نقاش مع حامي الدين

نقاش مع حامي الدين
الإثنين 2 فبراير 2015 - 01:10

نقاش مع حامي الدين حول “ثلاث سنوات من عمر حكومة الربيع في المغرب”

تحت عنوان “ثلاث سنوات من عمر حكومة الربيع في المغرب” كتب الأستاذ عبد العلي حامي الدين في عدد يوم 29 يناير 2015 من صحيفة “القدس العربي” مقالا يدافع فيه عن حصيلة ثلاث سنوات من وجود حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة المغربية، وينتصر للاختيار والتجربة والانجازات، وقد صدّره بالقول بأن “المؤشرات الأولية لتقييم الحصيلة تبقى إيجابية”، وختمه بالتأكيد على أن “المغرب بات ينعم بالاستقرار السياسي الذي يعد بمستقبل أفضل”.

ولأنه يعي جيدا بأن مقاله يدخل ـ أولا وأخيرا ـ في باب الدفاع عن تجربة حزبه على رأس الحكومة، ولأنه يدري بأنه من الصعب إقناع المتتبعين بما سيقوله، بادر إلى الاعتراف ـ ومنذ الوهلة الأولى ـ بأن التجربة لازالت في بدايتها، وألحَّ على ضرورة منحها الوقت الكافي قبل الحكم النهائي عليها، وبشّر المغاربة بأن “المستقبل يعد بنتائج في غاية الأهمية”.

1

لا أدري كيف طاوعت نفس الأستاذ حامي الدين على أن يصف الحكومة التي “يشارك” فيها حزبه بـ”حكومة الربيع” ـ طبعا الإحالة هنا على ما جرى في حراك 20 فبراير، التي تأثرت بما وقع في بلاد عربية أخرى ـ والكل يعرف أن حزب العدالة والتنمية قدم نفسه حينها بديلا سهلا ومطواعا عن حراك الشارع حينما كانت الأرض تغلي وتهتز تحت أرجل الحاكمين في كل البلاد العربية، قدم نفسه حَمَلا وديعا لأطراف حمّلته سابقا مسؤولية العنف الذي جرى في 16 ماي، وكانت بصدد الإعداد لحله.

لقد تعامل الحزب مع اللحظة وكأنها فرصة تاريخية لا يمكن تفويتها، ولكن المراقب لم ير فيها سوى اختيار الضعيف الذي ما صدق أن تتاح له فرصة الانتقال من طرف مغضوب عليه إلى طرف يُخطب وده ليكون “شريكا مؤقتا” في انتظار أن ينجلي غبار الحراك.

لقد انبرى الحزب لتصدر مشهد سياسي مركب ومتأزم دون أن يكون مستعدا لذلك.

نحن الآن في لحظة كتابة التاريخ، ولا يصح أبدا أن نحاول ليّ عنق الوقائع والأحداث كي تتناسب مع اختياراتنا؛ فالحراك الشعبي في 20 فبراير كان يملك من المقومات ما يكفي، ليس لإسقاط النظام، فهذا لم يقل به أحد، وإنما كي يضغط على الحاكمين “للتنازل” على مكتسباتهم “اللاشعبية”، وإرغامهم على احترام العمل السياسي والفاعلين فيه، وتقديم خطوات حقيقية في اتجاه بناء دولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية، لكن الحزب ـ للأسف ـ كان من جُملة العناصر التي ساهمت في وأده.

2

من خلال هذا المقال وكذا تصريحات أخرى لوزراء وشخصيات محسوبة على الحزب يبدو أن الأولوية القصوى تُعطى الآن أثناء أي تفكير أو تخطيط داخل الحزب لـ”إنجاح العلاقة مع القصر وتجاوز العديد من محاولات الوقيعة بين القصر والحكومة، وتحديدا بين العدالة والتنمية والملك”. وفي سبيل ذلك لم يتورع الحزب على اتخاذ قرارات اجتماعية لا شعبية لم يجرؤ أي حزب في تاريخ السياسة المغربية على اتخاذها؛ من أجل إعادة تحقيق توازنات ليس للمواطن البسيط أي يد في خلخلتها. والغريب أن الأستاذ عبد الإله بنكيران يعتبر ذلك مفخرة ومكرمة، وهذا ما سيؤدي بالحزب في المنظور القريب إلى التَّموقُع ـ طوعا أو كرها ـ ضمن جوقة الأحزاب الأليفة في خدمة النظام السياسي الحاكم (المخزن) لأنه سيكون قد حرق كل سفن العودة.

وفي مقابل هذا الحرص من جهة الحزب على إنجاح هذه العلاقة يُطرح السؤال التالي: هل القصر منشغل بنفس الأولوية؛ أي العمل على إنجاح تجربة وجود جزء من الإسلاميين في الحكومة؟

3

يعترف الأستاذ حامي الدين وكل قيادات “العدالة والتنمية” ـ ويبدو بأن هذا الأمر يدخل في إطار “وحدة التصور” ـ على أن حزبه لا يحكم، بل يشارك في تدبير الشأن العام فقط؛ فالحاكم هو الملك، من أجل ذلك يعمل رئيس الحكومة كل جهده ـ بما في ذلك التنازل على اختصاصاته التي كفلها الدستور لصالح الملك ـ لتبديد أي سوء فهم بين الحزب والملكية، وتطمين الملك أن الحزب لا يطمح لمنافسته في الحكم أو مشاركته السلطة “فمن يريد ذلك فليبحث عن رئيس حكومة آخر” كما عبر الأستاذ بنكيران.

4

يُرجع الأستاذ حامي الدين “نجاح” حزبه في تصدُّر الانتخابات السابقة إلى “تراجع الحماس للخطابات الإيديولوجية” والتي يصفها بالعقيمة، ويؤكد أن الجماهير باتت “تتعطش للأحزاب التي تتوفر على صفات الجدية والمعقولية والنزاهة وخدمة الصالح العام”. ولكنه أول من يعرف أن المغاربة طول تاريخهم، وبشهادة الجميع، لم تبرز اختياراتهم الحقيقية جراء إفساد الانتخابات بالمال والتزوير، وبسبب تفشي الأمية لا يدركون معنى لـ”الخطابات الإيديولوجية”، وإلا فليدلني على انتخابات فاز فيها حزب بسبب هذا الخطاب؟

إن من صوت لصالح “العدالة والتنمية” لم يفعل ذلك لأنه جدّيّ ومعقول ونزيه وخدوم للصالح العام؛ فالتجربة لم تكن قد محَّصته بعد، بل اختاروه لأحد أمرين: لإيديولوجيته الإسلامية، أو ليجربوا غير المجرب.

أما الهجوم على “الخطاب الإيديولوجي” ووصفه بالعقيم فهذا ليس في صالح السياسة ولا العمل السياسي؛ فالإيديولوجية في العمل السياسي مطلوبة ومرغوبة ومحببة.

هذه الإيديولوجية ـ وهي هنا إسلامية ـ قضى الأستاذ عبد الإله بنكيران ردحا طويلا من عمره يشتغل من داخلها ويدافع عنها ويقدم نفسه باعتباره من المؤسسين لها في المغرب، جاء عليه الوقت، وبعد أن أصبح رئيسا للحكومة، لكي يتبرأ منها ويؤكد على أنه “مسلم وليس إسلاميا”.

5

يشير الأستاذ حامي الدين إلى أن السياسة التواصلية الفعالة لرئيس الحكومة كانت وراء نجاح البلاد في بناء منسوب هام من الثقة بين المواطن والدولة، وشاهده على ذلك أن الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية تراجعت، الأمر الذي جعل المغرب يعيش حالة من الاستقرار الذي يعد بمستقبل أفضل.

والذي لم ينتبه إليه الأستاذ حامي الدين أن بناء الثقة بين المواطن والدولة لا يكون بـ”سياسة تواصلية” مهما كانت حكمتها وفعاليتها، لأن الأمر قد ينطلي على المواطن لمدة قصيرة، ولكنه سرعان ما سيكتشف أنه كان ضحية “الكلامولوجيا”، والخطورة تكون أكبر إذا كان الاكتشاف عن طريق الصدمة؛ فالمأساة ستكون مضاعفة.

طبعا نحن نعرف أن الحزب يمتلك تقارير ميدانية تدق ناقوس الخطر حول تدني شعبيته ومقبوليته في أوساط البسطاء؛ لأنه لحد الآن لم يتخذ أي قرار حقيقي لصالحهم، بل إن أغلب الاختيارات كانت مبنية أساسا على المزيد من الشَّفْط لجيوبهم، أما “التماسيح والعفاريت” فتأكد منذ البداية أنهم أكبر من قدرة الحزب على المس بمصالحهم، من أجل ذلك اختار السيد عبد الإله بنكيران المنطق الأسهل، وذلك برفعه لشعار: “عفا الله عما سلف”، الذي عبر بشكل جلي عن عدم قدرته، بل قل عن عدم رغبته أصلا في مواجهتهم، ولكنه غلف القرار بالرغبة في الحفاظ على “التوازنات الكبرى للبلاد” أولا و تطمينا لهم ثانيا حتى لا يهرب رأس المال الوطني الذي نحن في أمس الحاجة إليه.

6

أما تراجع الاحتجاجات في المغرب فيحكمها منطق أكبر بكثير من بلوغ حزب كان في المعارضة للمشاركة في إدارة الإدارات، أو عمله على تغيير الترسانة القانونية التي يعلم جيدا صعوبة تنزيلها مهما كانت دقيقة، أو قدرته الخطابية والتطمينية؛ فالأمر مرتبط بفاعلين كثر وطنيين وربما عالميين، وبظروف حكمت المنطقة العربية برمّتها.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

9
  • كاره الجراد الادمي
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 07:51

    حا مي الدين اخر من يدافع عن الديمقراطية والكل يعرف ان الخطاب الشعبوي كشف بالملموس عن ثقافة حزبية ضحلة لدى السياسيين المغاربة .ان وجود 36حزب ولنقل دكاكين مقفلة /الوردة الجمل الفتاشة الخرشف والتراكتور والطاحونة……والميزان غير قادرة على خلق مواطنة سياسية يعي فيها ا لمغر بي تموقعه في المشهد السياسي الهلامي ;اما الفتاشة فيظهر انها غير قادرة على انارة النفق لخطوتين لكون قا ئدها ملكي اكثر من الملك

  • رضا
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 09:44

    الحمد لله على نعمة الإستقرار في بلادنا، فنرى كيف يعيش جيراننا من مشاكل لم تنته بعد خصوصا بعض الدول الذي شهدت حراكا شعبيا للتغيير، ولم يستتب الأمن فيها لحد الآن كليبيا ومصر واليمن وسوريا فالوضع السياسي والأمني في هذه الأوطان مخجل ومخيف ويتجه إلى الأسوأ، إلا إذا استثنينا تونس التي شهدت انتخابات وتداول السلطة بطريقة ديموقراطية ونزيهة،

  • brika
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 11:12

    ان مواقف الحزب تعتبر اجتهاد في اطار المرجعية الاسلا مية التي تدعوا الى التعاون وعدم التنازع …. وهو اجتهاد جنب البلد الفتن والمغامرة بمستقبله في طريق مجهول.اما من تبنى شعار اسقاط النظام فلم ينجح في هذا الطريق لعدة عوامل منها ان الشعب اختار الاصلاح في اطار الاستقرار…..

  • fatima
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 12:17

    حزب العدالة والتنمية أنقذ المغرب ولا زال يعمل بجد واخلاص ونظافة بد.
    ارونا بديلكم في الميدان والا كفی من السفسطة والديماغوجية.
    اما حامي الدين فهو رجل موضوعي بشهادة الجميع ورجل ذو مصداقية ولا يتكلم الا بعلم.

  • محمد أيوب
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 17:47

    الحقيقة:
    "..فالحاكم هو الملك.."..هنا عند هاتين الكلمتين وقفت شهرزاد عن الكلام وانتهت القصة برمتها..كون الملك هو الذي يحكم فهو حقيقة الواقع وواقع الحقيقة ببلدنا..يبقى أن مجموع الوزراء وساكنو"البا رلمان"وغيرهم من المسؤولين مجرد أداة لتنفيذ ارادة الحاكم الذي بامكانه اعفاء والرضى عمن أراد..اذن ما دور هذه المؤسسات التي يتشدق بوجودها اعلامنا يوميا؟مجرد مسرحية لا أقل ولا أكثر..اذا كان الملك هو الحاكم الفعلي فأين الخلل اذن؟كون الملك هو الحاكم الفعلي فذلك يرضي أغلب الشعب لأن هذا الأخير لا يثق الا في الملك الذي يجد نفسه مضطرا لاخراص الأبواق الحزبية من مختلف المشارب عبر اسناد بعض المسؤوليات اليها..أما حزب المصباح فهو مجرد ديكور آخر أوتي به في ظروف خاصة لامتصاص غضب الشارع الذي جسدته حركة20 فبراير عبر مطالبها بمحاربة الفساد والفاسدين وناهبي المال العام خاصة وأنها رفعت صورا لبعض رجالات المخزن باعتبارهم يمثلون رموزا للفساد واستغلال النفوذ والسلطة..واستباقا لأية تطورات غير متحكم فيها لمطالب الحركة سارع المخزن الى تطويقها واستنزافها بمشاركة أبواقه من مختلف الدكاكين/الأحزاب المرضي عنها..

  • citoyen
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 18:19

    …..تطمين الملك أن الحزب لا يطمح لمنافسته في الحكم أو مشاركته السلطة "فمن يريد ذلك فليبحث عن رئيس حكومة آخر" كما عبر الأستاذ بنكيران.
    c'est du n'importe quoi
    le roi gouverne d'abord mais
    voyons

    le roi determine les grandes lignes de la politique générale et les orientations et c'est l'exécutif qui veille a la mise en applications de orientations avec des étapes 1 2 3 Benkirane et son parti doivent dire ce q'ils ont fait pendant 3 ans
    j'ai lu sur hespress que PJD ne va pas se presenter dans toutes les circonscriptions
    je me rappelle que Benkirane avait dit au debut du mandat que les marocains n'ont pas donne la majorité a son parti alors il peut pas appliquer son programme
    avec la decision de ne pas se presenter ds toutes les circonscriptions c'est devenu absurde
    au maroc il nya pas de politique point c'est tout

  • يوسف التطواني
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 21:33

    مسار طبيعي
    أشكرك الأستاذ المهادي على هذا التحليل القيم و النقاش الهادئ
    أما ما يصرح به الإخوة في حزب العدالة و التنمية فهو منسجم مع مسار خطه الأستاذ بنكيران منذ مدة .

  • رشيد
    الإثنين 2 فبراير 2015 - 23:43

    كلام سطحي جدا لا يستقي من التجربة ومن الواقع إلا ما يؤسس للقول بفشل التجربة الاسلامية في المغرب خصوصا تجربةpjd في حين أن الأدلة المقدمة نفسها قد تحمل تفسيرات مخالفة , عموما رأي يحترم , لكن ليس هو الحقيقة بالضرورة

  • abdellah
    الثلاثاء 3 فبراير 2015 - 13:50

    في ضل دستور 2011 للملك صلاحيات كبيرة وللحكومة هامش مناورة صغير ومن يدعي غير دلك جهلا او تجاهلا فهو لا ينشد الحقيقة . يقول كاتب السطور ان العدالة والتنمية جاءت في ضروف صعبة ويريد منها النتائج الانية فلا اعلم باي لغة يتكلم ثم يدخل في نيات الناخبين الدين هجروا الاحزاب البائدة والمصطنعة لصالح العدالة والتنمية التي يخاطبها على انها حكومة الحزب الواحد وهي حكومة ائتلافية فلم الغالطة

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز