط معرفتك لفرنسا سطحية لأنك تلتقي فقط بمثقفين او جزء منهم ولم تشتغل عند مزارع او في مصنع لكي تقف على الحقيقة.ما تسوقه موجود في السوق منذ زمان.كيف لم تتعرف عليك المرأة وانت الامازيغي ..عجب …

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة